موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم - الآية 185 من سورة آل عمران

سورة آل عمران الآية رقم 185 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 185 من سورة آل عمران عدة تفاسير, سورة آل عمران : عدد الآيات 200 - الصفحة 74 - الجزء 4.

﴿ كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ ﴾
[ آل عمران: 185]


التفسير الميسر

كل نفس لا بدَّ أن تذوق الموت، وبهذا يرجع جميع الخلق إلى ربهم؛ ليحاسبهم. وإنما تُوفَّون أجوركم على أعمالكم وافية غير منقوصة يوم القيامة، فمن أكرمه ربه ونجَّاه من النار وأدخله الجنة فقد نال غاية ما يطلب. وما الحياة الدنيا إلا متعة زائلة، فلا تغترُّوا بها.

تفسير الجلالين

«كل نفس ذائقة الموت وإنما توفَّون أجوركم» جزاء أعمالكم «يوم القيامة فمن زُحزح» بعد «عن النار وأدخل الجنة فقد فاز» نال غاية مطلوبه «وما الحياة الدنيا» أي العيش فيها «إلا متاع الغرور» الباطل يتمتع به قليلا ثم يفنى.

تفسير السعدي

هذه الآية الكريمة فيها التزهيد في الدنيا بفنائها وعدم بقائها، وأنها متاع الغرور، تفتن بزخرفها، وتخدع بغرورها، وتغر بمحاسنها، ثم هي منتقلة، ومنتقل عنها إلى دار القرار، التي توفى فيها النفوس ما عملت في هذه الدار، من خير وشر.
فمن زحزح أي: أخرج، عن النار وأدخل الجنة فقد فاز أي: حصل له الفوز العظيم من العذاب الأليم، والوصول إلى جنات النعيم، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ومفهوم الآية، أن من لم يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فإنه لم يفز، بل قد شقي الشقاء الأبدي، وابتلي بالعذاب السرمدي.
وفي هذه الآية إشارة لطيفة إلى نعيم البرزخ وعذابه، وأن العاملين يجزون فيه بعض الجزاء مما عملوه، ويقدم لهم أنموذج مما أسلفوه، يفهم هذا من قوله: وإنما توفون أجوركم يوم القيامة أي: توفية الأعمال التامة، إنما يكون يوم القيامة، وأما ما دون ذلك فيكون في البرزخ، بل قد يكون قبل ذلك في الدنيا كقوله تعالى: ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر

تفسير البغوي

قوله عز وجل : ( كل نفس ) منفوسة ، ( ذائقة الموت ) وفي الحديث : " لما خلق الله تعالى آدم اشتكت الأرض إلى ربها لما أخذ منها فوعدها أن يرد فيها ما أخذ منها فما من أحد إلا يدفن في التربة التي خلق منها " ، ( وإنما توفون أجوركم ) توفون جزاء أعمالكم ، ( يوم القيامة ) إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، ( فمن زحزح ) نجي وأزيل ، ( عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) ظفر بالنجاة ونجا من الخوف ، ( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) يعني منفعة ومتعة كالفأس والقدر والقصعة ثم تزول ولا تبقى .
وقال الحسن : كخضرة النبات ولعب البنات لا حاصل له .
قال قتادة : هي متاع متروكة يوشك أن تضمحل بأهلها فخذوا من هذا المتاع بطاعة الله ما استطعتم والغرور : الباطل .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أخبرنا محمد بن يحيى ، أخبرنا ابن هارون ، أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " واقرءوا إن شئتم " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون " ( السجدة - 17 ) وإن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها واقرءوا إن شئتم : وظل ممدود ( الواقعة - 30 ) ولموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما عليها واقرءوا إن شئتم ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) .

تفسير الوسيط

ثم بين - سبحانه - أن مرد الخلق جميعا إلى الله ، وأن كل نفس مهما طال عمرها لا بد أن يصيبها الموت ، وأن الدار الباقية إنما هى الدار الآخرة التى سيحاسب الناس فيها على أعمالهم فقال - تعالى - : كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القيامة .
قال ابن كثير : " يخبر - تعالى - إخبارا عاما يعم جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت ، كقوله - تعالى - : كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجلال والإكرام فهو - تعالى - وحده الحى الذى لا يموت والجن والإنس يموتون ، وكذلك الملائكة وحملة العرش ، وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء فيكون آخرا كما كان أولا ، وهذه الآية فيها تعزية لجميع الناس ، فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت .
.
" .
وقوله ذَآئِقَةُ الموت من الذوق وحقيقته إدراك الطعوم ، والمراد به هنا حدوث الموت لكل نفس .
وعبر عن حدوث الموت لكل نفس بذوقه ، للإشارة إلى أنه عند ذوق المذاق إما مرا لما يستتبعه من عذاب ، وإما حلوا هنيئا بسبب ما يكون بعده من أجر وثواب .
وأسند ذوق الموت إلى النفس ولم يسنده إلى الشخص : لأن النفس روح ، والشخص جزءان : جسم ونفس ، والنفس هى التى تبقى بعد مفارقتها للجسد ، فهى التى تذوق الموت كما ذاقت الحياة الدنيا .
وقوله وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القيامة أى : وإنما تعطون جزاء أعمالكم وافيا تاما يوم القيامة .
يوم يقوم الناس لرب العالمين ليحاسبهم على أعمالهم ، فيجازى الذين أساءوا بما عملوا .
ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت كيف اتصل قوله - تعالى - : وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القيامة بما قبله؟ قلتك اتصاله به على معنى أن كلكم تموتون ، ولا بد لكم من الموت ولا توفون أجوركم على طاعتكم ومعصيتكم عقيب موتكم ، وإنما توفونها يوم قيامكم من القبور .
فإن قلت : فهذا يوهم نفى ما يروى من أن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة نم حفر النار؟ قلت : كلمة التوفية تزيل هذا الوهم ، لأن المعنى أن توفية الأجور وتكميلها يكون فى ذلك اليوم ، وما يكون قبل ذلك فهو بعض الأجور " .
وقال الفخر الرازى : " بين - سبحانه - أن تمام الأجر والثواب لا يصل إلى المكلف إلا يوم القيامة ، لأن كل منفعة تصل إلى المكلف فى الدنيا فهى مكدرة بالغموم والهموم وبخوف الانقطاع والزوال ، والأجر التام والثواب الكامل إنما يصل إلى المكلف يوم القيامة ، لأن هناك يحصل السرور بلا غم ، والأمن بلا خوف ، واللذة بلا ألم ، والسعادة بلا خوف الانقطاع .
وكذا القول فى العقاب ، فإنه لا يحصل فى الدنيا ألم خالص عن شوائب اللذة ، بل يمتزج به راحات وتخفيفات ، وإنما الألم التام الخالص الباقى هو الذى يكون يوم القيامة " .
ثم قال - تعالى - فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ .
الزحزحة عن النار : هى التنحية عنها ، وعدم الاقتراب منها والفعل زحزح مضاعف الفعل زحه عن المكان إذا جذبه وأبعده عنه بعجلة وسرعة .
والمعنى أن كل نفس سيدركها الموت لا محالة .
وأن الناس سيحاسبون على أعمالهم يوم القيامة ، فمن كانت نتيجة حسابه الإبعاد عن النار ، والنجاةن من سعيرها ، فقد فاز فوزاً عظيما ، وأدرك البغية التى ليس بعدها بغية .
والفاء فو قوله فَمَن زُحْزِحَ للتفريع على قوله تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ .
وجمع - سبحانه - بين زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة مع أن فى الثانى غنية عن الأول ، للإشعار بأن دخول الجنة يشتمل على نعمتين عظيمتين وهما : النجاة من النار ، والتلذذ بنعيم الجنة .
وفى الحديث الشريف عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " موضع سوط فى الجنة خير من الدنيا وما فيها ، اقرءوا إن شئتم فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ " .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة ، فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه " .
ثم ختم - الآية بقوله : وَما الحياة الدنيا إِلاَّ مَتَاعُ الغرور .
والمتاع : هو ما يتمتع به الإنسان وينتفع به مما يباع ويشترى .
والغرور - بضم الغين - مصدر غره أى خدعه وأطعمه بالباطل .
أى : ليست هذه الحياة الدنيا التى نعيش فيها .
ونستمتع بلذاتها ومنافعها ، إلا متاعا يستمتع به المغتر بها ، الذى لا يفكر فى أى شىء سواها ، ثم يحاسب على ذلك حسابا عسيراً يوم القيامة ، أما الذى يأخذ من متاعها بالطريقة التى أمر الله - تعالى - بها ، فإنه يكون من السعداء فى دنياهم وآخرتهم .
قال صاحب الكشاف : شبه - سبحانه - الدنيا بالمتاع الذى يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه ، ثم يتبين له فساده ورداءته والشيطان هو المدلس الغرور .
وعن سعيد بن جبير : إنما هذا لمن آثرها على الآخرة ، فاما من طلب الآخرة بها فإنها متاع بلاغ " .
فالآية الكريمة ترغيب للمؤمنين فى الطاعة ، وتحذير للعصاة من المعصية ، وتذكير للجميع بأن مرجعهم إلى الله إن عاجلا أو آجلا ، وسيلقى كل إنسان جزاءه على عمله ، وأن السعادة الحقة لمن نال رضا الله يوم يلقاه .

المصدر : تفسير : كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم