موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب - الآية 187 من سورة آل عمران

سورة آل عمران الآية رقم 187 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 187 من سورة آل عمران عدة تفاسير, سورة آل عمران : عدد الآيات 200 - الصفحة 75 - الجزء 4.

﴿ وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ ﴾
[ آل عمران: 187]


التفسير الميسر

واذكر -أيها الرسول- إذ أخذ الله العهد الموثق على الذين آتاهم الله الكتاب من اليهود والنصارى، فلليهود التوراة وللنصارى الإنجيل؛ ليعملوا بهما، ويبينوا للناس ما فيهما، ولا يكتموا ذلك ولا يخفوه، فتركوا العهد ولم يلتزموا به، وأخذوا ثمنا بخسًا مقابل كتمانهم الحق وتحريفهم الكتاب، فبئس الشراء يشترون، في تضييعهم الميثاق، وتبديلهم الكتاب.

تفسير الجلالين

«و» اذكر «إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب» أي العهد عليهم في التوراة «لَيُبَيِّنَنَّهُ» أي الكتاب «للناس ولا يكتمونه» أي الكتاب بالياء والتاء في الفعلين «فنبذوه» طرحوا الميثاق «وراء ظهورهم» فلم يعملوا به «واشتروا به» أخذوا بدله «ثمنا قليلا» من الدنيا من سفلتهم برياستهم في العلم فكتموه خوف فوته عليهم «فبئس ما يشترون» شراؤهم هذا.

تفسير السعدي

الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد، وهذا الميثاق أخذه الله تعالى على كل من أعطاه [الله] الكتب وعلمه العلم، أن يبين للناس ما يحتاجون إليه مما علمه الله، ولا يكتمهم ذلك، ويبخل عليهم به، خصوصا إذا سألوه، أو وقع ما يوجب ذلك، فإن كل من عنده علم يجب عليه في تلك الحال أن يبينه، ويوضح الحق من الباطل.
فأما الموفقون، فقاموا بهذا أتم القيام، وعلموا الناس مما علمهم الله، ابتغاء مرضاة ربهم، وشفقة على الخلق، وخوفا من إثم الكتمان.
وأما الذين أوتوا الكتاب، من اليهود والنصارى ومن شابههم، فنبذوا هذه العهود والمواثيق وراء ظهورهم، فلم يعبأوا بها، فكتموا الحق، وأظهروا الباطل، تجرؤا على محارم الله، وتهاونا بحقوق الله، وحقوق الخلق، واشتروا بذلك الكتمان ثمنا قليلا، وهو ما يحصل لهم إن حصل من بعض الرياسات، والأموال الحقيرة، من سفلتهم المتبعين أهواءهم، المقدمين شهواتهم على الحق، فبئس ما يشترون لأنه أخس العوض، والذي رغبوا عنه -وهو بيان الحق، الذي فيه السعادة الأبدية، والمصالح الدينية والدنيوية- أعظم المطالب وأجلها، فلم يختاروا الدنيء الخسيس ويتركوا العالي النفيس، إلا لسوء حظهم وهوانهم، وكونهم لا يصلحون لغير ما خلقوا له.

تفسير البغوي

( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) قرأ ابن كثير وأهل البصرة وأبو بكر بالياء فيهما لقوله تعالى : ( فنبذوه وراء ظهورهم ) وقرأ الآخرون بالتاء فيها على إضمار القول ، ( فنبذوه وراء ظهورهم ) أي : طرحوه وضيعوه وتركوا العمل به ، ( واشتروا به ثمنا قليلا ) يعني : المآكل والرشا ، ( فبئس ما يشترون ) قال قتادة : هذا ميثاق أخذه الله تعالى على أهل العلم فمن علم شيئا فليعلمه وإياكم وكتمان العلم فإنه هلكة .
وقال أبو هريرة رضي الله عنه : لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدثتكم بشيء ثم تلا هذه الآية ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ) الآية .
حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي ، أخبرنا أبو معاذ الشاه بن عبد الرحمن ، أخبرنا أبو بكر عمر بن سهل بن إسماعيل الدينوري ، أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي ، أخبرنا أبو حذيفة موسى بن مسعود أخبرنا إبراهيم بن طهمان عن سماك بن حرب ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار " .
وقال الحسن بن عمارة : أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث فألفيته على بابه فقلت : إن رأيت أن تحدثني؟ فقال : أما علمت أني قد تركت الحديث؟ فقلت : إما أن تحدثني وإما أن أحدثك فقال : حدثني فقلت : حدثني الحكم بن عتيبة عن يحيى بن الجزار قال : سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا قال : فحدثني أربعين حديثا .

تفسير الوسيط

ثم حكى - سبحانه - رذيلة أخرى من رذائل أهل الكتاب فقال : وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الذين أُوتُواْ الكتاب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ .
الميثاق : هو العهد الموثق المؤكد .
وقد أخذ - سبحانه - العهد على الذين أوتو الكتاب بأمرين :أولهما : بيان ما فى الكتاب من أحكام وأخبار .
وثانيهما : عدم كتمان كل شىء مما فى هذا الكتاب .
والمعنى : واذكر أيها المخاطب وقت أن أخذ الله العهد المؤكد على أهل الكتاب من اليهود والنصارى بأن يبينوا جميع ما فى الكتاب من أحكام وأخبار وبشارات بالنبى صلى الله عليه وسلم وألا يكتموا شيئا من ذلك ، لأن كتمانهم للحق سيؤدى إلى سوء عاقبتهم فى الدنيا والآخرة .
والضمير فى قوله " لتبيننه " يعود إلى الكتاب المشتمل على الأخبار والشرائع والأحكام والبشارات الخاصة بمبعث النبى صلى الله عليه وسلم .
أى لتبينن ما فى هذا الكتاب الذى بين أيديكم من أحكام وشرائع وأخبار وبشارات .
وقيل الضمير يعود إلى الميثاق ، ويكون المراد من العهد الذى وثقه الله عليهم هخو تعاليمه وشرعه ونوره .
وقوله وَلاَ تَكْتُمُونَهُ عطف على " لتبيننه " وإنما لم يؤكد بالنون لكونه منفيا .
وجمع - سبحانه - بين أمرهم المؤكد بالبيان وبين نهيهم عن الكتمان مبالغة فى إيجاب ما أمروا به حتى لا يقصروا فى إظهار ما فى الكتاب من حقائق وحتى لا يلجأوا إلى كتمان هذه الحقائق أو تحريفها .
ولكن أهل الكتاب - ولا سيما العلماء منهم - نقضوا عهودهم مع الله - تعالى - ، وقد حكى - سبحانه - ذلك فى قوله فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ واشتروا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ .
النبذ : الطرح والترك والإهمال .
أى أن أهل الكتاب الذين أخذ الله عليهم العهود الموثقة بأن يبينوا ما فى الكتاب ولا يكتموا شيئا منه ، لم يكونوا أوفياء بعهودهم ، بل إنهم نبذوا ما عاهدهم الله عليه ، وطرحوه وراء ظهورهم باستهانة وعدم اعتداد .
وأخذوا فى مقابل هذا النبذ والطرح والإهمال شيئا حقيرا من متاع الدنيا وحطامها ، فبئس الفعل فعلهم .
والتعبير عنهم بقوله فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كناية عن استهانتهم بالمنبوذ ، وإعراضهم عنه بالكلية ، وإهمالهم له إهمالا تامت ، لأن من شأن الشىء المنبوذ أن يهمل ويترك ، كما أن من شأن الشىء الذى هو محل اهتمام أن يحرس ويجعل نصب العين .
والضميى فى قوله فَنَبَذُوهُ يعود على الميثاق باعتبار أنه موضع الحديث ابتداء .
ويصح أن يعود إلى الكتاب ، لأن الميثاق هو الشرائع والأحكام ، والكتاب وعاؤها ، فنبذ الكتاب نبذ للعهد .
والمراد " بالثمن القليل " ما أخذوه من أموال ومتاع دنيوى من غيرهم فى مقابل عدم بيانهم لما فى الكتاب من حقائق ، وكتمانهم لذلك إرضاء للشهوات وللأهواء الباطلة .
وليس وصف الثمن بالقلة من الأوصاف المخصصة للنكرات ، بل هو من الأوصاف اللازمة للثمن المحصل فى مقابل نبذهم لكتاب الله وعهوده ، إذ لا يكون هذا الثمن المحصل إلا قليلا وإن بلغ ما بلغ من أعراض الدنيا بجانب رضا الله - تعالى - .
قوله فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ أى بئس شيئا يشترونه ذلك الثمن .
فما نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس ، وجملة يشترونه صفته ، والمخصوص بالذم محذوف .
وقيل " ما مصدرية فاعل بئس ، والمخصوص بالذم محذوف ، أى بئس شراؤهم هذا الشراء لاستحقاقهم به العذاب الأليم .
وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة ، وجوب إظهار الحق ، وتحريم كتمانه .
ورحم الله صاحب الكشاب فقد قال عند تفسيره لهذه الآية : وكفى به دليلا على أنه مأخوذ على العلماء أن يبينوا الحق للناس ، وألا يكتموا منه شيئا لغرض فاسد من تسهيل على الظلمة ، وتطييب لنفوسهم ، واستجلاب لمسارهم ، أو لجر منفعة وحطام دنيا ، أو لتقية ، أو لبخل بالعلم وغيرة من أن ينسب إلى غيرهم ، وعن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال : " من كتم علما عن أهله ألجم بلجام من نار " وعن على رضي الله عنه ، قال : " ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا " .
وقال ابن كثير عند تفسيره للآية الكريمة : هذا توبيخ من الله وتهديد لأهل الكتاب الذين أخذ الله عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأن ينوهوا بذكره فى الناس فيكونوا على أهبة من أمره ، فإذا أرسله الله تابعوه ، فكتموا ذلك وتعوضوا عما وعدوا عليه من الخير فى الدنيا والآخرة بالدون الطفيف ، والحظ الدنيوى السخيف ، فبئس الصفقة صفقتهم ، وبئست البيعة بيعتهم ، وفى هذا تحذير للعلماء من أن يسلكوا مسلكه فيصيبهم ما أصابهم ويسلك بهم مسلكهم ، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع ، ولا يكتموا منه شيئا " .

المصدر : تفسير : وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب