موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا - الآية 222 من سورة البقرة

سورة البقرة الآية رقم 222 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 222 من سورة البقرة عدة تفاسير, سورة البقرة : عدد الآيات 286 - الصفحة 35 - الجزء 2.

﴿ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ ﴾
[ البقرة: 222]


التفسير الميسر

ويسألونك عن الحيض- وهو الدم الذي يسيل من أرحام النساء جِبِلَّة في أوقات مخصوصة-، قل لهم -أيها النبي-: هو أذى مستقذر يضر من يَقْرَبُه، فاجتنبوا جماع النساء مدة الحيض حتى ينقطع الدم، فإذا انقطع الدم، واغتسلن، فجامعوهن في الموضع الذي أحلَّه الله لكم، وهو القبل لا الدبر. إن الله يحب عباده المكثرين من الاستغفار والتوبة، ويحب عباده المتطهرين الذين يبتعدون عن الفواحش والأقذار.

تفسير الجلالين

«ويسألونك عن المحيض» أي الحيض أو مكانه ماذا يفعل بالنساء فيه «قل هو أذى» قذر أو محله «فاعتزلوا النساء» اتركوا وطأهن «في المحيض» أي وقته أو مكانه «ولا تقربوهن» بالجماع «حتى يَطْهُرن» بسكون الطاء وتشديدها والهاء وفيه إدغام التاء في الأصل في الطاء أي يغتسلن بعد انقطاعه «فإذا تطهرن فأتوهن» بالجماع «من حيث أمركم الله» بتجنبه في الحيض وهو القبل ولا تعدوه إلى غيره «إن الله يحب» يثيب ويكرم «التوابين» من الذنوب «ويحب المتطهرين» من الأقذار.

تفسير السعدي

يخبر تعالى عن سؤالهم عن المحيض, وهل تكون المرأة بحالها بعد الحيض, كما كانت قبل ذلك, أم تجتنب مطلقا كما يفعله اليهود؟.
فأخبر تعالى أن الحيض أذى, وإذا كان أذى, فمن الحكمة أن يمنع الله تعالى عباده عن الأذى وحده, ولهذا قال: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ أي: مكان الحيض, وهو الوطء في الفرج خاصة, فهذا هو المحرم إجماعا، وتخصيص الاعتزال في المحيض, يدل على أن مباشرة الحائض وملامستها, في غير الوطء في الفرج جائز.
لكن قوله: وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ يدل على أن المباشرة فيما قرب من الفرج, وذلك فيما بين السرة والركبة, ينبغي تركه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأته وهي حائض, أمرها أن تتزر, فيباشرها.
وحد هذا الاعتزال وعدم القربان للحُيَّض حَتَّى يَطْهُرْنَ أي: ينقطع دمهن, فإذا انقطع الدم, زال المنع الموجود وقت جريانه, الذي كان لحله شرطان, انقطاع الدم, والاغتسال منه.
فلما انقطع الدم, زال الشرط الأول وبقي الثاني, فلهذا قال: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ أي: اغتسلن فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ أي: في القبل لا في الدبر, لأنه محل الحرث.
وفيه دليل على وجوب الاغتسال للحائض, وأن انقطاع الدم, شرط لصحته.
ولما كان هذا المنع لطفا منه تعالى بعباده, وصيانة عن الأذى قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ أي: من ذنوبهم على الدوام وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ أي: المتنزهين عن الآثام وهذا يشمل التطهر الحسي من الأنجاس والأحداث.
ففيه مشروعية الطهارة مطلقا, لأن الله يحب المتصف بها, ولهذا كانت الطهارة مطلقا, شرطا لصحة الصلاة والطواف, وجواز مس المصحف، ويشمل التطهر المعنوي عن الأخلاق الرذيلة, والصفات القبيحة, والأفعال الخسيسة.

تفسير البغوي

قوله تعالى : ( ويسألونك عن المحيض ) أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني أنا أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي أنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمر اللؤلئي أنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني أنا موسى بن إسماعيل أنا حماد بن سلمة أنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ) الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح " فقالت اليهود ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهما فسقاهما فظننا أنه لم يجد عليهما .
قوله تعالى : ( ويسألونك عن المحيض ) أي عن الحيض وهو مصدر حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا كالسير والمسير وأصل الحيض الانفجار والسيلان وقوله ( قل هو أذى ) أي قذر والأذى كل ما يكره من كل شيء ( فاعتزلوا النساء في المحيض ) أراد بالاعتزال ترك الوطء ( ولا تقربوهن ) أي لا تجامعوهن أما الملامسة والمضاجعة معها فجائزة .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا قبيصة أنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كلانا جنب وكان يأمرني أن أتزر فيباشرني وأنا حائض ، وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا سعد بن حفص أنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن زينب بنت أبي سلمة حدثته عن أم سلمة قالت : " حضت وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة فانسللت فخرجت منها فأخذت ثياب حيضي فلبستها فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنفست؟ قلت : نعم ، فدعاني فأدخلني معه في الخميلة " .
أخبرنا أبو القاسم بن عبد الله بن محمد الحنيفي أنا أبو الحارث طاهر بن محمد الطاهري أنا أبو محمد الحسن بن محمد حكيم أنا أبو الموجه محمد بن عمرو أنا صدقة أنا وكيع أنا مسعر وسفيان ، عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في وأتعرق العرق فيتناوله فيضع فاه في موضع في " .
فوطء الحائض حرام ومن فعله يعصي الله عز وجل ويعزره الإمام إن علم منه ذلك واختلف أهل العلم في وجوب الكفارة عليه فذهب أكثرهم إلى أنه لا كفارة عليه فيستغفر الله ويتوب إليه .
وذهب قوم إلى وجوب الكفارة عليه منهم : قتادة والأوزاعي وأحمد وإسحاق ، لما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي أنا علي بن الجعد أنا أبو جعفر الرازي عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رجل جامع امرأته وهي حائض قال : " إن كان الدم عبيطا فليتصدق بدينار وإن كان صفرة فنصف دينار " .
ويروى هذا موقوفا عن ابن عباس ويمنع الحيض جواز الصلاة ووجوبها ويمنع جواز الصوم ولا يمنع وجوبه حتى إذا طهرت يجب عليها قضاء الصوم ولا يجب قضاء الصلاة وكذلك النفساء .
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي أنا أبو عيسى الترمذي أنا علي بن حجر أنا علي بن مسهر عن عبيدة بن معتب الضبي عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة قالت : " كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نطهر فيأمرنا بقضاء الصيام ولا يأمرنا بقضاء الصلاة " .
ولا يجوز للحائض الطواف بالبيت ولا الاعتكاف في المسجد ولا مس المصحف ولا قراءة القرآن ولا يجوز للزوج غشيانها .
أخبرنا عمر بن عبد العزيز أنا القاسم بن جعفر ، أنا أبو علي اللؤلئي أنا أبو داود أنا مسدد أنا عبد الواحد بن زياد أنا أفلت بن خليفة قال : حدثتني جسرة بنت دجاجة قالت : سمعت عائشة تقول : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال : " وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب .
قوله تعالى : ( حتى يطهرن ) قرأ عاصم برواية أبي بكر وحمزة والكسائي بتشديد الطاء والهاء يعني : حتى يغتسلن وقرأ الآخرون بسكون الطاء وضم الهاء فخفف ومعناه حتى يطهرن من الحيض وينقطع دمهن ( فإذا تطهرن ) يعني اغتسلن ) ( فأتوهن ) أي فجامعوهن ( من حيث أمركم الله ) أي من حيث أمركم أن تعتزلوهن منه وهو الفرج قاله مجاهد وقتادة وعكرمة وقال ابن عباس : طئوهن في الفرج ولا تعدوه إلى غيره أي اتقوا الأدبار وقيل ) ( من ) بمعنى ) ( في ) أي في حيث أمركم الله تعالى وهو الفرج كقوله تعالى : " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة " 9 - الجمعة ) أي في يوم الجمعة وقيل ) ( فأتوهن ) الوجه الذي أمركم الله أن تأتوهن وهو الطهر وقال ابن الحنفية : من قبل الحلال دون الفجور وقيل : لا تأتوهن صائمات ولا معتكفات ولا محرمات : وأتوهن وغشيانهن لكم حلال واعلم أنه لا يرتفع تحريم شيء مما منعه الحيض بانقطاع الدم ما لم تغتسل أو تتيمم عند عدم الماء إلا تحريم الصوم فإن الحائض إذا انقطع دمها بالليل ونوت الصوم فوقع غسلها بالنهار صح صومها والطلاق في حال الحيض يكون بدعيا وإذا طلقها بعد انقطاع الدم قبل الغسل لا يكون بدعيا وذهب أبو حنيفة رضي الله عنه إلى أنه إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهي عدة عشرة أيام يجوز للزوج غشيانها قبل الغسل وقال مجاهد وطاووس : إذا غسلت فرجها جاز للزوج غشيانها قبل الغسل .
وأكثر أهل العلم على التحريم ما لم تغتسل أو تتيمم عند عدم الماء لأن الله تعالى علق جواز وطئها بشرطين : بانقطاع الدم والغسل فقال ( حتى يطهرن ) يعني من الحيض ( فإذا تطهرن ) يعني اغتسلن ) ( فأتوهن ) ومن قرأ يطهرن بالتشديد فالمراد من ذلك الغسل كقوله تعالى " وإن كنتم جنبا فاطهروا " ( 6 - المائدة ) أي فاغتسلوا فدل على أن قبل الغسل لا يحل الوطء .
قوله تعالى : ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) قال عطاء ومقاتل بن سليمان والكلبي : يحب التوابين من الذنوب ويحب المتطهرين بالماء من الأحداث والنجاسات وقال مقاتل بن حيان : يحب التوابين من الذنوب والمتطهرين من الشرك وقال سعيد بن جبير : التوابين من الشرك والمتطهرين من الذنوب وقال مجاهد : التوابين من الذنوب لا يعودون فيها والمتطهرين منها لم يصيبوها والتواب : الذي كلما أذنب تاب نظيره قوله تعالى : " فإنه كان للأوابين غفورا " ( 25 - الإسراء ) .

تفسير الوسيط

روى الإمام مسلّم في صحيحه عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت أى لا يسكنون معهن- فسأل الصحابة النبي صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله- تعالى-: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً.
الآية فقال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- اصنعوا كل شيء إلا النكاح.
فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه.
فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله، إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى ظنا أن قد وجد عليهما- أى غضب- فاستقبلتهما هدية من لبن إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأرسل في آثارهما فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما.
والمحيض: الحيض مصدر حاضت المرأة تحيض حيضا ومحاضا ومحيضا فهي حائض، وأصله السيلان.
يقال حاض الوادي إذا سال، ومنه الحوض لسيلان الماء إليه.
ثم أطلق الحيض على ما يقذفه رحم المرأة من دم في أوقات مخصوصة على وجه مخصوص.
والأذى: الشيء الذي يتأذى منه الإنسان ويصيبه الضرر بسببه.
والسؤال كان من بعض الصحابة، لأنه لقوة إيمانهم كانوا يحبون أن يعرفوا حكم الإسلام في شئونهم الخاصة والعامة، ولأنهم وجدوا أن اليهود وغيرهم يعاملون المرأة في حال حيضها معاملة غير كريمة فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن هذا الأمر الذي يتصل بأدق العلاقات بين الرجل والمرأة وهو حكم مباشرة النساء في حال الحيض، فأجابهم الله- تعالى- جوابا شافيا.
والمعنى: ويسألك أصحابك يا محمد عن حكم مباشرة النساء في حال الحيض فقل لهم معلما وموجها: إن الحيض أى الدم الذي يلفظه رحم المرأة في وقت معين أذى يتأذى به الإنسان تأذيا حسيا جسيما، فرائحته يتأذى منها من يشمها، وهو في ذاته شيء متقذر تعافه النفوس، وتنفر منه الطباع.
وقوله: فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ بيان للحكم المتفرع على تلك الحالة التي يتأذى منها وهي حالة الحيض.
والاعتزال: التباعد، وهو هنا كناية عن ترك الجماع والمباشرة، كما أن النهى عن قربهن كناية عن النهى عن جماعهن، يقال: قرب الرجل امرأته إذا جامعها.
ويَطْهُرْنَ من الطهر- بضم الطاء- بمعنى النقاء من الوسخ والقذر-.
والمعنى: عليكم أيها المؤمنون أن تمتنعوا عن مباشرة النساء في زمن حيضهن، ولا تجامعوهن حتى يطهرن من ذلك، لأن غشيانهن في هذه الحالة يؤذيكم بسبب عدم نقاء المحل الذي يكون فيه الغشيان للمرأة، والمرأة أيضا تتأذى من مباشرتها في زمن الحيض لأنها لا تكون في حالة تستسيغ معها المباشرة، فجهازها التناسلى في حالة اضطراب، وهيئتها العامة في حالة تجعلها من شأنها أن تنفر من الجماع، والولد الذي يأتى عن طريق الجماع في حالة الحيض- على فرض إتيانه في هذه الحالة- كثيرا ما يأتى مشوها ضعيفا، لأن النطفة إذا اختلطت بدم الحيض، أخذت البويضات في التخلق قبل وقت صلاحيتها للتخلق النافع الذي يكون وقته بعد انتهاء فترة الحيض وقد قال بذلك الأطباء الثقاة .
وعرفه العرب القدامى بالتجربة، قال أبو كبير الهذلى.
ومبرأ من كل غبّر حيضة .
.
.
وفساد مرضعة وداء معضلوقد أجمع العلماء- كما بينا- على أن المراد بالاعتزال هو اجتناب المباشرة، إلا أنهم اختلفوا فيما يجب اعتزاله من المرأة بعد ذلك.
فبعضهم يرى اعتزال جميع بدن المرأة، وحجتهم أن الله أمر باعتزال النساء ولم يخصص من ذلك شيئا دون شيء.
وبعضهم يرى اعتزال موضع الأذى- أى مكان خروج الدم- لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» .
وبعضهم يرى اعتزال ما بين السرة إلى الركبة من المرأة وله ما سوى ذلك، لقول عائشة:كانت إحدانا إذا كانت حائضة أمرها النبي صلّى الله عليه وسلّم أن تأتزر ثم يباشرها.
وقوله: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ تأكيد لحكم الاعتزال وتقرير له، وتنبيه على أن المراد به عدم جماعهن لا عدم القرب منهن أو مخالطتهن أو الأكل معهن كما كان يفعل اليهود وبعض العرب.
والدليل على ذلك ما جاء في الصحيحين عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كنت أرجل رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا حائض» .
وروى البخاري عن عائشة- أيضا- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن.
وروى مسلّم عنها أيضا قالت: كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلّى الله عليه وسلّم فيضع فاه على موضع فىّ فيشرب.
وقوله: حَتَّى يَطْهُرْنَ بيان لغاية الاعتزال.
وقرأ حمزة الكسائي حَتَّى يَطْهُرْنَ بفتح الطاء والهاء مع التشديد.
ومعناه عند جمهور الفقهاء ولا تجامعوهن حتى يغتسلن، لأن القراءتين معناهما واحد، ولأن الله- تعالى- قد علق الإتيان على التطهر فقال: فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ والتطهر هو الاغتسال.
فالمرأة إذا انقطع حيضها لا يحل للزوج مجامعتها إلا بعد الاغتسال.
ويرى الأحناف أن معنى حَتَّى يَطْهُرْنَ أى حتى ينقطع الدم، لأنه إذا كان سبب الأذى هو الدم فانقطاعه طهور منه، وبناء على ذلك فيجوز للرجل أن يباشر زوجته قبل أن تغتسل متى انقطع دمها لأقصى مدة الحيض، وهو عشرة أيام.
أخذا بالقراءة المشهورة يَطْهُرْنَ بالتخفيف.
أما إذا انقطع الدم قبل ذلك فلا تحل مباشرتها إلا بالتأكيد من زوال الدم بعمل من جانبها وهو الاغتسال الفعلى، لأن قراءة يَطْهُرْنَ بالتشديد عندهم معناها يغتسلن.
وقال بعض الفقهاء يكفى في حلها أن تتوضأ عند انقطاع الدم.
ولكل فريق أدلته المبسوطة في كتب الفقه.
وفي هاتين الجملتين الكريمتين فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ من سمو التعبير، وبديع الكناية ما يغرس في نفس السامع حسن الأدب، ويصون سمعه عن الألفاظ التي يجافى سماعها الأذواق السليمة، وما أحوج المسلمين إلى التأسى بهذا الأدب الذي يحفظ عليهم مروءتهم وكرامتهم.
ثم قال- تعالى-: فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ أى: فإذا تطهرن من المحيض فجامعوهن في المكان الذي أمركم الله بتجنبه في الحيض وهو القبل ولا تتعدوه إلى غيره.
والأمر في قوله- تعالى-: فَأْتُوهُنَّ المراد به إباحة المباشرة، لأن من المقرر عند العلماء أن الأمر بعد النهى يكون للإباحة، خصوصا إذا كان الموضع موضع حل وإباحة لا موضع تكليف وإلزام، وليس المراد به الحتم واللزوم، لأن الإتيان مبنى على الرغبة والطاقة وشبه بهذا التعبير قوله- تعالى-: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وقوله: وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا.
قال الجمل: ومن في قوله: «من حيث» فيها قولان:أحدهما: أنها لابتداء الغاية، أى من الجهة التي تنتهي إلى موضع الحيض.
والثاني: أن تكون بمعنى في أى المكان الذي نهيتم عنه في الحيض.
ورجح بعضهم هذا بأنه ملائم لقوله فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ .
وعلى كلا القولين فالمقصود أن يأتى الرجل زوجته في المكان الفطري الطبيعي لتلك العلاقة الجنسية، وهو القبل إذ هو مكان البذر والإنسال، ولا يخرج عن ذلك إلا الذين أصيبوا بشذوذ في عقولهم، وضعف في دينهم.
.
ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ والتواب صيغة مبالغة من تائب بمعنى راجع إلى ربه إذا زل وهفا.
والمتطهر: هو الإنسان المتنزه عن الفواحش والأقذار.
أى: إن الله- تعالى- يحب عباده الذين يكثرون الرجوع إليه إذا ما ظلموا أنفسهم بسيئة من السيئات، والذين يصونون أنفسهم وينزهونها عن المعاصي والآثام، ويرضى عنهم في الدنيا والآخرة.
قال الآلوسى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ مما عسى يبدر منهم من ارتكاب بعض الذنوب كالإتيان في الحيض المستدعى لعقاب الله- تعالى- فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أتى حائضا فقد كفر بما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم وهو جار مجرى الترهيب فلا يعارض ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أصبت امرأتى وهي حائض فأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يعتق نسمة» وهذا إذا كان الإتيان في أول الحيض والدم أحمر، أما إذا كان في آخره والدم أصفر فينبغي أن يتصدق بنصف دينار كما دلت عليه الآثار» .

المصدر : تفسير : ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا