موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير وراودته التي هو في بيتها عن نفسه - الآية 23 من سورة يوسف

سورة يوسف الآية رقم 23 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 23 من سورة يوسف عدة تفاسير, سورة يوسف : عدد الآيات 111 - الصفحة 238 - الجزء 12.

﴿ وَرَٰوَدَتۡهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيۡتِهَا عَن نَّفۡسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلۡأَبۡوَٰبَ وَقَالَتۡ هَيۡتَ لَكَۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ رَبِّيٓ أَحۡسَنَ مَثۡوَايَۖ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ ﴾
[ يوسف: 23]


التفسير الميسر

ودعت امرأة العزيز -برفق ولين- يوسف الذي هو في بيتها إلى نفسها؛ لحبها الشديد له وحسن بهائه، وغلَّقت الأبواب عليها وعلى يوسف، وقالت: هلمَّ إليَّ، فقال: معاذ الله أعتصم به، وأستجير مِن الذي تدعينني إليه، من خيانة سيدي الذي أحسن منزلتي وأكرمني فلا أخونه في أهله، إنه لا يفلح مَن ظَلَم فَفَعل ما ليس له فعله.

تفسير الجلالين

«وراودته التي هو في بيتها» هي زليخا «عن نفسه» أي طلبت منه أن يواقعها «وغلَّقت الأبواب» للبيت «وقالت» له «هيْت لك» أي هلم واللام للتبيين وفي قراءة بكسر الهاء وأخرى بضم التاء «قال معاذ الله» أعوذ بالله من ذلك «إنه» الذي اشتراني «ربي» سيدي «أحسن مثواي» مقامي فلا أخونه في أهله «إنه» أي الشأن «لا يفلح الظالمون» الزناة.

تفسير السعدي

تفسير الآيتين 23 و 24 :هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته، وصبره عليها أعظم أجرا، لأنه صبر اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة، لوقوع الفعل، فقدم محبة الله عليها، وأما محنته بإخوته، فصبره صبر اضطرار، بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره وليس له ملجأ إلا الصبر عليها، طائعا أو كارها، وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام بقي مكرما في بيت العزيز، وكان له من الجمال والكمال والبهاء ما أوجب ذلك، أن رَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ أي: هو غلامها، وتحت تدبيرها، والمسكن واحد، يتيسر إيقاع الأمر المكروه من غير إشعار أحد، ولا إحساس بشر.
وَ زادت المصيبة، بأن غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وصار المحل خاليا، وهما آمنان من دخول أحد عليهما، بسبب تغليق الأبواب، وقد دعته إلى نفسها وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ أي: افعل الأمر المكروه وأقبل إليَّ، ومع هذا فهو غريب، لا يحتشم مثله ما يحتشمه إذا كان في وطنه وبين معارفه، وهو أسير تحت يدها، وهي سيدته، وفيها من الجمال ما يدعو إلى ما هنالك، وهو شاب عزب، وقد توعدته، إن لم يفعل ما تأمره به بالسجن، أو العذاب الأليم.
فصبر عن معصية الله، مع وجود الداعي القوي فيه، لأنه قد هم فيها هما تركه لله، وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء، ورأى من برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان، الموجب لترك كل ما حرم الله - ما أوجب له البعد والانكفاف، عن هذه المعصية الكبيرة، و قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أي: أعوذ بالله أن أفعل هذا الفعل القبيح، لأنه مما يسخط الله ويبعد منه، ولأنه خيانة في حق سيدي الذي أكرم مثواي.
فلا يليق بي أن أقابله في أهله بأقبح مقابلة، وهذا من أعظم الظلم، والظالم لا يفلح، والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل تقوى الله، ومراعاة حق سيده الذي أكرمه، وصيانة نفسه عن الظلم الذي لا يفلح من تعاطاه، وكذلك ما منَّ الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه، يقتضي منه امتثال الأوامر، واجتناب الزواجر، والجامع لذلك كله أن الله صرف عنه السوء والفحشاء، لأنه من عباده المخلصين له في عباداتهم، الذين أخلصهم الله واختارهم، واختصهم لنفسه، وأسدى عليهم من النعم، وصرف عنهم من المكاره ما كانوا به من خيار خلقه.

تفسير البغوي

( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ) يعني : امرأة العزيز .
والمراودة : طلب الفعل ، والمراد ها هنا أنها دعته إلى نفسها ليواقعها ( وغلقت الأبواب ) أي : أطبقتها ، وكانت سبعة ( وقالت هيت لك ) أي : هلم وأقبل .
قرأه أهل الكوفة والبصرة : ( هيت لك ) بفتح الهاء والتاء .
وقرأ أهل المدينة والشام : ( هيت ) بكسر الهاء وفتح التاء .
وقرأ ابن كثير : ( هيت ) بفتح الهاء وضم التاء .
وقرأ السلمي وقتادة : ( هئت لك ) بكسر الهاء وضم التاء مهموزا ، يعني : تهيأت لك ، وأنكره أبو عمرو والكسائي وقالا لم يحك هذا عن العرب .
والأول هو المعروف عند العرب .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : أقرأني النبي صلى الله عليه وسلم ( هيت لك ) .
قال أبو عبيدة كان الكسائي يقول : هي لغة لأهل حوران رفعت إلى الحجاز معناها [ إلي ] تعال .
وقال عكرمة : هي أيضا بالحورانية هلم .
وقال مجاهد وغيره : هي لغة عربية وهي كلمة حث وإقبال على الشيء .
قال أبو عبيدة : إن العرب لا تثني ( هيت ) ولا تجمع ولا تؤنث ، وإنها بصورة واحدة في كل حال .
( قال ) يوسف لها عند ذلك : ( معاذ الله ) أي : أعوذ بالله وأعتصم بالله مما دعوتني إليه ( إنه ربي ) يريد أن زوجك قطفير سيدي ( أحسن مثواي ) أي : أكرم منزلي .
هذا قول أكثر المفسرين .
وقيل : الهاء راجعة إلى الله تعالى ، يريد : أن الله تعالى ربي أحسن مثواي ، أي : آواني ، ومن بلاء الجب عافاني .
( إنه لا يفلح الظالمون ) يعني : إن فعلت هذا فخنته في أهله بعد ما أكرم مثواي فأنا ظالم ، ولا يفلح الظالمون .
وقيل : لا يفلح الظالمون : أي لا يسعد الزناة .

تفسير الوسيط

وقوله- سبحانه- وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ .
.
.
رجوع إلى شرح ما جرى ليوسف في منزل العزيز بعد أن أمر امرأته بإكرام مثواه، وما كان من حال تلك المرأة مع يوسف، وكيف أنها نظرت إليه بعين، تخالف العين التي نظر بها إليه زوجها.
والمراودة- كما يقول صاحب الكشاف- مفاعلة من راد يرود إذا جاء وذهب، كأن المعنى: خادعته عن نفسه، أى: فعلت معه ما يفعله المخادع لصاحبه عن الشيء الذي لا يريد أن يخرجه من يده، يحتال أن يغلبه عليه ويأخذه منه، وهو عبارة عن التحايل لمواقعته إياها «1» .
والتعبير عن حالها معه بالمراودة المقتضية لتكرار المحاولة، للإشعار بأنها كان منها الطلب المستمر، المصحوب بالإغراء والترفق والتحايل على ما تشتهيه منه بشتى الوسائل والحيل.
وكان منه- عليه السلام- الإباء والامتناع عما تريده خوفا من الله- تعالى.
.
وقال- سبحانه- الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها دون ذكر لاسمها، سترا لها، وابتعادا عن التشهير بها، وهذا من الأدب السامي الذي التزمه القرآن في تعبيراته وأساليبه، حتى يتأسى أتباعه بهذا اللون من الأدب في التعبير.
والمراد ببيتها: بيت سكناها، والإخبار عن المراودة بأنها كانت في بيتها.
أدعى لإظهار كمال نزاهته عليه السلام- فإن كونه في بيتها يغرى بالاستجابة لها، ومع ذلك فقد أعرض عنها، ولم يطاوعها في مرادها.
وعدى فعل المراودة بعن، لتضمنه معنى المخادعة.
قال بعض العلماء: و «عن» هنا للمجاوزة، أى: راودته مباعدة له عن نفسه، أى: بأن يجعل نفسه لها، والظاهر أن هذا التركيب من مبتكرات القرآن الكريم، فالنفس هنا كناية عن غرض المواقعة، قاله ابن عطية، أى: فالنفس أريد بها عفافه وتمكينها منه لما تريد، فكأنها تراوده عن أن يسلم إليها إرادته وحكمه في نفسه» .
وقوله وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ أى: أبواب بيت سكناها الذي تبيت فيه بابا فبابا، قيل:كانت الأبواب سبعة.
والمراد أنها أغلقت جميع الأبواب الموصلة إلى المكان الذي راودته فيه إغلاقا شديدا محكما، كما يشعر بذلك التضعيف في «غلّقت» زيادة في حمله على الاستجابة لها.
ثم أضافت إلى كل تلك المغريات أنها قالت له: هيت لك، أى: ها أنا ذا مهيئة لك فأسرع في الإقبال على .
.
.
وهذه الدعوة السافرة منها له، تدل على أن تلك المرأة كانت قد بلغت النهاية في الكشف عن رغبتها، وأنها قد خرجت عن المألوف من بنات جنسها، فقد جرت العادة أن تكون المرأة مطلوبة لا طالبة .
.
.
و «هيت» اسم فعل أمر بمعنى أقبل وأسرع، فهي كلمة حض وحث على الفعل، واللام في «لك» لزيادة بيان المقصود بالخطاب، كما في قولهم: سقيا لك وشكرا لك.
وهي متعلقة بمحذوف فكأنما تقول: إرادتى كائنة لك.
قال الجمل ما ملخصه: «ورد في هذه الكلمة قراءات: «هيت» كليت، و «هيت» كفيل و «هيت» كحيث، و «هئت» بكسر الهاء وضم التاء، و «هئت» بكسر الهاء وفتح التاء.
ثم قال: فالقراءات السبعية خمسة، وهذه كلها لغات في هذه الكلمة، وهي في كلها اسم فعل بمعنى هلم أى أقبل وتعال .
وقوله- سبحانه- قالَ مَعاذَ اللَّهِ، إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ بيان لما ردّ به يوسف عليها، بعد أن تجاوزت في إثارته كل حد.
و «معاذ» مصدر أضيف إلى لفظ الجلالة، وهو منصوب بفعل محذوف أى: قال يوسف في الرد عليها: أعوذ بالله معاذا مما تطلبينه منى، وأعتصم به اعتصاما مما تحاولينه معى، فإن ما تطلبينه وتلحين في طلبه يتنافى مع الدين والمروءة والشرف.
.
ولا يفعله إلا من خبث منبته، وساء طبعه، وأظلم قلبه.
وقوله إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ تعليل لنفوره مما دعته إليه، واستعاذ بالله منه.
والضمير في «إنه» يصح أن يعود إلى الله- تعالى- فيكون لفظ ربي بمعنى خالقي.
والتقدير: قال يوسف في الرد عليها: معاذ الله أن أفعل الفحشاء والمنكر، بعد أن أكرمنى الله- تعالى- بما أكرمنى به من النجاة من الجب، ومن تهيئة الأسباب التي جعلتني أعيش معززا مكرما، وإذا كان- سبحانه- قد حباني كل هذه النعم فكيف أرتكب ما يغضبه؟.
وجوز بعضهم عودة الضمير في «إنه» إلى زوجها، فيكون لفظ ربي بمعنى سيدي ومالكى، والتقدير: معاذ الله أن أقابل من اشترانى بماله، وأحسن منزلي، وأمرك بإكرامى- بالخيانة له في عرضه.
وفي هذه الجملة الكريمة تذكير لها بألطف أسلوب بحقوق الله- تعالى- وبحقوق زوجها، وتنبيه لها إلى وجوب الإقلاع عما تريده منه من مواقعتها، لأنه يؤدى إلى غضب الله وغضب زوجها عليها.
وجملة إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ تعليل آخر لصدها عما تريده منه.
والفلاح: الظفر وإدراك المأمول.
أى: إن كل من ارتكب ما نهى الله- تعالى- عنه، تكون عاقبته الخيبة والخسران وعدم الفلاح في الدنيا والآخرة فكيف تريدين منى أن أكون كذلك؟.
هذا، والمتأمل في هذه الآية الكريمة يرى أن القرآن الكريم قد قابل دواعي الغواية الثلاث التي جاهرت بها امرأة العزيز والمتمثلة في المراودة، وتغليق الأبواب، وقولها، هيت لك:بدواعى العفاف الثلاث التي رد بها عليها يوسف، والمتمثلة في قوله- كما حكى القرآن عنه- مَعاذَ اللَّهِ، إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ.
وذلك ليثبت أن الاعتصام بالعفاف والشرف والأمانة، كان سلاح يوسف- عليه السلام- في تلك المعركة العنيفة بين نداء العقل ونداء الشهوة .
.
.
ولكن نداء العقل ونداء الشهوة الجامحة لم ينته عند هذا الحد، بل نرى القرآن الكريم يحكي لنا بعد ذلك صداما آخر بينهما فيقول: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ.
.
.
.
وهذه الآية الكريمة من الآيات التي خلط المفسرون فيها بين الأقوال الصحيحة والأقوال السقيمة.
وسنبين أولا الرأى الذي نختاره في تفسيرها، ثم نتبعه بعد ذلك بغيره فنقول: الهمّ:المقاربة من الفعل من غير دخول فيه، تقول هممت على فعل هذا الشيء، إذا أقبلت نفسك عليه دون أن تفعله.
وقال: بعض العلماء: الهم نوعان: هم ثابت معه عزم وعقد ورضا، وهو مذموم مؤاخذ به صاحبه، وهمّ بمعنى خاطر وحديث نفس، من غير تصميم وهو غير مؤاخذ به صاحبه، لأن خطور المناهي في الصدور، وتصورها في الأذهان، لا مؤاخذة بها ما لم توجد في الأعيان.
روى الشيخان وأهل السنن عن أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تجاوز لأمتى عما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم به، أو تعمل به» .
وقد أجمع العلماء على أن همّ امرأة العزيز بيوسف كان هما بمعصية، وكان مقرونا بالعزم والجزم والقصد، بدليل المراودة وتغليق الأبواب، وقولها «هيت لك» .
كما أجمعوا على أن يوسف- عليه السلام- لم يأت بفاحشة، وأن همه كان مجرد خاطرة قلب بمقتضى الطبيعة البشرية: من غير جزم وعزم .
.
.
وهذا اللون من الهم لا يدخل تحت التكليف، ولا يخل بمقام النبوّة، كالصائم يرى الماء البارد في اليوم الشديد الحرارة، فتميل نفسه إليه، ولكن دينه يمنعه من الشرب منه، فلا يؤاخذ بهذا الميل.
والمراد ببرهان ربه هو: ما غرسه الله- تعالى- في قلبه من العلم المصحوب بالعمل، بأن هذا الفعل الذي دعته إليه امرأة العزيز قبيح، ولا يليق به.
أو هو- كما يقول ابن جرير- رؤيته من آيات الله ما زجره عما كان همّ به.
.
والمعنى: ولقد همت به، أى: ولقد قصدت امرأة العزيز مواقعة يوسف- عليه السلام- قصدا جازما، بعد أن أغرته بشتى الوسائل فلم يستجب لها .
.
.
وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ أى: ومال إلى مطاوعتها بمقتضى طبيعته البشرية وبمقتضى توفر كل الدواعي لهذا الميل .
.
.
ولكن مشاهدته للأدلة على شناعة المعصية، وخوفه لمقام ربه، وعون الله- تعالى- له على مقاومة شهوته .
.
.
كل ذلك حال بينه وبين تنفيذ هذا الميل، وصرفه عنه صرفا كليا، وجعله يفر هاربا طالبا النجاة مما تريده منه تلك المرأة.
هذا هو الرأى الذي نختاره في تفسير هذه الآية الكريمة، وقد استخلصناه من أقوال المفسرين القدامى والمحدثين.
فمن المفسرين القدامى الذين ذكروا هذا الرأى صاحب الكشاف، فقد قال ما ملخصه.

المصدر : تفسير : وراودته التي هو في بيتها عن نفسه