موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من - الآية 235 من سورة البقرة

سورة البقرة الآية رقم 235 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 235 من سورة البقرة عدة تفاسير, سورة البقرة : عدد الآيات 286 - الصفحة 38 - الجزء 2.

﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ ﴾
[ البقرة: 235]


التفسير الميسر

ولا إثم عليكم -أيها الرجال- فيما تُلَمِّحون به مِن طلب الزواج بالنساء المتوفَّى عنهنَّ أزواجهن، أو المطلقات طلاقًا بائنًا في أثناء عدتهن، ولا ذنب عليكم أيضًا فيما أضمرتموه في أنفسكم من نية الزواج بهن بعد انتهاء عدتهن. علم الله أنكم ستذكرون النساء المعتدَّات، ولن تصبروا على السكوت عنهن، لضعفكم؛ لذلك أباح لكم أن تذكروهن تلميحًا أو إضمارًا في النفس، واحذروا أن تواعدوهن على النكاح سرًا بالزنى أو الاتفاق على الزواج في أثناء العدة، إلا أن تقولوا قولا يُفْهَم منه أن مثلها يُرْغَبُ فيها الأزواج، ولا تعزموا على عقد النكاح في زمان العدة حتى تنقضي مدتها. واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فخافوه، واعلموا أن الله غفور لمن تاب من ذنوبه، حليم على عباده لا يعجل عليهم بالعقوبة.

تفسير الجلالين

«ولا جُناح عليكم فيما عَرَّضتم» لوحتم «به من خطبة النساء» المتوفى عنهن أزواجهن في العدة كقول الإنسان: مثلا إنك لجميلة ومن يجد مثلك ورب راغب فيك «أو أكننتم» أضمرتم «في أنفسكم» من قصد نكاحهن «علم الله أنكم ستذكرونهن» بالخطبة ولا تصبرون عنهن فأباح لكم التعريض «ولكن لا تواعدوهن سرّاً» أي نكاحاً «إلا» لكن «أن تقولوا قولاً معروفا» أي ما عرف لكم شرعا من التعريض فلكم ذلك «ولا تعزموا عقدة النكاح» أي على عقده «حتى يبلغ الكتاب» أي المكتوب من العدة «أجله» بأن ينتهي «واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم» من العزم وغيره «فاحذروه» أن يعاقبكم إذا عزمتم «واعلموا أن الله غفور» لمن يحذره «حليم» بتأخير العقوبة عن مستحقها.

تفسير السعدي

هذا حكم المعتدة من وفاة, أو المبانة في الحياة، فيحرم على غير مبينها أن يصرح لها في الخطبة, وهو المراد بقوله: وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا وأما التعريض, فقد أسقط تعالى فيه الجناح.
والفرق بينهما: أن التصريح, لا يحتمل غير النكاح, فلهذا حرم, خوفا من استعجالها, وكذبها في انقضاء عدتها, رغبة في النكاح، ففيه دلالة على منع وسائل المحرم, وقضاء لحق زوجها الأول, بعدم مواعدتها لغيره مدة عدتها.
وأما التعريض, وهو الذي يحتمل النكاح وغيره, فهو جائز للبائن كأن يقول لها: إني أريد التزوج, وإني أحب أن تشاوريني عند انقضاء عدتك, ونحو ذلك, فهذا جائز لأنه ليس بمنزلة الصريح, وفي النفوس داع قوي إليه.
وكذلك إضمار الإنسان في نفسه أن يتزوج من هي في عدتها, إذا انقضت، ولهذا قال: أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ هذا التفصيل كله في مقدمات العقد.
وأما عقد النكاح فلا يحل حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ أي: تنقضي العدة.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أي: فانووا الخير, ولا تنووا الشر, خوفا من عقابه ورجاء لثوابه.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لمن صدرت منه الذنوب, فتاب منها, ورجع إلى ربه حَلِيمٌ حيث لم يعاجل العاصين على معاصيهم, مع قدرته عليهم.

تفسير البغوي

قوله تعالى : ( ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء ) أي النساء المعتدات وأصل التعريض هو التلويح بالشيء والتعريض في الكلام ما يفهم به السامع مراده من غير تصريح والتعريض بالخطبة مباح في العدة وهو أن يقول : رب راغب فيك من يجد مثلك إنك لجميلة وإنك لصالحة وإنك علي لكريمة وإني فيك لراغب ، وإن من غرضي أن أتزوج وإن جمع الله بيني وبينك بالحلال أعجبني ولئن تزوجتك لأحسنن إليك ونحو ذلك من الكلام من غير أن يقول أنكحيني والمرأة تجيبه بمثله إن رغبت فيه وقال إبراهيم : لا بأس أن يهدي لها ويقوم بشغلها في العدة إذا كانت من شأنه .
روي أن سكينة بنت حنظلة بانت من زوجها فدخل عليها أبو جعفر محمد بن علي الباقر في عدتها وقال : يا بنت حنظلة أنا من قد علمت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق جدي علي وقدمي في الإسلام فقالت سكينة أتخطبني وأنا في العدة وأنت يؤخذ العلم عنك؟ فقال : إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وهي في عدة زوجها أبي سلمة فذكر لها منزلته من الله عز وجل وهو متحامل على يده حتى أثر الحصير في يده من شدة تحامله على يده .
والتعريض بالخطبة جائز في عدة الوفاة أما المعتدة عن فرقة الحياة نظر : إن كانت ممن لا يحل لمن بانت منه نكاحها كالمطلقة ثلاثا والمبانة باللعان والرضاع : يجوز خطبتها تعريضا وإن كانت ممن للزوج نكاحها كالمختلعة والمفسوخ نكاحها يجوز لزوجها خطبتها تعريضا وتصريحا .
وهل يجوز للغير تعريضا؟ فيه قولان : أحدهما يجوز كالمطلقة ثلاثا والثاني لا يجوز لأن المعاودة لصاحب العدة كالرجعية لا يجوز للغير تعريضها بالخطبة .
وقوله تعالى : ( من خطبة النساء ) الخطبة التماس النكاح وهي مصدر خطب الرجل المرأة يخطب خطبة وقال الأخفش : الخطبة الذكر والخطبة التشهد فيكون معناه : فيما عرضتم به من ذكر النساء عندهن ، ( أو أكننتم ) أضمرتم ( في أنفسكم ) نكاحهن يقال : أكننت الشيء وكننته لغتان وقال ثعلب : أكننت الشيء أي أخفيته في نفسي وكننته سترته وقال السدي : هو أن يدخل فيسلم ويهدي إن شاء ولا يتكلم بشيء ( علم الله أنكم ستذكرونهن ) بقلوبكم ( ولكن لا تواعدوهن سرا ) اختلفوا في السر المنهي عنه فقال قوم : هو الزنا كان الرجل يدخل على المرأة من أجل الزنية وهو يتعرض بالنكاح ويقول لها : دعيني فإذا أوفيت عدتك أظهرت نكاحك هذا قول الحسن وقتادة وإبراهيم وعطاء ورواية عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال زيد بن أسلم : أي لا ينكحها سرا فيمسكها فإذا حلت أظهر ذلك .
وقال مجاهد : هو قول الرجل لا تفوتيني بنفسك فإني ناكحك وقال الشعبي والسدي لا يأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيره وقال عكرمة : لا ينكحها ولا يخطبها في العدة .
قال الشافعي : السر هو الجماع وقال الكلبي : أي لا تصفوا أنفسكم لهن بكثرة الجماع فيقول آتيك الأربعة والخمسة وأشباه ذلك ويذكر السر ويراد به الجماع قال امرؤ القيس :ألا زعمت بسباسة القوم أنني كبرت وألا يحسن السر أمثاليإنما قيل للزنا والجماع سر لأنه يكون في خفاء بين الرجل والمرأة .
قوله تعالى : ( إلا أن تقولوا قولا معروفا ) ما ذكرنا من التعريض بالخطبة .
قوله تعالى : ( ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله ) أي لا تحققوا العزم على عقدة النكاح في العدة حتى يبلغ الكتاب أجله أي : حتى تنقضي العدة وسماها الله كتابا لأنها فرض من الله كقوله تعالى : " كتب عليكم " أي فرض عليكم ( واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ) أي فخافوا الله ( واعلموا أن الله غفور حليم ) لا يعجل بالعقوبة .

تفسير الوسيط

وقوله- تعالى-: فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ أى: لو حتم وأشرتم به.
من التعريض الذي هو ضد التصريح ومعناه أن يضمن كلامه ما يصلح للدلالة على مقصوده، ويصلح للدلالة على غير مقصوده، إلا أن إشعاره بجانب المقصود أتم وأرجح وأصله من عرض الشيء- بضم العين- أى جانبه ومن أمثلته أن يقول الفقير المحتاج للمحتاج إليه: جئتك لأسلّم عليك.
.
وهو يقصد عطاءه.
وخِطْبَةِ النِّساءِ مخاطبة المرأة أو أوليائها في أمر زواجها.
والخطبة- بكسر الخاء كالجلسة- مأخوذة من الخطب أى الشأن لأنها شأن من الشئون وقيل من الخطاب لأنها نوع- مخاطبة تجرى بين جانب الرجل وجانب المرأة.
والمراد خطبة النساء اللائي فارقهن أزواجهن.
وأَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ أخفيتم وأسررتم من الإكنان وهو الإضمار من غير إعلان.
والمعنى: ولا حرج ولا إثم عليكم أيها الرجال المبتغون للزواج في التعريض بخطبة المرأة أثناء عدتها لتتزوجوهن بعد انقضائها، كما أنه لا إثم عليكم كذلك في الرغبة في الزواج بهن، مع إخفاء ذلك وستره من غير كشف وإعلان لأن التصريح بالخطبة أثناء العدة عمل يتنافى مع آداب الإسلام، ومع تعاليم شريعته، ومع الأخلاق الكريمة، والعقول السليمة، والنفوس الشريفة.
قال القرطبي: قال ابن عطية: أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو نص في تزوجها وتنبيه عليه لا يجوز، وكذلك أجمعت على أن الكلام معها بما هو رفث وذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز وكذلك ما أشبهه وجوز ما عدا ذلك.
ولا يجوز التعريض لخطبة المطلقةطلاقا رجعيا إجماعا لأنها كالزوجة.
وأما من كانت في عدة البينونة فالصحيح جواز التعريض لخطبتها» .
والتعريض في خطبة النساء أساليبه مختلفة، ومما ذكره العلماء في هذا الشأن أن يقول الرجل للمرأة: إنى راغب في الزواج أو أن يقول لوليها: لا تسبقني بها إلى غيرى.
ومن أساليب التعريض ما فعله النبي صلّى الله عليه وسلّم مع السيدة أم سلمة، فقد دخل عليها وهي متأيمة من زوجها أبى سلمة فقال لها: «لقد علمت أنى رسول الله وخيرته وموضعي في قومي» فكان كلامه خطبة لها بأسلوب التعريض.
ومنها ما ذكره صاحب الكشاف عن عبد الله بن سليمان عن خالته- سكينة بنت حنظلة- قالت: دخل على أبو جعفر محمد بن على وأنا في عدتي فقال: قد علمت قرابتي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقرابتي من جدي على بن أبى طالب، وموضعي في العرب، وقدمي في الإسلام.
قالت: فقلت: غفر الله لك يا أبا جعفر! أتخطبني في عدتي وأنت يؤخذ عنك؟ فقال: أو قد فعلت إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وموضعي».
وقوله- تعالى-: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ.
إلخ معطوف على ما قبله في الآية السابقة لأن الكلام في الآيتين في الأحكام المتعلقة بعدة النساء.
وما في قوله: فِيما عَرَّضْتُمْ موصولة.
ومِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ بيان لما، وأل في النساء للعهد والمعهودات هن الزوجات اللائي سبق الحديث عنهن في الآيات التي قبل هذه.
وأَوْ في قوله: أَوْ أَكْنَنْتُمْ للإباحة أو التخيير، ومفعول أكن محذوف يعود إلى ما الموصولة في قوله: فِيما عَرَّضْتُمْ والتقدير: أو أكننتموه.
وفِي أَنْفُسِكُمْ متعلق بأكننتم.
وقوله- تعالى-: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً كالتعليل لما قبله وهو قوله: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ إلخ.
ونهى عما يردى ويفسد، وإباحة لما لا ضرر فيه.
أى: علم الله أنكم يا معشر الرجال ستذكرون هؤلاء النسوة المعتدات بما لهن من جمال ومن حسن عشرة ومن غير ذلك من شئونهن وأن تفكروا فيهن وتهفوا إليهن نفوسكم، والله- تعالى- فضلا منه وكرما قد أباح لكم أن تذكروهن ولكنه ينهاكم عن أن تواعدوهن وعدا سريا بأن تقولوا لهم في السر ما تستحيون من قوله في العلن لقبحه ومنافاته للشرع.
وقوله: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً استثناء مما يدل عليه النهى لا تواعدوهن مواعدة ما إلا مواعدة معروفة غير منكرة شرعا، وهي ما تكون بطريق التلويح والتعريض.
وفي قوله سبحانه: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ بيان لما جبلت عليه النفس البشرية من ميل فطري بين الرجال والنساء، والإسلام لا ينكر هذا الميل وإنما يهذبه ويقومه ويصقله بآدابه الحميدة، وتعاليمه السامية.
وقوله: وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا استدراك على محذوف دل عليه سَتَذْكُرُونَهُنَّ أى:فاذكروهن وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا.
قال القرطبي ما ملخصه: واختلف العلماء في المراد بالسر في قوله- تعالى-: وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا فقيل معناه نكاحا، أى لا يقل الرجل لهذه المعتدة تزوجيني بل يعرض إن أراد، ولا يأخذ ميثاقها وعهدها ألا تنكح غيره في استسرار وخفية.
هذا قول جمهور أهل العلم.
و «سرّا» على هذا التأويل نصب على الحال أى مسرين- وسمى النكاح سرّا لأن مسببه الذي هو الوطء مما يسر- وقيل السر الزنا، أى لا يكونن منكم مواعدة على الزنا في العدة ثم التزوج بعدها.
أى لا تواعدوهن زنا.
واختاره الطبري.
ومنه قول الأعشى:فلا تقربن جارة إن سرها .
.
.
عليك حرام فانكحن أو تأبداأى: «فتزوجها أو ابتعد عنها.
وقيل السر الجماع».
والذي تطمئن إليه النفس أن كلمة (سرا) صفة لموصوف محذوف أى لا تواعدهن وعدا سريا، وأن النهى هنا منصب على كل مواعدة سرية، يقال فيها كل ما ينهى عنه أو يستحيا منه في العلن، لقبحه أو لأن أوانه لم يحن بعد، إذ السرية أو الخلوة بين الرجل والمرأة لا تؤمن مزالقها.
وفي الحديث الشريف أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما» «2» وأن المراد بقوله: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً هو التعريض بالخطبة، وإظهار المودة بطريقة لا تفضى إلى محرم.
قال صاحب الكشاف في قوله: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وهو أن تعرّضوا ولا تصرحوا.
فإن قلت بم يتعلق حرف الاستثناء؟ قلت: بلا تواعدوهن.
أى لا تواعدوهن مواعدة قط إلا مواعدة معروفة غير منكرة: أى لا تواعدوهن إلا بالتعريض .
ثم قال- تعالى-: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ.
العزم: القطع والتصميم، يقال عزم على الشيء إذا صمم وعقد القلب على فعله، وهو يتعدى بعلى وبنفسه فيقال: عزم الشيء وعزم عليه.
وعقدة النكاح: الارتباط الموثق به.
وأصل العقد الشد، والعهود والأنكحة تسمى عقودا لأنها تعقد وتوثق كما يوثق بالحبل.
والمراد بالكتاب هنا الأمر المكتوب المفروض وهو العدة التي حدد الله لها وقتا معينا.
والأجل: هو نهاية المدة التي قررها الشرع للعدة.
والمعنى: لا يسوغ لكم يا معشر الرجال الراغبين في الزواج من النساء اللائي فارقهن أزواجهن أن تعقدوا العزم نهائيا في أثناء العدة على أن تتموا الزواج بعدها، بأن تحول الخطبة من التعريض إلى التصريح، أو تبتوا في أمر الزواج بتا قاطعا بمواعدة أو نحوها، إذ العاقل لا يستعجل أمرا قبل حلول وقته، وإنما الذي يسوغ لكم أن تتموا عقد الزواج بعد انتهاء العدة وبعد أن يكون جو الأحزان قد فتر وجفت حدته.
والنهى عن العزم على عقد النكاح نهى بالأولى عن إبرامه وتنفيذه، لأن العزم على الفعل يتقدمه، فإذا نهى عنه كان الفعل أنهى، فهو كالنهى عن الاقتراب من حدود الله في قوله:تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها.
وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد أباحت شيئين، ونهت عن شيئين: أباحت التعريض بالخطبة للمرأة أثناء عدتها، كما أباحت إخفاء هذه الرغبة في الأنفس وحديثها بها.
ويشهد لذلك قوله- تعالى-: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ونهت عن المواعدة سرا إلا أن يقولوا قولا معروفا عن طريق التعريض، أو أن يسار الرجل المرأة بالقول المعروف الذي أباحه الشرع وارتضته العقول السليمة، والأخلاق الفاضلة، بأن يعدها في السر بالإحسان إليها والاهتمام بشأنها والتكفل بمصالحها حتى يصير ذكر هذه الأشياء الجميلة مؤكدا لذلك التعريض.
أما الشيء الثاني الذي نهت عنه فهو العزم على عقدة النكاح قبل انقضاء العدة.
ويشهد لهذا قوله- تعالى-: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً، وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ.
وبعد هذه الأوامر والنواهي ختم الله- تعالى- الآية بقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ.
أى: اعلموا أيها الناس أن الله- تعالى- يعلم ما يجول في نفوسكم من خير أو شر، وما تهجس به خطرات قلوبكم من مقاصد واتجاهات، فاحذروا أن تقصدوا ما هو شر، أو تفعلوا ما هو منكر، واعلموا أنه- تعالى- غفور لمن تاب وعمل صالحا، حليم لا يعاجل الناس بالعقوبة، ولا يؤاخذهم إلا بما كسبوا.
فالجملة الكريمة تحذير وتبشير، وترغيب وترهيب، لكي لا يتجاسر الناس على ارتكاب ما نهى الله عنه، ولا ييأسوا من رحمته متى تابوا وأنابوا.
هذا، وقد أجمع العلماء على تحريم نكاح المرأة في عدتها، وإذا حدث مثل هذا النكاح ودخل بها فرق بينهما وفسخ النكاح.
ويرى جمهور العلماء أنها تصير محرمة عليه تحريما مؤبدا، ولا يحل له نكاحها ركلك لأنه استحل ما لا يحل فعوقب بحرمانه، كالقاتل يعاقب بحرمانه من ميراث المقتول.
وقيل: يفسخ النكاح ويفرق بينهما فإذا انتهت العدة حلت له ولم يتأبد التحريم.
ولكل فريق أدلته المبسوطة في كتب الفقه.
وبذلك تكون الآية الكريمة قد أرشدت الناس إلى ما يقره الشرع، ويرتضيه الخلق الكريم، ونهتهم عما يتنافى مع تعاليم الإسلام بأسلوب حكيم جمع بين الشدة واللين، والخوف والرجاء، حتى يثوب المخطئون إلى رشدهم ويقلعوا عن خطئهم.
ثم بين- سبحانه- في آيتين كريمتين بعض الأحكام التي تتعلق بالمطلقة قبل الدخول بها، سواء أذكر لها المهر أم لم يذكر، فقال- تعالى-:

المصدر : تفسير : ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من