موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم - الآية 24 من سورة النساء

سورة النساء الآية رقم 24 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 24 من سورة النساء عدة تفاسير, سورة النساء : عدد الآيات 176 - الصفحة 82 - الجزء 5.

﴿ ۞ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۖ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَٰلِكُم مُّحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا تَرَٰضَيۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِيضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا ﴾
[ النساء: 24]


التفسير الميسر

ويحرم عليكم نكاح المتزوجات من النساء، إلا مَنْ سَبَيْتُم منهن في الجهاد، فإنه يحل لكم نكاحهن، بعد استبراء أرحامهن بحيضة، كتب الله عليكم تحريم نكاح هؤلاء، وأجاز لكم نكاح مَن سواهن، ممَّا أحله الله لكم أن تطلبوا بأموالكم العفة عن اقتراف الحرام. فما استمتعتم به منهن بالنكاح الصحيح، فأعطوهن مهورهن، التي فرض الله لهن عليكم، ولا إثم عليكم فيما تمَّ التراضي به بينكم، من الزيادة أو النقصان في المهر، بعد ثبوت الفريضة. إن الله تعالى كان عليمًا بأمور عباده، حكيما في أحكامه وتدبيره.

تفسير الجلالين

«و» حرمت عليكم «المحصَنات» أي ذوات الأزواج «من النساء» أن تنكحوهن قبل مفارقة أزواجهن حرائر مسلمات كن أو لا «إلا ما ملكت أيمانكم» من الإماء بالسبي فلكم وطؤهن وإن كان لهن أزواج في دار الحرب بعد الاستبراء «كتاب الله» نصب على المصدر أي كتب ذلك «عليكم وَأحلَّ» بالبناء للفاعل والمفعول «لكم ما وراء ذلكم» أي سوى ما حرم عليكم من النساء «أن تبتغوا» تطلبوا النساء «بأموالكم» بصداق أو ثمن «محصنين» متزوجين «غير مسافحين» زانين «فما» فمن «استمتعتم» تمتعتم «به منهن» ممن تزوجتم بالوطء «فآتوهن أجورهن» مهورهن التي فرضتم لهن «فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم» أنتم وهن «به من بعد الفريضة» من حطها أو بعضها أو زيادة عليها «إن الله كان عليما» بخلقه «حكيما» فيما دبره لهم.

تفسير السعدي

وَ من المحرمات في النكاح وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ أي: ذوات الأزواج.
فإنه يحرم نكاحهن ما دمن في ذمة الزوج حتى تطلق وتنقضي عدتها.
إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ أي: بالسبي، فإذا سبيت الكافرة ذات الزوج حلت للمسلمين بعد أن تستبرأ.
وأما إذا بيعت الأمة المزوجة أو وهبت فإنه لا ينفسخ نكاحها لأن المالك الثاني نزل منزلة الأول ولقصة بريرة حين خيرها النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أي: الزموه واهتدوا به فإن فيه الشفاء والنور وفيه تفصيل الحلال من الحرام.
ودخل في قوله: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ كلُّ ما لم يذكر في هذه الآية، فإنه حلال طيب.
فالحرام محصور والحلال ليس له حد ولا حصر لطفًا من الله ورحمة وتيسيرًا للعباد.
وقوله: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ أي: تطلبوا من وقع عليه نظركم واختياركم من اللاتي أباحهن الله لكم حالة كونكم مُحْصِنِينَ أي: مستعفين عن الزنا، ومعفين نساءكم.
غَيْرَ مُسَافِحِينَ والسفح: سفح الماء في الحلال والحرام، فإن الفاعل لذلك لا يحصن زوجته لكونه وضع شهوته في الحرام فتضعف داعيته للحلال فلا يبقى محصنا لزوجته.
وفيها دلالة على أنه لا يزوج غير العفيف لقوله تعالى: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ .
فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ أي: ممن تزوجتموها فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أي: الأجور في مقابلة الاستمتاع.
ولهذا إذا دخل الزوج بزوجته تقرر عليه صداقها فَرِيضَةً أي: إتيانكم إياهن أجورهن فرض فرضه الله عليكم، ليس بمنزلة التبرع الذي إن شاء أمضاه وإن شاء رده.
أو معنى قوله فريضة: أي: مقدرة قد قدرتموها فوجبت عليكم، فلا تنقصوا منها شيئًا.
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ أي: بزيادة من الزوج أو إسقاط من الزوجة عن رضا وطيب نفس [هذا قول كثير من المفسرين، وقال كثير منهم: إنها نزلت في متعة النساء التي كانت حلالا في أول الإسلام ثم حرمها النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يؤمر بتوقيتها وأجرها، ثم إذا انقضى الأمد الذي بينهما فتراضيا بعد الفريضة فلا حرج عليهما، والله أعلم].
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا أي: كامل العلم واسعه، كامل الحكمة: فمن علمه وحكمته شرع لكم هذه الشرائع وحد لكم هذه الحدود الفاصلة بين الحلال والحرام.

تفسير البغوي

قوله تعالى : ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ) يعني : ذوات الأزواج ، لا يحل للغير نكاحهن قبل مفارقة الأزواج ، وهذه السابعة من النساء اللاتي حرمت بالسبب .
قال أبو سعيد الخدري : نزلت في نساء كن يهاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهن أزواج فيتزوجهن بعض المسلمين ، ثم قدم أزواجهن مهاجرين فنهى الله المسلمين عن نكاحهن ، ثم استثنى فقال : ( إلا ما ملكت أيمانكم ) يعني : السبايا اللواتي سبين ولهن أزواج في دار الحرب فيحل لمالكهن وطؤهن بعد الاستبراء ، لأن بالسبي يرتفع النكاح بينها وبين زوجها .
قال أبو سعيد الخدري : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين جيشا إلى أوطاس فأصابوا سبايا لهن أزواج من المشركين ، فكرهوا غشيانهن ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وقال عطاء : أراد بقوله ( إلا ما ملكت أيمانكم ) أن تكون أمته في نكاح عبده فيجوز أن ينزعها منه .
وقيل : أراد بالمحصنات الحرائر ، ومعناه : أن ما فوق الأربع حرام منهن إلا ما ملكت أيمانكم ، فإنه لا عدد عليكم في الجواري .
قوله تعالى : ( كتاب الله عليكم ) نصب على المصدر ، أي : كتب الله عليكم كتاب الله ، وقيل : نصب على الإغراء ، أي : الزموا كتاب الله عليكم ، أي : فرض الله تعالى .
قوله تعالى : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) قرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي وحفص " أحل " بضم الأول وكسر الحاء ، لقوله ( حرمت عليكم ) وقرأ الآخرون بالنصب ، أي : أحل الله لكم ما وراء ذلكم ، أي : ما سوى ذلكم الذي ذكرت من المحرمات ، ( أن تبتغوا ) تطلبوا ، ( بأموالكم ) أي تنكحوا بصداق أو تشتروا بثمن ، ( محصنين ) أي : متزوجين أو متعففين ، ( غير مسافحين ) أي : غير زانين ، مأخوذ من سفح الماء وصبه وهو المني ، ( فما استمتعتم به منهن ) اختلفوا في معناه ، فقال الحسن ومجاهد : أراد ما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بالنكاح الصحيح ، ( فآتوهن أجورهن ) أي : مهورهن ، وقال آخرون : هو نكاح المتعة وهو أن ينكح امرأة إلى مدة فإذا انقضت تلك المدة بانت منه بلا طلاق ، وتستبرئ رحمها وليس بينهما ميراث ، وكان ذلك مباحا في ابتداء الإسلام ، ثم نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ، أنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أنا مسلم بن الحجاج ، أنا محمد بن عبد الله بن نمير ، أنا أبي ، أنا عبد العزيز بن عمر ، حدثني الربيع بن سبرة الجهني ، أن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء ، وإن الله تعالى قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا " .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي ، عن أبيهما ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية .
وإلى هذا ذهب عامة أهل العلم : أن نكاح المتعة حرام ، والآية منسوخة .
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يذهب إلى أن الآية محكمة ، ويرخص في نكاح المتعة .
وروي عن أبي نضرة قال سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن المتعة ، فقال : أما تقرأ في سورة النساء : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " ؟ قلت : لا أقرأها هكذا ، قال ابن عباس : هكذا أنزل الله ، ثلاث مرات .
وقيل : إن ابن عباس رضي الله عنهما رجع عن ذلك .
وروى سالم عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : ما بال رجال ينكحون هذه المتعة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها؟ ، لا أجد رجلا نكحها إلا رجمته بالحجارة ، وقال : هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث .
قال الربيع بن سليمان : سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول : لا أعلم في الإسلام شيئا أحل ثم حرم ثم أحل ثم حرم غير المتعة .
قوله تعالى : ( فآتوهن أجورهن ) أي : مهورهن ، ( فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ) فمن حمل ما قبله على نكاح المتعة أراد أنهما [ إذا عقد عقدا إلى أجل بمال ]فإذا تم الأجل فإن شاءت المرأة زادت في الأجل وزاد الرجل في الأجر ، وإن لم يتراضيا فارقها ، ومن حمل الآية على الاستمتاع بالنكاح الصحيح ، قال المراد بقوله ( ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به ) الإبراء عن المهر والافتداء والاعتياض ( إن الله كان عليما حكيما ) .
[ فصل في قدر الصداق وفيما يستحب منه ]اعلم أنه لا تقدير لأكثر الصداق لقوله تعالى : ( وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) والمستحب أن لا يغالى فيه ، قال عمر بن الخطاب : ألا لا تغالوا صدقة النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله صلى الله عليه وسلم ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه ولا أنكح شيئا من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا جعفر بن محمد المفلس ، أنا هارون بن إسحاق ، أنا يحيى بن محمد الحارثي ، أنا عبد العزيز بن محمد ، عن يزيد بن عبد الله بن الهادي ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة قال : سألت عائشة رضي الله عنها كم كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ قالت : كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا ، قالت : أتدري ما النش؟ قلت : لا قالت : نصف أوقية ، فتلك خمسمائة درهم ، هذا صداق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه .
أما أقل الصداق فقد اختلفوا فيه : فذهب جماعة إلى أنه لا تقدير لأقله ، بل ما جاز أن يكون مبيعا أو ثمنا جاز أن يكون صداقا ، وهو قول ربيعة وسفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق ، قال عمر بن الخطاب : في ثلاث قبضات زبيب مهر ، وقال سعيد بن المسيب : لو أصدقها سوطا جاز .
وقال قوم : يتقدر : بنصاب السرقة ، وهو قول مالك وأبي حنيفة ، غير أن نصاب السرقة عند مالك ثلاثة دراهم وعند أبي حنيفة عشرة دراهم .
والدليل على أنه لا يتقدر : ما أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، قال : أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك ، فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال : يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك فيها حاجة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل عندك من شيء تصدقها " ؟ قال : ما عندي إلا إزاري هذا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أعطيتها جلست لا إزار لك ، فالتمس شيئا " ، فقال : ما أجد ، فقال : " فالتمس ولو خاتما من حديد " ، فالتمس فلم يجد شيئا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل معك من القرآن شيء " ؟ قال : نعم سورة كذا وسورة كذا - لسور سماها - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " قد زوجتكها بما معك من القرآن " .
وفيه دليل على أنه لا تقدير لأقل الصداق ، لأنه قال : " التمس شيئا " فهذا يدل على جواز أي شيء كان من المال ، وقال : " ولو خاتما من حديد " ولا قيمة لخاتم الحديد إلا القليل التافه .
وفي الحديث دليل على أنه يجوز تعليم القرآن صداقا وهو قول الشافعي رحمه الله ، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز ، وهو قول أصحاب الرأي ، وكل عمل جاز الاستئجار عليه مثل البناء والخياطة وغير ذلك من الأعمال جاز أن يجعل صداقا ، ولم يجوز أبو حنيفة رضي الله عنه أن يجعل منفعة الحر صداقا ، والحديث حجة لمن جوزه بعدما أخبر الله تعالى عن شعيب عليه السلام حيث زوج ابنته من موسى عليهما السلام على العمل ، فقال : " إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج " ( القصص - 27 ) .

تفسير الوسيط

ثم بين- سبحانه- نوعا سابعا من المحرمات فقال: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ.
وقوله وَالْمُحْصَناتُ من الإحصان وهو في اللغة بمعنى المنع.
يقال: هذه درع حصينة، أى مانعة صاحبها من الجراحة.
ويقال: هذا موضع حصين، أى مانع من يريده بسوء.
ويقال امرأة حصينة أى مانعة نفسها من كل فاحشة بسبب عفتها أو حريتها أو زواجها.
قال الراغب: ويقال حصان للمرأة العفيفة ولذات الحرمة.
قال- تعالى-: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها وقال- تعالى- فَإِذا أُحْصِنَّ أى تزوجن.
وأحصن زوجن.
والحصان في الجملة: المرأة المحصنة إما بعفتها أو بتزوجها أو بمانع من شرفها وحريتها» والمراد بالمحصنات هنا: ذوات الأزواج من النساء.
وقوله وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ معطوف على قوله وَأُمَّهاتُكُمُ في قوله- تعالى-: في آية المحرمات السابقة حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ إلخ.
والمعنى: وكما حرم عليكم نكاح أمهاتكم وبناتكم إلخ، فقد حرم عليكم- أيضا- نكاح ذوات الأزواج من النساء قبل مفارقة أزواجهن لهن، لكي لا تختلط المياه فتضيع الأنساب.
وقوله إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ استثناء من تحريم نكاح ذوات الأزواج والمراد به: النساء المسبيات اللاتي أصابهن السبي ولهن أزواج في دار الحرب، فانه يحل لمالكهن وطؤهن بعد الاستبراء، لارتفاع النكاح بينهن وبين أزواجهن بمجرد السبي.
أو بسبيهن وحدهن دون أزواجهن.
أى: وحرم الله- تعالى- عليكم نكاح ذوات الأزواج من النساء، إلا ما ملكتموهن بسبى فسباؤكم لهن هادم لنكاحهن السابق في دار الكفر، ومبيح لكم نكاحهن بعد استبرائهن.
قال القرطبي ما ملخصه: فالمراد بالمحصنات هاهنا ذوات الأزواج.
أى هن محرمات إلا ما ملكت اليمين بالسبي من أرض الحرب، فإن تلك حلال للذي تقع في سهمه وإن كان لها زوج، وهو قول الشافعى في أن السباء يقطع العصمة.
وقاله ابن وهب وابن عبد الحكم وروياه عن مالك، وقال به أشهب يدل عليه ما رواه مسلم في صحيحه عن أبى سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا يوم حنين إلى أوطاس فلقوا العدو فقاتلوهم وظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا.
فكان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين.
فأنزل الله- عز وجل- في ذلك وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أى فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن، وهذا نص صحيح صريح في أن الآية نزلت بسبب تحرج أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن وطء المسبيات ذوات الأزواج فأنزل الله في جوابهم إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ.
وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وهو الصحيح- إن شاء الله تعالى-» .
وقيل إن المراد بالمحصنات هنا: ذوات الأزواج- كما تقدم-، وبما ملكت أيمانكم: مطلق ملك اليمين.
فكل من انتقل إليه ملك أمة ببيع أو هبة أو سباء أو غير ذلك وكانت متزوجة كان ذلك الانتقال مقتضيا لطلاقها وحلها لمن انتقلت إليه.
وهذا القول ضعيف، لأن عائشة- رضى الله عنها- اشترت بريرة وأعتقتها وكانت ذات زوج، ثم خيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين فسخ نكاحها من زوجها وبين بقائها على هذا النكاح، فدل ذلك على أن بيع الأمة ليس هادما للعصمة، لأنه لو كان هادما لها ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بريرة.
أخرج البخاري عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: اشتريت بريرة.
فاشترط أهلها ولاءها.
فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أعتقيها فإن الولاء لمن أعطى الورق) .
قالت: فأعتقتها.
قالت: فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخيرها في زوجها، فقالت: لو أعطانى كذا وكذا ما بت عنده.
فاختارت نفسها) .
.
.
وقوله- تعالى- كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ساقه- سبحانه- لتأكيده تحريم نكاح الأنواع التي سبق ذكرها.
وقوله كِتابَ مصدر كتب، وهو مصدر مؤكد لعامله أى: كتب الله عليكم تحريم هذه الأنواع التي سبق ذكرها كتابا وفرضه فرضا، فليس لكم أن تفعلوا شيئا مما حرمه الله عليكم، وإنما الواجب عليكم أن تقفوا عند حدوده وشرعه.
وقيل: إن قوله كِتابَ منصوب على الإغراء.
أى: الزموا كتاب الله الذي هو حجة عليكم إلى يوم القيامة ولا تخالفوا شيئا من أوامره أو نواهيه.
وعليه فيكون المراد بالكتاب هنا القرآن الكريم الذي شرع الله فيه ما شرع من الأحكام.
وإلى هنا تكون هذه الآيات الثلاث قد بينت خمسة عشر نوعا من الأنكحة المحرمة.
أما الآية الأولى وهي قوله- تعالى-: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ إلخ فقد بينت نوعا واحدا.
وأما الآية الثانية وهي قوله- تعالى-: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ إلخ فقد بينت ثلاثة عشر نوعا.
وأما الآية الثالثة وهي قوله- تعالى-: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ.
إلخ فقد بينت نوعا واحدا.
قال الفخر الرازي عند تفسيره لقوله- تعالى- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ .
.
.
الآية:اعلم أنه- تعالى- نص على تحريم أربعة عشر صنفا من النساء: سبعة منهن من جهة النسب وهن: الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت.
وسبعة أخرى لا من جهة النسب وهن: الأمهات من الرضاعة والأخوات من الرضاعة، وأمهات النساء والربائب بنات النساء بشرط أن يكون قد دخل بالنساء، وأزواج الأبناء والآباء إلا أن أزواج الأبناء مذكورة ها هنا، وأزواج الآباء مذكورة في الآية المتقدمة، - وهي قوله وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ والجمع بين الأختين هذا، وبعد أن بين- سبحانه- المحرمات من النساء، عقب ذلك بإيراد جملة كريمة بين فيها ما يحل نكاحه من النساء فقال- تعالى-: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ.
وما هنا المراد بها عموم النساء.
وكلمة وَراءَ هنا بمعنى غير أو دون كما في قول بعضهم: (وليس وراء الله للمرء مذهب) .
واسم الإشارة ذلِكُمْ يعود إلى ما تقدم من المحرمات.
والجملة الكريمة معطوفة على قوله «حرمت عليكم أمهاتكم» إلخ.
ومن قرأ أُحِلَّ لَكُمْ .
.
.
ببناء الفعل للفاعل جعلها معطوفة على كتب المقدر في قوله كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ.
.
.
.
والمعنى: حرمت عليكم هؤلاء المذكورات، وأحل لكم نكاح ما سواهن من النساء.
قال القرطبي: قوله- تعالى وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص وَأُحِلَّ لَكُمْ ردا على حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ وقرأ الباقون بالفتح ردا على قوله- تعالى- كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ.
وهذا يقتضى ألا يحرم من النساء إلا من ذكر، وليس كذلك فإن الله- تعالى- قد حرم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من لم يذكر في الآية فيضم إليها.
قال- تعالى-: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.
روى مسلم عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها» .
وقد قيل: إن تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها متلقى من الآية نفسها لأن الله- تعالى- حرم الجمع بين الأختين، والجمع بين المرأة وعمتها- أو خالتها- في معنى الجمع بين الأختين أو لأن الخالة في معنى الوالدة والعمة في معنى الوالد والصحيح الأول: لأن الكتاب والسنة كالشىء الواحد فكأنه قال: «أحللت لكم ما وراء من ذكرنا في الكتاب وما وراء ما أكملت به البيان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم» .
ثم رفع- سبحانه- من شأن المرأة وكرمها بأن جعل إيتاءها المهر شرطا لاستحلال نكاحها إعزازا لها فقال- تعالى- أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ.
وقوله: تَبْتَغُوا من الابتغاء بمعنى الطلب الشديد.
وقوله: مُحْصِنِينَ من الإحصان وهو هنا بمعنى العفة وتحصين النفس ومنعها عن الوقوع فيما يغضب الله- تعالى-.
وقوله: مُسافِحِينَ من السفاح بمعنى الزنا والمسافح: هو الزاني.
ولفظ السفاح مأخوذ من السفح وهو صب الماء وسيلانه.
وسمى به الزنا لأن الزاني لا غرض له إلا صب النطفة فقط دون نظر إلى الأهداف الشريفة التي شرعها الله وراء النكاح.
وقوله أَنْ تَبْتَغُوا في محل نصب بنزع الخافض على أنه مفعول له لما دل عليه الكلام ومُحْصِنِينَ وغَيْرَ مُسافِحِينَ حالان من فاعل تَبْتَغُوا.
والمعنى: بين لكم- سبحانه- ما حرم عليكم من النساء، وأحل لكم ما وراء ذلكم، من أجل أن تطلبوا الزواج من النساء اللائي أحلهن الله لكم أشد الطلب، عن طريق ما تقدمونه لهن من أموالكم كمهور، وبذلك تكونون قد أحصنتم أنفسكم ومنعتموها عن السفاح والفجور والزنا.
قال بعضهم: وكان أهل الجاهلية إذا خطب الرجل منهم المرأة قال: انكحينى.
فإذا أراد الزنا قال: سافحينى.
والمسافحة أن تقيم امرأة مع رجل على الفجور من غير تزويج صحيح.
قال الآلوسى: وظاهر الآية حجة لمن ذهب إلى أن المهر لا بد وأن يكون مالا وبه قال الأحناف.
وقال بعض الشافعية: لا حجة في ذلك، لأن تخصيص المال لكونه الأغلب المتعارف، فيجوز النكاح على ما ليس بمال.
ويؤيد ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما عن سهل بن سعد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل رجلا خطب الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ماذا معك من القرآن؟قال: معى سورة كذا وكذا وعددهن.
قال: تقرءوهن على ظهر قلبك؟ قال: نعم قال: اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن» .
ووجه التأييد أنه لو كان في الآية حجة لما خالفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجيب بأن كون القرآن معه لا يوجب كونه بدلا، والتعليم ليس له ذكر في الخبر، فيجوز أن يكون مراده صلى الله عليه وسلم: زوجتك تعظيما للقرآن ولأجل ما معك منه» .
ثم قال- تعالى-: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً.
والاستمتاع: طلب المتعة والتلذذ بما فيه منفعة ولذة.
والمراد بقوله أُجُورَهُنَّ أى مهورهن لأنها في مقابلة الاستمتاع فسميت أجرا.
وما: في قوله فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ واقعة على الاستمتاع.
والعائد في الخبر محذوف أى فآتوهن أجورهن عليه.
والمعنى: فما انتفعتم وتلذذتم به من النساء عن طريق النكاح الصحيح فآتوهن أجورهن عليه.
ويصح أن تكون ما واقعة على النساء باعتبار الجنس أو الوصف.
وأعاد الضمير عليها مفردا في قوله بِهِ باعتبار لفظها، وأعاده عليها جمعا في قوله مِنْهُنَّ باعتبار معناها.
ومن في قوله مِنْهُنَّ للتبعيض أو للبيان.
والجار والمجرور في موضع النصب على الحال من ضمير بِهِ:والمعنى: فأى فرد أو الفرد الذي تمتعتم به حال كونه من جنس النساء أو بعضهن فأعطوهن أجورهن على ذلك.
والمراد من الأجور: المهور.
وسمى المهر أجرا لأنه بدل عن المنفعة لا عن العين.
وقوله فَرِيضَةً مصدر مؤكد لفعل محذوف أى: فرض الله عليكم ذلك فريضة.
أو حال من الأجور بمعنى مفروضة.
أى: فآتوهن أجورهن حالة كونها مفروضة عليكم.
ثم بين- سبحانه- أنه لا حرج في أن يتنازل أحد الزوجين لصاحبه عن حقه أو عن جزء منه ما دام ذلك حاصلا بالتراضي فقال- تعالى-: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً.
أى: لا إثم ولا حرج عليكم فيما تراضيتم به أنتم وهن من إسقاط شيء من المهر أو الإبراء منه أو الزيادة عليه ما دام ذلك بالتراضي بينكم ومن بعد اتفاقكم على مقدار المهر الذي سميتموه وفرضتموه على أنفسكم.
وقد ذيل- سبحانه- الآية الكريمة بقوله إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً لبيان أن ما شرعه هو بمقتضى علمه الذي أحاط بكل شيء، وبمقتضى حكمته التي تضع كل شيء في موضعه.
فأنت ترى أن الآية الكريمة مسوقة لبيان بعض الأنواع من النساء اللاتي حرم الله نكاحهن، ولبيان ما أحله الله منهن بعبارة جامعة، ثم لبيان أن الله- تعالى- قد فرض على الأزواج الذين يبتغون الزوجات عن طريق النكاح الصحيح الشريف أن يعطوهن مهورهن عوضا عن انتفاعهم بهن، وأنه لا حرج في أن يتنازل أحد الزوجين لصاحبه عن حقه أو عن شيء منه ما دام ذلك بسماحة نفس، ومن بعد تسمية المهر المقدر.
هذا، وقد حمل بعض الناس هذه الآية على أنها واردة في نكاح المتعة وهو عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معين لكي يستمتع بها.
قالوا: لأن معنى قوله- تعالى-: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ: فمن جامعتموهن ممن نكحتموهن نكاح المتعة فآتوهن أجورهن.
ولا شك أن هذا القول بعيد عن الصواب، لأنه من المعلوم أن النكاح الذي يحقق الإحصان والذي لا يكون الزوج به مسافحا.
هو النكاح الصحيح الدائم المستوفى شرائطه، والذي وصفه الله بقوله وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً.
وإذا فقد بطل حمل الآية على أنها في نكاح المتعة لأنها تتحدث عن النكاح الصحيح الذي يتحقق معه الإحصان، وليس النكاح الذي لا يقصد به إلا سفح الماء وقضاء الشهوة.
قال ابن كثير: وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة، ولا شك أنه كان مشروعا في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد ذلك.
وقد روى عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للضرورة.
ولكن الجمهور على خلاف ذلك، والعمدة ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين على بن أبى طالب قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، وفي صحيح مسلم عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«يا أيها الناس إنى كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة.
فمن كانت عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا» .
وقال الآلوسى: وقيل الآية في المتعة، وهي النكاح إلى أجل معلوم من يوم أو أكثر.
والمراد، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ من استئناف عقد آخر بعد انقضاء الأجل المضروب في عقد المتعة، بأن يزيد الرجل في الأجر وتزيد المرأة في المدة، وإلى ذلك ذهبت الإمامية- من طائفة الشيعة- ثم قال: ولا نزاع عندنا في أنها أحلت ثم حرمت، والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين.
فقد كانت حلالا قبل يوم خيبر ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس لاتصالهما، ثم حرمت يومئذ بعد ثلاث تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة .
.
.
».
وقال بعض العلماء: وهذا النص وهو قوله- تعالى- فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً قد تعلق به بعض المفسدين الذين لم يفهموا معنى العلاقات المحرمة بين الرجل والمرأة، فادعوا أنه يبيح المتعة .
.
.
والنص بعيد عن هذا المعنى الفاسد بعد ما قالوه عن الهداية لأن الكلام كله في عقد الزواج فسابقه ولا حقه في عقد الزواج، والمتعة حتى على كلامهم لا يسمى عقد نكاح أبدا.
وقد تعلقوا مع هذا بعبارات رووها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح المتعة في غزوات ثم نسخها، وبأن ابن عباس كان يبيحها في الغزوات وهذا الاستدلال باطل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نسخها، فكان عليهم عند تعلقهم برواية مسلم أن يأخذوا بها جملة أو يتركوها، وجملتها تؤدى إلى النسخ لا إلى البقاء.
وإذا قالوا إننا نتفق معكم على الإباحة ونخالفكم في النسخ فنأخذ المجمع عليه ونترك غيره قلنا لهم: إن النصوص التي أثبتت الإباحة هي التي أثبتت النسخ، وما اتفقنا معكم على الإباحة لأننا نقرر نسخ الإباحة.
على أننا نقول: إن ترك النبي صلى الله عليه وسلم المتعة لهم قبل الأمر الجازم بالمنع، ليس من قبيل الإباحة، بل هو من قبيل الترك حتى تستأنس القلوب بالإيمان وتترك عادات الجاهلية، وقد كان شائعا بينهم اتخاذ الأخدان وهو ما نسميه اتخاذ الخلائل.
وهذه هي متعتهم، فنهى القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم عنها.
وإن الترك مدة لا يسمى إباحة وإنما يسمى عفوا حتى تخرج النفوس من جاهليتها، والذين يستبيحونها باقون على الجاهلية الأولى.
وابن عباس- رضى الله عنه- قد رجع عن فتواه بعد أن قال له إمام الهدى على بن أبى طالب: إنك امرؤ تائه، لقد نسخها النبي صلى الله عليه وسلم والله لا أوتى بمستمتعين إلا رجمتهما».
وبذلك نرى أن الآية الكريمة واردة في شأن النكاح الصحيح الذي يحقق الإحصان ولا يكون الزوج به مسافحا.
وأن القول بأنها تدل على نكاح المتعة قول بعيد عن الحق والصواب للأسباب التي سبق ذكرها.
وبعد أن بين- سبحانه- المحرمات من النساء، وبين من يحل نكاحه منهن، عقب ذلك ببيان ما ينبغي أن يفعله من لا يستطيع نكاح المحصنات المؤمنات فقال- تعالى-:

المصدر : تفسير : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم