موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن - الآية 27 من سورة الفتح

سورة الفتح الآية رقم 27 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 27 من سورة الفتح عدة تفاسير, سورة الفتح : عدد الآيات 29 - الصفحة 514 - الجزء 26.

﴿ لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡيَا بِٱلۡحَقِّۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَۖ فَعَلِمَ مَا لَمۡ تَعۡلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتۡحٗا قَرِيبًا ﴾
[ الفتح: 27]


التفسير الميسر

لقد صدق الله رسوله محمدًا رؤياه التي أراها إياه بالحق أنه يدخل هو وأصحابه بيت الله الحرام آمنين، لا تخافون أهل الشرك، محلِّقين رؤوسكم ومقصِّرين، فعلم الله من الخير والمصلحة (في صرفكم عن "مكة" عامكم ذلك ودخولكم إليها فيما بعد) ما لم تعلموا أنتم، فجعل مِن دون دخولكم "مكة" الذي وعدتم به، فتحًا قريبًا، وهو هدنة "الحديبية" وفتح "خيبر".

تفسير الجلالين

«لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحقِّ» رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم عام الحديبية قبل خروجه أنه يدخل مكة هو وأصحابه آمنين ويحلقون ويقصرون فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا فلما خرجوا معه وصدهم الكفار بالحديبية ورجعوا وشق عليهم ذلك وراب بعض المنافقين نزلت، وقوله بالحق متعلق بصدق أو حال من الرؤيا وما بعدها تفسيرها «لتدخلنِّ المسجد الحرام إنْ شاء الله» للتبرك «آمنين محلقين رءوسكم» أي جميع شعورها «ومقصرين» بعض شعورها وهما حالان مقدرتان «لا تخافون» أبدا «فعلم» في الصلح «ما لم تعلموا» من الصلاح «فجعل من دون ذلك» أي الدخول «فتحا قريبا» هو فتح خيبر وتحققت الرؤيا في العام القابل.

تفسير السعدي

يقول تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المدينة رؤيا أخبر بها أصحابه، أنهم سيدخلون مكة ويطوفون بالبيت، فلما جرى يوم الحديبية ما جرى، ورجعوا من غير دخول لمكة، كثر في ذلك الكلام منهم، حتى إنهم قالوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ فقال: " أخبرتكم أنه العام؟" قالوا: لا، قال: "فإنكم ستأتونه وتطوفون به" قال الله هنا: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ أي: لا بد من وقوعها وصدقها، ولا يقدح في ذلك تأخر تأويلها، لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ أي: في هذه الحال المقتضية لتعظيم هذا البيت الحرام، وأدائكم للنسك، وتكميله بالحلق والتقصير، وعدم الخوف، فَعَلِمَ من المصلحة والمنافع مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ الدخول بتلك الصفة فَتْحًا قَرِيبًا ولما كانت هذه الواقعة مما تشوشت بها قلوب بعض المؤمنين، وخفيت عليهم حكمتها، فبين تعالى حكمتها ومنفعتها، وهكذا سائر أحكامه الشرعية، فإنها كلها، هدى ورحمة.

تفسير البغوي

( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ) وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أري في المنام بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام آمنين ، ويحلقون رءوسهم ويقصرون ، فأخبر بذلك أصحابه ، ففرحوا وحسبوا أنهم داخلو مكة عامهم ذلك ، فلما انصرفوا ولم يدخلوا شق عليهم ، فأنزل الله هذه الآية .
وروي عن مجمع بن جارية الأنصاري : قال شهدنا الحديبية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، [ فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الأباعر ، فقال بعضهم : ما بال الناس ؟ فقالوا : أوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : فخرجنا نوجف ، فوجدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ] واقفا على راحلته عند كراع الغميم ، فلما اجتمع إليه الناس قرأ : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " ، فقال عمر : أو فتح هو يا رسول الله ؟ قال : " نعم والذي نفسي بيده " .
ففيه دليل على أن المراد بالفتح صلح الحديبية ، وتحقق الرؤيا كان في العام المقبل ، فقال جل ذكره :" لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق " ، أخبر أن الرؤية التي أراه إياها في مخرجه إلى الحديبية أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام صدق وحق .
قوله : ( لتدخلن ) يعني وقال : لتدخلن .
وقال ابن كيسان : " لتدخلن " من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه حكاية عن رؤياه ، فأخبر الله عن رسوله أنه قال ذلك ، وإنما استثنى مع علمه بدخولها بإخبار الله تعالى ، تأدبا بآداب الله ، حيث قال له : " ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله " ( الكهف - 23 ) .
وقال أبو عبيدة : " إن " بمعنى إذ ، مجازه : إذ شاء الله ، كقوله : " إن كنتم مؤمنين " .
وقال الحسين بن الفضل : يجوز أن يكون الاستثناء من الدخول ، لأن بين الرؤيا وتصديقها سنة ، ومات في تلك السنة ناس فمجاز الآية : لتدخلن المسجد الحرام كلكم إن شاء الله .
وقيل الاستثناء واقع على الأمن لا على الدخول ، لأن الدخول لم يكن فيه شك ، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عند دخول المقبرة : " وإنا إن شاء الله بكم لاحقون " ، فالاستثناء راجع إلى اللحوق لا إلى الموت .
( محلقين رءوسكم ) كلها ( ومقصرين ) بأخذ بعض شعورها ( لا تخافون فعلم ما لم تعلموا ) أن الصلاح كان في الصلح وتأخير الدخول ، وهو قوله تعالى : " ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات " الآية ( الفتح - 25 ) .
( فجعل من دون ذلك ) أي من قبل دخولكم المسجد الحرام ( فتحا قريبا ) وهو صلح الحديبية عند الأكثرين ، وقيل : فتح خيبر .

تفسير الوسيط

قال الآلوسى ما ملخصه: «رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنام قبل خروجه إلى الحديبية، أنه هو وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين، وقد حلقوا وقصروا، فقص الرؤيا على أصحابه، ففرحوا واستبشروا، وظنوا أنهم سيدخلونها في عامهم هذا، وقالوا: إن رؤيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حق، فلما تأخر ذلك قال بعض المنافقين- على سبيل التشكيك والاعتراض- والله ما حلقنا ولا قصرنا، ولا رأينا المسجد الحرام، فنزلت هذه الآية.
وقد روى عن عمر- رضى الله عنه- أنه قال نحو ذلك- على سبيل الفهم والاستكشاف- ليزداد يقينه .
.
.
والصدق يكون بالقول ويكون بالفعل، وما في الآية صدق بالفعل، وهو التحقيق، أى حقق- سبحانه- للرسول رؤيته.
.
» .
وقوله بِالْحَقِّ صفة لمصدر محذوف، أى: صدقا ملتبسا بالحق، أو بمحذوف على أنه حال من الرؤيا، أى: رؤيا ملتبسة بالحق.
والمعنى: والله لقد أرينا رسولنا محمدا صلّى الله عليه وسلّم الرؤيا الصادقة التي لا تتخلف، ولا يحوم حولها ريب أو شك، وحققنا له ما اشتملت عليه هذه الرؤيا من بشارات سارة، وعطايا كريمة، على حسب ما اقتضته حكمتنا وإرادتنا.
وقوله: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ.
.
جواب لقسم محذوف، وقوله: آمِنِينَ وما بعده، حال من فاعل لَتَدْخُلُنَّ.
.
أى: والله لتدخلن- أيها المؤمنون- المسجد الحرام في عامكم المقبل إن شاء الله، حالة كونكم آمنين من كل فزع، وحالة كونكم بعضكم يحلق شعر رأسه كله، وبعضكم يكتفى بقص جزء منه، وحالة كونكم لا تخافون أذى المشركين بعد ذلك.
وقوله: إِنْ شاءَ اللَّهُ فيه ما فيه من الإشعار بأن الرؤيا مع صدقها، تحقيقها موكول إلى مشيئة الله- تعالى- وإلى قدرته، لا إلى أحد سواه، وفيه ما فيه من تعليم الناس وإرشادهم إلى أنهم يجب عليهم أن يقولوا ذلك ويعتقدوه عند إرادتهم لفعل من الأفعال، كما قال- تعالى- وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ .
.
.
قال بعض العلماء: «إن الله- تعالى- استثنى فيما يعلم، ليستثني الخلق فيما لا يعلمون.
ويرى بعضهم: أن الاستثناء هنا لتحقيق الخبر وتأكيده.
واستدل بعضهم بهذه الآية على أن الحلق غير متعين في النسك، بل يجزئ عنه التقصير، إلا أن الحلق أفضل، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اللهم اغفر للمحلقين» قالوا: يا رسول الله، والمقصرين، قال اللهم اغفر للمحلقين، قالوا:يا رسول الله، والمقصرين، قال اللهم اغفر للمحلقين.
.
ثم قال بعد الثالثة: والمقصرين» .
واستدل بها- أيضا- على أن التقصير للرأس دون اللحية، ودون سائر شعر البدن، إذ الظاهر أن المراد: ومقصرين شعر رءوسكم» .
وقوله: لا تَخافُونَ تأكيد وتقرير لقوله آمِنِينَ أى: آمنين عند دخولكم مكة للعمرة ولا تخافون بعد إتمامها، لأن عناية الله- تعالى- ورعايته معكم .
.
.
وقوله: فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا، فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً بيان للحكمة في تأخير دخولهم مكة عام الحديبية، وتمكينهم من دخولها في العام الذي يليه.
والجملة الكريمة معطوفة على قوله: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ .
.
.
أى: والله لقد حقق الله- تعالى- لرسوله رؤياه في دخول مكة، ولكن في الوقت الذي يشاؤه ويختاره وتقتضيه حكمته، لأنه- تعالى- علم ما لم تعلموه أنتم من أن المصلحة في عدم دخولكم مكة في عام صلح الحديبية، وأن هذا الصلح هو خير لكم من دخولها، لما يترتب عليه من منافع كثيرة لكم، وقد جعل- سبحانه- بفضله وإحسانه مِنْ دُونِ ذلِكَ أى: من قبل دخولكم مكة، وطوافكم بالمسجد الحرام فَتْحاً قَرِيباً هو فتح خيبر الذي خرجتم منه بالغنائم الوفيرة، أو فتح خيبر ومعه صلح الحديبية، الذي قال فيه الزهري لا فتح في الإسلام كان أعظم من صلح الحديبية .
.
.
هذا، وقد بسط الإمام ابن كثير ما أصابه المسلمون بعد صلح الحديبية من خيرات فقال ما ملخصه: «ورجع الرسول صلّى الله عليه وسلّم من الحديبية في ذي القعدة من السنة السادسة.
.
ثم خرج في المحرم من السنة السابعة إلى خيبر، ففتحها الله- تعالى- عليه .
.
.
فلما كان في ذي القعدة من السنة السابعة، خرج إلى مكة معتمرا، هو وأهل الحديبية، فأحرم من ذي الحليفة، وساق معه الهدى .
.
.
وسار إلى مكة بالسيوف مغمدة في قربها.
فدخلها وبين يديه أصحابه يلبون، وعبد الله بن رواحه آخذ بزمام ناقة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وينشد ويقول:خلوا بنى الكفار عن سبيله إنى شهيد أنه رسوله وخرج المشركون من مكة لكي لا يروا الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، أما النساء والأطفال فقد جلسوا على الطرق ينظرون إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وإلى المؤمنين.
.
ومكث الرسول وأصحابه بمكة ثلاثة أيام اعتمر خلالها هو وأصحابه، ثم عادوا إلى المدينة» .

المصدر : تفسير : لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن