موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن - الآية 29 من سورة الكهف

سورة الكهف الآية رقم 29 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 29 من سورة الكهف عدة تفاسير, سورة الكهف : عدد الآيات 110 - الصفحة 297 - الجزء 15.

﴿ وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا ﴾
[ الكهف: 29]


التفسير الميسر

وقل لهؤلاء الغافلين: ما جئتكم به هو الحق من ربكم، فمن أراد منكم أن يصدق ويعمل به، فليفعل فهو خير له، ومن أراد أن يجحد فليفعل، فما ظَلَم إلا نفسه. إنا أعتدنا للكافرين نارًا شديدة أحاط بهم سورها، وإن يستغث هؤلاء الكفار في النار بطلب الماء مِن شدة العطش، يُؤتَ لهم بماء كالزيت العَكِر شديد الحرارة يشوي وجوههم. قَبُح هذا الشراب الذي لا يروي ظمأهم بل يزيده، وقَبُحَتْ النار منزلا لهم ومقامًا. وفي هذا وعيد وتهديد شديد لمن أعرض عن الحق، فلم يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يعمل بمقتضاها.

تفسير الجلالين

«وقل» له ولأصحابه هذا القرآن «الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» تهديد لهم «إنا أعتدنا للظالمين» أي الكافرين «نارا أحاط بهم سرادقها» ما أحاط بها «وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل» كعكر الزيت «يشوي الوجوه» من حره إذا قرب إليها «بئس الشراب» هو «وساءت» أي النار «مرتفقا» تمييز منقول عن الفاعل أي قبح مرتفقها وهو مقابل لقوله الآتي في الجنة «وحسنت مرتفقا» وإلا فأي ارتفاق في النار.

تفسير السعدي

أي: قل للناس يا محمد: هو الحق من ربكم أي: قد تبين الهدى من الضلال، والرشد من الغي، وصفات أهل السعادة، وصفات أهل الشقاوة، وذلك بما بينه الله على لسان رسوله، فإذا بان واتضح، ولم يبق فيه شبهة.
فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ أي: لم يبق إلا سلوك أحد الطريقين، بحسب توفيق العبد، وعدم توفيقه، وقد أعطاه الله مشيئة بها يقدر على الإيمان والكفر، والخير والشر، فمن آمن فقد وفق للصواب، ومن كفر فقد قامت عليه الحجة، وليس بمكره على الإيمان، كما قال تعالى لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي وليس في قوله: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر الإذن في كلا الأمرين، وإنما ذلك تهديد ووعيد لمن اختار الكفر بعد البيان التام، كما ليس فيها ترك قتال الكافرين.
ثم ذكر تعالى مآل الفريقين فقال: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ بالكفر والفسوق والعصيان نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا أي: سورها المحيط بها، فليس لهم منفذ ولا طريق ولا مخلص منها، تصلاهم النار الحامية.
وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا أي: يطلبوا الشراب، ليطفئ ما نزل بهم من العطش الشديد.
يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ أي: كالرصاص المذاب، أو كعكر الزيت، من شدة حرارته.
يَشْوِي الْوُجُوهَ أي: فكيف بالأمعاء والبطون، كما قال تعالى يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد بِئْسَ الشَّرَابُ الذي يراد ليطفئ العطش، ويدفع بعض العذاب، فيكون زيادة في عذابهم، وشدة عقابهم.
وَسَاءَتْ النار مُرْتَفَقًا وهذا ذم لحالة النار، أنها ساءت المحل، الذي يرتفق به، فإنها ليست فيها ارتفاق، وإنما فيها العذاب العظيم الشاق، الذي لا يفتر عنهم ساعة، وهم فيه مبلسون قد أيسوا من كل خير، ونسيهم الرحيم في العذاب، كما نسوه.

تفسير البغوي

( وقل الحق من ربكم ) أي ما ذكر من الإيمان والقرآن معناه : قل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا : أيها الناس [ قد جاءكم من ربكم الحق ] وإليه التوفيق والخذلان وبيده الهدى والضلال ليس إلي من ذلك شيء .
( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) هذا على طريق التهديد والوعيد كقوله : " اعملوا ما شئتم " ( فصلت - 40 ) .
وقيل معنى الآية : وقل الحق من ربكم ولست بطارد المؤمنين لهواكم فإن شئتم فآمنوا وإن شئتم فاكفروا فإن كفرتم فقد أعد لكم ربكم نارا أحاط بكم سرادقها وإن آمنتم فلكم ما وصف الله عز وجل لأهل طاعته .
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى الآية : من شاء الله له الإيمان آمن ومن شاء له الكفر كفر وهو قوله : " وما تشاءون إلا أن يشاء الله " ( الإنسان - 30 ) .
( إنا أعتدنا ) أعددنا وهيأنا من الإعداد وهو العدة ( للظالمين ) للكافرين ( نارا أحاط بهم سرادقها ) " السرادق " : الحجرة التي تطيف بالفساطيط .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي أنبأنا عبد الله بن محمود أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أنبأنا عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد حدثني عمرو بن الحارث عن دراج بن أبي السمح عن أبي الهيثم بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : " سرادق النار أربعة جدر كثف كل جدار مثل مسيرة أربعين سنة " .
قال ابن عباس : هو حائط من نار .
وقال الكلبي : هو عنق يخرج من النار فيحيط بالكفار كالحظيرة .
وقيل : هو دخان يحيط بالكفار وهو الذي ذكره الله تعالى : " انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب " ( المرسلات - 30 ) .
( وإن يستغيثوا ) من شدة العطش ( يغاثوا بماء كالمهل )أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي أنبأنا عبد الله بن محمود أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال حدثنا عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد حدثنا عمرو بن الحارث عن دراج بن أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ( بماء كالمهل ) قال كعكر الزيت فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه فيه " .
وقال ابن عباس : هو ماء غليظ مثل دردي الزيت .
وقال مجاهد : هو القيح والدم .
وسئل ابن مسعود عن : " المهل " فدعا بذهب وفضة فأوقد عليهما النار حتى ذابا ثم قال : هذا أشبه شيء بالمهل .
( يشوي الوجوه ) ينضج الوجوه من حره .
( بئس الشراب وساءت ) النار ( مرتفقا ) قال ابن عباس : منزلا وقال مجاهد : مجتمعا وقال عطاء : مقرا .
وقال القتيبي : مجلسا .
وأصل " المرتفق " : المتكأ .

تفسير الوسيط

ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجهر بكلمة الحق في وجوه المستكبرين، فقال.
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ .
.
.
أى: وقل: أيها الرسول- لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا، واتبعوا أهواءهم، وكان أمرهم فرطا، قل لهم: هذا الذي جئتكم به من قرآن هو الحق من ربكم وخالقكم.
.
فقوله: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ خبر لمبتدأ محذوف.
أو أن لفظ الْحَقُّ مبتدأ، والجار والمجرور خبره.
أى: الحق الذي جئتكم به في هذا القرآن العظيم، كائن مبدؤه من ربكم، وليس من أحد سواه.
وليس المراد من قوله فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ التخيير بين الإيمان والكفر، بل المراد به التهديد والتخويف، بدليل قوله- تعالى- بعد ذلك إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً.
.
إلخ.
أى: قل لهم جئتكم من ربكم بالحق الذي يجب اتباعه، فمن شاء أن يؤمن به فليفعل فإن عاقبته الخير والثواب، ومن شاء أن يكفر به فليكفر فإن عاقبته الخسران والعقاب، كما بين- سبحانه- ذلك في قوله: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها.
والسرادق: كل ما أحاط بغيره، كالحائط أو السور الذي يحيط بالبناء، فيمنع من الوصول إلى ما بداخله.
أى: إنا هيأنا وأعددنا للكافرين بهذا الحق نارا مهولة عظيمة، أحاط بهم سياجها إحاطة تامة بحيث لا يستطيعون الخروج منه، وإنما هم محصورون بداخله.
كما ينحصر الشيء بداخل ما يحدق به من كل جانب.
وقوله: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ، بِئْسَ الشَّرابُ، وَساءَتْ مُرْتَفَقاً بيان لما ينزل بهم من عذاب عند ما يطلبون الغوث مما هم فيه من كروب.
والمهل في اللغة: يطلق على ما أذيب من جواهر الأرض.
كالحديد، والرصاص،والنحاس، ونحو ذلك كما يطلق- أيضا- على الماء الغليظ كدردي الزيت أى: ما تعكر منه.
وقيل.
هو نوع من القطران أو السم.
والمرتفق: المتكأ، من الارتفاق وهو الاتكاء على مرفق اليد.
أى: إن هؤلاء الكافرين، إن يطلبوا الغوث عما هم فيه من كرب وعطش، يغاثوا بماء كالمهل في شدة حرارته ونتنه وسواده، هذا الماء يَشْوِي الْوُجُوهَ أى: يحرقها.
بِئْسَ الشَّرابُ ذلك الماء الذي يغاثون به «وساءت» النار منزلا ينزلون به، ومتكأ يتكئون عليه.
فالآية الكريمة تصور ما ينزل بهؤلاء الظالمين من عذاب، تصويرا ترتجف من هوله الأبدان، ويدخل الرعب والفزع على النفوس.
قال بعضهم: فإن قيل، أى إغاثة لهم في ماء كالمهل مع أنه من أشد العذاب، وكيف قال- سبحانه-، يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ؟فالجواب: إن هذا من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن ونظيره من كلام العرب قول عمرو بن معد يكرب.
وخيل قد دلفت لها بخيل .
.
.
تحية بينهم ضرب وجيعأى: لا تحية لهم إلا الضرب الوجيع، وإذا كان هؤلاء الظالمون لا يغاثون إلا بماء كالمهل، علم من ذلك أنهم لا إغاثة لهم مطلقا» .
والمخصوص بالذم في قوله: بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً محذوف، بئس الشراب ذلك الماء الذي يغاثون به، وساءت النار مكانا للارتفاق والاتكاء.

المصدر : تفسير : وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن