موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم - الآية 32 من سورة النور

سورة النور الآية رقم 32 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 32 من سورة النور عدة تفاسير, سورة النور : عدد الآيات 64 - الصفحة 354 - الجزء 18.

﴿ وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡۚ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ ﴾
[ النور: 32]


التفسير الميسر

وزوِّجوا- أيها المؤمنون- مَن لا زوج له من الأحرار والحرائر والصالحين مِن عبيدكم وجواريكم، إن يكن الراغب في الزواج للعفة فقيرًا يغنه الله من واسع رزقه. والله واسع كثير الخير عظيم الفضل، عليم بأحوال عباده.

تفسير الجلالين

«وأنكحوا الأيامى منكم» جمع أيم: وهي من ليس لها زوج بكرا كانت أو ثيبا ومن ليس له زوج وهذا في الأحرار والحرائر «والصالحين» المؤمنين «من عبادكم وإمائكم» وعباد من جموع عبد «إن يكونوا» أي الأحرار «فقراء يغنهم الله» بالتزوج «من فضله والله واسع» لخلقه «عليم» بهم.

تفسير السعدي

يأمر تعالى الأولياء والأسياد، بإنكاح من تحت ولايتهم من الأيامى وهم: من لا أزواج لهم، من رجال، ونساء ثيب، وأبكار، فيجب على القريب وولي اليتيم، أن يزوج من يحتاج للزواج، ممن تجب نفقته عليه، وإذا كانوا مأمورين بإنكاح من تحت أيديهم، كان أمرهم بالنكاح بأنفسهم من باب أولى.
وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ يحتمل أن المراد بالصالحين، صلاح الدين، وأن الصالح من العبيد والإماء -وهو الذي لا يكون فاجرا زانيا- مأمور سيده بإنكاحه، جزاء له على صلاحه، وترغيبا له فيه، ولأن الفاسد بالزنا، منهي عن تزوجه، فيكون مؤيدا للمذكور في أول السورة، أن نكاح الزاني والزانية محرم حتى يتوب، ويكون التخصيص بالصلاح في العبيد والإماء دون الأحرار، لكثرة وجود ذلك في العبيد عادة، ويحتمل أن المراد بالصالحين الصالحون للتزوج المحتاجون إليه من العبيد والإماء، يؤيد هذا المعنى، أن السيد غير مأمور بتزويج مملوكه، قبل حاجته إلى الزواج.
ولا يبعد إرادة المعنيين كليهما، والله أعلم.
وقوله: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ أي: الأزواج والمتزوجين يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فلا يمنعكم ما تتوهمون، من أنه إذا تزوج، افتقر بسبب كثرة العائلة ونحوه، وفيه حث على التزوج، ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر.
وَاللَّهُ وَاسِعٌ كثير الخير عظيم الفضل عَلِيمٌ بمن يستحق فضله الديني والدنيوي أو أحدهما، ممن لا يستحق، فيعطي كلا ما علمه واقتضاه حكمه.

تفسير البغوي

قوله - عز وجل - : ( وأنكحوا الأيامى منكم ) " الأيامى " : جمع أيم ، وهو من لا زوج له من رجل أو امرأة ، يقال : رجل أيم وامرأة أيمة ، وأيم ، ومعنى الآية : زوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم ، ( والصالحين من عبادكم وإمائكم ) وهذا الأمر أمر ندب واستحباب .
يستحب لمن تاقت نفسه إلى النكاح ووجد أهبة النكاح أن يتزوج ، وإن لم يجد أهبة النكاح يكسر شهوته بالصوم ، لما أخبرنا أبو بكر محمد بن علي بن الحسين الطوسي ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الإسفراييني ، أخبرنا أبو بكر محمد بن داود بن مسعود ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أيوب البجلي ، أخبرنا محمد بن كثير ، أخبرنا سفيان عن الأعمش عن عمارة بن عمير ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " تناكحوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسقط "وقال - صلى الله عليه وسلم - : " من أحب فطرتي فليستن بسنتي ، ومن سنتي النكاح " .
أما من لا تتوق نفسه إلى النكاح وهو قادر عليه فالتخلي للعبادة له أفضل من النكاح عند الشافعي رحمه الله ، وعند أصحاب الرأي النكاح أفضل .
قال الشافعي : وقد ذكر الله تعالى عبدا كرمه فقال : " وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين " ( آل عمران - 39 ) ، والحصور الذي لا يأتي النساء مع القدرة عليه ، وذكر القواعد من النساء ولم يندبهن إلى النكاح .
وفي الآية دليل على أن تزويج النساء الأيامى إلى الأولياء ; لأن الله تعالى خاطبهم به ، كما أن تزويج العبيد والإماء إلى السادات ، لقوله - عز وجل - : ( والصالحين من عبادكم وإمائكم ) وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم ، روي ذلك عن عمر ، وعلي ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس ، وأبي هريرة ، وعائشة ، وبه قال سعيد بن المسيب ، والحسن ، وشريح ، وإبراهيم النخعي ، وعمر بن عبد العزيز ، وإليه ذهب الثوري ، والأوزاعي ، وعبد الله بن المبارك ، والشافعي ، وأحمد وإسحاق .
وجوز أصحاب الرأي للمرأة الحرة تزويج نفسها .
وقال مالك : إن كانت المرأة دنيئة يجوز لها تزويج نفسها ، وإن كانت شريفة فلا .
والدليل على أن الولي شرط من جهة الأخبار : ما أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا محمد بن الحسن بن أحمد المخلدي ، أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، أخبرنا قتيبة بن سعيد ، أخبرنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا نكاح إلا بولي "أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، عن ابن شهاب ، عن عروة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، ثلاثا ، فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له "قوله - عز وجل - : ( إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ) قيل : الغنى هاهنا : القناعة .
وقيل : اجتماع الرزقين ، رزق الزوج ورزق الزوجة .
وقال عمر : عجبت لمن ابتغى الغنى بغير النكاح ، والله - عز وجل - يقول : ( إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) وروي عن بعضهم : أن الله تعالى وعد الغني بالنكاح وبالتفرق فقال تعالى : ( إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) ، وقال تعالى : " وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته " ( النساء - 130 ) .

تفسير الوسيط

والخطاب في قوله- تعالى-: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ.
.
للأولياء والسادة، والأيامى: جمع أيم- بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة.
.
وهو كل ذكر لا أنثى معه، وكل أنثى لا ذكر معها بكرا أو ثيبا.
والمراد بالأيامى هنا الأحرار والحرائر.
وقوله- تعالى- مِنْ عِبادِكُمْ جمع عبد وهو الرقيق، و «وإمائكم» جمع أمة.
والمراد من الإنكاح هنا: المعاونة والمساعدة في الزواج، والعمل على إتمامه بدون عوائق لا تؤيدها شريعة الله- تعالى-.
أى: زوّجوا- أيها الأولياء والسادة- من لا زوج له من الرجال المسلمين أو النساء المسلمات، ويسروا لهم هذا الأمر ولا تعسروه، لأن الزواج هو الطريق المشروع لقضاء الشهوة، ولحفظ النوع الإنسانى، ولصيانة الأنساب من الاختلاط، ولإيجاد مجتمع تفشو فيه الفضيلة، وتموت فيه الرذيلة.
وزوجوا- أيضا الصالحين للزواج من عبيدكم وإمائكم فإن هذا الزواج أكرم لهم وأحفظ لعفتهم.
قال صاحب الكشاف «فإن قلت لم خص الصالحين؟ قلت: ليحصن دينهم، ويحفظ عليهم صلاحهم، ولأن الصالحين من الأرقاء.
هم الذين مواليهم يشفقون عليهم.
.
فكانوا مظنة للتوصية بشأنهم.
.
وأما المفسدون منهم فحالهم عند مواليهم على عكس ذلك» .
والأمر في قوله- تعالى-: وَأَنْكِحُوا يرى جمهور العلماء أنه للندب، بدليل أنه قد وجد أيامى في العهد النبوي ولم يجبروا على الزواج، ولو كان الأمر للوجوب، لأجبروا عليه.
.
ويرى بعضهم أنه للوجوب.
قال الإمام ابن كثير: اشتملت هذه الآيات الكريمات على جمل من الأحكام المحكمة، والأوامر المبرمة، فقوله- تعالى-: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ هذا أمر بالتزويج، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى وجوبه، على كل من قدر عليه، واحتجوا بظاهر قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الشباب.
من استطاع منكم الباءة» - أى القدرة على الزواج- فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحفظ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» - أى: وقاية-.
ويبدو لنا أن الزواج يختلف حكمه باختلاف الأحوال، فمن كان- مثلا قادرا على الزواج، ويخشى إذا ترك الزواج أن يقع في الفاحشة: فإن الزواج بالنسبة له يكون واجبا عليه.
بخلاف من أمن الوقوع في الفاحشة، فإن الزواج بالنسبة له يكون مندوبا أو مستحبا.
ولذا قال الإمام القرطبي: «اختلف العلماء في هذا الأمر- أى في قوله- تعالى- وَأَنْكِحُوا- على ثلاثة أقوال: فقال علماؤنا يختلف الحكم في ذلك باختلاف حال المؤمن من خوف العنت، ومن عدم صبره.
.
فإذا خاف الهلاك في الدين أو الدنيا فالنكاح حتم.
وإن لم يخش شيئا، وكانت الحال مطلقة، فالنكاح مباح.
قال الشافعى: إنه قضاء لذة فكان مباحا كالأكل والشرب.
وقال مالك وأبو حنيفة: هو مستحب .
وقوله- سبحانه-: إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ حض لمن يملك عقد الزواج على أن لا يجعل الفقر حائلا دون إتمامه.
لأن الأرزاق بيد الله- تعالى- وحده.
أى: زوجوا- أيها الأولياء والسادة- من كان أهلا للزواج، وصالحا له وراغبا فيه، من رجالكم ونسائكم، ولا يمنعكم فقرهم من إتمامه، فإنهم إن يكونوا فقراء اليوم، فالله- تعالى- قادر على أن يغنيهم في الحال أو في المستقبل متى شاء ذلك، فإن قدرته- عز وجل- لا يعجزها شيء، وكم من أناس كانوا فقراء قبل الزواج، ثم صاروا أغنياء بعده، لأنهم قصدوا بزواجهم حفظ فروجهم، وتنفيذ ما أمرتهم به شريعة الإسلام.
روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة حق على الله عونهم: الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والغازي في سبيل الله» .
فهذا عهد أخذه الله- تعالى- على ذاته- فضلا منه وكرما- ولن يخلف الله- عز وجل- عهده.
وقوله- سبحانه-: وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ أى: والله- تعالى- واسع الغنى لا تنفد خزائنه، ولا ينتهى ما عنده من خير، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.

المصدر : تفسير : وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم