موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير لا يحل لك النساء من بعد ولا - الآية 52 من سورة الأحزاب

سورة الأحزاب الآية رقم 52 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 52 من سورة الأحزاب عدة تفاسير, سورة الأحزاب : عدد الآيات 73 - الصفحة 425 - الجزء 22.

﴿ لَّا يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِنۢ بَعۡدُ وَلَآ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ حُسۡنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ رَّقِيبٗا ﴾
[ الأحزاب: 52]


التفسير الميسر

لا يباح لك النساء من بعد نسائك اللاتي فى عصمتك، واللاتي أبحناهنَّ لك (وهنَّ المذكورات في الآية السابقة رقم [50] من هذه السورة)، ومن كانت في عصمتك من النساء المذكورات لا يحل لك أن تطلِّقها مستقبَلا وتأتي بغيرها بدلا منها، ولو أعجبك جمالها، وأما الزيادة على زوجاتك من غير تطليق إحداهن فلا حرج عليك، وأما ما ملكت يمينك من الإماء، فحلال لك منهن من شئت. وكان الله على كل شيء رقيبًا، لا يغيب عنه علم شيء.

تفسير الجلالين

«لا تحل» بالتاء وبالياء «لك النساء من بعد» التسع اللاتي اخترنك «ولا أن تبدل» بترك إحدى التاءين في الأصل «بهن من أزواج» بأن تطلقهن أو بعضهن وتنكح بدل من طلقت «ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك» من الإماء فتحل لك وقد ملك صلى الله عليه وسلم بعدهن مارية وولدت له إبراهيم ومات في حياته «وكان الله على كل شيءٍ رقيبا» حفيظا.

تفسير السعدي

وهذا شكر من اللّه، الذي لم يزل شكورًا، لزوجات رسوله، رضي اللّه عنهن، حيث اخترن اللّه ورسوله، والدار الآخرة، أن رحمهن، وقصر رسوله عليهن فقال: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ زوجاتك الموجودات وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ أي: ولا تطلق بعضهن، فتأخذ بدلها.
فحصل بهذا، أمنهن من الضرائر، ومن الطلاق، لأن اللّه قضى أنهن زوجاته في الدنيا والآخرة، لا يكون بينه وبينهن فرقة.
وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ أي: حسن غيرهن، فلا يحللن لك إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ أي: السراري، فذلك جائز لك، لأن المملوكات، في كراهة الزوجات، لسن بمنزلة الزوجات، في الإضرار للزوجات.
وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا أي: مراقبًا للأمور، وعالمًا بما إليه تؤول، وقائمًا بتدبيرها على أكمل نظام، وأحسن إحكام.

تفسير البغوي

قوله - عز وجل - : ( لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ) قرأ أبو عمرو ويعقوب : " لا تحل " بالتاء ، وقرأ الآخرون بالياء ، " من بعد " : يعني من بعد هؤلاء التسع اللاتي خيرتهن فاخترنك ، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خيرهن فاخترن الله ورسوله شكر الله لهن وحرم عليه النساء سواهن ونهاه عن تطليقهن وعن الاستبدال بهن ، هذا قول ابن عباس وقتادة .
واختلفوا في أنه هل أبيح له النساء من بعد ؟قالت عائشة : ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحل له النساء سواهن .
وقال أنس : مات على التحريم .
وقال عكرمة ، والضحاك : معنى الآية لا يحل لك النساء إلا اللاتي أحللنا لك وهو قوله : " إنا أحللنا لك أزواجك " الآية ، ثم قال : " لا يحل لك النساء من بعد " ، إلا التي أحللنا لك بالصفة التي تقدم ذكرها .
وقيل لأبي بن كعب : لو مات نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - أكان يحل له أن يتزوج ؟ قال : وما يمنعه من ذلك ؟ قيل : قوله - عز وجل - : " لا يحل لك النساء من بعد " ، قال : إنما أحل الله له ضربا من النساء ، فقال : " يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك " ، ثم قال : " لا يحل لك النساء من بعد " .
قال أبو صالح : أمر أن لا يتزوج أعرابية ولا عربية ، ويتزوج من نساء قومه من بنات العم والعمة والخالة إن شاء ثلاثمائة : وقال مجاهد : معناه لا يحل لك اليهوديات ولا النصرانيات بعد المسلمات ولا أن تبدل بهن ، يقول : ولا أن تبدل بالمسلمات غيرهن من اليهود والنصارى ، يقول لا تكون أم المؤمنين يهودية ولا نصرانية ، إلا ما ملكت يمينك ، أحل له ما ملكت يمينه من الكتابيات أن يتسرى بهن .
وروي عن الضحاك : يعني ولا أن تبدل بهن ولا أن تبدل بأزواجك اللاتي هن في حيالك أزواجا غيرهن بأن تطلقهن فتنكح غيرهن ، فحرم عليه طلاق النساء اللواتي كن عنده إذ جعلهن أمهات المؤمنين ، وحرمهن على غيره حين اخترنه ، فأما نكاح غيرهن فلم يمنع عنه .
وقال ابن زيد في قوله : ) ( ولا أن تبدل بهن من أزواج ) كانت العرب في الجاهلية يتبادلون بأزواجهم ، يقول الرجل للرجل : بادلني بامرأتك ، وأبادلك بامرأتي ، تنزل لي عن امرأتك ، وأنزل لك عن امرأتي ، فأنزل الله : ( ولا أن تبدل بهن من أزواج ) يعني لا تبادل بأزواجك غيرك بأن تعطيه زوجك وتأخذ زوجته ، إلا ما ملكت يمينك لا بأس أن تبدل بجاريتك ما شئت ، فأما الحرائر فلا .
وروي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال : دخل عيينة بن حصن على النبي - صلى الله عليه وسلم - بغير إذن ، وعنده عائشة ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا عيينة فأين الاستئذان " ؟ قال : يا رسول الله ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت ، ثم قال : من هذه الحميراء إلى جنبك ؟ فقال : هذه عائشة أم المؤمنين ، فقال عيينة : أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله قد حرم ذلك " ، فلما خرج قالت عائشة : من هذا يا رسول الله ؟ فقال : " هذا أحمق مطاع وإنه على ما ترين لسيد قومه " .
قوله - عز وجل - : ( ولو أعجبك حسنهن ) يعني : ليس لك أن تطلق أحدا من نسائك وتنكح بدلها أخرى ولو أعجبك جمالها .
قال ابن عباس : يعني أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب ، فلما استشهد جعفر أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخطبها فنهي عن ذلك .
( إلا ما ملكت يمينك ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : ملك بعد هؤلاء مارية .
( وكان الله على كل شيء رقيبا ) حافظا .
وفي الآية دليل على جواز النظر إلى من يريد نكاحها من النساء .
روي عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " .
أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أخبرنا محمد بن محمد بن علي بن شريك الشافعي ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن مسلم ، أخبرنا أبو بكر الجوربذي قال : أخبرنا أحمد بن حرب ، أخبرنا أبو معاوية ، عن عاصم هو ابن سليمان ، عن بكر بن عبد الله ، عن المغيرة بن شعبة قال : خطبت امرأة ، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : " هل نظرت إليها ؟ " قلت : لا قال : " فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا حامد بن محمد ، أخبرنا بشر بن موسى ، أخبرنا الحميدي ، أخبرنا يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " انظر إليها فإن في أعين نساء الأنصار شيئا " قال الحميدي : يعني الصغر .

تفسير الوسيط

ثم كرم- سبحانه- أمهات المؤمنين بعد تكريمه لنبيه صلّى الله عليه وسلّم فقال: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ.
.
.
.
أى: لا يحل لك، - أيها الرسول الكريم- أن تتزوج بنساء أخريات من بعد التسع اللائي في عصمتك اليوم، لأنهن قد اخترنك وآثرنك على زينة الحياة الدنيا، ورضين عن طيب نفس أن يعشن معك وتحت رعايتك، مهما كان في حياتك معهن من شظف العيش، والزهد في متع الدنيا.
وقوله: وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ معطوف على ما قبله.
أى: لا يحل لك الزواج بعد اليوم بغير من هن في عصمتك، كما لا يحل لك- أيضا- أن تطلق واحدة منهن وتتزوج بأخرى سواها، حتى ولو أعجبك جمال من تريد زواجها من غير نسائك اللائي في عصمتك عند نزول هذه الآية.
فالآية الكريمة قد اشتملت على حكمين: أحدهما: حرمة الزواج بغير التسع اللائي كن في عصمته عند نزولها.
والثاني: حرمة تطليق واحدة منهن، للزواج بأخرى بدلها.
وقوله: بَعْدُ ظرف مبنى على الضم لحذف المضاف اليه.
أى: من بعد اليوم.
وأَزْواجٍ مفعول به، ومِنْ مزيدة لاستغراق الجنس.
أى: ولا أن تبدل بهن أزواجا أخريات مهما كان شأن هؤلاء الأخريات.
وجملة: وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ في موضع الحال من الفاعل وهو الضمير في تَبَدَّلَ.
أى: لا يحل لك الزيادة عليهن، ولا أن تتبدل بهن أزواجا غيرهن في أية حالة من الأحوال، حتى ولو في حال إعجابك بغيرهن ويصح أن تكون هذه الجملة شرطية، وقد حذف جوابها لفهمه من الكلام، ويكون المعنى: ولو أعجبك حسنهن لا يحل لك نكاحهن.
وقوله: إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ استثناء من هذا الحكم.
أى: لا يحل لك الزيادة عليهن، ولا استبدال غيرهن بهن، ولكن يحل لك أن تضيف إليهن ما شئت من النساء اللائي تملكهن عن طريق السبي.
وهذا الذي سرنا عليه من أن الآية الكريمة في شأن أزواجه صلّى الله عليه وسلّم هو الذي سار عليه جمهور المفسرين.
قال ابن كثير: ذكر غير واحد من العلماء كابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وغيرهم- أن هذه الآية الكريمة نزلت مجازاة لأزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم ورضا الله عنهن على حسن صنيعهن، في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة، لما خيرهن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما تقدم، فلما اخترن رسول الله، كان جزاؤهن أن قصره عليهن، وحرم عليه أن يتزوج بغيرهن، أو يستبدل بهن أزواجا غيرهن، ولو أعجبه حسنهن، إلا الإماء والسرائر، فلا حجر عليه فيهن.
ثم إنه- سبحانه- رفع عنه الحجر في ذلك، ونسخ حكم هذه الآية، وأباح له التزوج، ولكنه لم يقع منه بعد ذلك زواج لغيرهن، لتكون المنة للرسول صلّى الله عليه وسلّم عليهن.
روى الإمام أحمد عن عائشة قالت: ما مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى أحل الله له النساء .
ومن العلماء من يرى أن قوله- تعالى- مِنْ بَعْدُ المراد به: من بعد من أحللنا لك الزواج بهن، وهن الأصناف الأربعة اللائي سبق الحديث عنهن في قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ .
.
.
وهذا الرأى الثاني وإن كان أشمل من سابقه، إلا أننا نرجح أن الآية الكريمة مسوقة لتكريم أمهات المؤمنين اللائي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة على الحياة الدنيا وزينتها.
هذا، والنساء التسع اللائي حرم الله- تعالى- على نبيه صلّى الله عليه وسلّم الزيادة عليهن، والاستبدال بهن، هن: عائشة بنت أبى بكر، وحفصة بنت عمر، وأم حبيبة بنت أبى سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبى أمية، وصفية بنت حيي بن أخطب، وميمونة بنت الحارث، وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً.
أى: وكان الله- تعالى- وما زال، مطلعا على كل شيء من أحوالكم- أيها الناس- فاحذروا أن تتجاوزوا ما حده الله- تعالى- لكم، لأن هذا التجاوز يؤدى إلى عدم رضا الله- سبحانه- عنكم.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة، قد ذكرت ألوانا متعددة من مظاهر تكريم الله- تعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلّم ومن توسعته عليه في شأن أزواجه، وفي شأن ما أحله له من عدم التقيد في القسم بينهن، وفي تقديم أو تأخير من شاء منهن.
.
كما أنها قد كرمت أمهات المؤمنين تكريما عظيما.
لاختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة على الحياة الدنيا وزينتها.
ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك ألوانا من التشريعات الحكيمة، والآداب القويمة.
التي تتعلق بدخول بيوت النبي صلّى الله عليه وسلم، وبحقوق أزواجه صلّى الله عليه وسلّم في حياته وبعد مماته، وبوجوب احترامه وتوقيره صلّى الله عليه وسلّم فقال- تعالى-:

المصدر : تفسير : لا يحل لك النساء من بعد ولا