موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير ياأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم - الآية 58 من سورة النور

سورة النور الآية رقم 58 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 58 من سورة النور عدة تفاسير, سورة النور : عدد الآيات 64 - الصفحة 357 - الجزء 18.

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَـٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَٰثَ مَرَّٰتٖۚ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَآءِۚ ثَلَٰثُ عَوۡرَٰتٖ لَّكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّۚ طَوَّٰفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ﴾
[ النور: 58]


التفسير الميسر

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه مُروا عبيدكم وإماءكم، والأطفال الأحرار دون سن الاحتلام أن يستأذنوا عند الدخول عليكم في أوقات عوراتكم الثلاثة: من قبل صلاة الفجر؛ لأنه وقت الخروج من ثياب النوم ولبس ثياب اليقظة، ووقت خلع الثياب للقيلولة في الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء؛ لأنه وقت للنوم، وهذه الأوقات الثلاثة عورات لكم، يقل فيها التستر، أما فيما سواها فلا حرج إذا دخلوا بغير إذن؛ لحاجتهم في الدخول عليكم، طوافون عليكم للخدمة، وكما بيَّن الله لكم أحكام الاستئذان يبيِّن لكم آياته وأحكامه وحججه وشرائع دينه. والله عليم بما يصلح خلقه، حكيم في تدبيره أمورهم.

تفسير الجلالين

«يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم» من العبيد آمنوا والإماء «والذين لم يبلغوا الحلم منكم» من الأحرار وعرفوا أمر النساء «ثلاث مرات» في ثلاثة أوقات «من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة» أي وقت الظهر «ومن بعد الصلاة العشاء ثلاث عورات لكم» بالرفع خبر مبتدأ بعده مضاف وقام المضاف إليه مقامه: أي هي أوقات وبالنصب بتقدير أوقات منصوبا بدلاً من محل ما قبله قام المضاف إليه مقامه، وهي لإلقاء الثياب تبدو فيها العورات «ليس عليكم ولا عليهم» أي المماليك والصبيان «جناح» في الدخول عليكم بغير استئذان «بعدهن» أي بعد الأوقات الثلاثة هم «طوافون عليكم» للخدمة «بعضكم» طائف «على بعض» والجملة مؤكدة لما قبلها «كذلك» كما بين ما ذكر «يبين الله لكم الآيات» أي الأحكام «والله عليم» بأمور خلقه «حكيم» بما دبره لهم وآية الاستئذان قيل منسوخة وقيل لا ولكن تهاون الناس في ترك الاستئذان.

تفسير السعدي

أمر المؤمنين أن يستأذنهم مماليكهم، والذين لم يبلغوا الحلم منهم.
قد ذكر الله حكمته وأنه ثلاث عورات للمستأذن عليهم، وقت نومهم بالليل بعد العشاء، وعند انتباههم قبل صلاة الفجر، فهذا -في الغالب- أن النائم يستعمل للنوم في الليل ثوبا غير ثوبه المعتاد، وأما نوم النهار، فلما كان في الغالب قليلا، قد ينام فيه العبد بثيابه المعتادة، قيده بقوله: وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ أي: للقائلة، وسط النهار.
ففي ثلاثة هذه الأحوال، يكون المماليك والأولاد الصغار كغيرهم، لا يمكنون من الدخول إلا بإذن، وأما ما عدا هذه الأحوال الثلاثة فقال: لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ أي: ليسوا كغيرهم، فإنهم يحتاج إليهم دائما، فيشق الاستئذان منهم في كل وقت، ولهذا قال: طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ أي: يترددون عليكم في قضاء أشغالكم وحوائجكم.
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ بيانا مقرونا بحكمته، ليتأكد ويتقوى ويعرف به رحمة شارعه وحكمته، ولهذا قال: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ْ له العلم المحيط بالواجبات والمستحيلات والممكنات، والحكمة التي وضعت كل شيء موضعه، فأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، وأعطى كل حكم شرعي حكمه اللائق به، ومنه هذه الأحكام التي بينها وبين مآخذها وحسنها.

تفسير البغوي

قوله - عز وجل - : ( ياأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ) الآية : قال ابن عباس رضي الله عنهما وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غلاما من الأنصار يقال له مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقت الظهيرة ليدعوه ، فدخل فرأى عمر بحالة كره عمر رؤيته ذلك ، فأنزل الله هذه الآية وقال مقاتل : نزلت في أسماء بنت مرثد ، كان لها غلام كبير ، فدخل عليها في وقت كرهته ، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها ، فأنزل الله تعالى " ياأيها الذين آمنوا ليستأذنكم اللام لام الأمر .
( الذين ملكت أيمانكم ) يعني : العبيد والإماء ، ( والذين لم يبلغوا الحلم منكم ) من الأحرار ، ليس المراد منهم الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء ، بل الذين عرفوا أمر النساء ولكن لم يبلغوا .
) ( ثلاث مرات ) أي : ليستأذنوا في ثلاث أوقات ، ( من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ) يريد المقيل ، ( ومن بعد صلاة العشاء ) وإنما خص هذه الأوقات لأنها ساعات الخلوة ووضع الثياب ، فربما يبدو من الإنسان ما لا يحب أن يراه أحد ، أمر العبيد والصبيان بالاستئذان في هذه الأوقات ، وأما غيرهم فليستأذنوا في جميع الأوقات ( ثلاث عورات لكم ) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر : " ثلاث " بنصب الثاء بدلا عن قوله : " ثلاث مرات " ، وقرأ الآخرون بالرفع ، أي : هذه الأوقات ثلاث عورات لكم ، سميت هذه الأوقات عورات لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فتبدو عورته ، ) ( ليس عليكم ) جناح ، ) ( ولا عليهم ) يعني : على العبيد والخدم والصبيان ، ) ( جناح ) في الدخول عليكم من غير استئذان ، ) ( بعدهن ) أي : بعد هذه الأوقات الثلاثة ، ) ( طوافون عليكم ) أي : العبيد والخدم يطوفون عليكم فيترددون ويدخلون ويخرجون في أشغالهم بغير إذن ، ( بعضكم على بعض ) أي : يطوف ، ( بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم ) واختلف العلماء في حكم هذه الآية : فقال قوم : منسوخ .
قال ابن عباس رضي الله عنه : لم يكن للقوم ستور ولا حجاب ، فكان الخدم والولائد يدخلون فربما يرون منهم ما لا يحبون ، فأمروا بالاستئذان ، وقد بسط الله الرزق واتخذ الناس الستور فرأى أن ذلك أغنى عن الاستئذان وذهب قوم إلى أنها غير منسوخة ، روى سفيان عن موسى بن أبي عائشة قالت : سألت الشعبي عن هذه الآية : " ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم " أمنسوخة هي ؟ قال : لا والله ، قلت : إن الناس لا يعملون بها ، قال : الله المستعان وقال سعيد بن جبير في هذه الآية : إن ناسا يقولون نسخت ، والله ما نسخت ، ولكنها مما تهاون به الناس .

تفسير الوسيط

ذكر المفسرون في سبب نزول قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ .
.
.
روايات منها: أن امرأة يقال لها أسماء بنت أبى مرثد، دخل عليها غلام كبير لها، في وقت كرهت دخوله فيه، فأتت النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها، فأنزل الله تعالى هذه الآية:ومنها ما روى من أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعث في وقت الظهيرة غلاما من الأنصار يقال له مدلج، إلى عمر بن الخطاب، فدق الغلام الباب على عمر- وكان نائما- فاستيقظ، وجلس فانكشف منه شيء فقال عمر: لوددت أن الله- تعالى- نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا عن الدخول علينا في هذه الساعة إلا بإذن ثم انطلق عمر مع الغلام إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فوجد هذه الآية قد نزلت فخر ساجدا لله- تعالى- .
وقد صدرت الآية الكريمة بندائهم بصفة الإيمان.
لحضهم على الامتثال لما اشتملت عليه من آداب قويمة.
وتوجيهات حكيمة.
واللام في قوله لِيَسْتَأْذِنْكُمُ هي لام الأمر والمراد بما ملكت أيمانهم: الأرقاء سواء أكانوا ذكورا أم إناثا، ويدخل فيهم الخدم ومن على شاكلتهم.
والمراد بالذين لم يبلغوا الحلم.
الأطفال الذين في سن الصبا ولم يصلوا إلى سن البلوغ إلا أنهم يعرفون معنى العورة ويميزون بين ما يصح الاطلاع عليه وما لا يصح.
والمعنى: يا من آمنتم بالله حق الإيمان من الرجال، والنساء، عليكم أن تمنعوا مماليككم وخدمكم وصبيانكم الذين لم يبلغوا سن البلوغ، من الدخول عليكم في مضاجعكم بغير إذن في هذه الأوقات الثلاثة، خشية أن يطلعوا منكم على ما لا يصح الاطلاع عليه.
فقوله- تعالى-: ثَلاثَ مَرَّاتٍ تحديد للأوقات المنهي عن الدخول فيها بدون استئذان، أى: ثلاث أوقات في اليوم والليلة.
ثم بين- سبحانه- هذه الأوقات فقال: مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وذلك لأن هذا الوقت يقوم فيه الإنسان من النوم عادة، وقد يكون متخففا من ثيابه.
ولا يجب أن يراه أحد وهو على تلك الحالة.
وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ أى: وحين تخلعون ثيابكم وتطرحونها في وقت الظهيرة، عند شدة الحر، لأجل التخفيف منها وارتداء ثياب أخرى أرق من تلك الثياب، طلبا للراحة واستعدادا للنوم.
وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ لأن هذا الوقت يتجرد فيه الإنسان من ثياب اليقظة، ليتخذ ثيابا أخرى للنوم.
وقوله- سبحانه-: ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ خبر مبتدأ محذوف، والعورات: جمع عورة.
وتطلق على ما يجب ستره من الإنسان، وهي- كما يقول الراغب- مأخوذة من العار، وذلك لأن المظهر لها يلحقه العار والذم بسبب ذلك.
أى: هذه الأوقات من ثلاث عورات كائنة لكم- فعليكم أن تعودوا مماليككم وخدمكم وصبيانكم.
على الاستئذان عند إرادة الدخول عليكم فيها، لأنها أوقات يغلب فيها اختلاء الرجل بأهله، كما يغلب فيها التخفف من الثياب، وانكشاف ما يجب ستره.
وقوله- سبحانه-: لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ بيان لمظهر من مظاهر التيسير في شريعة الإسلام.
أى: وليس عليكم أيها المؤمنون والمؤمنات، ولا عليهم، أى: أرقائكم وصبيانكم «جناح» أى: حرج أو إثم في الدخول بدون استئذان «بعدهن» أى: بعد كل وقت من تلك الأوقات الثلاثة.
وقوله- تعالى- طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ تعليل لبيان العذر المرخص في ترك الاستئذان في غير الأوقات التي حددها الله- تعالى-.
أى: لا حرج في دخول مماليككم وصبيانكم عليكم في غير هذه الأوقات بدون استئذان لأنهم تكثر حاجتهم في التردد عليكم، وأنتم كذلك لا غنى لكم عنهم فأنتم وهم يطوف بعضكم على بعض لقضاء المصالح في كثير من الأوقات.
وبذلك يجمع الإسلام في تعاليمه بين التستر والاحتشام والتأدب بآدابه القويمة، وبين السماحة وإزالة الحرج والمشقة.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
أى: مثل هذا البيان الحكيم يبين الله- تعالى- لكم الآيات التي توصلكم متى تمسكتم بها، إلى طريق الخير والسعادة، والله- عز وجل- عليم بما يصلح عباده، حكيم في كل ما يأمر به، أو ينهى عنه.
وهكذا تسوق لنا الآية الكريمة ألوانا من الأدب السامي، الذي يجعل الكبار والصغار يعيشون عيشة فاضلة، عامرة بالطهر والعفاف والحياء، والنقاء من كل ما يجرح الشعور، ومن كل تصور يتنافى مع الخلق الكريم.

المصدر : تفسير : ياأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم