موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا - الآية 6 من سورة الطلاق

سورة الطلاق الآية رقم 6 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 6 من سورة الطلاق عدة تفاسير, سورة الطلاق : عدد الآيات 12 - الصفحة 559 - الجزء 28.

﴿ أَسۡكِنُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ سَكَنتُم مِّن وُجۡدِكُمۡ وَلَا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيۡهِنَّۚ وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمۡلٖ فَأَنفِقُواْ عَلَيۡهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ فَإِنۡ أَرۡضَعۡنَ لَكُمۡ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأۡتَمِرُواْ بَيۡنَكُم بِمَعۡرُوفٖۖ وَإِن تَعَاسَرۡتُمۡ فَسَتُرۡضِعُ لَهُۥٓ أُخۡرَىٰ ﴾
[ الطلاق: 6]


التفسير الميسر

أسكنوا المطلقات من نسائكم في أثناء عدتهن مثل سكناكم على قدر سَعَتكم وطاقتكم، ولا تلحقوا بهن ضررًا؛ لتضيِّقوا عليهن في المسكن، إن كان نساؤكم المطلقات ذوات حَمْل، فأنفقوا عليهن في عدتهن حتى يضعن حَمْلهن، فإن أرضعن لكم أولادهن منكم بأجرة، فوفوهن أجورهن، وليأمر بعضكم بعضًا بما عرف من سماحة وطيب نفس، وإن لم تتفقوا على إرضاع الأم، فستُرضع للأب مرضعة أخرى غير الأم المطلقة.

تفسير الجلالين

«أسكنوهن» أي المطلقات «من حيث سكنتم» أي بعض مساكنكم «من وجدكم» أي سعتكم عطف بيان أو بدل مما قبله بإعادة الجار وتقدير مضاف، أي أمكنة سعتكم لا ما دونها «ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن» المساكن فيحتجن إلى الخروج أو النفقة فيفتدين منكم «وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم» أولادكم منهن «فآتوهن أجورهن» على الإرضاع «وأتمروا بينكم» وبينهن «بمعروف» بجميل في حق الأولاد بالتوافق على أجر معلوم على الإرضاع «وإن تعاسرتم» تضايقتم في الإرضاع فامتنع الأب من الأجرة والأم من فعله «فسترضع له» للأب «أخرى» ولا تكره الأم على إرضاعه.

تفسير السعدي

تقدم أن الله نهى عن إخراج المطلقات عن البيوت وهنا أمر بإسكانهن وقدر الإسكان بالمعررف، وهو البيت الذي يسكنه مثله ومثلها، بحسب وجد الزوج وعسره، وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ أي: لا تضاروهن، عند سكناهن بالقول أو الفعل، لأجل أن يمللن، فيخرجن من البيوت، قبل تمام العدة، فتكونوا، أنتم المخرجين لهن، وحاصل هذا أنه نهى عن إخراجهن، ونهاهن عن الخروج، وأمر بسكناهن، على وجه لا يحصل به عليهن، ضرر ولا مشقة، وذلك راجع إلى العرف، وَإِنْ كُنَّ أي: المطلقات أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وذلك لأجل الحمل الذي في بطنها، إن كانت بائنًا، ولها ولحملها إن كانت رجعية، ومنتهى النفقة حتى يضعن حملهن فإذا وضعن حملهن، فإما أن يرضعن أولادهن أو لا، فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ المسماة لهن، إن كان مسمى، وإلا فأجر المثل، وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ أي: وليأمر كل واحد من الزوجين ومن غيرهما، الآخر بالمعروف، وهو كل ما فيه منفعة ومصلحة في الدنيا والآخرة، فإن الغفلة عن الائتمار بالمعروف، يحصل فيه من الشر والضرر، ما لا يعلمه إلا الله، وفي الائتمار، تعاون على البر والتقوى، ومما يناسب هذا المقام، أن الزوجين عند الفراق وقت العدة، خصوصًا إذا ولد لهما ولد في الغالب يحصل من التنازع والتشاجر لأجل النفقة عليها وعلى الولد مع الفراق، الذي في الغالب ما يصدر إلا عن بغض، ويتأثر منه البغض شيء كثيرفكل منهما يؤمر بالمعروف، والمعاشرة الحسنة، وعدم المشاقة والمخاصمة وينصح على ذلك.
وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ بأن لم يتفقوا على إرضاعها لولدها، فلترضع له أخرى غيرها فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وهذا حيث كان الولد يقبل ثدي غير أمه، فإن لم يقبل إلا ثدي أمه، تعينت لإرضاعه، ووجب عليها، وأجبرت إن امتنعت، وكان لها أجرة المثل إن لم يتفقا على مسمى، وهذا مأخوذ من الآية الكريمة من حيث المعنى، فإن الولد لما كان في بطن أمه مدة الحمل، ليس له خروج منه عين تعالى على وليه النفقة، فلما ولد، وكان يمكن أن يتقوت من أمه، ومن غيرها، أباح تعالى، الأمرين، فإذا، كان بحالة لا يمكن أن يتقوت إلا من أمه، كان بمنزلة الحمل، وتعينت أمه طريقًا لقوته

تفسير البغوي

( أسكنوهن ) يعني مطلقات نسائكم ( من حيث سكنتم ) " من " صلة ، أي : أسكنوهن حيث سكنتم ( من وجدكم ) يعني : سعتكم وطاقتكم ، يعني : إن كان موسرا يوسع عليها في المسكن والنفقة ، وإن كان فقيرا فعلى قدر الطاقة ( ولا تضاروهن ) لا تؤذوهن ( لتضيقوا عليهن ) مساكنهن فيخرجن ( وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) فيخرجن من عدتهن .
اعلم أن المعتدة الرجعية تستحق على الزوج النفقة والسكنى ما دامت في العدة .
ونعني بالسكنى : مؤنة السكنى فإن كانت الدار التي طلقها فيها ملكا للزوج يجب على الزوج أن يخرج ويترك الدار لها مدة عدتها وإن كانت بإجارة فعلى الزوج الأجرة ، وإن كانت عارية فرجع المعير فعليه أن يكتري لها دارا تسكنها .
فأما المعتدة البائنة بالخلع أو الطلقات الثلاث [ أو باللعان فلها السكنى حاملا كانت أو حائلا عند أكثر أهل العلم ] .
روي عن ابن عباس أنه قال : لا سكنى لها إلا أن تكون حاملا وهو قول الحسن وعطاء والشعبي .
واختلفوا في نفقتها : فذهب قوم إلى أنه لا نفقة لها إلا أن تكون حاملا .
روي ذلك عن ابن عباس وهو قول الحسن وعطاء والشعبي وبه قال الشافعي وأحمد .
ومنهم من أوجبها بكل حال روي ذلك عن ابن مسعود ، وهو قول إبراهيم النخعي وبه قال الثوري وأصحاب الرأي .
وظاهر القرآن يدل على أنها لا تستحق إلا أن تكون حاملا لأن الله تعالى قال : " وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن " .
والدليل عليه من جهة السنة ما :أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك ، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام ، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته ، فقال : والله ما لك علينا من شيء .
فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له .
فقال لها : ليس لك عليه نفقة ، وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك .
ثم قال : تلك امرأة يغشاها أصحابي فاعتدي عند ابن أم مكتوم ، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك ، فإذا حللت فآذنيني .
قالت : فلما حللت ، ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ، وأما معاوية فصعلوك لا مال له ، انكحي أسامة بن زيد ، قالت : فكرهته ، ثم قال : انكحي أسامة ، فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به .
واحتج من لم يجعل لها السكنى بحديث فاطمة بنت قيس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تعتد في بيت عمرو بن أم مكتوم .
ولا حجة فيه ، لما روي عن عائشة أنها قالت : كانت فاطمة في مكان وحش ، فخيف على ناحيتها .
وقال سعيد بن المسيب : إنما نقلت فاطمة لطول لسانها على أحمائها وكان للسانها ذرابة .
أما المعتدة عن وطء الشبهة والمفسوخ نكاحها بعيب أو خيار عتق فلا سكنى لها ولا نفقة وإن كانت حاملا .
[ والمعتدة عن وفاة الزوج لا نفقة لها حاملا ] كانت أو حائلا عند أكثر أهل العلم ، وروي عن علي رضي الله تعالى عنه أن لها النفقة إن كانت حاملا من التركة حتى تضع ، وهو قول شريح والشعبي والنخعي والثوري .
.
واختلفوا في سكناها وللشافعي رضي الله عنه فيه قولان : أحدهما لا سكنى لها بل تعتد حيث تشاء ، وهو قول علي وابن عباس وعائشة .
وبه قال عطاء والحسن ، وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه .
والثاني : لها السكنى وهو قول عمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر ، وبه قال مالك وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق .
واحتج من أوجب لها السكنى بما :أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك ، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن عمته زينب بنت كعب : أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها : أنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة ، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم ، فقتلوه فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في منزل يملكه ولا نفقة ؟ فقالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نعم ، فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعيت له فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيف قلت ؟ قالت : فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي ، فقال : امكثي [ في بيتك ] حتى يبلغ الكتاب أجله .
قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا .
قالت : فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به .
فمن قال بهذا القول قال : إذنه لفريعة أولا بالرجوع إلى أهلها صار منسوخا بقوله [ آخرا ] " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " .
ومن لم يوجب السكنى قال : أمرها بالمكث في بيتها آخرا استحبابا لا وجوبا .
قوله - عز وجل - ( فإن أرضعن لكم ) أي أرضعن أولادكم ( فآتوهن أجورهن ) على إرضاعهن ( وأتمروا بينكم بمعروف ) [ ليقبل بعضكم من بعض إذا أمره بالمعروف ] قال الكسائي : شاوروا قال مقاتل : بتراضي الأب والأم على أجر مسمى .
والخطاب للزوجين جميعا يأمرهم أن يأتوا بالمعروف وبما هو الأحسن ، ولا يقصدوا الضرار .
( وإن تعاسرتم ) في الرضاع والأجرة فأبى الزوج أن يعطي المرأة رضاها وأبت الأم أن ترضعه فليس له إكراهها على إرضاعه ، ولكنه يستأجر للصبي مرضعا غير أمه وذلك قوله : ( فسترضع له أخرى ) .

تفسير الوسيط

ثم أمر- سبحانه- الرجال بأن يحسنوا معاملة النساء المطلقات، ونهاهم عن الإساءة إليهن بأى لون من ألوان الإساءة فقال: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ .
.
.
والخطاب للرجال الذين يريدون فراق أزواجهن، والضمير المنصوب في قوله أَسْكِنُوهُنَّ يعود إلى النساء المطلقات.
ومِنْ للتبعيض، والوجد: السعة والقدرة.
أى: أسكنوا المطلقات في بعض البيوت التي تسكنونها والتي في وسعكم وطاقتكم إسكانهن فيها.
قال صاحب الكشاف: قوله: أَسْكِنُوهُنَّ وما بعده: بيان لما شرط من التقوى في قوله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ .
.
.
كأنه قيل: كيف نعمل بالتقوى في شأن المعتدات؟ فقيل: أَسْكِنُوهُنَّ.
فإن قلت: فقوله: مِنْ وُجْدِكُمْ ما موقعه؟ قلت: هو عطف بيان لقوله مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ، وتفسير له، كأنه قيل: أسكنوهن مكانا من مسكنكم مما تطيقونه.
والسكنى والنفقة: واجبتان لكل مطلقة.
وعند مالك والشافعى: ليس للمبتونة إلا السكن ولا نفقة لها، وعن الحسن وحماد: لا نفقة لها ولا سكنى، لحديث فاطمة بنت قيس: أن زوجها أبتّ طلاقها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا سكنى لك ولا نفقة .
.
.
» .
ثم أتبع- سبحانه- الأمر بالإحسان إلى المطلقات، بالنهى عن إلحاق الأذى بهن فقال:وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ أى: ولا تستعملوا معهن ما يؤذيهن ويضرهن، لكي تضيقوا عليهن ما منحه الله- تعالى- لهن من حقوق، بأن تطيلوا عليهن مدة العدة، فتصبح الواحدة منهن كالمعلقة، أو بأن تضيقوا عليهن في السكنى، حتى يلجأن إلى الخروج، والتنازل عن حقوقهن.
وقوله- تعالى-: وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ.
.
أى:وإن كان المطلقات أصحاب حمل- فعليكم يا معشر الأزواج- أن تقدموا لهن النفقة المناسبة، حتى يضعن حملهن.
قال الإمام ابن كثير: قال كثير من العلماء منهم ابن عباس، وطائفة من السلف.
هذه هي البائن، إن كانت حاملا أنفق عليها حتى تضع حملها، قالوا: بدليل أن الرجعية تجب نفقتها سواء أكانت حاملا أم غير حامل.
وقال آخرون: بل السياق كله في الرجعيات، وإنما نص على الإنفاق على الحامل- وإن كانت رجعية- لأن الحمل تطول مدته غالبا.
فاحتيج إلى النص على وجوب الإنفاق إلى الوضع، لئلا يتوهم أنه إنما تجب النفقة بمقدار مدة العدة.
.
.
ولما كان الحمل ينتهى بالوضع، انتقلت السورة الكريمة إلى بيان ما يجب للمطلقات بعد الوضع، فقال- تعالى-: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ.
أى: عليكم- أيها المؤمنون- أن تقدموا لنسائكم ذوات الحمل اللائي طلقتموهن طلاقا بائنا، عليكم أن تقدموا لهن النفقة حتى يضعن حملهن، فإذا ما وضعن حملهن وأرادوا أن يرضعن لكم أولادكم منهن، فعليكم- أيضا- أن تعطوهن أجورهن على هذا الإرضاع، وأن تلتزموا بذلك لهن.
وقد أخذ العلماء من هذه الآية أن الأم المطلقة طلاقا بائنا، إذا أرادت أن ترضع ولدها بأجر المثل، فليس لأحد أن يمنعها من ذلك، لأنها أحق به من غيرها، لشدة شفقتها عليه .
.
.
وليس للأب أن يسترضع غيرها حينئذ.
كما أخذوا منها- أيضا- أن نفقة الولد الصغير على أبيه، لأنه إذا لزمته أجرة الرضاع، فبقية النفقات الخاصة بالصغير تقاس على ذلك.
وقوله- سبحانه-: وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ حض منه- سبحانه- للآباء والأمهات على التعاون والتناصح في وجوه الخير والبر.
والائتمار معناه: التشاور وتبادل الرأى، وسمى التشاور بذلك لأن المتشاورين في مسألة، يأمر أحدهما الآخر بشيء فيستجيب لأمره، ويقال: أئتمر القوم وتآمروا بمعنى واحد.
أى: عليكم- أيها الآباء والأمهات- أن تتشاوروا فيما ينفع أولادكم، وليأمر بعضكم بعضا بما هو حسن، فيما يتعلق بالإرضاع والأجر وغيرهما.
وقوله- تعالى-: وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى إرشاد إلى ما يجب عليهما في حالة عدم التراضي على الإرضاع أو الأجر.
والتعاسر مأخوذ من العسر الذي هو ضد اليسر والسماحة، يقال تعاسر المتبايعان، إذا تمسك كل واحد منهما برأيه، دون أن يتفقا على شيء.
أى: وإن اشتد الخلاف بينكم، ولم تصلوا إلى حل، بأن امتنع الأب عن دفع الأجرة للأم، أو امتنعت الأم عن الإرضاع إلا بأجر معين.
فليس معنى ذلك أن يبقى المولود جائعا بدون رضاعة، بل على الأب أن يبحث عن مرضعة أخرى، لكي ترضع له ولده، فالضمير في قوله لَهُ يعود على الأب.
قال صاحب الكشاف قوله: وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى أى: فستوجد مرضعة غير الأم ترضعه، وفيه طرف من معاتبة الأم على المعاسرة، كما تقول لمن تستقضيه حاجة فيتوانى: سيقضيها غيرك.
تريد لن تبقى غير مقضية وأنت ملوم.
وقد علق المحشى على الكشاف بقوله: وخص الأم بالمعاتبة، لأن المبذول من جهتها هو لبنها وهو غير متمول ولا مضنون به في العرف، وخصوصا في الأم على الولد، ولا كذلك المبذول من جهة الأب، فإنه المال المضنون به عادة فالأم إذا أجدى باللوم، وأحق بالعتب.
.
.
قالوا: وفي هذه الجملة- أيضا- طرف من معاتبة الأب، لأنه كان من الواجب عليه أن يسترضى الأم، ولا يكون مصدر عسر بالنسبة لها، حرصا على مصلحة الولد.

المصدر : تفسير : أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا