موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا - الآية 60 من سورة النساء

سورة النساء الآية رقم 60 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 60 من سورة النساء عدة تفاسير, سورة النساء : عدد الآيات 176 - الصفحة 88 - الجزء 5.

﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ وَيُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمۡ ضَلَٰلَۢا بَعِيدٗا ﴾
[ النساء: 60]


التفسير الميسر

ألم تعلم -أيها الرسول- أمر أولئك المنافقين الذين يدَّعون الإيمان بما أُنزل إليك -وهو القرآن- وبما أُنزل إلى الرسل من قبلك، وهم يريدون أن يتحاكموا في فَصْل الخصومات بينهم إلى غير ما شرع الله من الباطل، وقد أُمروا أن يكفروا بالباطل؟ ويريد الشيطان أن يبعدهم عن طريق الحق، بعدًا شديدًا. وفي هذه الآية دليل على أن الإيمان الصادق، يقتضي الانقياد لشرع الله، والحكم به في كل أمر من الأمور، فمن زعم أنه مؤمن واختار حكم الطاغوت على حكم الله، فهو كاذب في زعمه.

تفسير الجلالين

ونزل لما اختصم يهودي ومنافق فدعا المنافق إلى كعب بن الأشرف ليحكم بينهما ودعا اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتياه فقضى لليهودي فلم يرض المنافق وأتيا عمر فذكر اليهودي ذلك فقال للمنافق أكذلك فقال نعم فقتله «ألم ترَ إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أُنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت» الكثير الطغيان وهو كعب بن الأشرف «وقد أمروا أن يكفروا به» ولا يوالوه «ويريد الشيطان أن يضلَّهم ضلالا بعيدا» عن الحق.

تفسير السعدي

يعجب تعالى عباده من حالة المنافقين.
الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مؤمنون بما جاء به الرسول وبما قبله، ومع هذا يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وهو كل من حكم بغير شرع الله فهو طاغوت.
والحال أنهم قد أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ فكيف يجتمع هذا والإيمان؟ فإن الإيمان يقتضي الانقياد لشرع الله وتحكيمه في كل أمر من الأمور، فمَنْ زعم أنه مؤمن واختار حكم الطاغوت على حكم الله، فهو كاذب في ذلك.
وهذا من إضلال الشيطان إياهم، ولهذا قال: وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا عن الحق.

تفسير البغوي

قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ) الآية قال الشعبي : كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فقال اليهودي : نتحاكم إلى محمد ، لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة ولا يميل في الحكم ، وقال المنافق : نتحاكم إلى اليهود لعلمه أنهم يأخذون الرشوة ويميلون في الحكم ، فاتفقا على أن يأتيا كاهنا في جهينة فيتحاكما إليه ، فنزلت هذه الآية .
قال جابر : كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها واحد في جهينة وواحد في أسلم ، وفي كل حي كهان .
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : نزلت في رجل من المنافقين يقال له بشر ، كان بينه وبين يهودي خصومة فقال اليهودي : ننطلق إلى محمد ، وقال المنافق : بل إلى كعب بن الأشرف ، وهو الذي سماه الله الطاغوت ، فأبى اليهودي أن يخاصمه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي ، فلما خرجا من عنده لزمه المنافق ، وقال : انطلق بنا إلى عمر رضي الله عنه ، فأتيا عمر ، فقال اليهودي : اختصمت أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه وزعم أنه يخاصم إليك ، فقال عمر رضي الله عنه للمنافق : أكذلك؟ قال : نعم ، قال لهما رويدكما حتى أخرج إليكما فدخل عمر البيت وأخذ السيف واشتمل عليه ثم خرج فضرب به المنافق حتى برد ، وقال : هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله .
فنزلت هذه الآية .
وقال جبريل : إن عمر رضي الله عنه فرق بين الحق والباطل ، فسمي الفاروق .
وقال السدي : كان ناس من اليهود أسلموا ونافق بعضهم وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل رجل من بني قريظة رجلا من بني النضير قتل به أو أخذ ديته مائة وسق من تمر ، وإذا قتل رجل من بني النضير رجلا من قريظة لم يقتل به وأعطى ديته ستين وسقا ، وكانت النضير وهم حلفاء الأوس أشرف وأكثر من قريظة وهم حلفاء الخزرج ، فلما جاء الله بالإسلام وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، قتل رجل من النضير رجلا من قريظة فاختصموا في ذلك ، فقالت بنو النضير : كنا وأنتم قد اصطلحنا على أن نقتل منكم ولا تقتلون منا ، وديتكم ستون وسقا وديتنا مائة وسق ، فنحن نعطيكم ذلك ، فقالت الخزرج : هذا شيء كنتم فعلتموه في الجاهلية لكثرتكم وقلتنا فقهرتمونا ، ونحن وأنتم اليوم إخوة وديننا ودينكم واحد فلا فضل لكم علينا ، فقال المنافقون منهم : انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن الأسلمي ، وقال المسلمون من الفريقين : لا بل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبى المنافقون وانطلقوا إلى أبي بردة ليحكم بينهم ، فقال : أعظموا اللقمة ، يعني الحظ ، فقالوا : لك عشرة أوسق ، قال : لا بل مائة وسق ديتي ، فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوسق وأبى أن يحكم بينهم ، فأنزل الله تعالى آية القصاص ، وهذه الآية : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ) يعني الكاهن أو كعب بن الأشرف ، ( وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ) .

تفسير الوسيط

روى المفسرون في سبب نزول قوله- تعالى- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ.
.
إلخ روايات متقاربة في معناها ومن ذلك ما أخرجه الثعلبي وابن أبى حاتم من طرق عن ابن عباس أن رجلا من المنافقين يقال له بشر خاصم يهوديا، فدعاه اليهودي إلى التحاكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودعاه المنافق إلى التحاكم إلى كعب بن الأشرف: ثم إنهما احتكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى لليهودي، فلم يرض المنافق.
وقال: تعالى نتحاكم إلى عمر بن الخطاب.
فقال اليهودي لعمر: قضى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرض بقضائه.
فقال عمر للمنافق:أكذلك؟ قال: نعم.
فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما.
فدخل عمر فاشتمل على سيفه ثم خرج فضرب عنق المنافق حتى برد- أى مات-.
ثم قال: هكذا أقضى لمن لم يرض بقضاء الله- تعالى- وقضاء رسوله صلى الله عليه وسلم فنزلت» .
والاستفهام في قوله أَلَمْ تَرَ للتعجيب من حال أولئك المنافقين، وإنكار ما هم عليه من خلق ذميم وإعراض عن حكم الله ورسوله إلى حكم غيرهما.
وقوله يَزْعُمُونَ من الزعم ويستعمل غالبا في القول الذي لا تحقق معه، كما يستعمل- أيضا- في الكذب ومنه قوله- تعالى-: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا: هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ أى بكذبهم.
وقد يطلق الزعم على القول الحق.
قال الآلوسى: وقد أكثر سيبويه في «الكتاب» من قوله: زعم الخليل كذا- في أشياء يرتضيها.
والمراد بالزعم هنا الكذب لأن الآية الكريمة في المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون.
والمعنى: ألم ينته علمك يا محمد إلى حال هؤلاء المنافقين الذين يزعمون كذبا وزورا أنهم آمنوا بما أنزل إليك من ربك من قرآن كريم، ومن شريعة عادلة، ويزعمون كذلك أنهم آمنوا بما أنزل على الرسل من قبلك من كتب سماوية؟ إن كنت لم تعلم حالهم أو لم تنظر إليهم فهاك خبرهم لتحذرهم ولتحذر أمتك من شرورهم.
فالمقصود من الاستفهام التعجيب من حال هؤلاء المنافقين، وحض النبي صلى الله عليه وسلم وأمته على معرفة مسالكهم الخبيثة، حتى يأخذوا حذرهم منهم.
وفي وصفهم بادعاء الإيمان بما أنزل على الرسول وبما أنزل على الرسل من قبله تأكيد للتعجيب من أحوالهم، وتشديد للتوبيخ والتقبيح من سلوكهم ببيان كمال المباينة بين دعواهم المقتضية حتما للتحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وبين ما صدر عنهم من هرولة إلى التحاكم إلى غيره.
وقوله: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ بيان لموطن التعجيب من أحوالهم الغريبة، وصفاتهم السيئة.
والمراد بالطاغوت هنا: ما سوى شريعة الإسلام من أحكام باطلة بعيدة عن الحق يأخذها المنافقون عمن يعظمونهم وقيل المراد به: كعب بن الأشرف لأنه هو الذي أراد المنافقون التحاكم إليه، وقد سماه الله بذلك لكثرة طغيانه وعداوته للرسول صلى الله عليه وسلم.
والمعنى: أن هؤلاء المنافقين يزعمون الإيمان بما أنزل إليك- يا محمد- وبما أنزل من قبلك، ومع هذا فهم يريدون- عن محبة واقتناع- التحاكم إلى الطاغوت أى إلى من يعظمونه، ويصدرون عن قوله، ويرضون بحكمه من دون حكم الله.
وقوله وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ جملة حالية من ضمير يريدون.
أى: يريدون التحاكم إلى الطاغوت والحال أن الله- تعالى- قد أمرهم بالكفر به، وبالانقياد للأحكام التي يحكم بها النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً معطوف على قوله يُرِيدُونَ وداخل في حكم التعجيب، لأن اتباعهم لمن يريد إضلالهم، وإعراضهم عمن يريد هدايتهم أمر يدعو إلى العجب الشديد.
والمراد بالضلال البعيد: الكفر والبعد عن الحق والهدى.
ووصفه بالبعد للمبالغة في شناعة ضلالهم، بتنزيله على سبيل المجاز منزلة جنس ذي مسافة كان هذا الفرد منه بالغا غاية المسافة.
قال ابن كثير: هذه الآية إنكار من الله- تعالى- على من يدعى الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء السابقين.
وهو مع ذلك، يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله، وسنة رسوله.
كما ذكر في سبب نزول هذه الآية أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخاصما.
فجعل اليهودي يقول: بيني وبينك محمد.
وذاك يقول: بيني وبينك كعب بن الأشرف.
وقيل: في جماعة من المنافقين ممن أظهروا الإسلام أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية.
وقيل غير ذلك.
والآية أعم من ذلك كله، فإنها ذامة لكل من عدل عن الكتاب والسنة وتحاكم إلى ما سواهما من الباطل.
وهو المراد بالطاغوت هنا .

المصدر : تفسير : ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا