موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك - الآية 61 من سورة آل عمران

سورة آل عمران الآية رقم 61 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 61 من سورة آل عمران عدة تفاسير, سورة آل عمران : عدد الآيات 200 - الصفحة 57 - الجزء 3.

﴿ فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ ﴾
[ آل عمران: 61]


التفسير الميسر

فمَن جادلك -أيها الرسول- في المسيح عيسى ابن مريم من بعد ما جاءك من العلم في أمر عيسى عليه السلام، فقل لهم: تعالوا نُحْضِر أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثم نتجه إلى الله بالدعاء أن يُنزل عقوبته ولعنته على الكاذبين في قولهم، المصرِّين على عنادهم.

تفسير الجلالين

«فمن حاجَّك» جادلك من النصارى «فيه من بعد ما جاءك من العلم» بأمره «فقل» لهم «تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم» فنجمعهم «ثم نبتهل» نتضرع في الدعاء «فنجعل لعنة الله على الكاذبين» بأن نقول: اللهم العن الكاذب في شأن عيسى وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم وفد نجران لذلك لما حاجُّوه به فقالوا: حتى ننظر في أمرنا ثم نأتيك فقال ذو رأيهم: لقد عرفتم نبوته وأنه ما بأهل قوم نبيا إلا هلكوا فودعوا الرجل وانصرفوا فأتوا الرسول صلى الله عليه وسلم وقد خرج معه الحسن والحسين وفاطمة وعلي وقال لهم: إذا دعوت فأمِّنوا فأبوا أن يلاعنوا وصالحوه على الجزية رواه أبو نُعَيْم، وعن ابن عباس: قال: لو خرج الذين يباهلون لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا، ورُوي: لو خرجوا لاحترقوا.

تفسير السعدي

أي: فمن جادلك وحاجك في عيسى عليه السلام وزعم أنه فوق منزلة العبودية، بل رفعه فوق منزلته من بعد ما جاءك من العلم بأنه عبد الله ورسوله وبينت لمن جادلك ما عندك من الأدلة الدالة على أنه عبد أنعم الله عليه، دل على عناد من لم يتبعك في هذا العلم اليقيني، فلم يبق في مجادلته فائدة تستفيدها ولا يستفيدها هو، لأن الحق قد تبين، فجداله فيه جدال معاند مشاق لله ورسوله، قصده اتباع هواه، لا اتباع ما أنزل الله، فهذا ليس فيه حيلة، فأمر الله نبيه أن ينتقل إلى مباهلته وملاعنته، فيدعون الله ويبتهلون إليه أن يجعل لعنته وعقوبته على الكاذب من الفريقين، هو وأحب الناس إليه من الأولاد والأبناء والنساء، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فتولوا وأعرضوا ونكلوا، وعلموا أنهم إن لاعنوه رجعوا إلى أهليهم وأولادهم فلم يجدوا أهلا ولا مالا وعوجلوا بالعقوبة، فرضوا بدينهم مع جزمهم ببطلانه، وهذا غاية الفساد والعناد، فلهذا قال تعالى فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين فيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة.

تفسير البغوي

قوله عز وجل : ( فمن حاجك فيه ) أي جادلك في عيسى أو في الحق ( من بعد ما جاءك من العلم ) بأن عيسى عبد الله ورسوله ( فقل تعالوا ) وأصله تعاليوا تفاعلوا من العلو فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت ، قال الفراء : بمعنى تعال كأنه يقول : ارتفع قوله ( ندع ) جزم لجواب الأمر وعلامة الجزم سقوط الواو ( أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) قيل : أبناءنا أراد الحسن والحسين ، ونساءنا فاطمة .
وأنفسنا عنى نفسه وعليا رضي الله عنه والعرب تسمي ابن عم الرجل نفسه ، كما قال الله تعالى : " ولا تلمزوا أنفسكم " ( 11 - الحجرات ) يريد إخوانكم وقيل هو على العموم الجماعة أهل الدين ( ثم نبتهل ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : أي نتضرع في الدعاء ، وقال الكلبي : نجتهد ونبالغ في الدعاء ، وقال الكسائي وأبو عبيدة : نلتعن والابتهال الالتعان يقال : عليه بهلة الله أي لعنته : ( فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) منا ومنكم في أمر عيسى ، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية على وفد نجران ودعاهم إلى المباهلة قالوا : حتى نرجع وننظر في أمرنا ثم نأتيك غدا ، فخلا بعضهم ببعض فقالوا للعاقب وكان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى؟ قال : والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا نبي مرسل ، والله ما لاعن قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، ولئن فعلتم ذلك لنهلكن فإن أبيتم إلا الإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم محتضنا للحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول لهم : " إذا أنا دعوت فأمنوا " فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض منكم نصراني إلى يوم القيامة ، فقالوا يا أبا القاسم : قد رأينا أن لا نلاعنك وأن نتركك على دينك ونثبت على ديننا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم " فأبوا فقال : " فإني أنابذكم " فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ، ولكنا نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة ، ألفا في صفر وألفا في رجب ، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وقال : " والذي نفسي بيده إن العذاب قد تدلى على أهل نجران ولو تلاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر ، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا " .

تفسير الوسيط

لقد لقن الله تعالى، نبيه صلّى الله عليه وسلّم، الجواب الذي يقطع لسان المجادلين بالباطل في شأن عيسى عليه السّلام، فقال تعالى فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ.
.
إلخ.
قال الفخر الرازي: اعلم أنه «سبحانه» بين أول هذه السورة وجوها من الدلائل القاطعة على فساد قول النصارى بالزوجة والولد وأتبعهما بذكر الجواب على جميع شبههم على سبيل الاستقصاء التام وختم الكلام بهذه النكتة القاطعة لفساد كلامهم وهو أنه لما لم يلزم من عدم الأب والأم البشريين لآدم أن يكون ابنا الله فكذلك لا يلزم من عدم الأب البشرى لعيسى أن يكون ابنا الله.
ولما لم يبعد خلق آدم من التراب لم يبعد أيضا خلق عيسى من الدم الذي كان يجتمع في رحم أم عيسى.
ومن أنصف وطلب الحق علم أن البيان قد بلغ إلى الغاية القصوى-فعند ذلك- قال سبحانه- فَمَنْ حَاجَّكَ بعد هذه الدلائل الواضحة والجوابات اللائحة فاقطع الكلام معهم وعاملهم بما يعامل به المعاند، وهو أن تدعوهم إلى الملاعنة .
والفاء في قوله فَمَنْ حَاجَّكَ للتفريع على قوله- تعالى- الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ.
.
وقوله مِنْ الراجح فيها أنها شرطية.
وقوله حَاجَّكَ من المحاجة وهي تبادل الحجة والمجادلة بين شخص وآخر.
والمعنى: فمن جادلك وخاصمك «يا محمد» من أهل الكتاب «فيه» أى في شأن عيسى- عليه السّلام- بأن زعموا أنه إله أو ابن إله أو ثالث ثلاثة أو غير ذلك من الأقاويل الكاذبة في شأنه.
وقوله مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أى فمن جادلك في شأن عيسى من بعد الذي أنزلناه إليك وقصصناه عليك في أمره، فلا تبادله المجادلة، فإنه معاند لا يقنعه الدليل مهما كان واضحا، ولكن قل له ولأمثاله من الظالمين:تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ، وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ.
وقوله: تَعالَوْا اسم فعل أمر لطلب القدوم.
وهو في الأصل أمر من تعالى يتعالى «كترامي يترامى» إذا قصد العلو.
فكأنهم أرادوا به في الأصل أمرا بالصعود إلى مكان عال تشريفا للمدعو، ثم شاع حتى صار لمطلق الأمر بالقدوم أو الحضور.
وقوله ثُمَّ نَبْتَهِلْ أى نتباهل ونتلاعن.
فالافتعال هنا بمعنى المفاعلة أى بأن نقول: بهلة الله على الكاذب منا ومنكم.
والبهلة بفتح الباء وضمها: اللعنة.
يقال بهله الله يبهله بهلا لعنه الله وأبعده من رحمته ثم شاعت في كل دعاء مجتهد فيه وإن لم يكن التعانا.
والمعنى: فإن جادلك أهل الكتاب في شأن عيسى من بعد أن أخبرك ربك بما هو الحق من أمره فقل لهم تَعالَوْا أى أقبلوا أيها المجادلون إلى أمر يعرف فيه الحق من الباطل، وهو أن ندعو نحن وأنتم الأبناء والنساء ثم نجتمع جميعا في مكان واحد، ثم نتضرع إلى الله ونبتهل إليه بأن يجعل لعنته على الكاذبين في دعواهم المنحرفين عن الحق في اعتقادهم.
فأنت ترى أن الآية الكريمة قد لقنت النبي صلّى الله عليه وسلّم الجواب الحاسم الذي يخرس ألسنة المجادلين في عيسى، ويتحداهم- إن كانوا صادقين- أن يقبلوا هذه المباهلة، ولكنهم نكصوا على أعقابهم فثبت كذبهم وضلالهم.
وهذه الآية الكريمة تسمى بآية المباهلة، وقد ذكر العلماء أنها نزلت للرد على نصارى نجران الذين جادلوا النبي صلّى الله عليه وسلّم في شأن عيسى- عليه السّلام-.
قال ابن كثير ما ملخصه.
وكان نزول هذه المباهلة وما قبلها من أول السورة إلى هنا في وفد نصارى نجران حين قدموا المدينة فجعلوا يحاجون في عيسى ويزعمون فيه ما يزعمون من النبوة والألوهية فأنزل صدر هذه السورة ردا عليهم.
.
وكانوا ستين راكبا منهم ثلاثة إليهم يؤول أمرهم وهم: العاقب أميرهم واسمه عبد المسيح، والسيد صاحب رحلهم واسمه الأبهم، وأبو حارث بن علقمة أسقفهم وحبرهم.
وفي القصة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما أتاه الخبر من الله تعالى، والفصل من القضاء بينه وبينهم، وأمر بما أمر به من ملاعنتهم.
دعاهم إلى المباهلة فقالوا:يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا.
.
ثم خلوا بالعاقب فقالوا.
يا عبد المسيح ماذا ترى؟ فقال.
والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمدا لنبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم نبيّا قط، فبقى كبيرهم ولا نبت صغيرهم، وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم.
.
فأتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم.
فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك وأن نتركك على دينك، ونرجع على ديننا، فلم يلاعنهم صلّى الله عليه وسلّم وأقرهم على خراج يؤدونه إليه.
وروى الحافظ ابن مردويه عن جابر قال: قدم على النبي صلّى الله عليه وسلّم العاقب والطيب فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على أن يلاعناه الغداة، قال: فغدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخذ بيد على وفاطمة والحسن والحسين ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيبا وأقرا له بالخراج.
قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «والذي بعثني بالحق لو لاعنا لأمطر عليهم الوادي نارا» .
ثم قال: وروى البخاري عن حذيفة قال: جاء العاقب والسيد صاحب نجران إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يريدان أن يلاعناه قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فو الله لئن كان نبيّا فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، ثم قالا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلا أمينا.
.
فقال: «لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين» .
فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال صلّى الله عليه وسلّم: «قم يا أبا عبيدة بن الجراح» .
فلما قام قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا أمين هذه الأمة» .
وقال صاحب الكشاف: إن قلت ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه فما معنى ضم الأبناء والنساء؟قلت: ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله، واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه لذلك، ولم يقتصر على تعريض نفسه له.
وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة.
وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب، وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل.
ومن ثمة كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب.
.
وفي الآيةدليل واضح على صحة نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم لأنه لم يرو أحد من موافق ولا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك» .

المصدر : تفسير : فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك