موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر - الآية 72 من سورة الأعراف

سورة الأعراف الآية رقم 72 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 72 من سورة الأعراف عدة تفاسير, سورة الأعراف : عدد الآيات 206 - الصفحة 159 - الجزء 8.

﴿ فَأَنجَيۡنَٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَقَطَعۡنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَاۖ وَمَا كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ ﴾
[ الأعراف: 72]


التفسير الميسر

فوقع عذاب الله بإرسال الريح الشديدة عليهم، فأنجى الله هودًا والذين آمنوا معه برحمة عظيمة منه تعالى، وأهلك الكفار من قومه جميعا ودمَّرهم عن آخرهم، وما كانوا مؤمنين لجمعهم بين التكذيب بآيات الله وترك العمل الصالح.

تفسير الجلالين

«فأنجيناه» أي هودا «والذين معه» من المؤمنين «برحمة منا وقطعنا دابر» القوم «الذين كذبوا بآياتنا» أي استأصلناكم «وما كانوا مؤمنين» عطف على كذبوا.

تفسير السعدي

فَأَنْجَيْنَاهُ أي: هودا وَالَّذِينَ آمنوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا فإنه الذي هداهم للإيمان، وجعل إيمانهم سببا ينالون به رحمته فأنجاهم برحمته، وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أي: استأصلناهم بالعذاب الشديد الذي لم يبق منهم أحدا، وسلط اللّه عليهم الريح العقيم، ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم، فأهلكوا فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم، فانظر كيف كان عاقبة المنذرين الذين أقيمت عليهم الحجج، فلم ينقادوا لها، وأمروا بالإيمان فلم يؤمنوا فكان عاقبتهم الهلاك، والخزي والفضيحة.
وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ وقال هنا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ بوجه من الوجوه، بل وصفهم التكذيب والعناد، ونعتهم الكبر والفساد.

تفسير البغوي

( فأنجيناه ) يعني هودا عند نزول العذاب ، ( والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا ) أي : استأصلناهم وأهلكناهم عن آخرهم ، ( وما كانوا مؤمنين )وكانت قصة عاد على ما ذكر محمد بن إسحاق وغيره : أنهم كانوا قوما ينزلون اليمن وكانت مساكنهم بالأحقاف ، وهي رمال بين عمان وحضرموت ، وكانوا قد فشوا في الأرض كلها وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي آتاهم الله - عز وجل - ، وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها ، صنم يقال له صدى ، وصنم يقال له صمود ، وصنم يقال له الهباء ، فبعث الله إليهم هودا نبيا ، وهو من أوسطهم نسبا وأفضلهم حسبا ، فأمرهم أن يوحدوا الله ويكفوا عن ظلم الناس ولم يأمرهم بغير ذلك ، فكذبوه فقالوا من أشد منا قوة فبنوا المصانع وبطشوا بطشة الجبارين ، فلما فعلوا ذلك أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك .
وكان الناس في ذلك الزمان إذا نزل بهم بلاء فطلبوا الفرج كانت طلبتهم إلى الله - عز وجل - عند بيته الحرام بمكة مسلمهم ومشركهم ، فيجتمع بمكة ناس كثير شتى ، مختلفة أديانهم وكلهم معظم لمكة ، وأهل مكة يومئذ العماليق سموا عماليق ، لأن أباهم عمليق بن لاذا بن سام بن نوح ، وكان سيد العماليق إذ ذاك بمكة رجل يقال له معاوية بن بكر وكانت أم معاوية كلهدة بنت الخيبري رجل من عاد ، فلما قحط المطر عن عاد وجهدوا قالوا جهزوا وافدا منكم إلى مكة فليستسقوا لكم ، فبعثوا قيل بن عنز ولقيم بن هزال من هزيل ، وعقيل بن صندين بن عاد الأكبر ، ومرثد بن سعد بن عفير وكان مسلما يكتم إسلامه ، وجلهمة بن الخيبري خال معاوية بن بكر ، ثم بعثوا لقمان بن عاد الأصغر بن صندين بن عاد الأكبر ، فانطلق كل رجل من هؤلاء ومعه رهط من قومه حتى بلغ عدد وفدهم سبعين رجلا .
فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارجا من الحرم ، فأنزلهم وأكرمهم وكانوا أخواله وأصهاره فأقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان ، قينتان لمعاوية بن بكر ، وكان مسيرهم شهرا ومقامهم شهرا فلما رأى معاوية بن بكر طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوثون بهم من البلاء الذي أصابهم شق ذلك عليه ، وقال هلك أخوالي وأصهاري وهؤلاء مقيمون عندي وهم ضيفي ، والله ما أدري كيف أصنع بهم ، أستحي أن آمرهم بالخروج إلى ما بعثوا إليه ، فيظنون أنه ضيق مني بمقامهم عندي ، وقد هلك من وراءهم من قومهم جهدا وعطشا ، فشكا ذلك من أمرهم إلى قينتيه الجرادتين ، فقالتا : قل شعرا نغنيهم به ، لا يدرون من قاله ، لعل ذلك أن يحركهم ، فقال معاوية بن بكر :ألا يا قيل ويحك قم فهينم لعل الله يسقينا غماما فيسقي أرض عاد إن عاداقد أمسوا لا يبينون الكلاما من العطش الشديد فليس نرجوبه الشيخ الكبير ولا الغلاما وقد كانت نساؤهم بخيرفقد أمست نساؤهم أيامى وإن الوحش تأتيهم جهارافلا تخشى لعادي سهاما وأنتم هاهنا فيما اشتهيتمنهاركمو وليلكمو التماما فقبح وفدكم من وفد قومولا لقوا التحية والسلامافلما غنتهم الجرادتان هذا قال بعضهم لبعض : يا قوم إنما بعثكم قومكم يتغوثون بكم من البلاء الذي نزل بهم ، وقد أبطأتم عليهم ، فادخلوا هذا الحرم فاستسقوا لقومكم ، فقال مرثد بن سعد بن عفير ، وكان قد آمن بهود سرا : إنكم والله لا تسقون بدعائكم ، ولكن إن أطعتم نبيكم وأنبتم إلى ربكم سقيتم ، فأظهر إسلامه عند ذلك وقال :عصت عاد رسولهم فأمسوا عطاشا ما تبلهم السماءلهم صنم يقال له صمود يقابله صداء والهباءفبصرنا الرسول سبيل رشد فأبصرنا الهدى وجلى العماءوإن إله هود هو إلهي على الله التوكل والرجاءفقالوا لمعاوية بن بكر : احبس عنا مرثد بن سعد فلا يقدمن معنا مكة ، فإنه قد اتبع دين هود ، وترك ديننا ، ثم خرجوا إلى مكة يستسقون لعاد ، فلما ولوا إلى مكة خرج مرثد بن سعد من منزل معاوية حتى أدركهم قبل أن يدعوا الله بشيء مما خرجوا له ، فلما انتهى إليهم قام يدعو الله ، وبها وفد عاد يدعون ، فقال : اللهم أعطني سؤلي وحدي ولا تدخلني في شيء مما يدعوك به وفد عاد ، وكان قيل بن عنز رأس وفد عاد ، فقال وفد عاد : اللهم أعط قيلا ما سألك واجعل سؤلنا مع سؤله .
وكان قد تخلف عن وفد عاد - حين دعوا - لقمان بن عاد ، وكان سيد عاد ، حتى إذا فرغوا من دعوتهم قام ، فقال : اللهم إني جئتك وحدي في حاجتي فأعطني سؤلي ، وسأل الله طول العمر فعمر عمر سبعة أنسر ، وقال قيل بن عنز حين دعا : يا إلهنا إن كان هود صادقا فاسقنا فإنا قد هلكنا ، فأنشأ الله سحائب ثلاثا بيضاء وحمراء وسوداء ، ثم ناداه مناد من السحايب يا قيل اختر لنفسك وقومك من هذه السحائب ما شئت فقال قيل : اخترت السحابة السوداء فإنها أكثر السحاب ماء فناداه مناد : اخترت رمادا رمددا لا تبقي من آل عاد أحدا ، وساق الله سبحانه وتعالى السحابة السوداء التي اختارها قيل بما فيها من النقمة إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له " المغيث " فلما رأوها استبشروا وقالوا : هذا عارض ممطرنا ، يقول الله تعالى : ( بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها ) ( الأحقاف - 24 - 25 ) أي : كل شيء مرت به .
وكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح مهلكة امرأة من عاد يقال لها مهدد ، فلما تبينت ما فيها صحت ثم صعقت ، فلما أفاقت قالوا لها : ماذا رأيت؟ قالت : رأيت الريح فيها كشهب النار أمامها رجال يقودونها ، فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، فلم تدع من آل عاد أحدا إلا هلك ، واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه هو ومن معه من الريح إلا ما تلين عليه الجلود وتلذ الأنفس ، وإنها لتمر من عاد بالظعن فتحملهم بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة ، وخرج وفد عاد من مكة حتى مروا بمعاوية بن بكر فنزلوا عليها فبينما هم عنده إذ أقبل رجل على ناقة في ليلة مقمرة مساء ثالثة من مصاب عاد فأخبرهم الخبر ، فقالوا له فأين فارقت هودا وأصحابه؟ فقال : فارقتهم بساحل البحر فكأنهم شكوا فيما حدثهم به ، فقالت هزيلة بنت بكر : صدق ورب مكة .
وذكروا أن مرثد بن سعد ولقمان بن عاد ، وقيل بن عنز حين دعوا بمكة ، قيل لهم : قد أعطيتكم مناكم فاختاروا لأنفسكم ، إلا أنه لا سبيل إلى الخلود ، ولا بد من الموت ، فقال مرثد : اللهم أعطني صدقا وبرا فأعطي ذلك ، وقال لقمان : أعطني يا رب عمرا ، فقيل له : اختر ، فاختار عمر سبعة أنسر ، فكان يأخذ الفرخ حين يخرج من بيضته فيأخذ الذكر منها لقوته ، حتى إذا مات أخذ غيره فلم يزل يفعل ذلك حتى أتى على السابع ، وكان كل نسر يعيش ثمانين سنة ، وكان آخرها لبد فلما مات لبد مات لقمان معه .
وأما قيل فإنه قال : أختار أن يصيبني ما أصاب قومي فقيل له : إن الهلاك ، فقال : لا أبالي لا حاجة لي في البقاء بعدهم ، فأصابه الذي أصاب عادا من العذاب فهلك .
قال السدي : بعث الله على عاد الريح العقيم فلما دنت منهم نظروا إلى الإبل والرجال ، تطير بهم الريح بين السماء والأرض ، فلما رأوها تبادروا البيوت فدخلوها وأغلقوا أبوابهم ، فجاءت الريح فقلعت أبوابهم فدخلت عليهم فأهلكتهم فيها ، ثم أخرجتهم من البيوت ، فلما أهلكهم الله أرسل عليهم طيرا سوداء فنقلتهم إلى البحر فألقتهم فيه .
وروي أن الله - عز وجل - أمر الريح فأهالت عليهم الرمال ، فكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين تحت الرمل ، ثم أمر الريح فكشفت عنهم الرمال فاحتملتهم فرمت بهم في البحر ولم تخرج ريح قط إلا بمكيال إلا يومئذ فإنها عتت على الخزنة فغلبتهم فلم يعلموا كم كان مكيالها .
وفي الحديث : " إنها خرجت عليهم على قدر خرق الخاتم " وروي عن علي رضي الله عنه : أن قبر هود عليه السلام بحضرموت في كثيب أحمر .
وقال عبد الرحمن بن سابط : بين الركن والمقام وزمزم قبر تسعة وتسعين نبيا ، وإن قبر هود وشعيب وصالح وإسماعيل عليهم السلام في تلك البقعة .
ويروى : أن النبي من الأنبياء إذا هلك قومه جاء هو والصالحون معه إلى مكة يعبدون الله فيها حتى يموتوا .

تفسير الوسيط

ولم يطل انتظار هود عليهم، فقد حل بهم العقاب الذي توعدهم به سريعا ولذا قال- تعالى-: فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا الفاء فصيحة.
أى: فوقع ما وقع فأنجينا هودا والذين اتبعوه في عقيدته برحمة عظيمة منا لا يقدر عليها غيرنا.
وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أى: استأصلناهم عن آخرهم بالريح العقيم التي ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ.
فقطع الدابر كناية عن الاستئصال والإهلاك للجميع يقال قطع الله دابره أى: أذهب أصله.
وقوله: وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ عطف على كَذَّبُوا داخل معه حكم الصلة أى: أصروا على الكفر والتكذيب ولم يرجعوا عن ذلك أصلا.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما فائدة نفى الإيمان عنهم في قوله: وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ مع إثبات التكذيب بآيات الله؟ قلت: هو تعريض بمن آمن منهم- كمرثد بن سعد- ومن نجا مع هود- عليه السلام- كأنه قال: وقطعنا دابر الذين كذبوا منهم، ولم يكونوا مثل من آمن منهم ليؤذن أن الهلاك للمكذبين ونجى الله المؤمنين» .
وهكذا طويت صفحة أخرى من صحائف المكذبين، وتحقق النذير في قوم هود كما تحقق قبل ذلك في قوم نوح.
ثم قصت علينا السورة بعد ذلك قصة صالح- عليه السلام- مع قومه فقالت:

المصدر : تفسير : فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر