موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار - الآية 75 من سورة آل عمران

سورة آل عمران الآية رقم 75 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 75 من سورة آل عمران عدة تفاسير, سورة آل عمران : عدد الآيات 200 - الصفحة 59 - الجزء 3.

﴿ ۞ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مَنۡ إِن تَأۡمَنۡهُ بِقِنطَارٖ يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّنۡ إِن تَأۡمَنۡهُ بِدِينَارٖ لَّا يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيۡكَ إِلَّا مَا دُمۡتَ عَلَيۡهِ قَآئِمٗاۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَيۡسَ عَلَيۡنَا فِي ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ سَبِيلٞ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ﴾
[ آل عمران: 75]


التفسير الميسر

ومن أهل الكتاب من اليهود مَن إنْ تأمنه على كثير من المال يؤدِّه إليك من غير خيانة، ومنهم مَن إنْ تأمنه على دينار واحد لا يؤدِّه اليك، إلا إذا بذلت غاية الجهد في مطالبته. وسبب ذلك عقيدة فاسدة تجعلهم يستحلُّون أموال العرب بالباطل، ويقولون: ليس علينا في أكل أموالهم إثم ولا حرج؛ لأن الله أحلَّها لنا. وهذا كذب على الله، يقولونه بألسنتهم، وهم يعلمون أنهم كاذبون.

تفسير الجلالين

«ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار» أي بمال كثير «يؤدَّه إليك» لأمانته كعبد الله بن سلام أودعه رجل ألفا ومائتي أوقية ذهبا فأعادها إليه «ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك» لخيانته «إلا ما دمت عليه قائما» لا تفارقه فمتى فارقته أنكره ككعب بن الأشرف استودعه قرشي دينارا فجحده «ذلك» أي ترك الأداء «بأنهم قالوا» بسبب قولهم «ليس علينا في الأميين» أي العرب «سبيل» أي إثم لاستحلالهم ظلم من خالف دينهم ونسبوه إليه تعالى، قال تعالى «ويقولون على الله الكذب» في نسبة ذلك إليه «وهم يعلمون» أنهم كاذبون.

تفسير السعدي

يخبر تعالى عن حال أهل الكتاب في الوفاء والخيانة في الأموال، لما ذكر خيانتهم في الدين ومكرهم وكتمهم الحق، فأخبر أن منهم الخائن والأمين، وأن منهم من إن تأمنه بقنطار وهو المال الكثير يؤده وهو على أداء ما دونه من باب أولى، ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك وهو على عدم أداء ما فوقه من باب أولى وأحرى، والذي أوجب لهم الخيانة وعدم الوفاء إليكم بأنهم زعموا أنه ليس عليهم في الأميين سبيل أي: ليس عليهم إثم في عدم أداء أموالهم إليهم، لأنهم بزعمهم الفاسد ورأيهم الكاسد قد احتقروهم غاية الاحتقار، ورأوا أنفسهم في غاية العظمة، وهم الأذلاء الأحقرون، فلم يجعلوا للأميين حرمة، وأجازوا ذلك، فجمعوا بين أكل الحرام واعتقاد حله وكان هذا كذبا على الله، لأن العالم الذي يحلل الأشياء المحرمة قد كان عند الناس معلوم أنه يخبر عن حكم الله ليس يخبر عن نفسه، وذلك هو الكذب، فلهذا قال ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون وهذا أعظم إثما من القول على الله بلا علم، ثم رد عليهم زعمهم الفاسد.

تفسير البغوي

قوله تعالى : ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ) الآية نزلت في اليهود أخبر الله تعالى أن فيهم أمانة وخيانة ، والقنطار عبارة عن المال الكثير ، والدينار عبارة عن المال القليل ، يقول : منهم من يؤدي الأمانة وإن كثرت ، ومنهم من لا يؤديها وإن قلت قال مقاتل : ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ) هم مؤمنوا أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام وأصحابه ، ( ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك ) يعني : كفار اليهود ، ككعب بن الأشرف وأصحابه ، وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله عز وجل ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ) يعني : عبد الله بن سلام ، أودعه رجل ألفا ومائتي أوقية من ذهب فأداها إليه ، ( ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك ) يعني : فنحاص بن عازوراء استودعه رجل من قريش دينارا فخانه ، قوله ( يؤده إليك ) قرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة ( يؤده ) ( لا يؤده ) و ( نصله ) و ( نؤته ) و ( نوله ) ساكنة الهاء وقرأ أبو جعفر وقالون ويعقوب بالاختلاس كسرا ، والباقون بالإشباع كسرا ، فمن سكن الهاء قال لأنها وضعت في موضع الجزم وهو الياء الذاهبة ، ومن اختلس فاكتفى بالكسرة عن الياء ، ومن أشبع فعلى الأصل ، لأن الأصل في الهاء الإشباع ، ( إلا ما دمت عليه قائما ) قال ابن عباس ملحا يريد يقوم عليه يطالبه بالإلحاح ، وقال الضحاك : مواظبا أي تواظب عليه بالاقتضاء ، وقيل : أراد أودعته ثم استرجعته وأنت قائم على رأسه ولم تفارقه رده إليك ، فإن فارقته وأخرته أنكره ولم يؤده ( ذلك ) أي : ذلك الاستحلال والخيانة ، ( بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ) أي : في مال العرب إثم وحرج كقوله تعالى : ( ما على المحسنين من سبيل ) وذلك أن اليهود قالوا : أموال العرب حلال لنا ، لأنهم ليسوا على ديننا ولا حرمة لهم في كتابنا ، وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم في دينهموقال الكلبي : قالت اليهود إن الأموال كلها كانت لنا فما في يد العرب منها فهو لنا وإنما ظلمونا وغصبونا فلا سبيل علينا في أخذنا إياه منهموقال الحسن وابن جريج ومقاتل : بايع اليهود رجالا من المسلمين في الجاهلية فلما أسلموا تقاضوهم بقية أموالهم فقالوا : ليس لكم علينا حق ، ولا عندنا قضاء لأنكم تركتم دينكم ، وانقطع العهد بيننا وبينكم وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتبهم فكذبهم الله عز وجل وقال عز من قائل : ( ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) ثم قال ردا عليهم :

تفسير الوسيط

قال الإمام الرازي: اعلم أن تعلق هذه الآية- وهي قوله- ومن أهل الكتاب .
.
.
بما قبلها من وجهين:الأول: أنه- تعالى- حكى عنهم في الآية المتقدمة أنهم ادعوا أنهم أوتوا من المناصب الدينية ما لم يؤت أحد غيرهم مثله، ثم إنه- تعالى- بين أن الخيانة مستقبحة عند جميع أرباب الأديان وهم مصرون عليها فدل هذا على كذبهم.
والثاني: أنه- تعالى- لما حكى عنهم في الآية المتقدمة قبائح أحوالهم فيما يتعلق بالأديان وهو أنهم قالوا (لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) حكى في هذه الآية بعض قبائح أحوالهم فيما يتعلق بمعاملة الناس، وهو إصرارهم على الخيانة والظلم وأخذ أموال الناس في القليل والكثير.
قال ابن عباس: أودع رجل عند عبد الله بن سلام ألفا ومائتي أوقية من ذهب فأداها إليه.
وأودع رجل آخر عند فنحاص بن عازوراء اليهودي دينارا فخانه فنزلت الآية .
والمعنى: إن من أهل الكتاب فريقا إن تأتمنه على الكثير والنفيس من الأموال يؤده إليك عند طلبه كاملا غير منقوص، وإن منهم فريقا آخر إن تأتمنه على القليل والحقير من حطام الدنيا يستحله ويجحده ولا يؤديه إليك إلا إذا داوم صاحب الحق على المطالبة بحقه واستعمل كل الوسائل في الحصول عليه.
فالآية الكريمة قد مدحت من يستحق المدح من أهل الكتاب وهو الفريق الذي استجاب للحق وآمن بالنبي صلّى الله عليه وسلّم كعبد الله بن سلام وأمثاله من مؤمنى أهل الكتاب.
وذمت من يستحق الذم منهم وهو الفريق الذي لا يؤدى الأمانة، ولم يستجب للحق، بل استمر على كفره وجحوده، وهذا القسم يمثل أكثرية أهل الكتاب.
والمراد من ذكر القنطار والدينار هنا العدد الكثير والعدد القليل.
أى أن منهم من هو في غاية الأمانة حتى أنه لو اؤتمن على الأموال الكثيرة لأداها، ومنهم من هو في غاية الخيانة حتى أنه لو أؤتمن على الشيء القليل لجحده.
وقوله إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً استثناء من أعم الأحوال أو الأوقات.
أى لا يؤده إليك في حال من الأحوال أو في وقت من الأوقات إلا في حال أو في وقت مداومتك على طلبه، والإلحاح في ذلك، واستعمال كل الوسائل للوصول إلى حقك.
قال الجمل: و «دمت» هذه هي الناقصة، ترفع وتنصب، وشرط إعمالها أن يتقدمها ما الظرفية كهذه الآية: إذ التقدير إلا مدة دوامك.
وأصل هذه المادة للدلالة على الثبوت والسكون.
يقال: دام الماء، أى سكن.
وفي الحديث: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم» أى الذي لا يجرى.
.
ومنه دام الشيء إذا امتد عليه زمان.
ودامت الشمس إذا وقفت في كبد السماء وقوله عَلَيْهِ متعلق بقوله قائِماً والمراد بالقيام الملازمة، لأن الأغلب أن المطالب يقوم على رأس المطالب، ثم جعل عبارة عن الملازمة وإن لم يكن ثمة قيام .
قال ابن جرير: فإن قال قائل: وما وجه إخبار الله بذلك نبيه صلّى الله عليه وسلّم وقد علمت أن الناس لم يزالوا كذلك، منهم المؤدى أمانته ومنهم الخائن لها؟ قيل: إنما أراد- عز وجل- بإخباره المؤمنين خبرهم على ما بينه في كتابه بهذه الآية، تحذير المؤمنين من أن يأتمنوهم على أموالهم، وتخويفهم من الاغترار بهم، لاستحلال كثير منهم أموال المؤمنين .
ثم حكى- سبحانه- بعض الأسباب التي جعلتهم يبررون خيانتهم وجحودهم لحقوق غيرهم فقال- تعالى-: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ.
وقوله ذلِكَ إشارة إلى ترك الأداء المدلول عليه بقوله- سبحانه- لا يُؤَدِّهِ.
والمراد بالأميين: العرب، خصوصا من آمن منهم، وسمى العرب بالأميين نسبة إلى الأم، وذلك لغلبة الأمية عليهم لكأن الواحد منهم قد بقي على الحالة التي ولدتهم عليها أمهاتهم من عدم القراءة والكتابة.
والسبيل: المراد به: الحجة الملزمة والحرج.
وأصله الطريق، ثم أطلق على الحجة باعتبارها طريقا ووسيلة للإلزام وتحمل التبعات.
أى: ذلك الامتناع عن الوفاء بالعهود، وجحود الأمانات والحقوق من الفريق الخائن.
سببه زعمهم الباطل أنهم ليس عليهم حرج أو إثم أو تبعة في استحلال أموال العرب الأميين واستلابها منهم بأية طريقة، لأن الأميين ليسوا على ملتهم.
واليهود يزعمون أن كتابهم يحل لهم قتل من خالفهم، كما يحل لهم أخذا ما له بأى وسيلة.
وهذا الخلق الذميم معرق في اليهود، لأن أنانيتهم جعلتهم يحرفون كتبهم على حسب ما تهوى نفوسهم، فقد كانت التوراة تحرم الربا تحريما مطلقا فتقول: «لا تأخذ ربا من أخيك إذا أقرضته» فحرف اليهود هذا النص: إذ زادوا فيه كلمة الإسرائيلى فأصبح النص هكذا «لا تأخذ ربا من أخيك الإسرائيلى إذا أقرضته» وبذلك أصبحوا يحرمون الربا عند تعاملهم مع أنفسهم ويحلونه عند تعاملهم مع غيرهم، لأنهم لا يشعرون بالأخوة الإنسانية العامة.
قال الآلوسى: أخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: بايع اليهود رجال من المسلمين في الجاهلية فلما أسلموا تقاضوهم عن بيوعهم فقال اليهود: ليس علينا أمانة ولا قضاء لكم عندنا، لأنكم تركتم دينكم الذي كنتم عليه، وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم.
وقال الكلبي: قالت اليهود: «الأموال كلها كانت لنا، فما في أيدى العرب منها فهو لنا، وأنهم ظلمونا وغصبونا فلا إثم علينا في أخذ أموالنا منهم» .
وقوله- تعالى- وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ رد عليهم فيما قالوه من أنهم ليس عليهم في الأميين سبيل، وتكذيب لهم فيما زعموه، لأن قولهم هذا ما أنزل الله به من سلطان، ولا يؤيده عقل سليم، إذ المبادئ الخلقية الفاضلة يجب أن تطبق على جميع الناس بدون تفرقة بينهم.
والمعنى: أن هؤلاء اليهود الذين يجحدون الأمانات متذرعين بقولهم لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ، يفترون على الله الكذب في قولهم هذا، وهم يعلمون أنه كاذبون، لأنهم ليس عندهم في كتبهم نص يبيح لهم استحلال أموال العرب وخيانتهم، وإنما الذي تأمرهم به كتبهم هو أداء الأمانة لمستحقيها بالمعروف.
وقوله وَهُمْ يَعْلَمُونَ جملة حالية من الضمير في يَقُولُونَ ومفعول العلم محذوف اقتصارا، أى وهم من ذوى العلم.
أو اختصارا، أى يعلمون كذبهم وافتراءهم.
ولقد بين النبي صلّى الله عليه وسلّم في أحاديث متعددة أن الأمانة يجب أن تؤدى إلى البار والفاجر، ومن ذلك ما أخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير أنه قال: لما نزلت: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ الآية.
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كذب أعداء الله!! ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي، إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البار والفاجر» .
ولقد سار أتباع النبي صلّى الله عليه وسلّم على مبدأ أداء الأمانة، وعدم أخذ شيء من أموال الغير إلا بوجه مشروع.
قال ابن كثير: «قال عبد الرازق: أنبأنا معمر عن أبى إسحاق الهمدانى عن أبى صعصعة بن يزيد.
أن رجلا سأل ابن عباس: إنا نصيب في الغزو من أموال أهل الذمة: الدجاجة والشاة.
قال ابن عباس: فتقولون ماذا؟ قال نقول: ليس علينا بذلك بأس.
قال ابن عباس: هذا كما قال أهل الكتاب لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ إنهم إذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم» .

المصدر : تفسير : ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار