موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات - الآية 79 من سورة التوبة

سورة التوبة الآية رقم 79 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 79 من سورة التوبة عدة تفاسير, سورة التوبة : عدد الآيات 129 - الصفحة 199 - الجزء 10.

﴿ ٱلَّذِينَ يَلۡمِزُونَ ٱلۡمُطَّوِّعِينَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهۡدَهُمۡ فَيَسۡخَرُونَ مِنۡهُمۡ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنۡهُمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
[ التوبة: 79]


التفسير الميسر

ومع بخل المنافقين لا يَسْلَم المتصدقون من أذاهم؛ فإذا تصدق الأغنياء بالمال الكثير عابوهم واتهموهم بالرياء، وإذا تصدق الفقراء بما في طاقتهم استهزؤوا بهم، وقالوا سخرية منهم: ماذا تجدي صدقتهم هذه؟ سخر الله من هؤلاء المنافقين، ولهم عذاب مؤلم موجع.

تفسير الجلالين

«الذين» مبتدأ «يلمزون» يعيبون «المطوعين» المتنفلين «من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم» طاقتهم فيأتون به «فيسخرون منهم» والخبر «سخر الله منهم» جازاهم على سخريتهم «ولهم عذاب أليم».

تفسير السعدي

وهذا أيضًا من مخازي المنافقين، فكانوا قبحهم اللّه لا يدعون شيئا من أمور الإسلام والمسلمين يرون لهم مقالا، إلا قالوا وطعنوا بغيا وعدوانا، فلما حثَّ اللّه ورسوله على الصدقة، بادر المسلمون إلى ذلك، وبذلوا من أموالهم كل على حسب حاله، منهم المكثر، ومنهم المقل، فيلمزون المكثر منهم، بأن قصده بنفقته الرياء والسمعة، وقالوا للمقل الفقير‏:‏ إن اللّه غني عن صدقة هذا، فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏‏الَّذِينَ يَلْمِزُونَ‏‏ أي‏:‏ يعيبون ويطعنون ‏‏الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ‏‏ فيقولون‏:‏ مراءون، قصدهم الفخر والرياء‏.
‏‏‏و‏‏ يلمزون ‏‏الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ‏‏ فيخرجون ما استطاعوا ويقولون‏:‏ اللّه غني عن صدقاتهم ‏‏فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ‏‏‏.
‏ فقابلهم الله على صنيعهم بأن ‏‏سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏‏ فإنهم جمعوا في كلامهم هذا بين عدة محاذير‏.
‏منها‏:‏ تتبعهم لأحوال المؤمنين، وحرصهم على أن يجدوا مقالا يقولونه فيهم، واللّه يقول‏:‏ ‏‏إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏‏ ومنها‏:‏ طعنهم بالمؤمنين لأجل إيمانهم، كفر باللّه تعالى وبغض للدين‏.
‏ومنها‏:‏ أن اللمز محرم، بل هو من كبائر الذنوب في أمور الدنيا، وأما اللمز في أمر الطاعة، فأقبح وأقبح‏.
‏ومنها‏:‏ أن من أطاع اللّه وتطوع بخصلة من خصال الخير، فإن الذي ينبغي ‏[‏هو‏]‏ إعانته، وتنشيطه على عمله، وهؤلاء قصدوا تثبيطهم بما قالوا فيهم، وعابوهم عليه‏.
‏ومنها‏:‏ أن حكمهم على من أنفق مالا كثيرا بأنه مراء، غلط فاحش، وحكم على الغيب، ورجم بالظن، وأي شر أكبر من هذا‏؟‏‏!‏‏!‏ومنها‏:‏ أن قولهم لصاحب الصدقة القليلة‏:‏ ‏"‏اللّه غني عن صدقة هذا‏"‏ كلام مقصوده باطل، فإن اللّه غني عن صدقة المتصدق بالقليل والكثير، بل وغني عن أهل السماوات والأرض، ولكنه تعالى أمر العباد بما هم مفتقرون إليه، فاللّه وإن كان غنيا عنهم فهم فقراء إليه ‏‏فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره‏‏ وفي هذا القول من التثبيط عن الخير ما هو ظاهر بين، ولهذا كان جزاؤهم أن سخر اللّه منهم، ولهم عذاب أليم‏.

تفسير البغوي

قوله عز وجل : ( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات ) الآية .
قال أهل التفسير : حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة ، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم ، وقال : يا رسول الله مالي ثمانية آلاف جئتك بأربعة آلاف فاجعلها في سبيل الله ، وأمسكت أربعة آلاف لعيالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت " ، فبارك الله في ماله حتى إنه خلف امرأتين يوم مات فبلغ ثمن ماله لهما مائة وستين ألف درهم .
وتصدق يومئذ عاصم بن عدي العجلاني بمائة وسق من تمر .
وجاء أبو عقيل الأنصاري واسمه الحباب بصاع من تمر ، وقال : يا رسول الله بت ليلتي أجر بالجرير الماء حتى نلت صاعين من تمر فأمسكت أحدهما لأهلي وأتيتك بالآخر فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره في الصدقة ، فلمزهم المنافقون ، فقالوا : ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء ، وإن الله ورسوله لغنيان عن صاع أبي عقيل ، ولكنه أراد أن يذكر بنفسه ليعطى من الصدقة ، فأنزل الله عز وجل :( الذين يلمزون ) أي : يعيبون ( المطوعين ) المتبرعين ( من المؤمنين في الصدقات ) يعني : عبد الرحمن بن عوف وعاصما .
( والذين لا يجدون إلا جهدهم ) أي : طاقتهم ، يعني : أبا عقيل .
والجهد : الطاقة ، بالضم لغة قريش وأهل الحجاز .
وقرأ الأعرج بالفتح .
قال القتيبي : الجهد بالضم الطاقة وبالفتح المشقة .
( فيسخرون منهم ) يستهزئون منهم ( سخر الله منهم ) أي : جازاهم الله على السخرية ، ( ولهم عذاب أليم ) .

تفسير الوسيط

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: وهذا أيضا من صفات المنافقين لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال، حتى ولا المتصدقون يسلمون منهم.
إن جاء أحد منهم بمال جزيل، قالوا: هذا مراء، وإن جاء بشيء يسير قالوا: إن الله لغنى عن صدقة هذا، كما روى البخاري عن أبى مسعود- رضى الله عنه- قال: لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل على ظهورنا- أى: نؤاجر أنفسنا في الحمل- فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا هذا يقصد الرياء، وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا: إن الله لغنى عن صدقة هذا، فنزلت هذه الآية .
وأخرج ابن جرير عن عمر بن أبى سلمة عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«تصدقوا فإنى أريد أن أبعث بعثا، - أى إلى تبوك- قال: فقال عبد الرحمن بن عوف:يا رسول الله.
.
إن عندي أربعة آلاف: ألفين أقرضهما الله، وألفين لعيالي.
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بارك الله لك فيما أعطيت وبارك لك فيما أمسكت» ؟! فقال رجل من الأنصار: وإن عندي صاعين من تمر، صاعا لربي، وصاعا لعيالي، قال: فلمز المنافقون وقالوا: ما أعطى أبو عوف هذا إلا رياء!! وقالوا: أو لم يكن الله غنيا عن صاع هذا!! فأنزل الله- تعالى- الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ .
.
.
.
وقال ابن إسحاق: كان المطوعون من المؤمنين في الصدقات: عبد الرحمن بن عوف وعاصم بن عدى- أخا بني عجلان- وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغب في الصدقة وحض عليها.
فقام عبد الرحمن بن عوف فتصدق بأربعة آلاف، وقام عاصم بن عدى وتصدق بمائة وسق من تمر، فلمزوهما، وقالوا: ما هذا إلا رياء.
وكان الذي تصدق بجهده أبا عقيل- أخا بني أنيف- أتى بصاع من تمر، فأفرغها في الصدقة، فتضاحكوا به، وقالوا: إن الله لغنى عن صاع أبى عقيل»هذه بعض الروايات التي وردت في سبب نزول هذه الآية، وهناك روايات أخرى، قريبة في معناها بما ذكرناها.
وقوله: «يلمزون» من اللمز، يقال: لمز فلان فلانا إذا عابه وتنقصه.
والمراد بالمطوعين: أغنياء المؤمنين الذين قدموا أموالهم عن طواعية واختيار، من أجل إعلاء كلمة الله.
والمراد بالصدقات: صدقات التطوع التي يقدمها المسلم زيادة على الفريضة.
والمراد بالذين لا يجدون إلا جهدهم: فقراء المسلمين.
الذين كانوا يقدمون أقصى ما يستطيعونه من مال مع قلته، إذ الجهد: الطاقة، وهي أقصى ما يستطيعه الإنسان.
والمعنى: إن من الصفات القبيحة- أيضا- للمنافقين، أنهم كانوا يعيبون على المؤمنين، إذا ما بذلوا أموالهم لله ورسوله عن طواعية نفس، ورضا قلب، وسماحة ضمير.
.
.
.
وذلك لأن هؤلاء المنافقين- لخلو قلوبهم من الإيمان- كانوا لا يدركون الدوافع السامية، والمقاصد العالية من وراء هذا البذل.
.
ومن أجل هذا كانوا يقولون عن المكثر: إنه يبذل رياء، وكانوا يقولون عن المقل: إن الله غنى عن صدقته، فهم- لسوء نواياهم وبخل نفوسهم، وخبث قلوبهم- لا يرضيهم أن يروا المؤمنين يتنافسون في إرضاء الله ورسوله.
وقوله: وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ معطوف على قوله: الْمُطَّوِّعِينَ.
أى: أن هؤلاء المنافقين يلمزون الأغنياء المطوعين بالمال الكثير، ويلمزون الفقراء الباذلين للمال القليل لأنه هو مبلغ جهدهم، وآخر طاقتهم.
وقوله: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ بيان لموقفهم الذميم من المؤمنين.
أى: إن هؤلاء المنافقين يستهزئون بالمؤمنين عند ما يلبون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإنفاق في سبيل الله.
وجاء عطف فَيَسْخَرُونَ على يَلْمِزُونَ بالفاء، للإشعار بأنهم قوم يسارعون إلى الاستهزاء بالمؤمنين، بمجرد أن يصدر عن المؤمنين أى عمل من الأعمال الصالحة التي ترضى الله ورسوله.
وقوله: سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بيان لجزائهم وسوء عاقبتهم.
أى: إن هؤلاء الساخرين من المؤمنين جازاهم الله على سخريتهم في الدنيا، بأن فضحهم وأخزاهم، وجعلهم محل الاحتقار والازدراء .
.
.
أما جزاؤهم في الآخرة فهو العذاب الأليم الذي لا يخف ولا ينقطع.
وبذلك نرى الآية الكريمة قد بينت جانبا من طبائع المنافقين وردت عليهم بما يفضحهم ويخزيهم ويبشرهم بالعذاب الأليم.
ثم عقب الله- تعالى- هذا الحكم عليهم بالعذاب الأليم، بحكم آخر وهو عدم المغفرة لهم بسبب إصرارهم على الكفر والفسوق، فقال- تعالى-:

المصدر : تفسير : الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات