موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف - الآية 83 من سورة النساء

سورة النساء الآية رقم 83 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 83 من سورة النساء عدة تفاسير, سورة النساء : عدد الآيات 176 - الصفحة 91 - الجزء 5.

﴿ وَإِذَا جَآءَهُمۡ أَمۡرٞ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّيۡطَٰنَ إِلَّا قَلِيلٗا ﴾
[ النساء: 83]


التفسير الميسر

وإذا جاء هؤلاء الذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم أمْرٌ يجب كتمانه متعلقًا بالأمن الذي يعود خيره على الإسلام والمسلمين، أو بالخوف الذي يلقي في قلوبهم عدم الاطمئنان، أفشوه وأذاعوا به في الناس، ولو ردَّ هؤلاء ما جاءهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أهل العلم والفقه لَعَلِمَ حقيقة معناه أهل الاستنباط منهم. ولولا أنْ تَفَضَّلَ الله عليكم ورحمكم لاتبعتم الشيطان ووساوسه إلا قليلا منكم.

تفسير الجلالين

«وإذا جاءهم أمر» عن سرايا النبي صلى الله عليه وسلم ما حصل لهم «من الأمن» بالنصر «أو الخوف» الهزيمة «أذاعوا به» أفشَوه نزل في جماعة من المنافقين أو في ضعفاء المؤمنين كانوا يفعلون ذلك فتضعف قلوب المؤمنين ويتأذى النبي «ولو ردوه» أي الخبر «إلى الرسول وإلى أُولي الأمر منهم» أي الرأي من أكابر الصحابة أي لو سكتوا عنه حتى يخبروا به «لعَلِمَه» هل هو مما ينبغي أن يذاع أو لا «الذين يستنبطونه» يتبعونه ويطلبون علمه وهم المذيعون «منهم» من الرسول وأولي الأمر «ولولا فضل الله عليكم» بالإسلام «ورحمته» لكم بالقرآن «لاتبعتم الشيطان» فيما يأمركم به من الفواحش «إلا قليلا».

تفسير السعدي

هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق.
وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهلِ الرأي: والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها.
فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك.
وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه، ولهذا قال: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة.
وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ.
وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيُقْدِم عليه الإنسان؟ أم لا،فيحجم عنه؟ ثم قال تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ أي: في توفيقكم وتأديبكم، وتعليمكم ما لم تكونوا تعلمون، لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا لأن الإنسان بطبعه ظالم جاهل، فلا تأمره نفسه إلا بالشر.
فإذا لجأ إلى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك، لطف به ربه ووفقه لكل خير، وعصمه من الشيطان الرجيم.

تفسير البغوي

قوله تعالى : ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث السرايا فإذا غلبوا أو غلبوا بادر المنافقون يستخبرون عن حالهم ، فيفشون ويحدثون به قبل أن يحدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضعفون به قلوب المؤمنين فأنزل الله تعالى ( وإذا جاءهم ) يعني : المنافقين ( أمر من الأمن ) أي : الفتح والغنيمة ( أو الخوف ) القتل والهزيمة ( أذاعوا به ) أشاعوه وأفشوه ، ( ولو ردوه إلى الرسول ) أي : لو لم يحدثوا به حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يحدث به ، ( وإلى أولي الأمر منهم ) أي : ذوي الرأي من الصحابة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، ( لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) أي : يستخرجونه وهم العلماء ، أي : علموا ما ينبغي أن يكتم وما ينبغي أن يفشى ، والاستنباط : الاستخراج ، يقال : استنبط الماء إذا استخرجه ، وقال عكرمة : يستنبطونه أي : يحرصون عليه ويسألون عنه ، وقال الضحاك : يتبعونه ، يريد الذين سمعوا تلك الأخبار من المؤمنين والمنافقين ، لو ردوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى ذوي الرأي والعلم ، لعلمه الذين يستنبطونه منهم ، أي : يحبون أن يعلموه على حقيقته كما هو .
( ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان ) كلكم ( إلا قليلا ) فإن قيل : كيف استثنى القليل ولولا فضله لاتبع الكل الشيطان؟ قيل : هو راجع إلى ما قبله ، قيل : معناه أذاعوا به إلا قليلا لم يفشه ، عني بالقليل المؤمنين ، وهذا قول الكلبي واختيار الفراء ، وقال : لأن علم السر إذا ظهر علمه المستنبط وغيره ، والإذاعة قد تكون في بعض دون بعض ، وقيل : لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا ثم قوله : ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان ) كلام تام .
وقيل : فضل الله : الإسلام ، ورحمته : القرآن ، يقول لولا ذلك لاتبعتم الشيطان إلا قليلا وهم قوم اهتدوا قبل مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن ، مثل زيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل وجماعة سواهما .
وفي الآية دليل على جواز القياس ، فإن من العلم ما يدرك بالتلاوة والرواية وهو النص ، ومنه ما يدرك بالاستنباط وهو القياس على المعاني المودعة في النصوص .

تفسير الوسيط

ثم حكى القرآن بعد ذلك مسلكا آخر من المسالك الذميمة التي عرفت عن المنافقين وضعفاء النفوس فقال- تعالى- وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ.
والمراد بالأمر هنا: الخبر الذي يكون له أثر إذا أشيع وأذيع.
وقوله أَذاعُوا بِهِ أى نشروه وأشاعوه.
يقال: أذاع الخبر وأذاع به إذا أفشاه وأعلنه.
والمعنى: أن هؤلاء الذين في قلوبهم مرض إذا سمعوا شيئا من الأخبار التي تتعلق بأمن المسلمين أو خوفهم أذاعوها وأظهروها قبل أن يقفوا على حقيقتها.
قال الآلوسى: والكلام مسوق لبيان جناية أخرى من جنايات المنافقين، أو لبيان جناية الضعفاء أثر بيان جناية المنافقين، وذلك أنهم كانوا إذا غزت سرية من المسلمين قالوا عنها:أصاب المسلمون من عدوهم كذا.
وأصاب العدو من المسلمين كذا وكذا من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يخبرهم به.
وقيل: كان الضعفاء يسمعون من أفواه المنافقين شيئا من الخبر عن السرايا مظنون غير معلوم الصحة فيذيعونه قبل أن يحققوه فيعود ذلك وبالا على المؤمنين».
ثم بين- سبحانه- ما كان يجب عليهم فعله فقال-: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.
والمراد بأولى الأمر: كبار الصحابة البصراء بالأمور.
وقيل المراد بهم: الولاة وأمراء السرايا.
ويستنبطونه أى يستخرجونه.
والاستنباط- كما يقول القرطبي- مأخوذ من استنبطت الماء إذا استخرجته.
والنبط: الماء المستنبط أول ما يخرج من ماء البئر أول ما تحفر.
وسمى النبط نبطا لأنهم يستخرجون ما في الأرض».
والمعنى: أن هؤلاء المنافقين وضعاف الإيمان كان من شأنهم وحالهم أنهم إذا سمعوا شيئا من الأمور فيه أمن أو خوف يتعلق بالمؤمنين أشاعوه وأظهروه بدون تحقق أو تثبت، بقصد بلبلة الأفكار، واضطراب حال المؤمنين، ولو أن هؤلاء المنافقين ومن يستمعون إليهم ردوا ذلك الخبر الذي جاءهم والذي أشاعوه بدون تثبت، لو أنهم ردوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى كبار الصحابة البصراء في الأمور: لَعَلِمَهُ أى لعلم حقيقة ذلك الخبر الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ أى: الذين يستخرجونه ويستعملونه ويتطلبونه وهم المنافقون المذيعون للأخبار مِنْهُمْ أى: من الرسول وأولى الأمر.
أى: لو أن أولئك المنافقين وأشباههم الذين يستخرجون الأخبار ويذيعونها بغير تثبت سكتوا عن إذاعتها وردوا الأمر في شأنها إلى الرسول وإلى كبار أصحابه، لو أنهم فعلوا ذلك لعلموا من جهة الرسول ومن جهة كبار أصحابه حقيقة تلك الأخبار، وما يجب عليهم نحوها من كتمان أو إذاعة.
وعلى هذا يكون الضمير في قوله مِنْهُمْ في الموضعين يعود إلى الرسول وإلى أولى الأمر.
ويكون المراد بالذين يستنبطونه: المنافقون وضعاف الإيمان الذين يذيعون الأخبار ويكون في الكلام إظهار في مقام الإضمار حيث قال: سبحانه- لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ولم يقل لعلموه منهم، وذلك لزيادة تقرير الغرض المسوق له الكلام، وللمبالغة في ذمهم على بجثهم وراء الأخبار الخفية الهامة واستنباطها وتطلبها ثم إذاعتها بقصد الإضرار بمصلحة المسلمين.
وقد ذكر الفخر الرازي في المراد بالذين يستنبطونه وجها آخر فقال:وفي قوله الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ قولان:الأول: أنهم أولئك المنافقون المذيعون.
والتقدير: لو أن هؤلاء المنافقين المذيعين للأخبار ردوا أمر الأمن والخوف إلى الرسول وإلى أولى الأمر، وطلبوا معرفة الحال فيه من جهتهم، لعلمه الذين يستنبطونه وهم هؤلاء المنافقون المذيعون مِنْهُمْ أى من جانب الرسول ومن جانب أولى الأمر.
والقول الثاني: أنهم طائفة من أولى الأمر.
والتقدير: ولو أن المنافقين ردوا إلى الرسول وإلى أولى الأمر لكان علمه حاصلا عند من يستنبط هذه الوقائع من أولى الأمر، وذلك لأن أولى الأمر فريقان: بعضهم من يكون مستنبطا، وبعضهم من لا يكون كذلك.
فقوله مِنْهُمْ يعنى لعلمه الذين يستنبطون المخفيات من طوائف أولى الأمر.
فإن قيل: إذا كان الذين أمرهم الله برد هذه الاخبار إلى الرسول وإلى المؤمنين هم المنافقون فكيف جعل أولى الأمر منهم في قوله وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ؟ قلنا: إنما جعل أولى الأمر منهم على حسب الظاهر.
لأن المنافقين يظهرون من أنفسهم أنهم يؤمنون.
ونظيره قوله- تعالى-:وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ.
ثم ختم- سبحانه- الآية ببيان فضله على عباده فقال وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا.
أى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته بكم- أيها المؤمنون- بتوفيقه إياكم إلى الخير والطاعة، لوقعتم في إغواء الشيطان كما وقع هؤلاء المنافقون وأشباههم، إلا عددا قليلا منكم وهم الذين أخلصوا دينهم لله واعتصموا به فصاروا لا سبيل للشيطان عليهم كما قال- تعالى- إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ.
هذا.
ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة وجوب عدم إذاعة الأخبار- خصوصا في حالات الحرب- إلا بعد التأكد من صحتها ومن عدم إضرارها بمصلحة المسلمين.
وفي ذلك يقول الإمام ابن كثير: قوله- تعالى- وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة.
وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع» .
وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال.
أى: الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت ولا تدبر ولا تبين.
وفي الصحيح «من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» .
وفي سنن أبى داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بئس مطية الرجل زعموا».
وقد عدد الفخر الرازي المضار التي تعود على الأمة بسبب إذاعة الأخبار بدون تثبت فقال:وكان سبب الضرر من إذاعة هذه الأخبار من وجوه:الأول: أن مثل هذه الإرجافات لا تنفك عن الكذب الكثير.
الثاني: أنه إذا كان ذلك الخبر في جانب الأمن زادوا فيه زيادات كثيرة.
فإذا لم توجد فيه تلك الزيادات، أورث ذلك شبهة للضعفاء في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم لأن المنافقين كانوا يروون هذه الإرجافات عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وإن كان ذلك في جانب الخوف تشوش الأمر بسببه على ضعفاء المسلمين، ووقعوا عنده في الحيرة والاضطراب، فكانت تلك الإرجافات سببا للفتنة من هذا الوجه.
الثالث: أن الإرجاف سبب لتوفير الدواعي على البحث الشديد والاستقصاء التام.
وذلك سبب لظهور الأسرار.
وذلك مما لا يوافق المصلحة.
الرابع: أن العداوة الشديدة كانت قائمة بين المسلمين والكفار.
فكل ما كان أمنا لأحد الفريقين كان خوفا للفريق الثاني.
فإن وقع خبر الأمن للمسلمين وحصول العسكر وآلات الحرب لهم.
أرجف المنافقون بذلك، فوصل الخبر إلى الكفار فأخذوا في التحصن من المسلمين.
وإن وقع خبر الخوف للمسلمين بالغوا في ذلك وزادوا فيه.
فظهر من ذلك أن ذلك الإرجاف كان منشأ للفتن والآفات من كل الوجوه.
ولما كان الأمر كذلك ذم الله- تعالى- تلك الإذاعة وذلك التشهير ومنعهم منه).
وقال الشيخ محمد المنير- الذي عاصر الحروب الصليبية- معلقا على هذه الآية: (في هذه الآية تأديب لمن يحدث بكل ما يسمع وكفى به كذبا وخصوصا عن مثل السرايا والمناصبين الأعداء العداوة، والمقيمين في نحر العدو.
وما أعظم المفسدة في لهج العامة بكل ما يسمعون من أخبارهم خيرا أو غيره.
ولقد جربنا ذلك في زماننا هذا منذ طرق العدو المخذول البلاد- طهرها الله منه وصانها من رجسه ونجسه، وعجل للمسلمين الفتح وأنزل عليهم السكينة والنصر) .
والخلاصة، أن إذاعة الأخبار بدون تثبت- خصوصا في أوقات الحروب تؤدى إلى أعظم المفاسد والشرور، لأنها إن كانت تتعلق بالأمن فإنها قد تحدث لونا من التراخي وعدم أخذ الحذر، وإن كانت تتعلق بالخوف فإنها قد تحدث بلبلة واضطرابا في الصفوف.
والمجتمع الذي يكثر فيه العقلاء الفطناء هو الذي تقل فيه إذاعة الأخبار إلا من مصادرها الأصيلة، وهو الذي يرجع أفراده في معرفة الحقائق إلى العلماء المتخصصين.
وهكذا نرى الآية الكريمة تغرس في نفوس المؤمنين أسمى ألوان الإخلاص لدينهم ودولتهم وقيادتهم، فهي في مطلعها تنكر عليهم إذاعة الاخبار بدون تحقق من صدقها ومن فائدتها، وفي وسطها تأمرهم بأن يرجعوا إلى حقائق دينهم وإلى الحكام العادلين، والعلماء المخلصين الذين يعرفون الأمور على وجهها ليسألوهم عما يريدون معرفته، وفي آخرها تذكرهم بفضل الله عليهم ورحمته بهم حتى يداوموا على طاعته، ويشكروه على نعمه.
وبعد هذا الحديث الحكيم عن أحوال المنافقين وضعفاء الإيمان، وعن تباطئهم عن الجهاد وإشاعتهم للأخبار بدون تثبت، بعد كل ذلك أمر الله- تعالى- نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يستمر في قتاله للمشركين، وأن يحرض أصحابه على ذلك، كما أرشد- سبحانه- المؤمنين إلى طائفة من مكارم الأخلاق التي تقوى رابطتهم فقال- تعالى-:

المصدر : تفسير : وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف