موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما - الآية 9 من سورة الحجرات

سورة الحجرات الآية رقم 9 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 9 من سورة الحجرات عدة تفاسير, سورة الحجرات : عدد الآيات 18 - الصفحة 516 - الجزء 26.

﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ﴾
[ الحجرات: 9]


التفسير الميسر

وإن طائفتان من أهل الإيمان اقتتلوا فأصلحوا -أيها المؤمنون- بينهما بدعوتهما إلى الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والرضا بحكمهما، فإن اعتدت إحدى الطائفتين وأبت الإجابة إلى ذلك، فقاتلوها حتى ترجع إلى حكم الله ورسوله، فإن رجعت فأصلحوا بينهما بالإنصاف، واعدلوا في حكمكم بأن لا تتجاوزوا في أحكامكم حكم الله وحكم رسوله، إن الله يحب العادلين في أحكامهم القاضين بين خلقه بالقسط. وفي الآية إثبات صفة المحبة لله على الحقيقة، كما يليق بجلاله سبحانه.

تفسير الجلالين

«وإن طائفتان من المؤمنين» الآية، نزلت في قضية هي أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حمارا ومر على ابن أبيّ فبال الحمار فسد ابن أبيّ أنفه فقال ابن رواحة: والله لبول حماره أطيب ريحا من مسكك فكان بين قوميهما ضرب بالأيدي والنعال والسعف «اقتتلوا» جمع نظرا إلى المعنى لأن كل طائفة جماعة، وقرئ اقتتلتا «فأصلحوا بينهما» ثنى نظرا إلى اللفظ «فإن بغت» تعدت «إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء» ترجع «إلى أمر الله» الحق «فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل» بالإنصاف «وأقسطوا» اعدلوا «إن الله يحب المقسطين».

تفسير السعدي

هذا متضمن لنهي المؤمنين، [عن] أن يبغي بعضهم على بعض، ويقاتل بعضهم بعضًا، وأنه إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين، فإن على غيرهم من المؤمنين أن يتلافوا هذا الشر الكبير، بالإصلاح بينهم، والتوسط بذلك على أكمل وجه يقع به الصلح، ويسلكوا الطريق الموصلة إلى ذلك، فإن صلحتا، فبها ونعمت، وإن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ أي: ترجع إلى ما حد الله ورسوله، من فعل الخير وترك الشر، الذي من أعظمه، الاقتتال، [وقوله] فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ هذا أمر بالصلح، وبالعدل في الصلح، فإن الصلح، قد يوجد، ولكن لا يكون بالعدل، بل بالظلم والحيف على أحد الخصمين، فهذا ليس هو الصلح المأمور به، فيجب أن لا يراعى أحدهما، لقرابة، أو وطن، أو غير ذلك من المقاصد والأغراض، التي توجب العدول عن العدل، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ أي: العادلين في حكمهم بين الناس وفي جميع الولايات، التي تولوها، حتى إنه، قد يدخل في ذلك عدل الرجل في أهله، وعياله، في أدائه حقوقهم، وفي الحديث الصحيح: "المقسطون عند الله، على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم، وما ولوا"

تفسير البغوي

قوله - عز وجل - : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) الآية .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا مسدد ، حدثنا معتمر قال : سمعت أبي يقول : إن أنسا قال : قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : لو أتيت عبد الله بن أبي ، فانطلق إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وركب حمارا وانطلق المسلمون يمشون معه ، وهي أرض سبخة ، فلما أتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إليك عني ، والله لقد آذاني نتن حمارك ، فقال رجل من الأنصار منهم : والله لحمار رسول الله أطيب ريحا منك ، فغضب لعبد الله رجل من قومه فتشاتما ، فغضب لكل واحد منهما أصحابه ، فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال ، فبلغنا أنها نزلت : " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما " .
ويروى أنها لما نزلت قرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاصطلحوا وكف بعضهم عن بعض .
وقال قتادة : نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مداراة في حق بينهما ، فقال أحدهما للآخر : لآخذن حقي منك عنوة ، لكثرة عشيرته ، وإن الآخر دعاه ليحاكمه إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى أن يتبعه ، فلم يزل الأمر بينهما حتى تدافعوا وتناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال ، ولم يكن قتال بالسيوف .
وقال سفيان عن السدي : كانت امرأة من الأنصار يقال لها أم زيد تحت رجل ، وكان بينها وبين زوجها شيء فرقي بها إلى علية وحبسها ، فبلغ ذلك قومها فجاءوا ، وجاء قومه فاقتتلوا بالأيدي والنعال ، فأنزل الله - عز وجل - : " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما " بالدعاء إلى حكم كتاب الله والرضا بما فيه لهما وعليهما ( فإن بغت إحداهما ) تعدت إحداهما ، ( على الأخرى ) وأبت الإجابة إلى حكم كتاب الله ( فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء ) ترجع ( إلى أمر الله ) في كتابه ( فإن فاءت ) رجعت إلى الحق ( فأصلحوا بينهما بالعدل ) بحملهما على الإنصاف والرضا بحكم الله ( وأقسطوا ) اعدلوا ( إن الله يحب المقسطين ) .

تفسير الوسيط

وقد ذكروا في سبب نزول هاتين الآيتين روايات منها: ما رواه الإمام أحمد عن أنس قال:قيل للنبي صلّى الله عليه وسلّم: لو أتيت عبد الله بن أبى؟ فانطلق إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وركب حمارا، وانطلق المسلمون يمشون، وهي أرض سبخة، فلما انطلق إليه- عليه الصلاة والسلام- قال: إليكم عنى، فو الله لقد آذاني ريح حمارك.
فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله أطيب ريحا منك.
قال: فغضب لعبد الله رجال من قومه، وغضب للأنصارى أصحابه.
قال: فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدى.
.
فبلغنا أنه أنزلت فيهم وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .
.
.
.
والخطاب في الآية لأولى الأمر من المسلمين، والأمر في قوله فَأَصْلِحُوا للوجوب، والطائفة: الجماعة من الناس.
أى: وإن حدث قتال بين طائفتين من المؤمنين، فعليكم يا أولى الأمر من المؤمنين أن تتدخلوا بينهما بالإصلاح، عن طريق بذل النصح، وإزالة أسباب الخلاف.
والتعبير «بإن» للإشعار بأنه لا يصح أن يقع قتال بين المؤمنين، فإن وقع على سبيل الندرة، فعلى المسلمين أن يعملوا بكل وسيلة على إزالته.
وجاء «اقتتلوا» بلفظ الجمع، لأن لفظ الطائفة وإن كان مفردا في اللفظ إلا أنه جمع في المعنى، فروعى فيه المعنى هنا.
وروعي فيه اللفظ في قوله بَيْنَهُما.
قالوا: والنكتة في ذلك أنهم في حال القتال يكونون مختلطين فلذا جاء الأسلوب بصيغة الجمع، وفي حال الصلح يكونون متميزين متفرقين فلذا جاء الأسلوب بصيغة التثنية.
ثم بين- سبحانه- حكمه في حال اعتداء إحداهما على الأخرى فقال: فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ.
والبغي: التعدي وتجاوز الحد والامتناع عن قبول الصلح المؤدى إلى الصواب.
أى: فإن بغت إحدى الطائفتين على الأخرى، وتجاوزت حدود العدل والحق، فقاتلوا- أيها المؤمنون- الفئة الباغية، حتى تفيء وترجع إلى حكم الله- تعالى- وأمره، وحتى تقبل الصلح الذي أمرناكم بأن تقيموه بينهم.
وقوله: فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا بيان لما يجب على المؤمنين أن يفعلوه مع الفئة الباغية، إذا ما قبلت الصلح ورجعت إلى حكم الله- تعالى-.
أى: فإن رجعت الفئة الباغية عن بغيها، وقبلت الصلح، وأقلعت عن القتال، فأصلحوا بين الطائفتين إصلاحا متسما بالعدل التام وبالقسط الكامل.
وقيد- سبحانه- الإصلاح بالعدل.
ثم أكد ذلك بالأمر بالقسط حتى يلتزم الذين يقومون بالصلح بينهما العدالة التي لا يشوبها أى حيف أو جور على إحدى الطائفتين.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ تذييل المقصود به حض المؤمنين على التقيد بالعدل في أحكامهم، لأن الله- تعالى- يحب من يفعل ذلك.

المصدر : تفسير : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما