موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون - الآية 92 من سورة آل عمران

سورة آل عمران الآية رقم 92 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 92 من سورة آل عمران عدة تفاسير, سورة آل عمران : عدد الآيات 200 - الصفحة 62 - الجزء 4.

﴿ لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ ﴾
[ آل عمران: 92]


التفسير الميسر

لن تدركوا الجنة حتى تتصدقوا مما تحبون، وأي شيء تتصدقوا به مهما كان قليلا أو كثيرًا فإن الله به عليم، وسيجازي كل منفق بحسب عمله.

تفسير الجلالين

«لن تنالوا البرَّ» أي ثوابه وهو الجنَّةُ «حتى تنفقوا» تَصَّدَّقُوا «مما تحبون» من أموالكم «وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم» فيجازي عليه.

تفسير السعدي

هذا حث من الله لعباده على الإنفاق في طرق الخيرات، فقال لن تنالوا أي: تدركوا وتبلغوا البر الذي هو كل خير من أنواع الطاعات وأنواع المثوبات الموصل لصاحبه إلى الجنة، حتى تنفقوا مما تحبون أي: من أموالكم النفيسة التي تحبها نفوسكم، فإنكم إذا قدمتم محبة الله على محبة الأموال فبذلتموها في مرضاته، دل ذلك على إيمانكم الصادق وبر قلوبكم ويقين تقواكم، فيدخل في ذلك إنفاق نفائس الأموال، والإنفاق في حال حاجة المنفق إلى ما أنفقه، والإنفاق في حال الصحة، ودلت الآية أن العبد بحسب إنفاقه للمحبوبات يكون بره، وأنه ينقص من بره بحسب ما نقص من ذلك، ولما كان الإنفاق على أي: وجه كان مثابا عليه العبد، سواء كان قليلا أو كثيرا، محبوبا للنفس أم لا، وكان قوله لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون مما يوهم أن إنفاق غير هذا المقيد غير نافع، احترز تعالى عن هذا الوهم بقوله وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم فلا يضيق عليكم، بل يثيبكم عليه على حسب نياتكم ونفعه.

تفسير البغوي

قوله تعالى : ( لن تنالوا البر ) يعني : الجنة ، قاله ابن عباس وابن مسعود ومجاهد ، وقال مقاتل بن حيان : التقوى ، وقيل : الطاعة ، وقيل : الخير ، وقال الحسن : أن تكونوا أبرارا .
أخبرنا محمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي أخبرنا محمد بن حماد قال : أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا " .
قوله تعالى : ( حتى تنفقوا مما تحبون ) أي : من أحب أموالكم إليكم ، روى الضحاك عن ابن عباس : أن المراد منه أداء الزكاة .
وقال مجاهد والكلبي : هذه الآية نسختها آية الزكاة ، وقال الحسن : كل إنفاق يبتغي به المسلم وجه الله حتى الثمرة ينال به هذا البر وقال عطاء : لن تنالوا البر أي : شرف الدين والتقوى حتى تتصدقوا وأنتم أصحاء أشحاء .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول " كان أبو طلحة الأنصاري أكثر أنصاري بالمدينة مالا وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، قال أنس : فلما نزلت هذه الآية ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن الله تعالى يقول في كتابه : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث شئت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بخ بخ ذلك مال رابح .
أو قال : ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت فيها وإني أرى أن تجعلها في الأقربين ، فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه " .
وروي عن مجاهد قال : كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء يوم فتحت فدعا بها فأعجبته ، فقال : إن الله عز وجل يقول : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) فأعتقها عمر .
وعن حمزة بن عبد الله بن عمر قال : خطرت على قلب عبد الله بن عمر هذه الآية ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) قال ابن عمر : فذكرت ما أعطاني الله عز وجل ، فما كان شيء أعجب إلي من فلانة ، هي حرة لوجه الله تعالى ، قال : لولا أنني لا أعود في شيء جعلته لله لنكحتها .
( وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم ) أي : يعلمه ويجازي به .

تفسير الوسيط

وبعد هذا الحديث المشتمل على أشد صنوف الترهيب من الكفر، وعلى بيان سوء عاقبة الكافرين، أتبعه بالحديث عن الطريق الذي يوصل المؤمنين إلى رضا الله وحسن مثوبته فقال- تعالى-: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ.
تنالوا: من النيل وهو إصابة الشيء والحصول عليه.
يقال نال ينال نيلا، إذا أصاب الشيء ووجده وحصل عليه.
والبر: الإحسان وكمال الخير.
وأصله التوسع في فعل الخير.
يقال: بر العبد ربه أى توسع في طاعته.
والإنفاق البذل، ومنه إنفاق المال.
وعن الحسن: كل شيء أنفقه المسلم من ماله يبتغى به وجه الله ويطلب ثوابه حتى التمرة يدخل في هذه الآية.
والمعنى: لن تنالوا حقيقة البر، ولن تبلغوا ثوابه الجزيل الذي يوصلكم إلى رضا الله، وإلى جنته التي أعدها لعباده الصالحين، إلا إذا بذلتم مما تحبونه وتؤثرونه من الأموال وغيرها في سبيل الله، وما تنفقوا من شيء- ولو قليلا- فإن الله به عليم، وسيجازيكم عليه بأكثر مما أنفقتم وبذلتم.
ولقد حكى لنا التاريخ كثيرا من صور البذل والإنفاق التي قام بها السلف الصالح من أجل رضا الله وإعلاء كلمته، ومن ذلك ما رواه الشيخان عن أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء- موضع بالمدينة- وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدخلها ويشرب من ماء طيب فيها.
قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون .
.
.
، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إن الله- تعالى- يقول في كتابه لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وإن أحب أموالى إلى بيرحاء، وإنها صدقة الله- تعالى- أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بخ بخ- كلمة استحسان ومدح- ذلك مال رابح- أى ذو ربح- ذلك مال رابح.
وقد سمعت ما قلت.
وإنى أرى أن تجعلها في الأقربين.
قال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله.
فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبنى عمه» .
قال القرطبي: وكذلك فعل زيد بن حارثة، عمد مما يحب إلى فرس له يقال له «سبل» وقال: اللهم إنك تعلم أنه ليس لي مال أحب إلى من فرسي هذه، فجاء بها إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: هذا في سبيل الله.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأسامة بن زيد: أقبضه، فكأن زيدا وجد من ذلك في نفسه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن الله قد قبلها منك» .
وأعتق عبد الله بن عمر نافعا مولاه، وكان أعطاه فيه عبد الله بن جعفر ألف دينار، قالت صفية بنت أبى عبيد: أظنه تأول قول الله- تعالى- لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ.
وقال الحسن البصري: إنكم لن تنالوا ما تحبون إلا بترك ما تشتهون، ولا تدركون ما تؤملون إلا بالصبر على ما تكرهون .
وهكذا نرى أن السلف الصالح قد قدموا ما يحبون من أموالهم وغيرها تقربا إلى الله- تعالى- وشكرا له على نعمائه وعطائه، فرضي الله عنهم وأرضاهم.
ثم عاد القرآن الكريم إلى الرد على اليهود الذين جادلوا النبي صلّى الله عليه وسلّم في كثير من القضايا، بعد أن ذكر في الآيات السابقة طرفا من مسالكهم الخبيثة التي منها تواصيهم فيما بينهم بأن يؤمنوا أول النهار ويكفروا آخره، وقد حكى هنا جدلهم فيما أحله الله وحرمه من الأطعمة فقال- تعالى-:

المصدر : تفسير : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون