التكبر والغرور على الناس

إن الإنسان الذي يأنس ضعفاً في نفسه ، ويستشعر عجزاً عن مجاراة الآخرين فيما يملكون ، يلجأ إلى التعويض فيتخلى عن أصل معدنه ، ويتبدل على النّاس ، وينسى أمسه ويتعامى عن ماضيه حين يقبل حظه وفي هذا قال الشاعر :

وأدبر عنّي عند إقبال حظّه وغير حالي عنده حسن حاله



ومن ظنون المتكبّر اعتقاده أن التعالي يجعله في المصاف العليا بين الناس وأن الدنيا ستظل مقبلة عليه بزخرفها ، متناسياً أو ناسياً أن الزمن ليس ثابتاً ، وأن دورة الحياة لا تتوقف ، وأن طقس اليوم الواحد يتبدل عدة مرات ، وتأخذه الظنة أن النعيم الذي يغريه بالتكبر ربيع دائم وسعد مقيم ، فالذي يستغني عرضاً بعد فقر ، أو يصيب جاهاً أو منصباً ، ويرى فيما طرأ عليه أنه لا يستحقه ، يصبح فوقياً متكبراً أما ذاك الذي يرى في كل نعمة تصيبه أنه يستحقها ، فإنه يبقى متواضعاً ، لأن نفسه تستشعر كمالها في المبدأ الثابت : (( إن النّعم لا تدوم )) ولهذا قال أحد حكماء العرب :

إن السّفل إذا تمولوا استطالوا وإذا افتقروا تواضعوا ، والكرام إذا تمولوا تواضعوا ، وإذا افتقروا استطالوا . .

غير أن من عجائب بعض النفوس أنها متكبرة دون أن يهطل عليها غيث النعمة ، فترى الواحد من أهلها يسير في الأرض تيهاً ومرحاً ، وهو لا يملك من الدنيا شروى نقير ، ومثل هذا النموذج يغشي التكبر عقله ، فيصبح أضحوكة بين الناس ، ومادة للتلذذ والتفكّه ، وقد يتحول إلى شاهد ومضرب مثل وهذا لعمري سقوط ما بعده سقوط .

ولا يختلف عاقلان في أن المرء حين يضع نفسه دون قدره يرفعه الناس فوق قدره ، وحين يرفعها عن حدّها يضعه الناس دون قدره لأن التواضع نعمة والتكبر بلاء وفي هذا قيل للحكيم بزرجمهر : هل تعرف نعمة لا يحسد عليها ؟ قال نعم ،التكبّر .

إن المتكبر يرى النقص في غيره وهو ناقص ،ويرى أن الناس من حوله ذرات صغيرة أو بهائم ترعى ، وأنه وحده كل الدنيا ومحور العالم ومركز توازنه وفي هذا قال الشاعر :

ما الناس عندك غير نفسك وحدها والنّاس عندك ما خلاك بهائمُ

أما المتواضع ، فكفاه اعتزازاً أنه لا يبطر ،ولا يسد عينيه وأنفه عن الآخرين ، وإنما يبقى منهم وفيهم ، وهم الذين يضعونه في الموضع الذي يستحق سواء أكان من عليتهم أم من عامتهم ، فما أجمل ما قال عمر ( رضي الله عنه ) : (( أريد رجلاً إذا كان في القوم وهو أميرهم كان كبعضهم ، فإذا لم يكن أميراً فكأنه أميرهم)) فهل يعقل المتكبرون ؟!

هل يجوز التكبر مع المتكبر لتأديبه ؟؟

 الجواب: الكبر ذنب عظيم وهو من الكبائر
ودواء المستكبر أن ينصح ويذكر بالله ويخوف من عاقبة الكبر
اما إن لم يتب بعد تذكيره فيمكن التعامل معه بما يبين له خطأه ويمنعه من التمادي
ولايعد ذلك من الكبر وإنما هو بمعنى عدم التواضع له
لأن التواضع لأهل الدنيا يجعلهم يتمادون ولاينتبهون
وعلى المؤمن أن يراقب نيته في ذلك حيث يكون عدم التواضع للمتكبر بنية تنبيهه وردعه وليس لحظ النفس؛
والله أعلم