العدة في الاسلام بحث كامل

العدة وأحكامها في الشريعة الإسلامية بحث متكامل

العدة في الاسلام بحث كامل

العدة وأحكامها في الشريعة الإسلامية بحث متكامل:

أنواع العدة:

تحول العدة من نوع إلى نوع آخر.

ابتداء العدة وانتهاؤها.

فيما يجب على المعتدة:

ما يجب لها.

- التعريف بالعدة وأسبابها وحكمة مشروعيتها:

تعريف العدة:

      العِدَّةُ: في اللغة: الإحصاء يقال: عددت الشيء عدة. أي أحصيته إحصاء، والجمع عدد، ويطلق العدة ويراد بها المعدود، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36].

      والعِدة في الشرع: أجل حدده الشارع للمرأة التي حصلت الفرقة بينها وبين زوجها بسبب من الأسباب تمتنع عن التزوج فيه بغير زوجها الأول.

      ومعنى ذلك: أن المرأة التي فارقها زوجها يجب عليها أن تنتظر بدون زواج حتى تنقضي المدة المحددة شرعاً، فإن كانت المفارقة بالموت وجب عليها الانتظار مطلقاً دخل بها أو لم يدخل، وإن كانت المفارقة بالطلاق أو الفسخ وجب عليها الانتظار إذا كان ذلك بعد الدخول بها، فإذا انقضت المدة حل لها التزوج.

      أما الرجل فلا يجب عليه الانتظار بعد مفارقة زوجته، فله التزوج بغيرها متى شاء، وبأي امرأة شاء إلا إذا كانت المرأة التي يريد التزوج بها محرمة عليه لمانع مؤقت بسبب زواجه السابق بمن طلقها، كمن طلق زوجته فلا يحل له التزوج بمن لا يحل له الجمع بينها وبين زوجته الأولى حتى تنقضي عدتها كأختها أو بنت أخيها أو بنت أختها أو عمتها أو خالتها لئلا يكون جامعاً بين محرمين.

      وكمن كان متزوجاً بأربع نسوة فطلق إحداهن فلا يحل له التزوج بأي امرأة حتى تنقضي عدة من طلقها لئلا يكون جامعاً بين أكثر من أربع.

      وهذا الانتظار وإن وجد فيه معنى العدة إلا أنه لا يسمى عدة اصطلاحاً.

      وهذا في الطلاق الرجعي باتفاق الفقهاء لبقاء الزواج الأول حكماً.

      وأما إذا كان الطلاق بائناً فالحكم كذلك عند الحنفية.

سبب وجوب العدة:

      تجب العدة بواحد من الأمور الآتية:

      1- وفاة الزوج بعد زواج صحيح يستوي في ذلك ما إذا كانت الوفاة قبل الدخول أو بعده لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234].

      فإنه أوجب عليها أن تنتظر هذه المدة من غير تفرقة بين المدخول بها وغير المدخول بها.

      2- حدوث مفارقة بعد زواج صحيح بطلاق أو فسخ بعد الدخول الحقيقي أو بعد الخلوة الصحيحة أو الفاسدة عند الحنفية.

      فإذا حصلت المفارقة قبل الدخول وما ألحق به من الخلوة فلا تجب عليها العدة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49].

      فإنه صريح في عدم وجوب العدة على المطلقة قبل المسيس الشامل للدخول والخلوة، والفسخ يأخذ حكم الطلاق.

      3- حدوث مفارقة ولو بالموت في نكاح فاسد أو بعد وطء بشبهة بعد الدخول الحقيقي فقط عند الحنفية، لأن المقصود من وجوب العدة بعد المفارقة فيهما معرفة براءة الرحم وخلوه من الحمل، وهذا لا يكون إلا بعد الدخول الحقيقي، ولذلك لو كانت المفارقة بالموت تجب العدة بالحيض أو الأشهر لا عدة الوفاة.

حكمه تشريع العدة:

      1- التعرف على براءة الرحم لئلا تختلط الأنساب، لأنها لا تكون غالباً إلا في فرقة بعد الدخول وهذا أمر تُوحي به الفطرة، لذلك كانت العدة معروفة عند العرب قبل الإسلام، فلما جاء الإسلام أقرها بعد أن خلصها مما كان بها من أضرار تلحق المرأة.

      2- التنويه بعظم شأن الزواج وإعلام الناسب أنه أمر له خطره يغاير سائر العقود لأنه عقد الحياة، فكما أنه لا ينعقد صحيحاً إلا بحضور شهود عند جماهير الفقهاء كذلك لا ينتهي بمجرد وجود الفرقة، بل لا بد فيه من انتظار المرأة المدخول بها قبل الفراق مدة كافية ليتروى فيها كل من الزوجين، أما الزوج فقد يوقع الطلاق في ثورة غضب أو تسرع من غير روية مما قد يوقعه في ندم على ما فعل، فجعل الشارع أمامه فسحة من الوقت يراجع فيها نفسه ليختار أوفق الأمرين له، تدارك ما وقع بإرجاع الحياة الزوجية، أو المضي بالطلاق إلى مصيره المحتوم.

      فإذا ما رجح عنده الندم أمكنه أن يرجعها إلى الزوجية بدون عقد ولا مهر أثناء فترة التربص إن كان الطلاق رجعياً، أو بعقد ومهر جديدين أثناء العدة لا يزاحمه غيره في ذلك إن كان الطلاق بائن.

      أما الزوجة المكلفة بالإنتظار فهي أحوج ما يكون إليه للتروي والتبصر في إنشاء زوجية أخرى لأن عصمتها بيد زوجها، فإذا تسرعت عقب الطلاق وأنشأت زوجية وظهر خطؤها عجزت عن مفارقة زوجها بخلاف الرجل فإنه يستطيع التخلص من الزواج غير الملائم بما ملكه الشارع من حق الطلاق.

      3- تمكين الزوجة المتوفى عنها زوجها من إظهار التأثر لفقد زوجها بالمنع من التزين، وهذا ضرب من الوفاء له، إذ ليس من المروءة والاعتراف بالجميل تسرع المرأة بالزواج عقب وفاة زوجها ولو قبل دخوله بها، كما أن تعجلها بالزواج يسيء إلى أهل الزوج الذين ارتبطت بهم برباط المصاهرة، إذ كيف تنعم بحياة زوجية جديدة في الوقت الذي لا يزال أهل زوجها في حزن عليه.

أنواع العدة:

      تتنوع العدة إلى ثلاثة أنواع:

      1- عدة بالقروء.

      2- عدة بالأشهر.

      3- عدة بوضع الحمل.

      وهذا التنوع باعتبار سبب الفرقة، وما تكون عليه المرأة عند حصول الفرقة، وصحة الزواج وفساده.

- النوع الأول: العدة بالقروء:

      وتكون العدة بالقروء لمن فارقها زوجها بعد الدخول أو الخلوة بسبب من أسباب الفرقة غير الوفاة إذا كانت المرأة من ذوات الحيض ولم تكن حاملاً.

      وهذا إذا كانت الفرقة بعد زواج صحيح، أما إذا كان فاسداً فإنها تعتمد بالقروء بعد الدخول الحقيقي وإن كانت بعد الوفاة.

      والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، فقد أوجبت الآية على المطلقة التربص ثلاثة قروء، والقروء جمع قرء، وهو يحتمل في الآية الحيض أو الطهر، لأنه لغة مشترك بينهما -كما قالوا- ومن هنا اختلف فقهاء الصحابة ومن بعدهم في المراد منها:

      فذهب الحنفية والحنابلة إلى أن المراد بها الحيض.

      وذهب المالكية والشافعية إلى أن المراد بها الطهر.

- النوع الثاني: العدة بالأشهر:

      وتكون لمن فارقها زوجها بعد الدخول بسبب من أسباب الفرقة غير الوفاة وكانت لا تحيض لصغرها وإن بلغت بالسن ولم تر الحيض ولم تكن حاملاً أو لبلوغها سن اليأس.

      كما تكون لمن توفي عنها زوجها بعد العقد الصحيح ولو قبل الدخول إذا لم تكن حاملاً صغيرة كانت أو كبيرة تحيض أو لا تحيض.

      غير أن هذه العدة صنفان:

      الصنف الأول: ثلاثة أشهر وهي بدل عن الحيض، والثاني أربعة أشهر وعشرة أيام وهي أصل وليست بدلاً عن غيرها.

      والدليل على الأول قوله تعالى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]. فهذه الآية جعلت العدة ثلاثة أشهر لنوعين من النساء. من بلغت سن اليأس، ومن لم تحض لصغرها.

      وإنما جعلت ثلاثة أشهر لأنها قائمة مقام ثلاث حيضات حيث جعلت بدلا عنها بدليل أنها لو حاضت انتقلت عدتها إلى الحيض وألغي اعتبار الأشهر، ولأن الغالب في المرأة أنها تحيض كل شهر مرة فاعتبرت مدة الثلاث حيضات.

      هذا هو مذهب الحنفية في المفارقة بعد الدخول أو الخلوة في النكاح الصحيح، وبعد الدخول أو الوفاة في النكاح الفاسد والوطء بشبهة.

      الصنف الثاني: وهو الاعتداد بالأشهر التي هي أصل: يكون لمن توفي عنها زوجها بعد عقد صحيح ولو قبل الدخول إذا لم تكن حاملاً يستوي في ذلك ذوات الحيض وغيرها، وهذه تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام، وهذه متفق عليها بين الفقهاء ولم يخالف فيها أحد صغيرة كانت أو كبيرة بالغاً كان زوجها أولا. لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] والحكمة في هذا التقدير: أن هذه المدة هي التي يتبين فيها كون المرأة حاملاً أو غير حامل، لأن الجنين يمر بعدة أطوار. أربعون يوماً نطفة، وأربعون علقة، وأربعون مضغة، ثم تنفخ فيه الروح، ولأن هذه المدة -كما قالوا- هي أقصى ما تتحمله الزوجة عادة في البعد عن زوجها.

      والأشهر هنا كاملة بالأهلة إذا ابتدأت العدة من أول شهر، وتنتهي في نهاية اليوم العاشر بعد الأربعة، وإذا ابتدأت في أثناء الشهر يجري فيها الخلاف السابق.

      فعند أبي حنفية تكون مائة وثلاثين يوماً.

      أو في قول عند الحنفية يكمل الشهر الأول من الخامس وما بينهما بالأهلة.

النوع الثالث: العدة بوضع الحمل:

      ذهب الحنفية إلى أن المرأة الحامل إذا انتهى زواجها بطلاق أو فسخ وفاة زوجها تعتد بوضع الحمل دون تقيد بزمن سواء كان الحمل من زواج صحيح أو فاسد أو مقاربة بشبهة لقوله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، وهي عامة في المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن وإن كان سياقها في المطلقات، لأنها نزلت بعد آية البقرة وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} فتكون ناسخة لعمومها أو مخصصة لها.

      ويؤيد ذلك ما أخرجه عبد الله بن أحمد في رواية المسند عن أبي ابن كعب قال: "قلت يا رسول الله. وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن" هي المطلقة ثلاثاً أم المتوفى عنها؟ قال: "هي المطلقة ثلاثاً والمتوفى عنها".

      وروي عن ابن مسعود أنه قال: "نسخت سورة النساء القصرى كل عدة" "وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن" أجل كل حامل مطلقة أو متوفى عنها زوجها أن تضع حملها.

      وكذلك روى عن أبي سعيد الخدري أنه قال: نزلت سورة النساء القصرى بعد التي في البقرة بسبع سنين، وروى البخاري عن المسور بن مخرمة أن سُبيعة الأسليمة نُفِست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت"، وفي لفظ أنها وضعت بعد وفاة زوجها بأربعين ليلة.

      وعلى هذا لو وضعت حملها بعد وفاة زوجها بفترة وجيزة انتهت عدتها وحلت للأزواج، وليس عليها عدة وفاة بالأشهر، ومن هنا قال عمر رضي الله عنه: "لو وضعت وزوجها على سريره لانقضت عدتها وحل لها أن تتزوج".

      ولكنهم شرطوا في الحمل الذي تنتهي العدة بولادته أو بإسقاطه أن يكون مستبين الخلقة كلها أو بعضها سواء ولد حياً أو ميتاً، فإذا لم يكن مستبين الخلقة بأن كان علقة أو مضغة غير مخلقة فلا تنتهي العدة بوضعه لأنه إذا لم يستبن خلقه لا يعلم كونه ولداً بل يحتمل أن يكون وأن لا يكون فيقع الشك، والعدة لا تنتهي إلا مع اليقين.

تحول العدة من نوع إلى نوع آخر:

      1- إذا وجبت العدة بالأشهر لغير وفاة بأن كانت صغيرة أو بلغت سن اليأس ثم جاءها الحيض قبل انقضاء الأشهر الثلاثة وجب عليها أن تستأنف عدة جديدة بثلاث حيضات عند الحنفية، لأن الاعتداد بالأشهر وجب عليها أولاً لأنها ليست من ذوات الحيض، فكانت الأشهر بدلاً عن الحيضات، وحيث وجد الأصل قبل أن يتم المقصود بالبدل سقط اعتبار البدل، وكانت داخلة تحت قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} الذي هو الأصل في العدة.

      أما إذا جاءها الحيض بعد تمام الأشهر الثلاثة فلا يجب عليها الاعتداد بالحيض، لأن العدة تمت وحصل المقصود بالبدل قبل وجود الأصل، فلا يبطل حكمه كمن تيمم لعدم وجدان الماء وصلى ثم وجد الماء بعد انتهاء الوقت المحدد للصلاة فلا يجب عليه الوضوء وإعادة تلك الصلاة.

      لكن يلاحظ هنا أن هذه المرأة أصبحت من ذوات الحيض، فلو وجبت عليها عدة بعد ذلك بأي سبب اعتدت بالحيض لا بالأشهر.

      2- من كانت من ذوات الحيض فابتدأت عدتها به وحاضت مرة أو مرتين ثم بلغت سن اليأس تحولت عدتها إلى الأشهر عند الحنفية، فتستأنف عدة جديدة بثلاثة أشهر كاملة، لأن العدة إما بالقروء وهي ثلاثة، وإما بالأشهر وهي ثلاثة، ولكل منهما صنف، وحيث إنها لم تكمل العدة بالحيض وصارت آيسة فتعتد عدة الآيسة.

      3- من طلقها زوجها طلاقاً رجعياً ثم مات وهي في العدة تحولت عدتها من عدة طلاق سواء كانت بالحيض أو بالأشهر إلى عدة الوفاة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام تبدؤها من وقت الوفاة. يستوي في ذلك أن يكون زوجها طلقها في صحته أو مرضه الأخير، لأن المطلقة رجعياً زوجيتها باقية من كل وجه ما دامت العدة، ولذلك ترثه، وعلى الزوجة غير الحامل التي توفى زوجها الاعتداد بهذه العدة لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} وهذه لا خلاف فيها بين الفقهاء.

      فإن تبين أنه قصد بالطلاق الفرار من ميراثها بأن طلقها الثالثة في مرض موته بغير رضاها ثم مات وهي في العدة فإنها ترثه باتفاق الحنفية ولكن الخلاف بينهم في تحول عدتها.

      فذهب أبو حنيفة إلى أن عدتها تتحول إلى أبعد الأجلين وهما عدة الوفاة وعدة الطلاق فأيتهما أطول فهي عدتها، فإن كانت عدة الطلاق بالأشهر اعتدت بأربعة أشهر وعشرة أيام من وقت الوفاة، وإن كانت بالحيض وحاضت ثلاث حيضات قبل أن تمضي أربعة أشهر وعشرة أيام من وقت الوفاة فعدتها تمام هذه المدة، وإن مضت المدة قبل أن تتم ثلاث حيضات لا تنتهي عدتها إلا بإكمال الحيضات الثلاث.

      وإنما وجب عليها أطول العدتين لأنها باعتبار أنها مطلقة بائناً ليست بزوجة وقت الوفاة فلا تجب عليها عدة الوفاة، بل تجب عليها عدة الطلاق، وباعتبار أنها ورثت من مطلقها والميراث لا يكون إلا للزوجة اعتبر الزواج قائماً حكماً وقت الوفاة فتجب عليها عدة الوفاة، فمراعاة للاعتبارين وجب عليها عدة الطلاق والوفاة، وتتداخل العدتان لأن أقلهما داخل في أطولهما.

مبدأ العدة وانتهائها:

      أما مبدأ العدة فيختلف باختلاف عقد الزواج السابق عليها، فإن كانت الفرقة بعد نكاح صحيح بموت الزوج ولو قبل الدخول أو بطلاق أو فسخ بعد الدخول فابتداء العدة بمجرد وقوع الفرقة وإن لم تعلم بها المرأة، فإذا وجد سبب الفرقة ولم تعلم به المرأة إلا بعد مدة احتسبت العدة من وقت حصول سببها لا من وقت علم المرأة بها، بل قد تنتهي العدة دون أن تعلم، وذلك لأن العدة مدة حددها الشارع بعد حصول سببها فتوجد دون توقف على العلم بها.

      فلو ادعت المرأة على زوجها بأنه طلقها في وقت سابق عينته، فإما أن يصدقها الزوج في دعواها أو ينكر، فإن أنكرها وأقامت الزوجة البينة على دعواها وحكم لها القاضي بصحة دعواها احتسبت العدة من الوقت الذي أثبتته البينة لا من وقت الحكم، وإن لم تقم بينه رفضت دعواها.

      وإن صدقها في دعواها وأقر بما ادعته أو أقر هو به ابتداء بدون دعوى منها فإن العدة تحتسب من الوقت الذي أسند الطلاق إليه لا من وقت الإقرار إذا لم يكن في إقراره أو تصديقه لها تهمة.

      فإن كان في أحدهما تهمة احتسبت العدة من وقت الإقرار نفياً للتهمة.

      ومن أمثلة ما فيه تهمة: أن يكون الزوج مريضاً مرض الموت، لأنه في هذه الحالة يحتمل أن يكون قد اتفق معها على ذلك لتصير أجنبية بانتهاء عدتها قبل وفاته ليصل إلى غرض لا يمكنه الوصول إليه مع قيام الزوجية كإقراره لها بدين حال مرضه مثلاً.

      ومنها أن يكون تصديقه لها في دعواها وهو صحيح ليستطيع التزوج بمحرم لها لا يمكنه الجمع بينهما في العدة.

      أما إذا كانت الفرقة بعد الزواج الفاسد فإن العدة تبدأ من وقت متاركته لها بإظهار عزمه على ترك قربانها أو وقت تفريق القاضي بينهما أو وقت موته مباشرة.

      وعدة الوطء بشبهة تبدأ من آخر مقاربة لها عند زوال الشبهة بعلمه أنها غير زوجته وأنها لا تحل له، لأن سبب العدة هنا هو الوقاع بشبهة أنها زوجته حيث لا عقد هنا.

- انتهاء العدة:

      تنتهي العدة إذا كانت بالأشهر بغروب شمس آخر يومٍ منها.

      وإذا كانت بالقروء فعند من يفسرها بالحيض تنتهي بانقطاع دم الحيضة الثالثة إن انقطع لأكثر مدة الحيض وهو عشرة أيام، فإن انقطع قبل عشرة أيام فلا تنتهي العدة إلا إذا طهرت من الحيض إما بالاغتسال أو التيمم سواء صلت أو صارت الصلاة ديناً في ذمتها.

      وإذا ادعت أنها حاضت ثلاث حيضات لا تصدق إلا إذا كانت المدة تحتمل ذلك، وأقلها عند أبي حنيفة ستون يوماً، وفي رواية عند الحنفية تسعة وثلاثون يوماً كما قدمناه.

      وأما من يفسر القروء بالأطهار يعتبرون الطهر الذي وقع فيه الطلاق أحدها فإنها تنتهي عندهم برؤية الدم من الحيضة الثالثة بعد الفرقة، وأقل مدة تصدق فيها المرأة التي ادعت انتهاء عدتها ستة وعشرون يوماً ولحظتان مع ملاحظة أن اللحظة الأولى من العدة والثانية ليست منها، وهي رؤية الدم من الحيضة الثالثة، بل هي أمارة على الخروج من العدة.

      وإن كانت العدة بوضع الحمل فتنتهي إذا كان الحمل واحداً ونزل أكثره عند الحنفية سواء نزل حياً أو ميتاً، وإن كان الحمل أكثر من واحد فلا تنتهي العدة إلا بنزول آخر التوائم، لأن الحمل اسم لجميع ما في البطن بإتفاق الحنفية.

فيما يجب على المعتدة ويجب لها:

      يجب على المعتدة أمران:

      أولهما: البقاء في البيت الذي كانت تسكنه وقت الفرقة لا فرق بين معتدة الطلاق ومعتدة الوفاة عند الحنفية، فلو كانت وقت الفرقة غير موجودة فيه وجب عليها أن تعود إليه فوراً، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1].

            فهذا نهي عن إخراجهن من بيوتهن وهو يقتضي تحريم خروجهن فيكون أمراً بضده وهو البقاء فيها وهو يفيد الوجوب.

      فإذا كان الطلاق رجعياً فلا مانع من بقائها مع الزوج في مسكن واحد، لأن هذا الطلاق لا يحرمها على زوجها، ووجودها كذلك ربما كان سبيلاً إلى مراجعتها.

      وإن كان بائناً بقيت في هذا المسكن مع مطلقها لكن في حجرة غير حجرته بشرط أن يكون ذا دين يأمن على نفسه من الوقوع في محرم معها، فإن لم يتوفر هذا الشرط أو لم يكن في المسكن غير حجرة واحدة تركه لها وسكن في مكان قريب منه.

      والحكمة في إلزامها بالاعتداد في بيت مطلقها هي تمكن الزوج من مراقبتها وصيانتها في عدتها حتى تنتهي، وربما كان ذلك طريقاً إلى عودة الحياة الزوجية بينهما مرة أخرى فالقرب يحمل الرجل على إعادة التفكير فيما حدث، وقد ينتهي تفكيره إلى مراجعتها إن كان الطلاق رجعياً، أو العقد عليها في العدة إن كان بائناً.

      وأما المتوفى عنها زوجها فإن وجودها في هذا المسكن الذي عاشت مع زوجها فيه يذكرها به وحياتها معه فيحملها ذلك على الوفاء له وتنفيذ ما أمرت به من التربص وترك الزينة.

      ولا يجوز للمعتدة أن تخرج من منزل العدة إلا لعذر يبيح لها الخروج كخوفها على نفسها ومالها أو إخراجها منه لعدم قدرتها على دفع أجرته أو عرضته للانهدام وما شاكل ذلك، فإن خرجت منه لغير عذر كانت ناشزة فتسقط نفقتها إن كان لها نفقة أثناء العدة.

      وللمعتدة من وفاة أن تخرج لكسب نفقتها وقضاء حوائجها لأنه لا نفقة لها في عدتها وليس لها زوج يقوم بشئونها.

      وثانيهما: الإحداد وهو ترك الزينة بأنواعها طوال مدة العدة، ولكنه غير واجب على كل معتدة.

      فالمعتدة من طلاق رجعي لا إحداد عليها بالاتفاق، لأن زوجيتها قائمة بل يستحب لها التزين لأنه قد يكون طريقاً إلى تجديد رغبة زوجها فيها فيراجعها.

      أما المعتدة من وفاة فيجب عليها الإحداد باتفاق الفقهاء ومنهم الحنفية فيجب عليها ترك التزين بملبس جرى العرف الناس بأنه من ملابس الزينة، ولا تقييد فيه بلون خاص لأن العرف يختلف فيه من زمن لآخر ومن بلد لغيره، وترك الحلي بكافة أشكاله، والطيب والادهان والكحل والحناء، ولا تكتحل إلا لضرورة، فإن كان يكفي في دفعها الاكتحال ليلاً اقتصرت عليه وإلا وقفت عند ما يدفعها، ولا فرق في ذلك بين الزوجة الكبيرة والصغيرة والحامل وغير حامل، أما ضرورات الحياة من الاستحمام والتنظيف وتسريح الشعر فليست ممنوعة منها.

      وإنما وجب عليها ذلك لما ورد من الأحاديث: منها ما رواه أبو داود بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة وعشرا"، ولأن في ترك الزينة قطعاً لأطماع الراغبين فيها حيث لا زوج يحميها ويمنع عنها هؤلاء، ولأن الزواج نعمة عظيمة وقد فاتت بوفاة زوج وفيّ حافظ عليها إلى آخر لحظة في حياته، وفوات النعم ووفاء الزوج يقتضيها ترك التزين إظهاراً للأسف على ما فات ومقابلة الوفاء بالوفاء، وفوق ذلك فهو أدب جميل تقره الفطرة السليمة ويحمده الناس.

      والإحداد: لا يخلو من حق للشارع فيه حيث أمر به ليحفظ المعتدة من طمع الطامعين، ولذلك قرر الفقهاء أنه لا يستطيع أحد إسقاطه، فلو أوصاها زوجها قبل وفاته بعدم الحداد لم يكن لها تركه.

      أما المعتدة من طلاق بائن:

      فذهب الحنفية إلى أن عليها الإحداد، لأن من مقاصده إظهار الحزن والأسى على فوات نعمة الزواج الذي كان يصونها ويكفيها مؤونة الحياة فأشبهت معتدة الوفاة.

      وذهب جمهور الفقهاء -المالكية والشافعية والحنابلة- إلى أنه لا إحداد عليها، لأنه وجب في حالة الوفاة أسفاً لفراق زوج وفيّ بعهده لآخر لحظة من حياته، فأقل ما تكافئه به هو إظهار الحزن والأسف على فراقه، أما المطلق فقد أساء إليها وحرمها من نعمة الزواج فكيف نلزمها بالحزن عليه؟

أما ما يجب لها فهو النفقة: على اختلاف بين الفقهاء في بعض صورها:

      اتفق الفقهاء على أن المعتدة بعد فرقة من زواج فاسد أو دخول بشبهة لا تستحق نفقة سواء كانت حاملاً أو غير حامل، لأنها لا تستحق نفقة قبل هذه التفرقة لعدم مشروعية ما بين الرجل والمرأة ولا يقران عليه فأولى أن لا يجب لها بعد الافتراق، لأن حال العدة معتبر بحال الزواج قبلها.

      كما اتفقوا على أن المعتدة من طلاق رجعي تجب لها النفقة بأنواعها الثلاثة "الطعام والكسوة والسكنى" سواء كانت حاملاً أو غير حامل، لأن زوجيتها قائمة حيث أن الطلاق الرجعي لا يزيل ملك الاستمتاع ولا حل الزوجية بشرط عدم نشوزها قبل العدة وأثنائها.

      واختلف الفقهاء بعد ذلك في المعتدة من وفاة أو طلاق بائن أو فسخ على آراء وتفصيلات نقتصر منها على مذهب الحنفية:

      أما المعتدة من وفاة فلا تجب لها نفقة بأنواعها الثلاثة عند الحنفية سواء كانت حاملاً أو غير حامل، لأن مال الزوج المتوفى انتقل إلى ورثته فلا مال له حتى تجب فيه نفقة، ولا سبيل إلى إيجابها على الورثة، لأن العدة أثر من آثار عقد الزواج وهم لم يكونوا طرفاً فيه، وآثار عقد الزواج لا ترجع إلى غير صاحبه، كما أن هذه النفقة لم تصر ديناً بعد حتى تؤخذ من التركة.

      أما المعتدة من طلاق بائن فتجب لها النفقة بأنواعها الثلاثة عند الحنفية سواء كانت حاملاً أو غير حامل لقوله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته} وهو عام يشمل الزوجات والمطلقات رجعياً كان الطلاق أو بائناً، وقوله في شأن المعتدات: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}، وقوله جل شأنه: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وِجْدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن}، فكل هذه الآيات تدل على إبقاء المعتدة على ما كانت عليه قبل الطلاق.

      ولأن النفقة وجبت للزوجة قبل الطلاق لكونها محبوسة لحق الزوج، وهذا الاحتباس باق بعد الطلاق فتجب لها النفقة كما كانت قبله لوجود سبب الوجوب.

      وأما قوله سبحانه: {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن} فقد نص على نفقة المعتدة الحامل، لأن عدتها تكون غالباً أطول من غيرها فتجب لغيرها من باب أولى.

      وأما حديث فاطمة بنت قيس النافي للنفقة والسكنى فقد رده عمر بقوله: "لا نترك كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أحفظت أم نسيت".

      وأما المعتدة بسبب الفسخ لعقد الزواج: فالحنفية يوجبون لها النفقة بكل أنواعها إذا كان الفسخ بسبب من قبل الزوج سواء كان السبب مباحاً كخيار البلوغ أو الإفاقة، أو بسبب محظور كفعله مع إحدى أصول الزوجة أو فروعها ما يوجب حرمة المصاهرة، أو إبائه عن الإسلام أو ردته، وسواء حصلت الفرقة بغير قضاء أو بقضائه.

      وكذلك إذا كان الفسخ بسبب من قبل الزوجة ليس محظوراً، كخيار البلوغ أو الإفاقة أو الفسخ بسبب نقصان مهرها عن مهر مثلها إذا زوجت نفسها بدون إذن وليها.

      قالوا: لأن الفسخ يأخذ حكم الطلاق البائن في أكثر أحكامه وبخاصة ما يتعلق منها بالعدة.

      أما إذا كان الفسخ بسبب محظور من جهتها كارتدادها عن الإسلام أو امتناعها عنه بعد إسلام زوجها ولم تكن كتابية، أو فعلها مع أحد أصول زوجها أو فروعه باختيارها ما يوجب حرمة المصاهرة فلا يجب لها غير السكنى فقط، أما الطعام والكسوة فلا حق لها فيهما.

      أما سقوط هذين فلأن النفقة فيها معنى الصلة، فإذا فعلت معصية توجب الفرقة فلا تستحق تلك الصلة، بل تستحق العقوبة زجراً له، وإنما اقتصر الإسقاط على نفقة الطعام والكسوة لأنهما خالص حقها، أما السكنى فللشارع حق فيها مع حقها، وحق الشارع لا يسقط بمعصية من جهتها، ولذلك قالوا لو أبرأت المرأة مطلقها عند الخلع من نفقة العدة سقط بهذا الإبراء الطعام والكسوة فقط، ولو خالعته على أن لا نفقة لها ولا سكنى سقطت النفقة دون السكنى، لأن نفقة الطعام والكسوة حق خالص لها تملك إسقاطهما، أما السكنى فلا تملك إسقاطها لوجود حق للشارع فيها.