تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 20 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 20

 {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَـٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَـٰعِيلُ ذكر في هذه الآية رفع إبرٰهيم وإسمٰعيل لقواعد البيت . وبيّن في سورة « الحج » أنه أراه موضعه بقوله : {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرٰهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ} ، أي : عينّا له محله وعرفناه به . قيل : دله عليه بمزنة كان ظلها قدر مساحته ، وقيل : دلّه عليه بريح تسمى الحجوج كنست عنه حتى ظهر أسمه القديم فبنى عليه إبرٰهيم وإسمٰعيل عليهما وعلى نبيّنا الصلاة والسلام .
{رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَـٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ }
، رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ لم يبيّن هنا من هذه الأمة التي أجاب اللَّه بها دعاء نبيّه إبرٰهيم وإسمٰعيل ، ولم يبيّن هنا أيضًا هذا الرسول المسؤول بعثه فيهم من هو ؟ ولكنه يبيّن في سورة الجمعة أن تلك الأمة العرب ، والرّسول هو سيّد الرسل محمّد صلى الله عليه وسلم ، وذلك في قوله : {هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلامّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ * يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} ؛ لأن الأميين العرب بالإجماع . والرّسول المذكور نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم إجماعًا . ولم يبعث رسول من ذرية إبرٰهيم وإسمٰعيل إلا نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم وحده .
وثبت في الصحيح أنه هو الرسول الذي دعا به إبرٰهيم ولا ينافي ذلك عموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الأسود والأحمر .
{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَٰهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَـٰهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِى ٱلاٌّخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }
، وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَٰهِيمَ لم يبيّن هنا ما ملّة إبرٰهيم وبينها بقوله : {قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبّى إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مّلَّةَ إِبْرٰهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ} ، فصرح في هذه الآية بأنها دين الإسلام الذي بعث اللَّه به نبيّه محمّدًا صلى الله عليه وسلم . وكذا في قوله : {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرٰهِيمَ} .
{وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَٰهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَـٰبَنِىَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِى قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَآئِكَ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُم وَلاَ تُسْألُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }
، يَـٰبَنِىَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ أشار إلى أنه دين الإسلام هنا بقوله : {فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} ، وصرح بذلك في قوله : {إِنَّ الدّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلَـٰمُ} ، وقوله : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلاْخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ} .