تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 22 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 22

 {سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّـٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِى كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لّلَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }
قُل لّلَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ لم يبيّن هنا الصراط المستقيم . ولكنه بيّنه بقوله : {ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالّينَ} .
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }
، وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا أي : خيارًا عدولاً . ويدل لأن الوسط الخيار العدول . قوله تعالىٰ : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، وذلك معروف في كلام العرب ومنه قول زهير : هم وسط يرضى الأنام لحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم

{وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدً} ، لم يبين هنا هل هو شهيد عليهم في الدنيا أو الآخرة ؟ ولكنه بيّن في موضع آخر : أنه شهيد عليهم في الآخرة وذلك في قوله : {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـؤُلاء شَهِيداً * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلاْرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيث} .
{وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ}. ظاهر هذه الآية قد يتوهم منه الجاهل أنه تعالىٰ يستفيد بالاختبار علمًا لم يكن يعلمه ، سبحانه وتعالىٰ عن ذلك علوًّا كبيرًا بل هو تعالىٰ عالم بكل ما سيكون قبل أن يكون . وقد بيّن أنه لا يستفيد بالاختبار علمًا لم يكن يعلمه بقوله جلّ وعلا : {وَلِيَبْتَلِىَ ٱللَّهُ مَا فِى صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحّصَ مَا فِى قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} ، فقوله : {وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ}، بعد قوله : { لِيَبْتَلِي} ، دليل قاطع على أنه لم يستفد بالاختبار شيئًا لم يكن عالمًا به ، سبحانه وتعالىٰ عن ذلك علوًّا كبيرًا ؛ لأن العليم بذات الصدور
غني عن الاختبار وفي هذه الآية بيان عظيم لجميع الآيات التي يذكر اللَّه فيها اختباره لخلقه ، ومعنى {إِلاَّ لِنَعْلَمَ} أي علمًا يترتب عليه الثواب والعقاب فلا ينافي أنه كان عالمًا به قبل ذلك ، وفائدة الاختبار ظهور الأمر للناس . أما عالم السر والنجوى فهو عالم بكل ما سيكون كما لا يخفى.
وقوله : {مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ} أشار إلى أن الرسول هو محمّد صلى الله عليه وسلم بقوله مخاطبًا له : {وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَ} الآية ؛ لأن هذا الخطاب له إجماعً

قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ * وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ *

سيتم توضيح هذه الأيات مع الأيات التي في الصفحة التالية ان شاء الله