تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 331 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 331


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67

 لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا وَهُمْ فِى مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَـٰلِدُونَ

تقدم شرح هذه الأيات مع الأيات التي في الصفحة السابقة

{لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلاٌّكْبَرُ وَتَتَلَقَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ * يَوْمَ نَطْوِى ٱلسَّمَآءَ كَطَىِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَـٰعِلِينَ * وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلاٌّرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّـٰلِحُونَ * إِنَّ فِى هَـٰذَا لَبَلَـٰغاً لِّقَوْمٍ عَـٰبِدِينَ * وَمَآ أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَـٰلَمِينَ * قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَٰحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ * فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ وَإِنْ أَدْرِىۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ * إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ * وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ * قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ}
قوله تعالى: {وَتَتَلَقَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن عباده المؤمنين الذين سبقت لهم منه الحسنى {وَتَتَلَقَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ} أي تستقبلهم بالبشارة، وتقول لهم: {هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} أي توعدون فيه أنواع الكرامة والنعيم. قيل: نستقبلهم على أبواب الجنة بذلك. وقيل: عند الخروج من القبور كما تقدم.
وما ذكره جل وعلا من استقبال الملائكة لهم بذلك ـ بينه في غير هذا الموضع، كقوله في «فصلت»: {ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَـٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْكَبِيرُ نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلاٌّخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِىۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} وقوله في «النحل»: {ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِى ٱلسَّمَآءَ كَطَىِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} . قوله {يَوْمَ نَطْوِى ٱلسَّمَآءَ} منصوب بقوله: {لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ}، أو بقوله {وَتَتَلَقَّـٰهُمُ} . وقد ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يوم القيامة يطوي السماء كطي السجل الكتب. وصرح في «الزمر» بأن الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، وأن السموات مطويات بيمينه، وذلك في قوله: {وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلاٌّرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَـٰوَٰتُ مَطْوِيَّـٰتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَـٰنَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُون} . وما ذكره من كون السموات مطويات بيمينه في هذه الآية ـ جاء في الصحيح أيضاً عن النَّبي صلى الله عليه وسلم وقد قدمنا مراراً أن الواجب في ذلك إمراره كما جاء، والتصديق به مع اعتقاد أن صفة الخالق أعظم من أن تمائل صفة المخلوق.
وأقوال العلماء في معنى قوله {كَطَىِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} راجعة إلى أمرين:
الأول ـ أن السجل الصحيفة: والمراد بالكتب: ما كتب فيها، واللام بمعنى علي، أي كطي السجل على الكتب، أي كطي الصحيفة على ما كتب فيها، وعلى هذا فطي السجل مصدر مضاف إلى مفعوله، لأن السجل على هذا المعنى مفعول الطي.
الثاني ـ أن السجل ملك من الملائكة، وهو الذي يطوي كتب أعمال بني آدم إذا رفعت إليه، ويقال: إنه في السماء الثالثة، ترفع إليه الحفظة الموكلون بالخلق أعمال بني آدم في كل خميس واثنين، وكان من أعوانه (فيما ذكروا) هاروت وماروت، وقيل، إنه لا يطوي الصحيفة حتى يموت صاحبها فيرفعها ويطويها إلى يوم القيامة، وقول من قال: إن السجل صحابي، كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم ـ ظاهر السقوط كما ترى.
وقوله في هذه الآية الكريمة «للكتاب» قرأه عامة السبعة غير حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «للكتاب» بكسر الكاف وفتح التاء بعدها ألف بصيغة الإفراد. وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «للكتب» بضم الكاف والتاء بصيغة الجمع. ومعنى القراءتين واحد. لأن المراد بالكتاب على قراءة الإفراد جنس الكتاب، فيشمل كل الكتب. قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلاٌّرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّـٰلِحُونَ} . أظهر الأقوال عندي في هذه الآية الكريمة: أن الزبور الذي هو الكتاب يراد به جنس الكتاب فيشمل الكتب المنزلة، كالتوراة والإنجيل، وزبور داود، وغير ذلك. وأن المراد بالذكر: أم الكتاب، وعليه فالمعنى: ولقد كتبنا في الكتب المنزلة على الأنبياء أن الأرض يرثها عبادي الصالحون بعد أن كتبنا ذلك في أم الكتاب. وهذا المعنى واضح لا إشكال فيه. وقيل الزبور في الآية: زبور داود، والذكر: التوراة. وقيل غير ذلك. وأظهرها هو ما ذكرنا واختاره غير واحد.
واعلم أن قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن الآية قد يكون فيها قولان للعلماء، وكلاهما حق ويشهد له قرآن فنذكر الجميع. لأنه كله حق داخل في الآية. ومن ذلك هذه الآية الكريمة، لأن المراد بالأرض في قوله هنا {أَنَّ ٱلاٌّرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّـٰلِحُونَ} فيه للعلماء وجهان:
الأول ـ أنها أرض الجنة يورثها الله يوم القيامة عبادة الصالحين. وهذا القول يدل له قوله تعالى: {وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلاٌّرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ} وقد قدمنا معنى إيراثهم الجنة مستوفى في سورة «مريم».
الثاني ـ أن المراد بالأرض: أرض العدو يورثها الله المؤمنين في الدنيا: ويدل لهذا قوله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَـٰرَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِير} ، وقوله: {وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَـٰرِقَ ٱلاٌّرْضِ وَمَغَـٰرِبَهَ} ، وقوله تعالى: {قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱلأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} ، وقوله تعالى: {وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلاٌّرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} ، وقوله تعالى {فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِين َوَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلاٌّرْضَ مِن بَعْدِهِمْ} إلى غير ذلك من الآيات.
وقرأ هذا الحرف عامة القراء غير حمزة {فِى ٱلزَّبُورِ} بفتح الزاي ومعناه الكتاب. وقرأ حمزة وحده (فِي الزُّبُورِ) بضم الزاي. قال القرطبي: وعلى قراءة حمزة فهو جمع زبر. والظاهر أنه يريد الزبر بالكسر بمعنى الزبور أي المكتوب. وعليه فمعنى قراءة حمزة: ولقد كتبنا في الكتب: وهي تؤيد أن المراد بالزبور على قراءة الفتح جنس الكتب لا خصوص زبور وداود كما بينا. وقرأ حمزة «يَرِثُهَا عِبَادِيْ» بإسكان الياء، والباقون بفتحها. قوله تعالى: {إِنَّ فِى هَـٰذَا لَبَلَـٰغاً لِّقَوْمٍ عَـٰبِدِينَ} . الإشارة في قوله {هَـٰذَ} للقرآن العظيم، الذي منه هذه السورة الكريمة. والبلاغ: الكفاية، وما تبلغ به البغية. وما ذكره هنا من أن هذا القرآن فيه الكفاية للعابدين، وما يبلغون به بغيتهم، أي من خير الدنيا والآخرة ـ ذكره في غير هذا الموضع. كقوله: {هَـٰذَا بَلَـٰغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ} وخص القوم العابدين بذلك لأنهم هم المنتفعون به. قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَـٰلَمِينَ} . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه ما أرسل هذا النَّبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه إلى الخلائق إلا رحمة لهم. لأنه جاءهم بما يسعدهم وينالون به كل خير من خير الدنيا والآخرة إن اتبعوه. ومن خالف ولم يتبع فهو الذي ضيع على نفسه نصيبه من تلك الرحمة العظمى. وضرب بعض أهل العلم لهذا مثلاً قال: لو فجر الله عيناً للخلق غزيرة الماء، سهلة التنازل. فسقى الناس زروعهم ومواشيهم بمائها. فتتابعت عليهم النعم بذلك، وبقي أناس مفرطون كسالى عن العمل. فضيعوا نصيبهم من تلك العين، فالعين المفجرة في نفسها رحمة من الله، ونعمة للفريقين. ولكن الكسلان محنة على نفسه حيث حرمها ما ينفعها. ويوضح ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ} . وقيل: كونه رحمة للكفار من حيث إن عقوبتهم أخرت بسببه، وأمنوا به عذاب الاستئصال. والأول أظهر.
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من أنه ما أرسله إلا رحمة للعالمين ـ يدل على أنه جاء بالرحمة للخلق فيما تضمنه هذا القرآن العظيم. وهذا المعنى جاء موضحاً في مواضع من كتاب الله، كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ، وقوله: {وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} .
وقد قدمنا الآيات الدالة على ذلك في سورة «الكهف» في موضعين منها. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله قال: قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين. قال: «إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة». قوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ} . قوله {فَإِن تَوَلَّوْ} أي أعرضوا وصدوا عما تدعوهم إليه {فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ} أي أعلمتكم أني حرب لكم كما أنكم حرب لي، بريء منكم كما أنتم برآء مني. وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية أشارت إليه آيات أخر، كقوله: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَٱنبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ} أي ليكن علمك وعلمهم بنبذ العهود على السواء.
وقوله تعالى: {وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّى عَمَلِى وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِىۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} . وقوله: {ءاذَنتُكُمْ} الأذان: الإعلام. ومنه الأذان الصلاة. وقوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ} ، أي إعلام منه، قوله: {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ} ، أي اعلموا. ومنه قول الحرث بن حلزة: آذنتنا ببينها أسماء رب ثاو يمل منه الثواء

يعني أعلمتنا ببينها. قوله تعالى: {إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه علم ما يجهر به خلقه من القول، ويعلم ما يكتمونه. وقد أوضح هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} ، وقوله: {وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} في الموضعين، وقوله: {مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} ، وقوله تعالى: {أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاٌّرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} ، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ} ، وقوله: {وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى} إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ} . قرأ هذا الحرف عامة القراء السبعة غير حفص عن عاصم {قَالَ رَبِّ} بضم القاف وسكون اللام بصيغة الأمر. وقرأه حفص وحده {قَالَ} بفتح القاف واللام بينهما ألف بصيغة الماضي. وقراءة الجمهور تدل على أنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يقول ذلك. وقراءة حفص تدل على أنه امتثل الأمر بالفعل. وما أمره أن يقوله هنا قاله نبي الله شعيب كما ذكره الله عنه في قوله: {رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَـٰتِحِينَ} . وقوله {ٱفْتَحْ} أي احكم كما تقدم. وقوله: {وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} أي تصفونه بألسنتكم من أنواع الكذب بادعاء الشركاء والأولاد وغير ذلك. كما قال تعالى: {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ} ، وقال: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ} . وما قاله النَّبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قاله يعقوب لما علم أن أولاده فعلوا بأخيهم يوسف شيئاً غير ما أخبروه به. وذلك في قوله: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} والمستعان: المطلوب منه العون. والعلم عند الله تعالى.