تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 433 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 433


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67

 {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَـٰئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ * قَالُواْ سُبْحَـٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ * فَٱلْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُكُمْ وَقَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَمَآ ءَاتَيْنَـٰهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ * وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَـٰهُمْ فَكَذَّبُواْ رُسُلِى فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ * قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَٰحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَـٰحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٍ * قُلْ إِنَّ رَبِّى يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ * قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَـٰطِلُ وَمَا يُعِيدُ * قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِى وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِى إِلَىَّ رَبِّى إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ * وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوۤاْ ءَامَنَّا بِهِ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ * وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ * وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَـٰعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِى شَكٍّ مُّرِيبِ}


{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَـٰئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ قَالُواْ سُبْحَـٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ}. قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «الفرقان»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ أَءنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى هَـؤُلاَء أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ * قَالُواْ سُبْحَـٰنَكَ مَا كَانَ يَنبَغِى لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ}. {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُكُمْ}. قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «بني إسرٰئيل»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرًا رَّسُولا}. {وَمَآ ءَاتَيْنَـٰهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيراٍ }.قد قدّمنا الآيات التي بمعناه في سورة «بني إسرٰئيل»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولا}. {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَـٰهُمْ فَكَذَّبُواْ رُسُلِى فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }. ما ذكره جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة من أنه أهلك الأُمم الماضية لما كذبت رسله، وأن الأمم الماضية أقوى، وأكثر أموالاً وأولادًا، وأن كفّار مكّة عليهم أن يخافوا من إهلاك اللَّه لهم بسبب تكذيب رسوله صلى الله عليه وسلم، كما أهلك الأُمم التي هي أقوى منهم، ولم يؤتوا، أي: كفّار مكة، معشار ما أتى اللَّه الأمم التي أهلكها من قبل من القوة، جاء موضحًا في آيات كثيرة؛ كقوله تعالىٰ: {كَانُواْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَءاثَاراً فِى ٱلاْرْضِ}، وقد قدّمنا بعض الكلام على هذا في سورة «الروم»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَأَثَارُواْ ٱلاْرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا}. {ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَـٰحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيداٍ}. قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «المؤمنون»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُمْ بِٱلْحَقّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقّ كَـٰرِهُونَ}. {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ}. قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «هود»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {كَـٰرِهُونَ وَيٰقَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ}. {قُلْ جَاء ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىء ٱلْبَـٰطِلُ وَمَا يُعِيدُ}. قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «بني إسرٰئيل»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَقُلْ جَاء ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ إِنَّ ٱلْبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا}.
{قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِى وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِى إِلَىَّ رَبّى}.
قد قدّمنا الآيات التي بمعناه في سورة «الأنبياء»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَـٰنَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى ٱلْحَرْثِ}، في معرض بيان حجج الظاهرية في دعواهم منع الاجتهاد.
{وَقَالُواْ ءامَنَّا بِهِ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ}.
ما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الكفّار يوم القيامة يؤمنون باللَّه، وأن ذلك الإيمان لا ينفعهم لفوات وقت نفعه، الذي هو مدّة دار الدنيا جاء موضحًا في آيات كثيرة.
وقد قدّمنا الآيات الدالَّة عليه في سورة «الأعراف»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بِٱلْحَقّ}. وفي سورة «مريم»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَـٰكِنِ ٱلظَّـٰلِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ}، وفي غير ذلك من المواضع. وقوله تعالىٰ في هذه الآية الكريمة: {وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ}، {إِنّى} تدلّ على كمال الاستبعاد هنا، و {ٱلتَّنَاوُشُ}: التناول، وقال بعضهم: هو خصوص التناول السهل للشىء القريب.
والمعنى: أنه يستبعد كل الاستبعاد ويبعد كل البعد، أن يتناول الكفار الإيمان النافع في الآخرة بعدما ضيعوا ذلك وقت إمكانه في دار الدنيا، وقيل الاستبعاد لردّهم إلى الدنيا مرة أخرى ليؤمنوا، والأول أظهر، ويدلّ عليه قوله قبله: {وَقَالُواْ ءامَنَّا بِهِ}، ومن أراد تناول شىء من مكان بعيد لا يمكنه ذلك، والعلم عند اللَّه تعالىٰ.

تم بحمد الله تفسير سورة سبأ