تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 476 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 476


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67

 {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِأايَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِىَ بِٱلْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ * ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلاٌّنْعَـٰمَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا مَنَـٰفِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ * وَيُرِيكُمْ ءَايَـٰتِهِ فَأَىَّ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ * أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلاٌّرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَءَاثَاراً فِى ٱلاٌّرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ * فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـٰنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَـٰفِرُونَ}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}. ما تضمنته هذه الآية الكريمة، من أن الله تبارك وتعالى قص على نبيه صلى الله عليه وسلم، أنباء بعض الرسل، أي كنوح وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وشعيب، وموسى، وأنه لم يقصص عليه أنباء رسل آخرين، بينه في في غير هذا الموضع، كقوله في سورة النساء: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَـٰهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيم}، وأشار إلى ذلك في سورة إبراهيم في قوله: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ}. وفي سورة الفرقان في قوله تعالى: {وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَـٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرا} إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى: {فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِىَ بِٱلْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ}. قوله هنا: فإذا جاء أمر الله أي قامت القيامة، كما قدمنا إيضاحه في قوله تعالى: {أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} أي فإذا قامت القيامة، قضى بين الناس بالحق الذي لا يخالطه حيف ولا جور، كما قال تعالى: {وَأَشْرَقَتِ ٱلاٌّرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ وَجِـىءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ}.
وقال تعالى: {وَتَرَى ٱلْمَلَـٰئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بِٱلْحَقِّ}.
والحق المذكور في هذه الآيات: هو المراد بالقسط المذكور في سورة يونس في قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِىَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ}).
وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من أنه إذا قامت القيامة يخسر المبطلون، أوضحه جل وعلا في سورة الجاثية في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ}.
والمبطل هو: من مات مصراً على الباطل.
وخسران المبطلين المذكور هنا، قد قدمنا بيانه في سورة يونس، في الكلام على قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}. قوله تعالى: {ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلاٌّنْعَـٰمَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَـٰفِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ}. قد قدمنا أن لفظة جعل، تأتي في اللغة العربية لأربعة معان، ثلاثة منها في القرآن.
الأول: إتيان جعل بمعنى اعتقد، ومنه قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثا} أي اعتقدوهم إناثاً، ومعلوم أن هذه تنصب المبتدأ والخبر.
الثاني: جعل بمعنى صيَّر، كقوله: {حَتَّىٰ جَعَلْنَـٰهُمْ حَصِيداً خَـٰمِدِينَ} وهذه تنصب المبتدأ والخبر أيضاً.
الثالث: جعل بمعنى خلق، كقوله تعالى: {ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ} أي خلق السماوات والأرض وخلق الظلمات والنور.
والظاهر، أن منه قوله هنا: {ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلاٌّنْعَـٰمَ} أي خلق لكم الأنعام، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَٱلاٌّنْعَـٰمَ خَلَقَهَا لَكُمْ}، وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعـٰما}.
الرابع: وهو الذي ليس في القرآن جعل بمعنى شرع، ومنه قوله: وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ثوبي فانهض نهض الشارب السَّكِرِ

وما ذكره الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة، من الامتنان بهذه النعم الكثيرة، التي أنعم عليهم بها، بسبب خلقه لهم الأنعام وهي الذكور والإناث، من الإبل والبقر والضأن والمعز، كما قدمنا إيضاحه في سورة آل عمران في الكلام على قوله: والأنعام والحرث بينه أيضاً في مواضع أخر، كقوله تعالى: {وَٱلاٌّنْعَـٰمَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَـٰفِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَـٰلِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ}. والدفء ما يتدفؤون به في الثياب المصنوعة من جلود الأنعام وأوبارها وأشعارها وأصوافها.
وقوله تعالى: {جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلاٌّنْعَـٰمِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَـٰمَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَـٰثاً وَمَتَـٰعاً إِلَىٰ حِينٍ}. وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعـٰماً فَهُمْ لَهَا مَـٰلِكُونَ وَذَلَّلْنَـٰهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ. {وَلَهُمْ فِيهَا مَنَـٰفِعُ وَمَشَـٰرِبُ}وقوله تعالى:{وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلاٌّنْعَـٰمِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِى بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ}. وقوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلاٌّنْعَـٰمِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِى بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَـٰفِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ}.وقوله تعالى: {وَمِنَ ٱلأَنْعَـٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مِّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ} ـ إلى قوله: ـ {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّـٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَ} وقوله تعالى:{وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلاٌّنْعَـٰمِ ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ}. وقوله تعالى: {جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجاً وَمِنَ ٱلاٌّنْعَـٰمِ أَزْوٰج}. قوله تعالى: {وَٱلَّذِى خَلَقَ ٱلأَزْوَٰجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلاٌّنْعَـٰمِ مَا تَرْكَبُونَ}، إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلاٌّرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}. قد ذكرنا الآيات الموضحة له في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك، وبينا مواضعها في سورة الروم، في الكلام على قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِى ٱلاٌّرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}.قوله تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـٰنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَـٰفِرُونَ}. قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية، في سورة يونس في الكلام على قوله تعالى: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنْتُمْ بِهِ ءَآأنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ}، وفي سورة صۤ في الكلام على قوله تعالى {فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ}.

تم بحمد الله تفسير سورة غافر