لمن تعطى الزكاة مصارف الزكاة الثمانية

لمن تعطى الزكاة - مصارف زكاة المال الثمانية - ومن هم المستحقون للزكاة

لمن تعطى الزكاة مصارف الزكاة الثمانية

مصارف الزكاة - لمن تعطى الزكاة:

        مصارف الزكاة محصورة في ثمانية أصناف.

        والأصناف الثمانية قد نص عليها القرآن الكريم في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].

        و"إنما" التي صدرت بها الآية أداة حصر، فلا يجوز صرف الزكاة لأحد أو في وجه غير داخل في هذه الأصناف، وقد أكد ذلك ما ورد"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة، فقال: إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك". رواه أبو داود.

بيان الأصناف الثمانية:

الصنفان الأول والثاني: الفقراء والمساكين:

        الفقراء والمساكين هم أهل الحاجة الذين لا يجدون ما يكفيهم، وإذا أطلق لفظ(الفقراء) وانفرد دخل فيهم(المساكين)، وكذلك عكسه، وإذا جمع بينهما في كلام واحد، كما في آية مصارف الزكاة، تميز كل منهما بمعنى.

        وقد اختلف الفقهاء في أيهما أشد حاجة:

        فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الفقير أشد حاجة من المسكين، واحتجوا بأن الله تعالى قدم ذكرهم في الآية، وذلك يدل على أنهم أهم وبقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79]. فأثبت لهم وصف المسكنة مع كونهم يملكون سفينة ويحصلون نولا.

        وذهب الحنفية والمالكية إلى أن المسكين أشد حاجة من الفقير، واحتجوا بأن الله تعالى قال: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16]. وهو المطروح على التراب لشدة جوعه.

        واختلف الفقهاء في حد كل من الصنفين:

        ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنَّ الفقير من لا مال له ولا كسب يقع موقعا من حاجته، كمن حاجته عشرة فلا يجد شيئا أصلا، أو يقدر بماله وكسبه وما يأتيه من غلة وغيرها على أقل من نصف كفايته. فإن كان يجد النصف أو أثر ولا يجد كل العشرة فمسكين.

        ذهب الحنفية والمالكية إلى أنَّ المسكين من لا يملك شيئاً أصلاً فيحتاج للمسألة وتحل له.

        فقال الحنفية: الفقير من له أدنى شيء وهو ما دون النصاب، فإذا ملك نصابا من أي مال زكوي فهو غني لا يستحق شيئا من الزكاة، فإن ملك أقل من نصاب فهو غير مستحق، وكذا لو ملك نصابا غير نام وهو مستغرق في الحاجة الأصلية، فإن لم يكن مستغرقاً منع، كمن عنده ثياب نساوي نصابا لا يحتاجها، فإن الزكاة تكون حراماً عليه، ولو بلغت قيمة ما يملكه نُصُبا فلا يمنع ذلك كونه من المستحقين للزكاة إن كانت مستغرقة بالحاجة الأصلية كمن عنده كتب يحتاجها للتدريس، أو آلات حرفة، أو نحو ذلك.

        وقال المالكية: الفقير من يملك شيئاً لا يكفيه لقوت عامه.

الغنى المانع من أخذ الزكاة بوصف الفقر أو المسكنة:

        الأصل أن الغنى لا يجوز إعطاؤه من الزكاة، وهذا اتفاقي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا حظ فيها لغني".

        ولكن اختلف في الغنى المانع من أخذ الزكاة:

        ذهب الجمهور من المالكية والشافعي وهو رواية عن أحمد قدمها المتأخرون من أصحابه: إلى أنَّ الأمر معتبر بالكفاية، فمن وجد من الأثمان أو غيرها ما يكفيه ويكفي من يمونه فهو غني لا تحل له الزكاة، فإن لم يجد ذلك حلت له ولو كان ما عنده يبلغ نصباً زكوية، وعلى هذا، فلا يمتنع أن يوجد من تجب عليه الزكاة وهو مستحق للزكاة.

        وذهب الحنفية إلى أنَّ الغنى الموجب للزكاة، فمن تجب عليه الزكاة لا يحل له أن يأخذ الزكاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم"، رواه البخاري. ومن ملك نصابا من أي مال زكوي كان فهو غني، فلا يجوز أن تدفع إليه الزكاة ولو كان ما عنده لا يكفيه لعامه، ومن لم يملك نصاباً كاملاً فهو فقير أو مسكين، فيجوز أن تدفع إليه الزكاة.

        وفي رواية أخرى عند الحنابلة: إن وجد كفايته، فهو غني، وإن لم يجد وكان لديه خمسون درهماً، أو قيمتها من الذهب خاصة، فهو غني كذلك ولو كانت لا تكفيه، لحديث"من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح. قالوا يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب"رواه الترمذي.

إعطاء الزكاة لمن لا يملك مالا وله مورد رزق:

        ذهب الجمهور إلى أنَّ من لم يكن له مال أو له مال لا يكفيه فإنه يستحق من الزكاة، إلا أن من لزمت نفقته مليئا من نحو والد لا يعطى من الزكاة، وكذا لا تعطى الزوجة لاستغنائها بإنفاق زوجها عليها. ومن له مرتب يكفيه لم يجز إعطاؤه من الزكاة. وكذا من كان له صنعة تكفيه وإن كان لا يملك في الحال مالا.

        فإن كان واحد من هذه الأسباب يأتيه منه أقل من كفايته يجوز إعطاؤه تمام الكفاية.

        وأن كان له ضيعة(بستان) تغل بعض كفايته أنه لا يلزمه بيعها لتحل له الزكاة، وكذلك آلات المحترفين وكسب العالم.

        وذهب الحنفية إلى أنه يجوز دفع الزكاة إلى من عنده دخل سنوي أو شهري أو يومي من عقار أو نحو ذلك، إن لم يملك نصاباً زكوياً، ويجوز دفعها إلى الولد الذي أبوه غني إن كان الولد كبيرًا فقيرًا، سواء كان ذكرا أو أنثى، لأنه لا يعد غنياً بيسار أبيه وإن كانت نفقته عليه، أما الولد الصغير الذي أبوه غني فلا تدفع إليه الزكاة لأنه يعد غنياً بيسار أبيه، وسواء كان الصغير في عيال أبيه أم لا، ويجوز دفع الزكاة إلى رجل فقير له ابن موسر.

        قالوا: وكذلك المرأة الفقيرة إن كان لها زوج غني يجوز إعطاؤها من الزكاة، لأنها لا تعد غنية بيسار زوجها، وبقدر النفقة لا تصير موسرة، واستيجابها النفقة بمنزلة الأجرة.

        ومن كان مستغنياً بأن تبرع أحد من الناس بأن ينفق عليه، فالصحيح عند الحنابلة أنه يجوز إعطاؤه من الزكاة، ويجوز للمتبرع بنفقته أن يدفع إليه من الزكاة ولو كان في عياله، لدخوله في أصناف الزكاة، وعدم وجود نص أو إجماع يخرجه من العموم.

إعطاء الفقير والمسكين القادرين على الكسب:

        ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنَّ من كان من الفقراء والمساكين قادرا على كسب كفايته وكفاية من يمونه، أو تمام الكفاية، لم يحل له الأخذ من الزكاة، ولا يحل للمزكي إعطاؤه منها، ولا تجزئه لو أعطاه وهو يعلم بحاله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقة: "لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب"رواه أبو داود. وفي لفظ"لا تحل الصداقة لغني ولا لذي مرة سوي"رواه ابن ماجه.

        وذهب الحنفية إلى أنه يجوز دفع الزكاة إلى من يملك أقل من نصاب، وإن كان صحيحا مكتسبا، لأنه فقير أو مسكين، وهما من مصارف الزكاة، ولأن حقيقة الحاجة لا يوقف عليها، فأدير الحكم على دليلها، وهو فقد النصاب. واحتجوا بما في قصة الحديث المذكور سابقاً، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم الصدقات فقام إليه رجلان يسألانه، فنظر إليهما فرآهما جلدين فقال:"إنه لا حق لكما فيه وإن شئتما أعطيكما". لأنه أجاز إعطاءهما، وقوله:"لا حق لكما فيه"معناه لا حق لكما في السؤال.

        وذهب المالكية في القول المعتمد عندهم مثل ما ذهبت إليه الحنفية إلا أن الحد الأدنى الذي يمنع الاستحقاق عندهم هو ملك الكفاية لا ملك النصاب.

إعطاء الزكاة لمن له مال أو كسب وامتنع عنه ماله أو كسبه:

        من كان عنده مال يكفيه فلا يستحق من الزكاة، لكن إن كان ماله غائبا أو كان ديناً مؤجلا، فقد صرح الشافعية بأنه لا يمنع ذلك من إعطائه ما يكفيه إلى أن يصل إلى ماله أو يحل الأجل.

        والاقتدار على كسب إن شغله عن الكسب طلب العلم الشرعي لم يمنع ذلك من إعطائه من الزكاة، لأن طلب العلم فرض كفاية بخلاف التفرغ للعبادة. واشترط بعض الشافعية في طالب العلم أن يكون نجيباً يرجى نفع المسلمين بتفقهه.

        ومن كان قادراً على كسبلكن ذلك الكسب لا يليق به، أو يليق به لكن لم يجد من يستأجره، لم يمنع ذلك استحقاقه من الزكاة.

جنس الكفاية المعتبرة في استحقاق الزكاة:

        الكفاية المعتبرة عند الجمهور هي للمطعم والمشرب والمسكن وسائر ما لا بد منه على ما يليق بالحال من غير إسراف ولا تقتير، للشخص نفسه ولمن هو في نفقته.

        وصرح المالكية وغيرهم بأن مال الزكاة إن كان فيه سعة يجوز الإعانة به لمن أراد الزواج.

القدر الذي يعطاه الفقير والمسكين من الزكاة:

        ذهب الجمهور(المالكية وهو قول عند الشافعية وهو المذهب عند الحنابلة) إلى أن الواحد من أهل الحاجة المستحق للزكاة بالفقر أو المسكنة يعطى من الزكاة الكفاية أو تمامها له ولمن يعوله عاماً كاملاً، ولا يزاد عليه، إنما حددوا العام لأن الزكاة تتكرر كل عام غالباً، ولأن "النبي صلى الله عليه وسلم ادخر لأهله قوت سنة". رواه البخاري. وسواء كان ما يكفيه يساوي نصاباً أو نصباً.

        وإن كان يملك أو يحصل له بعض الكفاية أعطي تملم الكفاية لعام.

        وذهب الشافعية في قول منصوص والحنابلة في رواية إلى أن الفقير والمسكين يُعطَيان ما يخرجهما من الفاقة إلى الغنى وهو ما تحصل به الكفاية على الدوام، لحديث قبيصة مرفوعاً "إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال: سداداً من عيش.."الحديث. رواه مسلم.

        قالوا: فإن كان من عادته الاحتراف أعطي ما يشتري به أدوات حرفته قَلَّت قيمتها أو كثرت بحيث يحصل له من ربحه ما يفي بكفايته غالباً تقريباً، وإن كان تاجرا أعطي بنسبة ذلك، وإن كان من أهل الضياع يشترى له ضيعة تكفيه غلتها على الدوام. قال بعضهم: يشتريها له الإمام ويلزمه بعدم إخراجها عن ملكه.

        وذهب الحنفية إلى أن من لا يملك نصاباً زكوياً كاملاً يجوز أن يدفع إليه أقل من مائتي درهم أو تمامها. ويكره أكثر من ذلك.

        وهذا عند الحنفية لمن لم يكن له عيال ولا دين عليه، فإن كان له عيال فلكل منهم مائتا درهم، والمدين يعطى لدينه ولو فوق المائتين كما يأتي في الغارمين.

        وإن ادعى أن له عيالاً وطلب من الزكاة لأجلهم.

        فعند الشافعية والحنابلة لا يقبل قوله إلا ببينة، لأن الأصل عدم العيال، ولا تتعذر إقامة البينة على ذلك.

        وكذا من كان معروفاً باليسار لا يعطى من الزكاة، لكن إن ادعى أن ماله تلف أو فقد كلف البينة.

        وقيل عندهم: يقبل قول اثنين فقط كسائر الحقوق، والحديث وارد في المسألة، لا في الإعطاء دون مسألة. رواه مسلم.

الصنف الثالث: العاملون على الزكاة:

        يجوز إعطاء العاملين على الزكاة منها.

        ولا يشترط فيمن يأخذ من العاملين من الزكاة الفقر، لأنه يأخذ بعمله لا لفقره.

        وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة..."فذكر منهم"العامل عليها". رواه ماجه.

        ذهب الحنفية: إلى أنه يدفع إلى العامل بقدر عمله فيعطيه ما يسعه ويسع أعوانه غير مقدر بالثمن، ولا يزاد على نصف الزكاة التي يجمعها وإن كان عمله أكثر.

        وذهب الشافعية والحنابلة: إلى أنَّ للإمام أن يستأجر العامل إجارة صحيحة بأجر معلوم، إما على مدة معلومة، أو عمل معلوم.

        ثم قال الشافعية: لا يعطى العامل من الزكاة أكثر منثمن الزكاة، فإن زاد أجره على الثمن أتم له من بيت المال. وقيل من باقي السهام.

        ويجوز للإمام أن يعطيه أجره من بيت المال وله أن يبعثه بغير إجارة ثم يعطيه أجر المثل.

        وإن تولى الإمام، أو والي الإقليم أو القاضي من قبل الإمام أو نحوها أخذ الزكاة وقسمتها لم يجز أن يأخذ من الزكاة شيئا، لأنه يأخذ رزقه من بيت المال وعمله عام.

الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم:

        اختلف الفقهاء في صنف المؤلفة قلوبهم:

        ذهب الجمهور المالكية والشافعية والحنبلية إلى أن سهم المؤلفة قلوبهم باق لم يسقط. وفي قول عند كل من المالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة: أن سهمهم انقطع لعز الإسلام، فلا يعطون الآن، لكن إن احتيج لاستئلافهم في بعض الأوقات أعطوا.

        وذهب الحنفية: إلى أنَّه انعقد الإجماع على سقوط سهمهم من الزكاة لما ورد أن الأقرع بن حابس وعيينة بن بن حصن جاءا يطلبان من أبي بكر أرضا، فكتب لهما بذلك، فمرا على عمر، فرأى الكتاب فمزقه، وقال: هذا شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيكموه ليتألفكم، والآن قد أعز الله الإسلام وأغنى عنكم، فإن ثبتم على الإسلام، وإلا فبيننا وبينكم السيف، فرجعا إلى أبي بكر، فقالا، ما ندري: الخليفة أنت أم عمر ؟ فقال : هو إن شاء، ووافقه. ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك. رواه البيهقي.

        ثم اختلفوا:

        ففي قول للمالكية: المؤلفة قلوبهم كفار يعطون ترغيباً لهم في الإسلام لأجل أن يعينوا المسلمين، فعليه لا تعطى الزكاة لمن أسلم فعلاً.

        وقال الشافعية: لا يعطى من هذا السهم لكافر أصلاً، لأن الزكاة لا تعطى لكافر، للحديث: "تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم" بل تعطى لمن أسلم فعلاً.

        وقال الحنابلة: يجوز الإعطاء من الزكاة للمؤلف مسلماً كان أو كافراً.

        فالمؤلفة قلوبهم ضربان: كفار ومسلمون، وهم جميعاً السادة المطاعون في قومهم وعشائرهم.

        ثم المسلمون منهم فجعلهم أربعة أضرب :

        1- سادة مطاعون في قومهم أسلموا ونيتهم ضعيفة فيعطون تثبيتاً لهم.

        2- قوم لهم شرف ورياسة أسلموا ويعطون لترغيب نظرائهم من الكفار ليسلموا.

        3- صنف يراد بتألفهم أن يجاهدوا من يليهم من الكفار، ويحموا من يليهم من المسلمين.

        4- صنف يراد بإعطائهم من الزكاة أن يجبوا الزكاة ممن لا يعطيها.

        ثم الكفار ضريان:

        1- من يرجى إسلامه فيعطى لتميل نفسه إلى الإسلام.

        2- من يخشى شره ويرجى بعطيته كف شره وكف غيره معه.

        الصنف الخامس: في الرقاب:

        وهم ثلاثة أضرب:

        الأول: المكاتبون المسلمون.

        ذهب الجمهور إلى جواز الصرف من الزكاة إليهم، إعانة لهم على فك رقابهم.

        وذهب مالك إلى عدم جواز ذلك، كما لم يجز صرف شيء من الزكاة في إعتاق من انعقد له سبب حرية بغير الكتابة، كالتدبير والاستيلاء والتبعيض.

        فعلى قول الجمهور: إنما يعان المكاتب إن لم يكن قادراً على الأداء لبعض ما وجب عليه، فإن كان لا يجد شيئاً أصلاً دفع إليه جميع ما يحتاج إليه للوفاء.

        الثاني: إعتاق الرقيق المسلم.

         وقد ذهب المالكية وأحمد في رواية إلى جواز الصرف من الزكاة، وعليه فإن كانت الزكاة بيد الإمام أو الساعي جاز له أن يشتري رقبة أو رقاباً فيعتقهم، وولاؤهم للمسلمين.

        وذهب الحنفية والشافعية وأحمد في رواية أخرى إلى أنه لا يعتق من الزكاة، لأن ذلك كدفع الزكاة إلى القنّ، والقن لا تدفع إليه الزكاة، ولأنه دفع إلى السيد في الحقيقة.

        وقال الحنفية: لأن العتق إسقاط ملك، وليس بتمليك، لكن إن أعان من زكاته في إعتاق رقبة جاز عند أصحاب هذا القول من الحنابلة.

        الثالث: أن يفتدي بالزكاة أسيراً مسلماً من أيدي المشركين.

        وقد صرح الحنابلة بجواز هذا النوع، لأنه فك رقبة من الأسر، فيدخل في الآية بل هو أولى من فك رقبة من بأيدينا.

        وصرح المالكية بمنعه.

        الصنف السادس: الغارمون:

        والغارمون المستحقون للزكاة ثلاثة أضرب:

        الضرب الأول:

        من كان عليه دين لمصلحة نفسه.

        وهذا متفق عليه من حيث الجملة، ويشترط لإعطائه من الزكاة ما يلي :

        1- أن يكون مسلماً.

        2- أن لا يكون من آل البيت، وعند الحنابلة قول: بجواز إعطاء مدين آل البيت منها.

        3- واشترط المالكية أن لا يكون قد استدان ليأخذ من الزكاة، كأن يكون عنده ما يكفيه وتوسع في الإنفاق بالدين لأجل أن يأخذ منها، بخلاف فقير استدان للضرورة ناوياً الأخذ منها.

4- وصرح المالكية بأنه يشترط أن يكون الدين مما يحبس فيه، فيدخل فيه دين الولد على والده، والدين على المعسر، وخرج دين الكفارات والزكاة.

        5- أن لا يكون دينه في معصية، وهذا عند المالكية والشافعية والحنابلة، كأن يكون بسبب خمر، أو قمار، أو زنى، لكن إن تاب يجوز الدفع إليه، وعد الشافعية الإسراف في النفقة من باب المعصية التي تمنع الإعطاء من الزكاة.

        6- أن يكون الدين حالاً، صرح بهذا الشرط الشافعية، قالوا : إن كان الدين مؤجلاً، إن كان الأجل تلك السنة أعطي، وإلا فلا يعطى من صدقات تلك السنة.

        7- أن لا يكون قادراً على السداد من مال عنده زكوي أو غير زكوي زائد عن كفايته، فلو كان له دار يسكنها تساوي مائة وعليه مائة، وتكفيه دار بخمسين فلا يعطى حتى تباع، ويدفع الزائد في دينه على ما صرح به المالكية، ولو وجد ما يقضي به بعض الدين أعطي البقية فقط، وإن كان قادراً على وفاء الدين بعد زمن بالاكتساب، فعند الشافعية قولان في جواز إعطائه منها.

        الضرب الثاني : الغارم لإصلاح ذات البين :

        فمذهب الشافعية والحنابلة إلى أن هذا النوع من الغارمين يعطى من الزكاة سواء كان غنياً أو فقيراً، لأنه لو اشترط الفقر فيه لقلت الرغبة في هذه المكرمة، وصورتها أن يكون بين قبيلتين أو حيين فتنة، يكون فيها قتل نفس أو إتلاف مال، فيتحمله لأجل الإصلاح بينهم، فيعطى من الزكاة لتسديد حمالته.

        وقيد الحنابلة الإعطاء بما قبل الأداء الفعلي، ما لم يكن أدى الحمالة من دين استدانة، لأن الغرم يبقى.

        وقال الحنفية : لا يعطى المتحمل من الزكاة إلا إن كان لا يملك نصاباً فاضلاً عن دينه كغيره من المدينين.

        الضرب الثالث : الغارم بسبب دين ضمان وهذا الضرب ذكره الشافعية، والمعتبر في ذلك أن يكون كل من الضامن والمضمون عنه معسرين، فإن كان أحدهما موسراً ففي إعطائه الضامن من الزكاة خلاف عندهم.

        الدين على الميت :

        قال الجمهور : إن مات المدين ولا وفاء في تركته لم يجز سداد دينه من الزكاة.

        وقال المالكية : يوفى دينه منها ولو مات، وهو أحق بالقضاء لليأس من إمكان القضاء عنه.

        الصنف السابع : في سبيل الله :

        وهذا الصنف ثلاثة أضرب :

        الضرب الأول : الغزاة في سبيل الله تعالى، والذين ليس لهم نصيب في الديوان، بل هم متطوعون للجهاد. وهذا الضرب متفق عليه عند الفقهاء من حيث الجملة، فيجوز إعطاؤهم من الزكاة قدر ما يتجهزون به للغزو من مركب وسلاح ونفقة وسائر ما يحتاج إليه الغازي لغزوه مدة الغزو وإن طالت.

        ولا يشترط عند الجمهور في الغازي أن يكون فقيراً، بل يجوز إعطاء الغني لذلك، لأنه لا يأخذ لمصلحة نفسه، بل لحاجة عامة المسلمين، فلم يشترط فيه الفقر.

        وقال الحنفية : إن كان الغازي غنياً، وهو من يملك خمسين درهماً أو قيمتها من الذهب كما تقدم في صنف الفقراء فلا يعطى من الزكاة، وإلا فيعطى، وإن كان كابساً، لأن الكسب يقعده عن الجهاد.

        وصرح المالكية بأنه يشترط في الغازي أن يكون ممن يجب عليه الجهاد، لكونه مسلماً ذكراً بالغاً قادراً، وأنه يشترط أن يكون من غير آل البيت.

        وأما جنود الجيش الذين لهم نصيب في الديوان فلا يعطون من الزكاة، وفي أحد قولين عند الشافعية : إن امتنع إعطاؤهم من بيت المال لضعفه، يجوز إعطاؤهم من الزكاة.

        الضرب الثاني : مصالح الحرب :

        وهذا الضرب ذكره المالكية، فالصحيح عندهم أنه يجوز الصرف من الزكاة في مصالح الجهاد الأخرى غير إعطاء الغزاة، نحو بناء أسوار للبلد لحفظها من غزو العدو، ونحو بناء المراكب الحربية، وإعطاء جاسوس لنا على العدو، مسلماً كان أو كافراً.

        وأجاز بعض الشافعية أن يشتري من الزكاة السلاح وآلات الحرب وتجعل وقفاً يستعملها الغزاة ثم يردونها، ولم يجزه الحنابلة.

        وظاهر صنيع سائر الفقهاء - إذ قصروا سهم سبيل الله على الغزاة، أو الغزاة والحجاج، أنه لا يجوز الصرف منه في هذا الضرب، ووجهه أنه لا تمليك فيه، أو فيه تمليك لغير أهل الزكاة، أو كما قال أحمد : لأنه لم يؤت الزكاة لأحد، وهو مأمور بإيتائها.

        الضرب الثالث : الحجاج :

        ذهب جمهور العلماء (الحنفية والمالكية والشافعية) ورواية عن أحمد إلى أنه لا يجوز الصرف في الحج من الزكاة لأن سبيل الله في آية مصارف الزكاة مطلق، وهو عند الإطلاق ينصرف إلى الجهاد في سبيل الله تعالى، لأن الأكثر مما ورد ذكره في كتاب الله تعالى قصد به الجهاد، فتحمل الآية عليه.

        وذهب أحمد في رواية، إلى أن الحج في سبيل الله فيصرف فيه الزكاة، لما روي أن رجلاً جعل ناقته في سبيل الله، فأرادت امرأته أن تحج، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : "فهلا خرجت عليه فإن الحج من سبيل الله"رواه أبو داود.

        فعلى هذا القول لا يعطى من الزكاة من كان له مال يحج به سواها، ولا يعطى إلا لحج الفريضة خاصة.

        وفي قول عند الحنابلة : يجوز حتى في حج التطوع.