من هم الذين لا تجوز الصلاة خلفهم

من هو الإمام الذي لا تجوز الصلاة خلفه - من لا تجوز إمامته و الصلاة وراءه

من هم الذين لا تجوز الصلاة خلفهم

شروط من يقتدى به:

لا بد فيمن يكون إماما أن تتوفر فيه شروط معينة ونلخصها في الأمور التالية:

1 - أن لا يعلم المقتدي بطلان صلاة إمامه أو يعتقد ذلك: مثاله: أن يجتهد اثنان في جهة القبلة فاعتقد كل منهما أن القبلة في جهة غير التي اعتقدها الآخر، فلا يجوز أن يقتدي أحدهما بالآخر.

2 - أن لا يكون أميا، والمقتدي قارئ: والمقصود بالأمي هنا من لا يتقن قراءة الفاتحة بحيث يخل بقراءتها إخلالا يفوت حرفا أو شدة أو نحو ذلك. فإن كان المقتدي مثله جاز اقتداء كل منهما بالآخر.

3 - أن لا يكون امرأة، والمقتدي رجل: فإن كان المقتدي أيضا امرأة جاز اقتداء كل منهما بالآخر لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تؤمن امرأة رجلا" (رواه ابن ماجه).

من الصفات التي يستحب أن يتحلى بها الإمام:

يجدر أن يكون إمام القوم أفقههم، وأقرأهم، وأصلحهم، وأسنهم.

ومهما تحققت هذه الصفات في الإمام كانت الصلاة خلفه أفضل وكان الثواب بذلك أرجى.

روى مسلم عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا".

واعلم أنه لا يجوز اقتداء المتوضئ بالمتيمم وبماسح الخف، والقائم بالقاعد، والبالغ بالصبي، والحر بالعبد، والصحيح بالمسلس، والمؤدي بالقاضي، والمفترض بالمتنفل وبالعكس.

من لا تصح إمامته

الخنثى المشكل

 [ ولـ ابن ماجة من حديث جابر رضي الله عنه: ( ولا تؤمن امرأة رجلا، ولا أعرابي مهاجرا، ولا فاجر مؤمنا )، وإسناده واه].
بعد أن بين المؤلف رحمه الله تعالى الممنوع من الإمامة في أمور مخصوصة، كالرجل في سلطانه، والرجل في بيته جاء بمن لا تصح إمامته بصفة عامة، لا بمن هو مخصوص بوصف معين، فقال: (ولا تؤمن امرأة رجلا)، وأي امرأة؟ لقد أطلقت، وأي الرجال؟ لقد أطلق، كأنه يقول: لا تصح إمامة المرأة للرجال، وقيد (رجلا) يخرج النساء، فما قال: ولا تؤمن امرأة في الصلاة فإذا أمت المرأة امرأة، أو أمت المرأة صبيا فكل ذلك جائز.
والخنثى المشكل هو إنسان اجتمعت له آلتا الذكورة والأنوثة معا، ولكن قد تكون فيه علامات الذكورة أوضح، بأن يبلغ بالاحتلام كما يبلغ الرجال، فتنبت له لحية، أو تكون فيه علامات الأنوثة أوضح، بأن يحيض كما تحيض المرأة، ولا يمني كما يمني الرجل، فإذا التبس وحصل هذا وهذا فبابه طويل ومشكل كما يقال.
فإذا وجد خنثى مشكل قالوا: إذا كان مشكلا فلا تؤمنه المرأة مخافة أن يكون رجلا.
فالمرأة تؤم النسوة، ونجد الشارح لهذا الكتاب يذكر عن الطبري وعن غيره أن المرأة لها أن تؤم الرجال في التراويح إذا لم يوجد قارئ إلا هي، وهذا مخالف لعمومات الشرع.
فهل ستقرأ سرا أم جهرا؟ فإن قرأت جهرا فمشكل، وإن قرأت سرا تركت السنة، فالأولى كما قال الآخرون: أخروهن حيث أخرهن الله.
وعلى هذا لا تؤم المرأة رجلا، وإذا كان زوجها، وهي متعلمة وقارئة، وهو غير قارئ فإنها لا تؤمه؛ تؤمنه، فركوعها وسجودها في الصلاة أمامه ربما شغله وأفسد عليه صلاته.
المرأة لا تؤم الرجل، وما قيل من جواز ذلك فهو خارج عن نطاق مذاهب الأئمة الأربعة، ويكفينا ما عليه أئمة المذاهب رحمهم الله.

إمامة الأعرابي بالمهاجر

قال: (ولا أعرابي مهاجرا) الأعرابي: واحد الأعراب، و(الأعراب) مرادف البادية والبوادي، والبدوي: هو من تبدى في الخلاء، والأعراب يقابلهم الحضر، فإذا كان شخص أعرابيا -أي: يعيش مع الأعراب في الخلاء بعيدا عن المدن- وحياته حياة الأعراب مع الإبل والغنم في المرعى، وعلى تلك الحياة المعروفة.
فإذا كان هناك حضري وأعرابي فهل يؤم الأعرابي الحضري؟ الحديث هنا -وإن كان سنده ضعيف جدا معناه العام يؤخذ منه أن الغالب على حالة الأعراب أنهم غير فقهاء في الدين، قال تعالى: { الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله } [التوبة:97]، فالغالب على الأعراب عدم الفقه في الدين، وعدم معرفة أحكام الصلاة، والغالب على المدني الذي يعيش في المدن أن يفهم ويحفظ، وإن لم يفهم ويحفظ فسيرى وينظر ويأخذ من الناس.
فالحضري أسرع إلى فقه الإسلام، وأسرع إلى معرفة أحكام الصلاة من الأعرابي.
وهناك قصة تعطي صورة عن بعض الأعراب، وتحمل طلبة العلم ثقل مسئولية تعليم الناس، خاصة الأعراب والبوادي، وأعجب كل العجب -ولا ينتهي العجب- من أولئك الأشخاص الذين يتبعون بعض الجماعات، ويسافرون خارج بلادهم، ويسافرون مئات الأميال، ويقولون: ندعو الناس إلى الله وبجوارهم أهلهم وبنوا جلدتهم -وقد يكونون من أقرب الناس إليهم نسبا- في البادية يجهلون أحكام الصلاة.
فكيف نذهب إلى الأقطار النائية ونتغرب ونترك أبناءنا وأهلينا وأموالنا، ونذهب باسم الدعوة إلى الله، ونترك من خلفنا أناسا من بني جلدتنا يجهلون أحكام دينهم؟! وفي مرة كنا في الرياض في أحد النوادي، وكان هناك برنامج سؤال وجواب، وكان هناك تحفز لتعلم اللغة الإنجليزية في المعهد الديني، فقال صاحب البرنامج: إن هذا التعلم له مجال آخر، وإذا فرض في الدراسة في المعاهد الدينية سيقوم على حساب الدين؛ لأن اللغة الإنجليزية لا تكفيها حصة ولا حصتان ولا أربع في الأسبوع، فنحن ندرس اللغة العربية في أربع حصص في الأسبوع، -مع أننا ننطق بها- ولا نجيدها، فإذا ما أخذنا الإنجليزية بجانب الفقه والتوحيد والحديث والتفسير ستزاحمها في الوقت، وتزاحمها في المذاكرة، ويضعف الطالب في تحصيل العلوم الدينية، وليكن ذلك في العطلة، ويكون الطالب مخيرا، فقالوا: نريد أن نتعلم اللغة لندعو بها غير المسلمين.
وكان الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله تعالى علينا وعليه حاضرا، فقدم توجيهات رحمة الله تعالى علينا وعليه.
ومن أحسن ما قدم تعليما للأساتذة لا للطلاب أن قال: وقد ألقى شخص قصيدة يهجو فيها حالقي اللحى -ليس هذا بأسلوب حسن في الدعوة إلى الله، هذا تشهير وليس دعوة، إنما الدعوة تكون سرا، وتكون بالمعروف، لا جهرا، فكان عليه أن يأتي إلى الأشخاص المعنيين، وأن يخاطبهم فيما بينه وبينهم.
فتعلم الأساتذة كيف يدعون إلى الله غيرهم، ثم قال: سمعنا بأن بعض الطلاب يريدون أن يتعلموا الإنجليزية من أجل الدعوة إلى الله بهذه اللغة خارج البلاد، وهذا أمر عجيب، فهل اكتفينا بتعليم أنفسنا ومن ينطق بلغتنا؟ وقال: هذه البوادي، وهؤلاء الأعراب، وهذه الدويلات من حولنا هل عممنا الدعوة فيها وانتهينا من تعليم أهلها دين الإسلام والعقيدة والفقه، حتى ننتقل إلى من لم ينطق باللغة العربية لنعلمه؟! ونحن الآن نقول: إن من الأعراب من هو في حاجة إلى تعليم سورة الفاتحة، وقد حدث أن كنا في الأحساء، فدعانا إبراهيم المهنا -رحمة الله تعالى علينا وعليه- لشرب الشاي بعد العصر في بستانه، ثم صلينا المغرب في مسجده، وكان المسجد على الطريق، فصلى بنا مدرس التجويد وهو قارئ متقن، وانتهينا من الصلاة، والمستعجل صلى النافلة ومضى إلى محل الضيافة، ولفت نظري مجيء أربعة من البادية، يحمل كل واحد حاجته على كتفه، فجاءوا بسرعة وبحركة سريعة، فألقوا أمتعتهم في مؤخرة المسجد، وتقدم واحد منهم يصلي بهم، ففرحت لحرص هؤلاء الأعراب على أداء الصلاة جماعة في المسجد، فقد قدموا واحدا منهم يصلي بهم، وهذا شيء حسن، فجعلت أنظر، فقرأ الفاتحة وأخل فيها إخلالا شديدا، وبعد الفاتحة قرأ بهذا اللفظ: (قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم عابدون والله عابد، والله غفور رحيم).
فهذا شيء يبكي، فأخذتني الحسرة في نفسي، وقلت: منذ كم يصلي هذا بهذه القراءة؟ وهذا إمامهم فكيف بغيره؟! فلما انتظرت فطن، وكان فطنا ذكيا جدا، ثم قام في الركعة الثانية، وقرأ الفاتحة و(قل هو الله أحد)، أحسن من الأولى، فلما سلم -وكان بيني وبينه حوالي عشرة أمتار- قال: أعلمني هل رأيت شيئا مريبا؟ قلت له: إي والله لقد رأيت شيئا مريبا.
قال: وما هو؟ قلت: اقرأ.
فجاء هو وأصحابه وجلسوا، فقلت: ماذا قرأت في الصلاة؟ قال: الحمد، قلت: اقرأها، فقرأها فعدلت له بعضا منها.
قلت: والتي بعدها، قال: الكافرون.
قلت: اقرأها، فقرأها كما قرأها في الصلاة.
قلت: على رسلك هات يدك، وعقد بأصابعه فقرأ: لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم، ثم قال: والله غفور.
قلت له: قف.
ليست هذه فيها، فهذه في سورة ثانية وليست في هذه، وهذه فيها: { لكم دينكم ولي دين } [الكافرون:6]، قال: (والله غفور رحيم) أين؟ قلت له: في سورة أخرى.
قال: أعطنيها.
فقرأت عليه سورة الكافرون.
قال: أعدها فرددتها عليه مرة أخرى فقال: خذها.
فقرأها كما سمعها، قال: أعطنا سورة أخرى.
فقرأت عليه: (قل هو الله أحد)، فقال: هي عندي قلت: اقرأها.
فقرأها، فقلت له: خذها، فأعدتها عليه، وأعادها هو مرة أخرى، قال: أعطني سورة أخرى ثم فأعطيته من قصار السور، فقال: أعدها.
فأعدتها عليه، فأخذها كما سمعها، فقلت: واحدة.
قال: لا يكفيني قلت: صدقت، إذا رجعت إلى بلدكم فابحث عن إمامكم أو قارئكم، واجعله يقرأ عليك وتسمع منه ويعلمك.
فإذا كان هذا يوجد في أطراف المدن فما بالك بمن لا يأتي المدن! وقد سمعنا في (جبل رضوة) ما هو أكثر من ذلك.
فالأعراب في حاجة إلى من يعلمهم الدين، فإذا كان في الناس شباب متحمس، وعنده استطاعة، ومستعد أن يذهب ليعلم ويدعو إلى الله فهذا أمر طيب، وليبدأ بأولئك الذين هم أولى بهذه الدعوة من غيرهم؛ لأن جارك أولى بك.
فقوله: (لا يؤمن أعرابي مهاجرا -أو حضريا كما في بعض الروايات-)؛ لأن الغالب على المهاجر -وقد هاجر إلى لله ورسوله- الفقه في دينه، وهكذا الحضري الغالب عليه أنه يفقه دينه أكثر من الأعرابي.
قال: (ولا فاجر مؤمنا)، أي: يؤم فاجر مؤمنا وقابل الفاجر بالمؤمن، ولم يقابله بالمسلم؛ لأن الفاجر مسلم من عموم المسلمين استسلم لأمر الله، ولكنه التزم بالأعمال الظاهرة، وتكاليف الإسلام كلها أعمال ظاهرة، فالنطق بالشهادتين وإقامة الصلاة وإخراج الزكاة والصوم، ورحلة الحج، كل هذه أعمال ظاهرة يراها الناس، أما الإيمان فهو بين العبد وربه؛ لأنه اعتقاد في القلب.
فالحديث يقابل بين الفاجر والمؤمن، وبإجماع المسلمين أن الإيمان أعلى درجة من الإسلام، والمراتب ثلاث، كما في الحديث: (أخبرني عن الإسلام -أخبرني عن الإيمان- أخبرني عن الإحسان)، فالإيمان درجة وسط بين الإسلام الذي هو أعمال ظاهرة، وبين الإحسان الذي هو إتقان العمل فيما بين العبد وربه في جميع حالاته، كما في الحديث: ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ).

الصلاة خلف السلطان الفاجر ومن نصبه إماما وهو فاجر

إذا جئنا لمعنى (الفاجر)، فنقول: سمي الصبح فجرا لأن ضوء النهار ينفجر من بين ظلمة الليل، وقال تعالى: { وفجرنا الأرض عيونا } [القمر:12]، فكذلك الفاجر، كأنه يخرج من خفي الأمر إلى ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، وقالوا: هو المصر، أو الملازم، أو المجاهر بالكبائر والعصيان وعدم التوبة.
فإذا كان الشخص بهذه المثابة فهل نقدمه وافدا لنا بين يدي الله فإذا رده ردنا معه؟ فلا ينبغي لمثل هذا أن يؤم غيره من المؤمنين، ولو كان أقرأهم وأفقههم، فلا يؤمن مؤمنا أي: سليما من هذه الصفة، ولكن لو كان إماما راتبا، أو كان سلطانا واليا، وله حق السلطة، وله حق الإمامة وبالقوة، ماذا يفعل الناس؟ أيصلون خلفه سمعا وطاعة، أم يتركون الصلاة خلفه ليقع العصيان وشق العصا؟ والجواب: يصلون خلفه، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يا أبا ذر ! إنه سيكون عليكم أئمة يميتون الصلاة -وفي بعض الروايات: يؤخرون الصلاة- فإن أدركتموهم فصلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة ).
فإذا كان هناك سلطان جائر -عياذا بالله- وألزم الناس بالصلاة خلفه، أو ألزم الناس بإمام، وإن امتنعوا عن الصلاة خلفه قد تقع فتن فإنه يصلي خلفه، وقد عاصرنا ذلك في بعض دول أفريقيا حينما امتنعت السلطة عن إقامة إمام فقيه عالم حر الكلمة والاتجاه، وجاءوا بشخص إمعة، كلما طلب منه شيء نسبي، وهذا أحب إليهم، وألزموا الناس بصلاة الجماعة والجمعة خلفه، وقد حوصر المسجد بالمصفحات والدبابات لإقامة الصلاة بالقوة، مع أنه لا يجوز أن تصل الأمور إلى هذا الحد.
وقد قال بعض العامة: نعطيهم صلاتهم، ونعطي ربنا صلاته في أول الوقت.
فإذا ابتلي الناس بمثل هذا ولا يمكن تغييره، وكان الخيار بين أحد أمرين: إما أن يصلى خلفه طاعة، وإما أن تقع الفتنة، وما أضر على المسلمين من الحروب الداخلية، والفتنة بين الراعي والرعية، أو بين بعض الطوائف، وهذا كله بعيد عن تعاليم الإسلام.
قالوا: قال صلى الله عليه وسلم: ( صلوا الصلاة لوقتها )، لأنكم أمرتم بذلك، فإذا جاء إمامكم وصلى، وحضرتم فصلوا معه، وقد جاء في الأثر: ( صلوا خلف كل بر وفاجر، وصلوا على كل بر وفاجر )، فإذا مات فاجر أنقول هذا فاجر لا نصلي عليه ولا نجهزه؟ بل نجهزه ونصلي عليه؛ لأنه له حقا علينا في ذلك، وكذلك إذا أم فيجوز أن نصلي وراءه.
ويقول بعض العلماء: لقد ثبت عن العديد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاتهم خلف أمراء السوء أو أمراء الظلم، ولا حاجة لتسمية أحد في هذا المقام.
فلا يؤمن فاجر مؤمنا، والنصوص العامة تؤيد هذا، ولكن بشرط ألا يكون إماما راتبا ولاه ولي المسلمين، وألا يكون هو بنفسه الوالي والسلطان، لئلا تكون فتنة.

شرح بلوغ المرام للشيخ عطية محمد سالم رحمه الله تعالى