تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 236 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 236  {الۤر تِلْكَ ءايَاتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ * إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ * إِذْ قَالَ يُوسُفُ لاًّبِيهِ يٰأَبتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ * قَالَ يٰبُنَىَّ لاَ تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لِلإِنْسَـٰنِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلاٌّحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ ءالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْحَـٰقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءايَـٰتٌ لِّلسَّآئِلِينَ * إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ * ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَـٰلِحِينَ * قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِى غَيَابَةِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَـٰعِلِينَ * قَالُواْ يَـٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَـٰصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ * قَالَ إِنِّى لَيَحْزُنُنِىۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَـٰفِلُونَ * قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَا لَّخَـٰسِرُونَ}
قوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لاًّبِيهِ يٰأَبتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ}.
لم يبين هنا تأويل هذه الرؤيا، ولكنه بينه في هذه السورة الكريمة في قوله: {فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَوَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَـٰىۤ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّ}.
ومن المعلوم أن رؤيا الأنبياء وحي. قوله تعالى: {وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلاٌّحَادِيثِ}. بين الله جل وعلا أنه علم نبيه يوسف من تأويل الأحاديث، وصرح بذلك أيضاً في قوله: {وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى ٱلاٌّرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلاٌّحَادِيثِ}.
وقوله: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِى مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ ٱلاٌّحَادِيثِ}.
واختلف العلماء في المراد بتأويل الأحاديث.
فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المراد بذلك: تعبير الرؤيا، فالأحاديث على هذا القول هي الرؤيا، قالوا: لأنها إما حديث نفس أو ملك أو شيطان.
وكان يوسف أعبر الناس للرؤيا. ويدل لهذا الوجه الآيات الدالة على خبرته بتأويل الرؤيا، كقوله: {يٰصَاحِبَىِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا ٱلاٌّخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِىَ ٱلاٌّمْرُ ٱلَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} وقوله:
{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنبُلِهِ} إلى قوله: {يَعْصِرُونَ}.
وقال بعض العلماء: المراد بتأويل الأحاديث معرفة معاني كتب الله وسنن الأنبياء، وما غمض وما اشتبه على الناس من أغراضها ومقاصدها، يفسرها لهم ويشرحها، ويدلهم على مودعات حكمها.
وسميت أحاديث، لأنها يحدث بها عن الله ورسله، فيقال: قال الله كذا، وقال رسوله كذا، ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}.
وقوله: {ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ}.
ويدل لهذا الوجه قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمً} وقوله: {قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِى رَبِّىۤ}.
قال مقيده عفا الله عنه:
الظاهر أن الآيات المذكورة تشمل ذلك كله من تأويل الرؤيا، وعلوم كتب الله وسنن الأنبياء ـ والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: {إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ}. الظاهر أن مراد أولاد يعقوب بهذا الضلال الذي وصفوا به أباهم ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في هذه الآية الكريمة ـ إنما هو الذهاب عن علم حقيقة الأمر كما ينبغي.
ويدل لهذا ورود الضلال بهذا المعنى في القرآن وفي كلام العرب. فمنه بهذا المعنى قوله تعالى عنهم مخاطبين أباهم: {قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِى ضَلَـٰلِكَ ٱلْقَدِيمِ} وقوله تعالى في نبينا صلى الله عليه وسلم: {وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ} أي لست عالماً بهذه العلوم التي لا تعرف إلا بالوحي، فهداك إليها وعلمكم بما أوحي إليك من هذا القرآن العظيم. ومنه بهذا المعنى قول الشاعر: وتظن سلمى أنني أبغي بها بدلا أراها في الضلال تهيم

يعني: أنها غير عالمة بالحقيقة في ظنها أنه يبغي بها بدلاً وهو لا يبغي بها بدلاً.
وليس مراد أولاد يعقوب الضلال في الدين، إذ لو أرادوا ذلك لكانوا كفاراً، وإنما مرادهم أن أباهم في زعمهم في ذهاب عن إدراك الحقيقة، وإنزال الأمر منزلته اللائقة به، حيث آثر اثنين على عشرة، مع أن العشرة أكثر نفعاً له، وأقدر على القيام بشؤونه وتدبير أموره.
واعلم أن الضلال أطلق في القرآن إطلاقين آخرين:
أحدهما ـ الضلال في الدين، أي الذهاب عن طريق الحق التي جاءت بها الرسل صلوات الله عليهم وسلامه. وهذا أشهر معانيه في القرآن. ومنه بهذا المعنى {غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ} وقوله: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلاٌّوَّلِينَ}، وقوله: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِير} إلى غير ذلك من الآيات.
الثاني ـ إطلاق الضلال بمعنى الهلاك والغيبة. من قول العرب: ضل السمن في الطعام، إذا غاب فيه وهلك فيه، ولذلك تسمي العرب الدفن إضلالاً. لأنه تغيب في الأرض يؤول إلى استهلاك عظام الميت فيها، لأنها تصير رميماً وتمتزج بالأرض. ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: {وَقَالُوۤاْ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِى ٱلاٌّرْضِ}.
ومن إطلاق الضلال على الغيبة قوله تعالى: {قَبْلِكَ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ} أي غاب وٱضمحل.
ومن إطلاق الضلال على الدفن قول نابغة ذبيان: فآب مضلوه بعين جلية وغودر بالجولان حزم ونائل

فقوله: مضلوه، يعني دافنيه. وقوله: بعين جلية، أي بخبر يقين. والجولان: جبل دفن عنده المذكور.
ومن الضلال بمعنى الغيبة والاضمحلال قول الأخطل: كنت القذى في موج أكدر مزبد قذف الأتى به فضل ضلالا

وقول الآخر: ألم تسأل فتخبرك الديار عن الحي المضلل أين سارو