تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 4 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 4

 {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ ظاهر هذه الآية أن المنافقين متصفون بالصمم ، والبكم ، والعمى . ولكنه تعالىٰ بيّن في موضع آخر أن معنى صممهم ، وبكمهم ، وعماهم ، هو عدم انتفاعهم بأسماعهم ، وقلوبهم ، وأبصارهم وذلك في قوله جلّ وعلا : {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَـٰراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَـٰرُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مّن شَىْء إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِـئَايَـٰتِ} . وقوله تعالىٰ :
{أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَـٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْـٰبِعَهُمْ فِىۤ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وَٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكـٰفِرِينَ }.
أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ الصيِّب : المطر ، وقد ضرب اللَّه في هذه الآية مثلاً لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم بالمطر ؛ لأن بالعلم والهدى حياة الأرواح ، كما أن بالمطر حياة الأجسام .
وأشار إلى وجه ضرب هذا المثل بقوله جلّ وعلا : {وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ وَٱلَّذِى خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدً} .
وقد أوضح صلى الله عليه وسلم هذا المثل المشار إليه في الآيتين في حديث أبي موسى المتفق عليه ، حيث قال صلى الله عليه وسلم : « إن مثل ما بعثني اللَّه به من الهدى والعلم ، كمثل غيث أصاب أرضًا . فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع اللَّه بها الناس فشربوا منها ، وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تُنْبتُ كلأً . فذلك مثل من فقه في دين اللَّه ونفعه اللَّه بما بعثني به ، فعلم وعلّم ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ، ولم يقبل هدى اللَّه الذي أرسلت به » .
{فِيهِ ظُلُمَـٰتٌ} ضرب اللَّه تعالىٰ في هذه الآية الْمثل لما يعتري الكفار والمنافقين من الشبه والشكوك في القرءان ، بظلمات المطر المضروب مثلاً للقرءان ، وبيّن بعض المواضع التي هي كالظلمة عليهم لأنها تزيدهم عمى في آيات أخر لقوله : {وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِل} ؛ لأن نسخ القبلة يظن بسببه ضعاف اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم ، ليس على يقين من أمره حيث يستقبل يومًا جهة ، ويومًا آخر جهة أخرى ، كما قال تعالىٰ : {سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَاء مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّـٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِى كَانُواْ عَلَيْهَ} .
وصرح تعالىٰ بأن نسخ القبلة كبير على غير من هداه اللَّه وقوّى يقينه ، بقوله : {وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ} ، وكقوله تعالىٰ : {وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءيَا ٱلَّتِى أَرَيْنَـٰكَ إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِى ٱلْقُرْءانَ} ، لأن ما رآه ليلة الإسراء والمعراج من الغرائب والعجائب كان سببًا لاعتقاد الكفار أنه صلى الله عليه وسلم كاذب ؛ لزعمهم أن هذا الذي أخبر به لا يمكن وقوعه . فهو سبب لزيادة الضالين ضلالاً . وكذلك الشجرة الملعونة في القرءان التي هي شجرة الزقوم . فهي سبب أيضًا لزيادة ضلال الضالين منهم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ : {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِى أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ} ، قالوا : ظهر كذبه ؛ لأن الشجر لا ينبت في الأرض اليابسة فكيف ينبت في أصل النار؟
وكقوله تعالىٰ : {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُو} ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما قرأ قوله تعالىٰ : {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} .
قال بعض رجال قريش : هذا عدد قليل فنحن قادرون على قتلهم ، واحتلال الجنة بالقوة ؛ لقلة القائمين على النار التي يزعم محمّد صلى الله عليه وسلم أنّا سندخلها .
واللَّه تعالىٰ إنما يفعل ذلك اختبارًا وابتلاءً ،
وله الحكمة البالغة في ذلك كله سبحانه وتعالىٰ عما يقولون علوًّا كبيرًا . {وَرَعْدٌ} ضرب اللَّه المثل بالرعد لما في القرءان من الزواجر التي تقرع الآذان وتزعج القلوب . وذكر بعضًا منها في آيات أخر كقوله : {فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَـٰعِقَةً} ، وكقوله : {مّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَ} ، وكقوله : {إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} .
وقد ثبت في صحيح البخاري في تفسير سورة الطور من حديث جبير بن مطعم رضي اللَّه عنه أنه قال : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، يقرأ في المغرب بالطور . فلما بلغ هذه الآية {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْء أَمْ هُمُ ٱلْخَـٰلِقُونَ} ــ إلى قوله ــ { الْمُصَيْطِرُونَ} ، كاد قلبي أن يطير . إلى غير ذلك من قوارع القرءان وزواجره ، التي خوفت المنافقين حتى قال اللَّه تعالىٰ فيهم : {مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ} ، والآية التي نحن بصددها ، وإن كانت في المنافقين . فالعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب . {وَبَرْقٌ} ضرب تعالىٰ المثل بالبرق ؛ لما في القرءان من نور الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة .
وقد صرح بأن القرءان نور يكشف اللَّه به ظلمات الجهل والشك والشرك . كما تكشف بالنور الحسي ظلمات الدجى كقوله : {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِين} ، وقوله : {وَلَـٰكِن جَعَلْنَـٰهُ نُوراً نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَ} ، وقوله : {وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِى أُنزِلَ مَعَهُ} .
{وَٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكـٰفِرِينَ} ، قال بعض العلماء : {مُحِيطٌ بِٱلْكـٰفِرِينَ} : أي مهلكهم ، ويشهد لهذا القول قوله تعالىٰ : {لَتَأْتُنَّنِى بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} ، أي تهلكوا عن آخركم . وقيل : تغلبوا . والمعنى متقارب ؛ لأن الهالك لا يهلك حتى يحاط به من جميع الجوانب ، ولم يبق له منفذ للسلامة ينفذ منه . وكذلك المغلوب ، ومنه قول الشاعر : أحطنا بهم حتى إذا ما تيقنوا بما قد رأوا مالوا جميعًا إلى السلم

ومنه أيضًا : بمعنى الهلاك . قوله تعالىٰ : {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} . وقوله تعالىٰ : {وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} .
{يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَـٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ }
. يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ أي يكاد نور القرءان لشدة ضوئه يعمي بصائرهم ، كما أن البرق الخاطف الشديد النور يكاد يخطف بصر ناظره ، ولا سيما إذا كان البصر ضعيفًا ؛ لأن البصر كلما كان أضعف كان النور أشد إذهابًا له . كما قال الشاعر : مثل النهار يزيد أبصار الورى نورًا ويعمي أعين الخفاش

وقال الآخر : خفافيش أعماها النهار بضوئه ووافقها قطع من الليل مظلم

وبصائر الكفار والمنافقين في غاية الضعف . فشدة ضوء النور تزيدها عمى . وقد صرح تعالىٰ بهذا العمى في قوله : {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ} ، وقوله : {وَمَا يَسْتَوِى ٱلاْعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ} إلى غير ذلك من الآيات .
وقال بعض العلماء : يكاد البرق يخطف أبصارهم أي : يكاد محكم القرءان يدل على عورات المنافقين . {كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} ضرب الله في هذه الآية المثل للمنافقين بأصحاب هذا المطر إذا أضاء لهم مشوا في ضوئه وإذا أظلم وقفوا كما أن المنافقين إذا كان القرءان موافقًا لهواهم ورغبتهم عملوا به ، كمناكحتهم للمسلمين وإرثهم لهم . والقسم لهم من غنائم المسلمين ، وعصمتهم به من القتل مع كفرهم في الباطن ، وإذا كان غير موافق لهواهم . كبذل الأنفس والأموال في الجهاد في سبيل الله المأمور به فيه وقفوا وتأخروا . وقد أشار تعالىٰ إلى هذا بقوله : {وَإِذَا دُعُواْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} .
وقال بعض العلماء : {كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ} أي : إذا أنعم الله عليهم بالمال والعافية قالوا : هذا الدين حق ما أصابنا منذ تمسكنا به إلا الخير {وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} أي : وإن أصابهم فقر أو مرض أو ولدت لهم البنات دون الذكور . قالوا : ما أصابنا هذا إلا من شؤم هذا الدين وارتدوا عنه . وهذا الوجه يدل له قوله تعالىٰ : {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ} .
وقال بعض العلماء : إضاءته لهم معرفتهم بعض الحق منه وإظلامه عليهم ما يعرض لهم من الشك فيه .
{يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَـٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ * يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أشار في هذه الآية إلى ثلاثة براهين من براهين البعث بعد الموت وبيَّنها مفصلة في آيات أخر .
الأول : خلق الناس أولاً المشار إليه بقوله
{يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لأن الإيجاد الأول أعظم برهان على الإيجاد الثاني ، وقد أوضح ذلك في آيات كثيرة كقوله : {وَهُوَ ٱلَّذِى يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} ، وقوله : {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} ، وكقوله : {فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِى فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} ، وقوله : {قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِى أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} ، وقوله : {أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلاْوَّلِ بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ} ، وكقوله : {يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَـٰكُمْ مّن تُرَابٍ} ، وكقوله : {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلاْولَىٰ} .
ولذا ذكر تعالىٰ أن من أنكر البعث فقد نسي الإيجاد الأول ، كما في قوله : {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِىَ خَلْقَهُ} . وقوله : {وَيَقُولُ ٱلإِنْسَـٰنُ ٱلإِنْسَـٰنُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً * أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَـٰنُ
الدليل بقوله : {فَوَرَبّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ}
إلى غير ذلك من الآيات .
البرهان الثاني : خلق السمٰوات والأرض المشار إليه بقوله
: {ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلاٌّرْضَ فِرَاشاً وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }
ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلاٌّرْضَ فِرَاشاً وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءً
لأنهما من أعظم المخلوقات ، ومن قدر على خلق الأعظم فهو على غيره قادر من باب أحرى . وأوضح اللَّه تعالىٰ هذا البرهان في آيات كثيرة كقوله تعالىٰ : {لَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ} وقوله : {أَوَ لَيْسَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ * بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلَّـٰقُ ٱلْعَلِيمُ}  وقوله :{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ}  وقوله : {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ}  وقوله : {ءأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَاء بَنَـٰهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَ} إلى غير ذلك من الآيات .
البرهان الثالث : إحياء الأرض بعد موتها ؛ فإنه من أعظم الأدلة على البعث بعد الموت ، كما أشار له هنا بقوله : {وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ} وأوضحه في آيات كثيرة كقوله : {وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلاْرْضَ خَـٰشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَاء ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ ٱلَّذِى أَحْيَـٰهَا * فَٱنظُرْ إِلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ}  وقوله : {فَأَحْيَيْنَا بِهِ * بَلْدَةً مَّيْتاً كَذٰلِكَ ٱلْخُرُوجُ} ، يعني : خروجكم من قبوركم أحياء بعد أن كنتم عظامًا رميمًا . وقوله :: {يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيّتَ}  وقوله :: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَـٰهُ لِبَلَدٍ مَّيّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ ٱلْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ} إلى غير ذلك من الآيات .
{وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ }
وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا
لم يصرح هنا باسم هذا العبد الكريم ، صلوات الله وسلامه عليه ، وصرح باسمه في موضع آخر وهو قوله : {وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَءامَنُوا}
{
فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِى وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَـٰفِرِينَ }
فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِى وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ هذه الحجارة قال كثير من العلماء : إنها حجارة من كبريت . وقال بعضهم : إنها الأصنام التي كانوا يعبدونها . وهذا القول يبيّنه ويشهد له قوله تعالىٰ : {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} .