تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 417 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 417


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67

 وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلاٌّدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلاٌّكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}

تقدم شرح هذه الأيه مع الأيات التي في الصفحة السابقة

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِأايَـٰتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ * وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ فَلاَ تَكُن فِى مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَـٰهُ هُدًى لِّبَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ * وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِأايَـٰتِنَا يُوقِنُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَـٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاّيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلاٌّرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَـٰمُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ * قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَـٰنُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَٱنتَظِرْ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ}
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِأايَـٰتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ }. قد قدّمنا الآيات الموضحة له مع بيان الآيات الدالَّة على العواقب السيّئة الناشئة عن الإعراض، عن التذكير بآيات اللَّه في سورة «الكهف»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكّرَ بِـئَايِـٰتِ رَبّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}. {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَاكِنِهِمْ}. قد قدّمنا بعض الآيات الموضحة له في آخر سورة «مريم»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزا}. {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلاٌّرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَـٰمُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ }. قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «طه»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلاْرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مّن نَّبَـٰتٍ شَتَّىٰ}، وقد أوضحنا تفسير الأرض الجرز مع بعض الشواهد العربية في سورة «الكهف»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزا}. {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ * قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَـٰنُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ }. أظهر أقوال أهل العلم عندي هو أن الفتح في هذه الآية الكريمة هو الحكم والقضاء، وقد قدّمنا أن الفتاح: القاضي، وهي لغة حميرية قديمة، والفتاحة: الحكم والقضاء، ومنه قوله:
ألا من مبلغ عمرًا رسولا بأني عن فتاحتكم غني

وقد جاءت آيات تدلّ على أن الفتح الحكم؛ كقوله تعالىٰ عن نبيّه شعيب: {عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَـٰتِحِينَ}،أي: احكم بيننا بالحق، وأنت خير الحاكمين.
وقوله تعالىٰ عن نبيّه نوح: {قَالَ رَبّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ * فَٱفْتَحْ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ فَتْحا}، أي: احكم بيني وبينهم حكمًا. وقوله تعالىٰ: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِٱلْحَقّ وَهُوَ ٱلْفَتَّاحُ ٱلْعَلِيمُ}، وقوله تعالىٰ: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ ٱلْفَتْحُ}، أي: إن تطلبوا الحكم بهلاك الظالم منكم، ومن النبيّ صلى الله عليه وسلم فقد جاءكم الفتح، أي: الحكم بهلاك الظالم وهو هلاكهم يوم بدر؛ كما قاله غير واحد. وقد ذكروا أنهم لما أرادوا الخروج إلى بدر، جاء أبو جهل، وتعلّق بأستار الكعبة، وقال: اللَّهمّ إنا قطان بيتك نسقي الحجيج، ونفعل ونفعل، وإن محمّدًا قطع الرحم وفرّق الجماعة، وعاب الدّين، وشتم الآلهة، وسفّه أحلام الآباء، اللهم أهلك الظالم منّا ومنه، فطلب الحكم على الظالم، فجاءهم الحكم على الظالم فقتلوا ببدر، وصاروا إلى الخلود في النار، إلى غير ذلك من الآيات.
وعلى قول من قال من أهل العلم: إن المراد بالفتح في الآية الحكم والقضاء بينهم يوم القيامة، فلا إشكال في قوله تعالىٰ: {قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِيَمَـٰنُهُمْ}، وعلى القول بأن المراد بالفتح في الآية الحكم بينهم في الدنيا بهلاك الكفّار، كما وقع يوم بدر. فالظاهر أن معنى قوله تعالىٰ: {قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِيَمَـٰنُهُمْ}، أي: إذا عاينوا الموت وشاهدوا القتل، بدليل قوله تعالىٰ: {فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُواْ ءامَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـٰنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَـٰفِرُونَ}، وقوله تعالىٰ: {وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيّئَـٰتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنّى تُبْتُ ٱلاْنَ}، وقوله تعالىٰ في فرعون: {حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءامَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرٰءيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ * ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ}. ولا يخفى أن قول من قال من أهل العلم: إن الفتح في هذه الآية فتح مكّة أنه غير صواب، بدليل قوله تعالىٰ: {قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِيَمَـٰنُهُمْ} ومعلوم أن فتح مكّة لا يمنع انتفاع المؤمن في وقته بإيمانه، كما لا يخفى. {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَٱنتَظِرْ}. جاء معناه موضحًا في آيات أُخر؛ كقوله تعالىٰ: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنّى مَعَكُمْ مّنَ ٱلْمُتَرَبّصِينَ}، ومعلوم أن التربّص هو الانتظار. وقوله تعالىٰ: {قُلِ ٱنتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ}، إلى غير ذلك من الآيات.

تم بحمد الله تفسير سورة السجدة