تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 416 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 416


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67

 {قُلْ يَتَوَفَّـٰكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ * وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لاّتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنْى لاّمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَـٰكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِأايَـٰتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ * فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ * أَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَلَهُمْ جَنَّـٰتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلاٌّدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلاٌّكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}
{قُلْ يَتَوَفَّـٰكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ}. ظاهر هذه الآية الكريمة أن الذي يقبض أرواح الناس ملك واحد معين، وهذا هو المشهور، وقد جاء في بعض الآثار أن اسمه عزرٰئيل.
وقد بيَّن تعالىٰ في آيات أُخر أن الناس تتوفّاهم ملائكة لا ملك واحد؛ كقوله تعالىٰ: {إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ ظَـٰلِمِى أَنفُسِهِمْ}، وقوله تعالىٰ: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَـٰرَهُمْ}، وقوله تعالىٰ: {وَلَوْ تَرَى إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِى غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلَـئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ}، وقوله تعالىٰ: {حَتَّىٰ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرّطُونَ}، إلى غير ذلك من الآيات.
وإيضاح هذا عند أهل العلم: أن الموكل بقبض الأرواح ملك واحد، هو المذكور هنا، ولكن له أعوان يعملون بأمره ينتزعون الروح إلى الحلقوم، فيأخذها ملك الموت، أو يعينونه إعانة غير ذلك.
وقد جاء في حديث البراء بن عازب الطويل المشهور: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكر فيه: «أن ملك الموت إذا أخذ روح الميت أخذها من يده بسرعة ملائكة فصعدوا بها إلى السماء»، وقد بيَّن فيه صلى الله عليه وسلم ما تعامل به روح المؤمن وروح الكافر بعد أخذ الملائكة له من ملك الموت حين يأخذها من البدن، وحديث البراء المذكور صححه غير واحد، وأوضح ابن القيّم في كتاب «الروح»، بطلان تضعيف ابن حزم له.
والحاصل: أن حديث البراء المذكور، دلَّ على أن مع ملك الموت ملائكة أخرين يأخذون من يده الروح، حين يأخذه من بدن الميّت. وأمّا قوله تعالىٰ: {ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلاْنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا}، فلا إشكال فيه؛ لأن الملائكة لا يقدرون أن يتوفّوا أحدًا إلاّ بمشيئته جلَّ وعلا: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَـٰباً مُّؤَجَّلا}.
فتحصل: أن إسناد التوفي إلى ملك الموت في قوله هنا: {قُلْ يَتَوَفَّـٰكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِى وُكّلَ بِكُمْ}، لأنه هو المأمور بقبض الأرواح، وأن إسناده للملائكة في قوله تعالىٰ: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ}، ونحوها من الآيات؛ لأن لملك الموت أعوانًا يعملون بأمره، وأن إسناده إلى اللَّه في قوله تعالىٰ: {ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلاْنفُسَ حِينَ مِوْتِـهاَ}، لأن كل شىء كائنًا ما كان لا يكون إلا بقضاء اللَّه وقدره، والعلم عند اللَّه تعالىٰ. {وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ }. قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «الأعراف»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بِٱلْحَقّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء}، وفي سورة «مريم»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا}. {وَلَوْ شِئْنَا لاّتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنْى لاّمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ }. قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «يونس»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى ٱلاْرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}.