تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 533 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 533


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67

 يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَـٰهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِى وَٱلاٌّقْدَامِ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}

تقدم شرح هذه الأيات مع الأيات التي في الصفحة السابقة

{هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِى يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءَانٍ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِن كُلِّ فَـٰكِهَةٍ زَوْجَانِ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ قَـٰصِرَٰتُ ٱلطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَـٰنِ إِلاَّ ٱلإِحْسَـٰنُ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُدْهَآمَّتَانِ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ * فَبِأَى ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا فَـٰكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ خَيْرَٰتٌ حِسَانٌ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَّقْصُورَٰتٌ فِى ٱلْخِيَامِ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِىٍّ حِسَانٍ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * تَبَـٰرَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِى ٱلْجَلَـٰلِ وَٱلإِكْرَامِ}
قوله تعالى: {هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِى يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءَانٍ}. أما قوله: {هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِى يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ} فقد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الطور أيضاً في الكلام على قوله تعالى: {هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} .
وأما قوله تعالى: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءَانٍ} فقد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الحج في الكلام على قوله: {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ} . قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}. وقد بينا في ترجمة هذا الكتاب المبارك، أن الآية قد يكون فيها وجهان صحيحان كلاهما يشهد له قرآن، فنذكر ذلك كله مبينين أنه كله حق، وذكرنا لذلك أمثلة متعددة في هذا الكتاب المبارك، ومن ذلك هذه الآية الكريمة.
وإيضاح ذلك أن هذه الآية الكريمة فيها وجهان معروفان عند العلماء، كلاهما يشهد له قرآن:
أحدهما: أن المراد بقوله: {مَقَامَ رَبِّهِ}: أي قيامه بين يدي ربه، فالمقام اسم مصدر بمعنى القيام، وفاعله على هذا الوجه هو العبد الخائف، وإنما أضيف إلى الرب لوقوعه بين يديه، وهذا الوجه يشهد له قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰفَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِىَ ٱلْمَأْوَىٰ} ، فإن قوله: {وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ}: قرينة دالة على أنه خاف عاقبة الذنب حين يقوم بين يدي ربه، فنهى نفسه عن هواها.
والوجه الثاني: أن فاعل المصدر الميمي الذي هو المقام، هو الله تعالى: أي خاف هذا العبد قيام العبد قيام الله عليه ومراقبته لأعماله وإحصائها عليه، ويدل لهذا الوجه الآيات الدالة على قيام الله على جميع خلقه وإحصائه عليهم أعمالهم كقوله تعالى: {ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ} ، وقوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} ، وقوله تعالى: {وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ}. إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قدمنا في سورة الأحقاف في الكلام على قوله تعالى في شأن الجن: {يٰقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِىَ ٱللَّهِ وَءَامِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ} ، أن قوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}، وتصريحه بالامتنان بذلك على الإنس والجن في قوله {فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ، نص قرآني على أن المؤمنين الخائفين مقام ربهم من الجن يدخلون الجنة. قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ}. قد بينا في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} جميع الآيات القرآنية الدالة على تنعم أهل الجنة بالسندس والإستبرق، والحلية بالذهب والفضة، وبينا أن جميع ذلك يحرم على ذكور هذه الأمة في دار الدنيا. قوله تعالى: {فِيهِنَّ قَـٰصِرَٰتُ ٱلطَّرْفِ}. قد قدمنا الكلام عليه مستوفى في سورة الصافات في الكلام على قوله تعالى: {وَعِندَهُمْ قَـٰصِرَٰتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ} . قوله تعالى: {حُورٌ مَّقْصُورَٰتٌ فِى ٱلْخِيَامِ}. قد قدمنا معنى القصر في الخيام، وقصر الطرف على الأزواج في سورة الصافات في الكلام على قوله تعالى: {وَعِندَهُمْ قَـٰصِرَٰتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ}، وقدمنا الآيات الدالة على صفات نساء أهل الجنة في مواضع كثيرة من هذا الكتاب في سورة البقرة والصافات. وغير ذلك.

تم بحمد الله تفسير سورة الرحمن