تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 39 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 39

038

قوله: 239- "فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً" الخوف هو الفزع، والرجال جمع رجل أو راجل، من قولهم: رجل الإنسان يرجل راجلاً: إذا عدم المركوب ومشى على قدميه فهو رجل وراجل. يقول أهل الحجاز: مشى فلان إلى بيت الله حافياً رجلاً. حكاه ابن جرير الطبري وغيره. لما ذكر الله سبحانه الأمر بالمحافظة على الصلوات، ذكر حالة الخوف أنهم يضيعون فيها ما يمكنهم ويدخل تحت طوقهم من المحافظة على الصلاة بفعلها حال الترجل وحال الركوب، وأبان لهم أن هذه العبادة لازمة في كل الأحوال بحسب الإمكان. وقد اختلف أهل العلم في حد الخوف المبيح لذلك والبحث مستوفي في كتب الفروع. قوله: "فإذا أمنتم" أي إذا زال خوفكم فارجعوا إلى ما أمرتم به من إتمام الصلاة مستقبلين القبلة قائمين بجميع شروطها وأركانها وهو قوله: "فاذكروا الله كما علمكم" وقيل معنى الآية: خرجتم من دار السفر إلى دار الشرائع "ما لم تكونوا تعلمون" والكاف صفة لمصدر محذوف: أي ذكراً كائناً كتعليمه إياكم، أو مثل تعليمه إياكم. وقد أخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلفين في الصلاة الوسطى هكذا، وشبك بين أصابعه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه سئل عن الصلاة الوسطى؟ فقال: هي فيهن فحافظوا عليهن. وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن ثابت أنه سأله رجل عن الصلاة الوسطى فقال: حافظ على الصلوات تدركها. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن الربيع بن خيثم أن سائلاً سأله عن الصلاة الوسطى، قال: حافظ عليهن فإنك إن فعلت أصبتها، إنما هي واحدة منهن. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال: سئل شريح عن الصلاة الوسطى، فقال: حافظوا عليها تصيبوها. وقد قدمنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم في تعيينها. وأخرج الطبراني عن ابن عباس في قوله تعالى: "وقوموا لله قانتين" مثل ما قدمنا عن زيد بن أرقم. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن محمد بن كعب نحوه أيضاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة نحوه. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وقوموا لله قانتين" قال: مصلين. أخرج ابن جرير عنه في الآية قال: كل أهل دين يقومون فيها عاصين، قوموا أنتم مطيعين. وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك مثله. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: "وقوموا لله قانتين" قال: من القنوت الركوع والخشوع، وطول الركوع: يعني طول القيام وغض البصر وخفض الجناح والرهبة لله. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن في الصلاة لشغلاً" وفي صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن". وقد اختلف الأحاديث في القنوت المصطلح عليه، هل هو قبل الركوع أو بعده، وهو هو في جميع الصلوات أو بعضها، وهو هو مختص بالنوازل أم لا؟ والراجح اختصاصه بالنوازل. وقد أوضحنا ذلك في شرحنا للمنتقى فليرجع إليه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى: "فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً" قال: يصلي الراكب على دابته، والراجل على رجليه "فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون" يعني كما علمكم أن يصلي الراكب على دابته، والراجل على رجليه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال: إذا كانت المسايفة فليوم برأسه حيث كان وجهه فذلك قوله: "فرجالاً أو ركباناً". وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: "فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً" قال: ركعة ركعة. وأخرج وكيع وابن جرير عن مجاهد "فإذا أمنتم" قال: خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامة.
هذا عود إلى بقية الأحكام المفصلة فيما سلف. وقد اختلف السلف ومن تبعهم من المفسرين في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة؟ فذهب الجمهور إلى أنها منسوخة بالأربعة الأشهر والعشر كما تقدم، وأن الوصية المذكورة فيها منسوخة بما فرض الله لهن من الميراث. وحكى ابن جرير عن مجاهد أن هذه الآية محكمة لا نسخ فيها، وأن العدة أربعة أشهر وعشر، ثم جعل الله لهن وصية منه سكنى سبعة أشهر وعشرين ليلة، فإن شاءت المرأة سكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت. وقد حكى ابن عطية والقاضي عياض أن الإجماع منعقد على أن الحول منسوخ وأن عدتها أربعة أشهر وعشر. وقد أخرج عن مجاهد ما أخرجه ابن جرير عنه البخاري في صحيحه. وقوله: 240- "وصية" قرأ نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر والكسائي بالرفع على أن ذلك مبتدأ لخبر محذوف يقدر مقدماً: أي عليهم وصية، وقيل: إن الخبر قوله: "لأزواجهم" وقيل: إنه خبر محذوف: أي وصية الذين يتوفون وصية أو حكم الذين يتوفون وصية. وقرأ أبو عمر وحمزة وابن عامر بالنصب على تقدير فعل محذوف: أي فليوصوا وصية، أو أوصى الله وصية، أو كتب الله عليهم وصية. وقوله: "متاعاً" منصوب بوصية أو بفعل محذوف: أي متعوهن متاعاً، أو جعل الله لهن ذلك متاعاً، ويجوز أن يكون منتصباً على الحال. والمتاع هنا: نفقة السنة. وقوله: "غير إخراج" صفة لقوله: "متاعاً" وقال الأخفش: إنه مصدر كأنه قال: لا إخراجاً، وقيل إنه حال: أي متعوهن غير مخرجات، وقيل: منصوب بنزع الخافض: أي من غير إخراج، والمعنى: أنه يجب على الذين يتوفون أن يوصوا قبل نزول الموت بهم لأزواجهم أن يمتعن بعدهم حولاً كاملاً بالنفقة والسكنى من تركهم ولا يخرجن من مساكنهن. وقوله: "فإن خرجن" يعني باختيارهن قبل الحول "فلا جناح عليكم" أي: لا حرج على الولي والحاكم وغيرهما "فيما فعلن في أنفسهن" من التعرض للخطاب والتزين لهم. وقوله: "من معروف" أي: بما هو معروف في الشرع غير منكر. وفيه دليل على أن النساء كن مخيرات في سكنى الحول وليس ذلك بحتم عليهن، وقيل: المعنى لا جناح عليكم في قطع النفقة عنهن وهو ضعيف، لأن متعلق الجناح هو مذكور في الآية بقوله: "فيما فعلن".
وقوله: 241- "وللمطلقات متاع" قد اختلف المفسرون في هذه الآية، فقيل: هي المتعة، وأنها واجبة لكل مطلقة، وقيل: إن هذه الآية خاصة بالثيبات اللواتي قد جومعن، لأنه قد تقدم قبل هذه الآية ذكر المتعة للواتي لم يدخل بهن الأزواج. وقد قدمنا الكلام على هذه المتعة والخلاف في كونها خاصة بمن طلقت قبل البناء والفرض أو عامة للمطلقات، وقيل: إن هذه الآية شاملة للمتعة الواجبة وهي متعة المطلقة قبل البناء والفرض، وغير الواجبة وهي متعة سائر المطلقات فإنها مستحبة فقط، وقيل: المراد بالمتعة هنا النفقة. وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان بن عفان "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً" قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها أو لم تدعها؟ قال: يا ابن أخي لا أغير شيئاً منه من مكانه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: كان للمتوفى عنها زوجها نفقتها وسكناها في الدار سنة، فنسختها آية المواريث فجعل لهن الربع والثمن مما ترك الزوج. وأخرج ابن جرير نحوه عن عطاء. وأخرج نحوه أيضاً أبو داود والنسائي عن ابن عباس من وجه آخر. وأخرج الشافعي وعبد الرزاق عن جابر بن عبد الله قال: ليس للمتوفى عنها زوجها نفقة حسبها الميراث. وأخرج أبو داود في ناسخه والنسائي عن عكرمة قال: نسختها "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً". وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن زيد بن أسلم نحوه. وأخرج أيضاً عن قتادة نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: " فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف " قال: النكاح الحلال الطيب. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: لما نزل قوله: "متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين" قال رجل: إن أحسنت فعلت، وإن لم أرد ذلك لم أفعل، فأنزل الله "وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين". وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال: نسخت هذه الآية بقوله: "وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم". وأخرج أيضاً عن عتاب بن خصيف في قوله: "وللمطلقات متاع" قال كان ذلك قبل الفرائض. وأخرج مالك وعبد الرزاق والشافعي وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر قال: لكل مطلقة متعة إلا التي تطلقها ولم تدخل بها وقد فرض لها، كفى بالنصف متاعاً. وأخرج ابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال: لكل مؤمنة طلقت حرة أو أمة متعة، وقرأ "وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين". وأخرج البيهقي عن جابر بن عبد الله قال: "لما طلق حفص بن المغيرة امرأته فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لزوجها: متعها، قال: لا أجد ما أمتعها، قال: فإنه لا بد من المتاع، متعها ولو نصف صاع من تمر". وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية في الآية، قال: لكل مطلقة متعة.
242- " كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون ".
الاستفهام هنا للتقرير، والرؤية المذكورة هي رؤية القلب لا رؤية البصر. والمعنى عند سيبويه: تنبيه إلى أمر الذين خرجوا، ولا تحتاج هذه الرؤية إلى مفعولين كذا قيل. وحاصله أن الرؤية هنا التي بمعنى الإدراك مضمنة معنى التنبيه، ويجوز أن تكون مضمنة معنى الانتهاء: أي ألم ينته علمك إليهم، أو معنى الوصول: أي ألم يصل علمك إليهم، ويجوز أن تكون بمعنى الرؤية البصرية: أي ألم تنظر إلى الذين خرجوا. جعل الله سبحانه قصة هؤلاء لما كانت بمكان من الشيوع والشهرة يحمل كل أحد على الإقرار بها بمنزلة المعلومة لكل فرد، أو المبصرة لكل مبصر، لأن أهل الكتاب قد أخبروا بها ودونوها وأشهروا أمرها، والخطاب هنا لكل من يصلح له. والكلام جار مجرى المثل في مقام التعجيب ادعاء لظهوره وجلائه بحيث يستوي في إدراكه الشاهد والغائب. وقوله: 243- "وهم ألوف" في محل نصب على الحال من ضمير خرجوا، وألوف من جموع الكثرة، فدل على أنها ألوف كثيرة. وقوله: "حذر الموت" مفعول له. وقوله :"فقال لهم الله موتوا" هو أمر تكوين عبارة عن تعلق إرادته بموتهم دفعة، أو تمثيل لإماتته سبحانه إياهم ميتة نفس واحدة كأنهم أمروا فأطاعوا. قوله: "ثم أحياهم" هو معطوف على مقدر يقتضيه المقام: أي قال الله لهم موتوا فماتوا ثم أحياهم، أو على قال لما كان عبارة عن الإماتة وقوله: "إن الله لذو فضل على الناس" التنكير في قوله فضل للتعظيم: أي لذو فضل عظيم على الناس جميعاً، أما هؤلاء الذين خرجوا فلكونه أحياهم ليعتبروا، وأما المخاطبون فلكونه قد أرشدهم إلى الاعتبار والاستبصار بقصة هؤلاء.
قوله: 244- "وقاتلوا في سبيل الله" هو معطوف على مقدر كأنه قيل: اشكروا فضله بالاعتبار بما قص عليكم وقاتلوا، هذا إذا كان الخطاب بقوله: "وقاتلوا" راجعاً إلى المخاطبين بقوله: "ألم تر إلى الذين خرجوا" كما قاله جمهور المفسرين، وعلى هذا يكون إيراد هذه القصة لتشجيع المسلمين على الجهاد، وقيل: الخطاب للذين أحيوا من بني إسرائيل فيكون عطفاً على قوله: "موتوا" وفي الكلام محذوف تقديره: وقال لهم قاتلوا. وقال ابن جرير: لا وجه لقول من قال: إن الأمر بالقتال للذين أحيوا.
وقوله: 245- "من ذا الذي يقرض الله" لما أمر سبحانه بالقتال والجهاد أمر بالإنفاق في ذلك، ومن استفهامية مرفوعة المحل بالابتداء، وذا خبره، والذي وصلته وصف له أو بدل منه، وإقراض الله مثل لتقديم العمل الصالح الذي يستحق به فاعله الثواب، وأصل القرض اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء، يقال: أقرض فلان فلاناً: أي أعطاه ما يتجازاه. قال الشاعر وإذا جوزيت قرضاً فاجزه وقال الزجاج: القرض في اللغة: البلاء الحسن والبلاء السيء. قال أمية: كل امرئ سوف يجزى قرضه حسناً أو سيئاً ومديناً مثل ما دانا وقال آخر: فجازى القروض بأمثالها فبالخير خيراً وبالشر شراً وقال الكسائي القرض: ما أسلفت من عمل صالح أو سيء، وأصل الكلمة القطع، ومنه المقراض واستدعاء القرض في الآية إنما هو تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه. والله هو الغني الحميد: شبه عطاء المؤمن ما يرجو ثوابه في الآخرة بالقرض، كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء. وقوله: "حسناً" أي: طيبة به نفسه من دون من ولا أذى. وقوله: "فيضاعفه" قرأ عاصم وغيره بالألف ونصب الفاء. وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي بإثبات الألف ورفع الفاء، وقرأ ابن عامر ويعقوب فيضعفه بإسقاط الألف مع تشديد العين ونصب الفاء. وقرأ ابن كثير وأبو جعفر بالتشديد ورفع الفاء. فمن نصب فعلى أنه جواب الاستفهام، ومن رفع فعلى تقدير مبتدأ: أي هو يضاعفه. وقد اختلف في تقدير هذا التضعيف على أقوال. وقيل: لا يعلمه إلا الله وحده. وقوله: "والله يقبض ويبسط" هذا عام في كل شيء فهو القابض الباسط، والقبض: التقتير، والبسط: التوسيع، وفيه وعيد بأن من بخل من البسط يوشك أن يبدل بالقبض، ولهذا قال: "وإليه ترجعون" أي هو يجازيكم بما قدمتم عند الرجوع إليه، وإذا أنفقتم مما وسع به عليكم أحسن إليكم، وإن بخلتم عاقبكم. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم عن ابن عباس في قوله: "ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم" قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا فراراً من الطاعون وقالوا: نأتي أرضاً ليس بها موت، حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال لهم الله: موتوا فماتوا، فمر عليهم نبي من الأنبياء فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدون فأحياهم. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه: أن القرية التي خرجوا منها داودان. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم هذه القصة مطولة عن أبي مالك وفيها أنهم بضعة وثلاثون ألفاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن عبد العزيز: أن ديارهم هي أذرعات. وأخرج أيضاً عن أبي صالح قال: كانوا تسعة آلاف. وأخرج جماعة من محدثي المفسرين هذه القصة على أنحاء، ولا يأتي الاستكثار من طرقها بفائدة. وقد ورد في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الفرار من الطاعون، وعن دخول الأرض التي هو بها من حديث عبد الرحمن بن عوف. وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: "لما نزلت "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً" قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله إن الله ليريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح، قال: أرني يدك يا رسول الله، فناوله يده، قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي، وله فيه ستمائة نخلة". وقد أخرج هذه القصة عبد الرزاق وابن جرير من طريق زيد بن أسلم زاد الطبراني عن أبيه عن عمر بن الخطاب وابن مردويه عن أبي هريرة وابن إسحاق وابن المنذر عن ابن عباس. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: "أضعافاً كثيرة" قال: هذا التضعيف لا يعلم أحد ما هو. وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي قال: بلغني عن أبي هريرة حديث أنه قال: "إن الله ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة" فحججت ذلك العام ولم أكن أريد أن أحج إلا لألقاه في هذا الحديث، فلقيت أبا هريرة فقلت له، فقال: ليس هذا، قلت: ولم يحفظ هذا الحديث الذي حدثك إنما قلت: "إن الله ليعطي العبد المؤمن بالحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة" ثم قال أبو هريرة: أو ليس تجدوه هذا في كتاب الله؟ "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة" فالكثيرة عند الله أكثر من ألفي ألف وألفي ألف، والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال: "لما نزلت "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل" إلى آخره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رب زد أمتي فنزلت "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة" قال: رب زد أمتي فنزلت "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"". وأخرج ابن المنذر عن سفيان قال: "لما نزلت "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" قال: رب زد أمتي، فنزلت "من ذا الذي يقرض الله" قال: رب زد أمتي، فنزلت "مثل الذين ينفقون أموالهم" قال: رب زد أمتي، فنزلت "إنما يوفى الصابرون"" وفي الباب أحاديث هذه أحسنها وستأتي عند تفسير قوله تعالى: "كمثل حبة أنبتت سبع سنابل" فابحثها. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "والله يقبض ويبسط" قال: يقبض الصدقة، ويبسط: قال: يخلف "وإليه ترجعون" قال: من التراب وإلى التراب تعودون. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: علم الله أن فيمن يقاتل في سبيل الله من لا يجد قوة وفيمن لا يقاتل في سبيل الله من يجد غنى، فندب هؤلاء إلى القرض فقال: "من ذا الذي يقرض الله" قال: يبسط عليك وأنت ثقيل عن الخروج لا تريده، ويقبض عن هذا وهو يطيب نفساً بالخروج ويخف له، فقوه مما بيدك يكن لك الحظ.