تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 535 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 535

534

17- "يطوف عليهم ولدان مخلدون" الجملة في محل نصب على الحال من المقربين، أو مستأنفة لبيان بعض ما أعد الله لهم من النعيم، والمعنى يدور حولهم للخدمة غلمان لا يهرمون ولا يتغيرون، بل شكلهم شكل الولدان دائماً. قال مجاهد: المعنى لا يموتون. وقال الحسن والكلبي: لا يهرمون ولا يتغيرون. قال الفراء: والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يمشط إنه لمخلد. وقال سعيد بن جبير: مخلدون مقرطون. قال الفراء: ويقال مخلدون مقرطون، يقال خلد جاريته: إذا حلاها بالخلدة، وهي القرطة. وقال عكرمة: مخلدون منعمون، ومنه قول امرئ القيس: وهل ينعمن إلا سعيد مخلد قليل الهموم ما يبيت بأوجال وقيل مستورين بالحلية، وروي نحوه عن الفراء، ومنه قول الشاعر: ومخلدات باللجين كأنما أعجازهن أقاوز الكثبان وقيل مخلدون ممنطقون، قيل وهم ولدان المسلمين الذين يموتون صغاراً ولا حسنة لهم ولا سيئة، وقيل هم أطفال المشركين، ولا يبعد أن يكونوا مخلوقين في الجنة للقيام بهذه الخدمة، والأكواب: هي الأقداح المستديرة الأفواه التي لا آذان لها ولا عرى، وقد مضى بيان معناها في سورة الزخرف، والأباريق: هي ذات العرى والخراطيم، واحدها إبريق، وهو الذي يبرق لونه من صفائه.
18- "وكأس من معين" أي من خمر جارية أو ماء جار، والمراد به هاهنا الخمر الجارية من العيون، وقد تقدم بيان معنى الكأس في سورة الصافات.
19- "لا يصدعون عنها" أي لا تتصدع رؤوسهم من شربها كما تتصدع من شرب خمر الدنيا. والصداع هو الداء المعروف الذي يلحق الإنسان في رأسه، وقيل معنى لا يصدعون لا يتفرقون كما يتفرق الشراب، ويقوي هذا المعنى قراءة مجاهد "يصدعون" بفتح الياء وتشديد الصاد، والأصل يتصدعون: أي يتفرقون، والجملة مستأنفة لبيان ما أعد الله لهم من النعيم، أو في محل نصب على الحال، وجملة "ولا ينزفون" معطوفة على الجملة التي قبلها، وقد تقدم اختلاف القراء في هذا الحرف من سورة الصافات، وكذلك تقدم تفسيره: أي لا يسكرون فتذهب عقولهم، من أنزف الشارب: إذا نفد عقله أو شرابه، ومنه قول الشاعر: لعمرى لئن أنزفتم أو صحوتم لبئس الندامى كنتم آل أبجرا
20- "وفاكهة مما يتخيرون" أي يختارونه، يقال: تخيرت الشيء إذا أخذته خيره. قرأ الجمهور "وفاكهة" بالجر.
21- "و" كذا "لحم" عطفا على أكواب: أي يطوفون عليهم بهذه الأشياء المأكول والمشروب والمتفكه به. وقرأ زيد بن علي وأبو علي وأبو عبد الرحمن برفعها على الابتداء، والخبر مقدر: أي ولهم فاكهة ولحم، ومعنى "مما يشتهون" مما يتمنونه وتشتهيه أنفسهم.
22- "وحور عين".
23- " وحور عين * كأمثال اللؤلؤ المكنون " قرأ الجمهور " حور عين " برفعهما عطفاً على ولدان أو على تقدير مبتدأ: أي نساؤهم حور عين، أو على تقدير خبر: أي ولهم حور عين، وقرأ حمزة والكسائي: بجرهما عطفاً على أكواب. قال الزجاج: وجائز أن يكون معطوفاً على جنات: أي هم في جنات وفي حور على تقدير مضاف محذوف: أي وفي معاشرة حور. قال الفراء: في توجيه العطف على أكواب إنه يجوز الجر على الاتباع في اللفظ وإن اختلفا في المعنى، لأن الحور لا يطاف بهن، كما في قول الشاعر: إذا ما الغانيات برزن يوماً وزججن الحواجب والعيونا والعين لا تزجج وإنما تكحل، ومن هذا قول الشاعر: علفتها تبنا وماء بارداً وقول الآخر: متقلداً سيفاً ورمحاً قال قطرب: هو معطوف على الأكواب والأباريق من غير حمل على المعنى. قال: ولا ينكر أن يطاف عليهم بالحور: ويكون لهم في ذلك لذة. وقرأ الأشهب العقيلي والنخعلي وعيسى بن عمر بنصبهما على تقدير إضمار فعل، كأنه قيل: ويزوجزن حوراً عينا، أو ويعطون، ورجح أبو عبيد وأبو حاتم قراءة الجمهور. ثم شبههن سبحانه باللؤلؤ المكنون، وهو الذي لم تمسه الأيدي ولا وقع عليه الغبار، فهو أشد ما يكون صفاء.
وانتصاب جزاء في قوله 24- "جزاء بما كانوا يعملون" على أنه مفعول له: أي يفعل بهم ذلك كله للجزاء بأعمالهم. ويجوز أن يكون مصدراً مؤكداً لفعل محذوف: أي يجزون جزاء، وقد تقدم تفسير الحور العين في سورة الطور وغيرها.
25- "لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً" اللغو الباطل من الكلام، والتأثيم النسبة إلى الإثم. قال محمد بن كعب: لا يؤثم بعضهم بعضاً، وقال مجاهد: لا يسمعون شتماً ولا مأثماً، والمعنى: أنه لا يقول بعضهم لبعضهم أثمت لأنهم لا يتكلمون بما فيه إثم.
26- "إلا قيلاً سلاماً سلاماً" القيل القول، والاستثناء منقطع: أي لكن يقولون قيلاً، أو يسمعون قيلاً، وانتصاب سلاماً سلاماً على أنه بدل من قيلاً، أو صفة له، أو هو مفعول به لقيلا: أي إلا أن يقولوا سلاماً سلاماً، واختار هذا الزجاج: أو على أنه منصوب بفعل هو محكي بقيلا: أي إلا قيا سلموا سلاماً سلاماً، والمعنى في الآية: أنهم لا يسمعون إلا تحية بعضهم لبعض. قال عطاء: يحيي بعضهم بعضاً بالسلام، وقيل إن الاستثناء متصل وهو بعيد، لأن التحية ليست مما يندرج تحت اللغو والتأثيم، قرئ سلام سلام بالرفع. قال مكي: ويجوز الرفع على معنى سلام عليكم مبتدأ وخبر. وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "إذا وقعت الواقعة" قال: يوم القيامة "ليس لوقعتها كاذبة" قال: ليس لها مرد يرد "خافضة رافعة" قال: تخفض ناساً وترفع آخرين. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه "خافضة رافعة" قال: أسمعت القريب والبعيد. وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب "خافضة رافعة" قال: الساعة خفضت أعداء الله إلى النار، ورفعت أولياء الله إلى الجنة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "إذا رجت الأرض رجاً" قال: زلزلت "وبست الجبال بساً" قال: فتتت "فكانت هباء منبثاً" قال: شعاع الشمس. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه "فكانت هباء منبثاً" قال: الهباء الذي يطير من النار إذا أضرمت يطير منها الشرر، فإذا وقع لم يكن شيئاً. وأخرج ابن المنذر عنه أيضاً قال: الهباء ما يثور مع شعاع الشمس، وانبثاثه تفرقه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال: الهباء المنبث رهج الدواب، والهباء المنثور غبار الشمس الذي تراه في شعاع الكوة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس "وكنتم أزواجاً" قال: أصنافاً. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: "وكنتم أزواجاً ثلاثة" قال: هي التي في سورة الملائكة "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات". وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضاً في قوله: "والسابقون السابقون" قال: يوشع بن نون سبق إلى موسى، ومؤمن آل ياسين سبق إلى عيسى، وعلي بن أبي طالب سبق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال: نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار الذي ذكر في يس، وعلي بن أبي طالب، وكل رجل منهم سابق أمته، وعلي أفضلهم سبقاً. وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية "وأصحاب اليمين" "وأصحاب الشمال" فقبض بيديه قبضتين فقال: هذه في الجنة ولا أبالي، وهذه في النار ولا أبالي". وأخرج أحمد أيضاً عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أتدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوا بذلوا، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم". وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال: لما نزلت " ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين " شق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت " ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثلث الجنة، بل أنتم نصف أهل الجنة أو شطر أهل الجنة وتقاسمونهم النصف الثاني". وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث عن ابن عباس "على سرر موضونة" قال: مصفوفة. وأخرج سعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عنه. قال: مرمولة بالذهب. وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة والبزار وابن مردويه والبيهقي في البعث عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشوياً". وأخرج أحمد والترمذي والضياء عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن طير الجنة كأمثال البخت ترعى في شجر الجنة، فقال أبو بكر: يا رسول الله إن هذه الطير لناعمة، قال: آكلها أنعم منها، وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها" وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "كأمثال اللؤلؤ المكنون" قال: الذي في الصدف. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه "لا يسمعون فيها لغواً" قال: باطلاً "ولا تأثيماً" قال: كذباً.
لما فرغ سبحانه من ذكر أحوال السابقين وما أعده لهم من النعيم المقيم، ذكر أحوال أصحاب اليمين فقال: 27- "وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين" قد قدمنا وجه إعراب هذا الكلام، وما في هذه الجملة الاستفهامية من التفخيم والتعظيم، وهي خبر المبتدأ، وهو أصحاب اليمين.
وقوله: 28- "في سدر مخضود" خبر ثان أو خبر مبتدأ محذوف: أي هم في سدر مخضود، والسدر نوع من الشجر، والمخضود الذي خضد شوكه: أي قطع فلا شوك فيه. قال أمية بن الصلت يصف الجنة: إن الحدائق في الجنان ظليلة فيها الكواعب سدرها مخضود وقال الضحاك ومجاهد ومقاتل بن حيان: إن السدر المخضود الموقر حملاً.
29- "وطلح منضود" قال أكثر المفسرين: إن الطلح في الآية هو شجر الموز. وقال جماعة: ليس هو شجر الموز، ولكنه الطلح المعروف وهو أعظم أشجار العرب. قال الفراء وأبو عبيدة: هو شجر عظام لها شوك. قال الزجاج: الطلح هو أم غيلان، ولها نور طيب، فخوطبوا ووعدوا ما يحبون، إلا أن فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنة على ما في الدنيا. قال: ويجوز أن يكون في الجنة وقد أزيل شوكه. قال السدي: طلح الجنة يشبه طلح الدنيا: لكن له ثمر أحلى من العسل، والمنضود: المتراكب الذي قد نضد أوله وآخره بالحمل ليس له سوق بارزة. قال مسروق: أشجار الجنة من عروقها إلى أفنانها نضيد ثمر كله، كلما أخذت ثمرة عاد مكانها أحسن منها.
30- "وظل ممدود" أي دائم باق لا يزول ولا تنسخه الشمس. قال أبو عبيدة: والعرب تقول لكل شيء طويل لا ينقطع ممدود، ومنه قوله: "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل" والجنة كلها ظل لا شمس معه. قال الربيع بن أنس: يعني ظل العرش، ومن استعمال العرب للممدود في الدائم الذي لا ينقطع قول لبيد: غلب الغزاء وكان غير مغلب دهر طويل دائم ممدود
31- "وماء مسكوب" أي منصب يجري بالليل والنهار أينما شاءوا لا ينقطع عنهم، فهو مسكوب يسكبه الله في مجاريه، وأصل السكب الصب، يقال سكبه سكباً: أي صبه.
32- "وفاكهة كثيرة" أي ألوان متنوعة متكثرة.
33- "لا مقطوعة" في وقت من الأوقات كما تنقطع فواكه الدنيا في بعض الأوقات "ولا ممنوعة" أي لا تمتنع على ما أرادها في أي وقت على أي صفة، بل هي معدة لمن أرادها لا يحول بينه وبينها حائل. قال ابن قتيبة: يعني أنها غير محظورة عليها كما يحظر على بساتين الدنيا.
34- "وفرش مرفوعة" أي مرفوع بعضها فوق بعض، أو مرفوعة على الأسرة. وقيل إن الفرش هنا كناية عن النساء اللواتي في الجنة، وارتفاعها كونها على الأرائك، أو كونها مرتفعات الأقدار في الحسن والكمال.
35- "إنا أنشأناهن إنشاء" أي خلقناهن خلقاً جديداً من غير توالد، وقيل المراد نساء بني آدم، والمعنى: أن الله سبحانه أعادهن بعد الموت إلى حال الشباب، والنساء وإن لم يتقدم لهن ذكر لكنهن قد دخلن في أصحاب اليمين، وأما على قول من قال: إن الفرش المرفوعة عين النساء فمرجع الضمير ظاهر.
36- " فجعلناهن أبكارا " " لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان " .
37- "عرباً أترابا" العرب جمع عروب، وهي المتحببة إلى زوجها. قال المبرد: هي العاشقة لزوجها، ومنه قول لبيد: وفي الخباء عروب غير فاحشة ريا الروادف يعشى ضوؤها البصرا وقال زيد بن أسلم: هي الحسنة الكلام. قرأ الجمهور بضم العين والراء. وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم بإسكان الراء وهما لغتان في جمع فعول، والأتراب: هن اللواتي على ميلاد واحد وسن واحد. وقال مجاهد: أتراباً أمثالاً وأشكالاً. وقال السدي. أتراباً في الأخلاق لا تباغض بينهن ولا تحاسد.
قوله: 38- "لأصحاب اليمين" متعلق بأنشأناهن أو بجعلنا أو بأترابا، والمعنى: أن الله أنشأهن لأجلهم أو خلقهن لأجلهم أو هن مساويات لأصحاب اليمين في السن، أو هو خبر لمبتدأ محذوف: أي هن لأصحاب اليمين.
39- "ثلة من الأولين".
40- " ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين " هذا راجع إلى قوله: "وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين" أي هم ثلة من الأولين وثلة من الآخرين، وقد تقدم تفسير الثلة عند ذكر السابقين، والمعنى: أنهم جماعة أو أمة أو فرقة أو قطعة من الأولين، وهم من لدن آدم إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، وجماعة أو أمة أو فرقة أو قطعة منالآخرين وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقال أبو العالية ومجاهد وعطاء بن أبي رباح والضحاك. ثلة من الأولين. يعني من سابقي هذه الأمة، وثلة من الآخرين من هذه الأمة من آخرها.
ثم لما فرغ سبحانه مما أعده لأصحاب اليمين شرع في ذكر أصحاب الشمال وما أعده لهم فقال: 41- "وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال" الكلام في إعراب هذا وما فيه من التفخيم كما سبق في أصحاب اليمين.
قوله: 42- "في سموم وحميم" إما خبر ثان لأصحاب الشمال أو خبر مبتدأ محذوف، والسموم: حر النار، والحميم: الماء الحار الشديد الحرارة، وقد سبق بيان معناه. وقيل السموم: الريح الحارة التي تدخل في مسام البدن.
43- "وظل من يحموم" اليحموم يفعول من الأحم: وهو الأسود، والعرب تقول أسود يحموم: إذا كان شديد السواد، والمعنى: أنهم يفزعون إلى الظل فيجدونه ظلا من دخان جهنم شديد السواد. وقيل وهو مأخوذ من الحم وهو الشحم المسود بالحتراق النار. وقيل مأخوذ من الحمم وهو الفحم. قال الضحاك: النار سوداء وكل ما فيها أسود.
ثم وصف هذا الظل بقوله: 44- "لا بارد ولا كريم" أي ليس كغيره من الظلال التي تكون باردة، بل هو حار لأنه من دخان نار جهنم. قال سعيد بن المسيب: ولا كريم: أي ليس فيه حسن منظر وكل ما لا خير فيه ليس بكريم قال الضحاك: ولا كريم ولا عذاب. قال الفراء: العرب تجعل الكريم تابعاً لكل شيء نفت عنه وصفا تنوي به الذم، تقول: ما هو بسمين ولا بكريم، وما هذه الدار بواسعة ولا كريمة.
ثم ذكر سبحانه أعمالهم التي استحقوا بها العذاب فقال: 45- "إنهم كانوا قبل ذلك مترفين" وهذه الجملة تعليل لما قبلها: أي إنهم كانوا قبل هذا العذاب النازل بهم مترفين في الدنيا: أي منعمين بما لا يحل لهم، والمترف المتنعم. وقال السدي: مشركين، وقيل متكبرين، والأول أولى.
46- "وكانوا يصرون على الحنث العظيم" الحنث الذنب: أي يصرون على الذنب العظيم. قال الواحدي: قال أهل التفسير: عني به الشرك: أي كانوا لا يتوبون عن الشرك. وبه قال الحسن والضحاك وابن زيد. وقال قتادة ومجاهد: هو الذنب العظيم الذي لا يتوبون عنه. وقال الشعبي: هو اليمين المغموس.
47- " وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون " الهمزة في الموضعين للإنكار والاستبعاد، وقد تقدم الكلام على هذا في الصافات، وفي سورة الرعد، والمعنى: أنهم أنكروا واستبعدوا أن يبعثوا بعد الموت، وقد صاروا عظاماً وتراباً، والمراد أنه صار لحمهم وجلودهم تراباً وصارت عظامهم نخرة بالية، والعامل في الظرف ما يدل عليه مبعوثون، لأن ما بعد الاستفهام لا يعمل فيما قبله: أي انبعث إذا متنا؟ الخ.
48- "أو آباؤنا الأولون" معطوف على الضمير في المبعوثون لوقوع الفصل بينهما بالهمزة، والمعنى: أن بعث آبائهم الأولين أبعد لتقدم موتهم، وقرئ وآباؤنا.
ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يجيب عليهم ويرد استبعادهم فقال: 49- " قل إن الأولين والآخرين * لمجموعون " أي قل لهم يا محمد إن الأولين من الأمم والآخرين منهم الذي أنتم من جملتهم لمجموعون بعد البعث.
50- "إلى ميقات يوم معلوم" وهو يوم القيامة.