تفسير الطبري تفسير الصفحة 404 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 404
405
403
 الآية : 64
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا هَـَذِهِ الْحَيَاةُ الدّنْيَآ إِلاّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنّ الدّارَ الاَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَما هَذِهِ الـحَياةُ الدّنْـيا التـي يتـمتع منها هؤلاء الـمشركون إلاّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ يقول: إلاّ تعلـيـل النفوس بـما تلتذّ به, ثم هو مُنْقَضٍ عن قريب, لا بقاء له ولا دوام وإنّ الدّارَ الاَخِرَةَ لَهِيَ الـحَيَوَانُ يقول: وإن الدار الاَخرة لفـيها الـحياة الدائمة التـي لا زوال لها ولا انقطاع ولا موت معها. كما:
21210ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَإنّ الدّارَ الاَخِرَةِ لَهِيَ الـحَيَوَانُ لَوْ كانُوا يَعْلَـمُونَ حياة لا موت فـيها.
21211ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله لَهِيَ الـحَيَوَانُ قال: لا موتَ فـيها.
21212ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله وَإنّ الدّارَ الاَخِرَةَ لَهيَ الـحَيَوَانُ يقول: بـاقـية.
وقوله: لَوْ كانُوا يَعْلَـمُونَ يقول: لو كان هؤلاء الـمشركون يعلـمون أن ذلك كذلك, لقَصّروا عن تكذيبهم بـالله, وإشراكهم غيره فـي عبـادته, ولكنهم لا يعلـمون ذلك.
الآية : 65
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الْفُلْكِ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: فإذا ركب هؤلاء الـمشركون السفـينة فـي البحر, فخافوا الغرق والهلاك فـيه دَعُوا اللّهَ مُخْـلِصِينَ لَهُ الدّينَ يقول: أخـلصوا لله عند الشدّة التـي نزلت بهم التوحيد, وأفردوا له الطاعة, وأذعنوا له بـالعبودة, ولـم يستغيثوا بآلهتهم وأندادهم, ولكن بـالله الذي خـلقهم فلَـمّا نَـجّاهُمْ إلـى البَرّ يقول: فلـما خـلصهم مـما كانوا فـيه وسلّـمهم, فصاروا إلـى البرّ إذا هم يجعلون مع الله شريكا فـي عبـادتهم, ويدعون الاَلهة والأوثان معه أربـابـا.
الآية : 66 - 67
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَكْفُرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما نـجى الله هؤلاء الـمشركين مـما كانوا فـيه من البحر من الـخوف والـحذر من الغرق إلـى البرّ إذا هم بعد أن صاروا إلـى البرّ يشركون بـالله الاَلهة والأنداد لِـيَكْفُرُوا بِـمَا آتَـيْناهُمْ يقول: لـيجحدوا نعمة الله التـي أنعمها علـيهم فـي أنفسهم وأموالهم.
وَلِـيَتَـمَتّعُوا اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة: وَلِـيَتَـمَتّعُوا بكسر اللام, بـمعنى: وكي يتـمتعوا آتـيناهم ذلك. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين: وَلْـيَتَـمَتّعُوا بسكون اللام علـى وجه الوعيد والتوبـيخ: أي اكفروا فإنكم سوف تعلـمون ماذا يَـلْقون من عذاب الله بكفرهم به.
وأولـى القراءتـين عندي فـي ذلك بـالصواب, قراءة من قرأه بسكون اللام علـى وجه التهديد والوعيد, وذلك أن الذين قرءوه بكسر اللام زعموا أنهم إنـما اختاروا كسرها عطفـا بها علـى اللام التـي فـي قوله: لِـيَكْفُرُوا, وأن قوله لِـيَكْفُرُوا لـما كان معناه: كي يكفروا كان الصواب فـي قوله وَلِـيَتَـمَتّعُوا أن يكون: وكي يتـمتعوا, إذ كان عطفـا علـى قوله: لـيكفروا عندهم, ولـيس الذي ذهبوا من ذلك بـمذهب, وذلك لأن لام قوله لِـيَكْفُرُوا صلُـحت أن تكون بـمعنى كي, لأنها شرط لقوله: إذا هم يشركون بـالله كي يكفروا بـما آتـيناهم من النعم, ولـيس ذلك كذلك فـي قوله وَلِـيَتَـمَتّعُوا لأن إشراكهم بـالله كان كفرا بنعمته, ولـيس إشراكهم به تـمتعا بـالدنـيا, وإن كان الإشراك به يسهل لهم سبـيـل التـمتع بها فإذ كان ذلك كذلك فتوجيهه إلـى معنى الوعيد أولـى وأحقّ من توجيهه إلـى معنى: وكي يتـمتعوا. وبعد فقد ذكر أن ذلك فـي قراءة أُبـيّ: «وتَـمَتّعُوا» وذلك دلـيـل علـى صحة من قرأه بسكون اللام بـمعنى الوعيد.
وقوله: أوَ لَـمْ يَرَوْا أنّا جَعَلْنا حَرَما آمِنا يقول تعالـى ذكره مذكرا هؤلاء الـمشركين من قريش, القائلـين: لولا أنزل علـيه آية من ربه, نِعْمَتَه علـيهم التـي خصهم بها دون سائر الناس غيرهم مع كفرهم بنعمته وإشراكهم فـي عبـادته الاَلهة والأنداد: أو لـم ير هؤلاء الـمشركون من قريش, ما خصصناهم به من نعمتنا علـيهم دون سائر عبـادنا, فـيشكرونا علـى ذلك, وينزجروا عن كفرهم بنا, وإشراكهم ما لا ينفعنا ولا يضرّهم فـي عبـادتنا أنا جعلنا بلدهم حرما, حرّمنا علـى الناس أن يدخـلوه بغارة أو حرب, آمنا, يأمن فـيه من سكنه, فأوى إلـيه من السبـاء والـخوف والـحرام الذي لا يأمنه غيرهم من الناس وَيُتَـخَطّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ يقول: وتُسْلَب الناس من حولهم قتلاً وسبـاء. كما:
21213ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, فـي قوله أو لَـمْ يَرَوْا أنّا جَعَلْنا حَرَما آمِنا وَيُتَـخَطّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ قال: كان لهم فِـي ذلك آية أن الناس يُغزَون ويُتَـخَطّفون وهم آمنون.
وقوله: أفَبـالبـاطِلِ يُؤْمِنُونَ يقول: أفبـالشرك بـالله يقرّون بألوهة الأوثان بأن يصدّقوا, وبنعمة الله التـي خصهم بها من أن جعل بلدهم حرما آمنا يكفرون, يعنـي بقوله «يكفرون»: يجحدون. كما:
21214ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله أفَبـالْبـاطِلِ يُؤْمِنُونَ: أي بـالشرك وَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَكْفُرُونَ: أي يجحدون.
الآية : 68
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذّبَ بِالْحَقّ لَمّا جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنّمَ مَثْوًى لّلْكَافِرِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: ومن أظلـم أيها الناس مـمن اختلق علـى الله كذبـا, فقالوا إذا فعلوا فـاحشة: وجدنا علـيها آبـاءنا, والله أمرنا بها, والله لا يأمر بـالفحشاء أوْ كَذّبَ بـالـحَقّ لَـمّا جاءَهُ يقول: أو كذّب بـما بعث الله به رسوله مـحمدا صلى الله عليه وسلم من توحيده, والبراءة من الاَلهة والأنداد لـما جاءه هذا الـحقّ من عند الله ألَـيْسَ فِـي جَهَنّـمَ مَثْوًى للْكافِرِينَ يقول: ألـيس فـي النار مَثْوًى ومَسْكَن لـمن كفر بـالله, وجحد توحيده وكذّب رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا تقرير, ولـيس بـاستفهام, إنـما هو كقول جرير:
ألَسْتُـمْ خَيْرَ مَنْ رَكبَ الـمَطايا وأنْدَى العالَـمِينَ بُطُونَ رَاحِ
إنـما أخبر أن للكافرين بـالله مَسْكَنا فـي النار, ومنزلاً يَثْوُون فـيه.
الآية : 69
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: والذين قاتلوا هؤلاء الـمفترين علـى الله كذبـا من كفـار قريش, الـمكذّبـين بـالـحقّ لـما جاءهم فـينا, مُبتغين بقتالهم علوّ كلـمتنا, ونُصرة ديننا لَنَهْدِيَنّهُمْ سُبُلَنا يقول: لنوفقنهم لإصابة الطريق الـمستقـيـمة, وذلك إصابة دين الله الذي هو الإسلام الذي بعث الله به مـحمدا صلى الله عليه وسلم وَإنّ اللّهَ لَـمَعَ الـمُـحْسِنِـينَ يقول: وإن الله لـمع من أحسن من خـلقه, فجاهد فـيه أهل الشرك, مُصَدّقا رسوله فـيـما جاء به من عند الله بـالعون له, والنصرة علـى من جاهد من أعدائه. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله والّذِينَ جاهَدُوا فِـينا قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21215ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله وَالّذِينَ جاهَدُوا فِـينا فقلت له: قاتلوا فـينا, قال: نعم.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة العنكبوت

سورة الروم مكية
وآياتها ستون
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1 -5
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الَـمَ * غُلِبَتِ الرّومُ * فِيَ أَدْنَى الأرْضِ وَهُم مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلّهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ }.
قال أبو جعفر: قد بـيّنا فـيـما مضى قبلُ معنى قوله الـم وذكرنا ما فـيه من أقوال أهل التأويـل, فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وقوله: غُلِبَتِ الرّومِ فِـي أدْنَى الأرْضِ اختلفت القرّاء فـي قراءته, فقرأته عامة قرّاء الأمصار: غُلِبَتِ الرّومُ بضمّ الغين, بـمعنى: أن فـارس غَلَبت الروم. وروي عن ابن عمر وأبـي سعيد فـي ذلك ما:
21216ـ حدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, عن الـحسن الـجفريّ, عن سلـيط, قال: سمعت ابن عمر يقرأ «الـم غَلَبَتِ الرّومُ» فقـيـل له: يا أبـا عبد الرحمن, علـى أيّ شيء غَلَبوا؟ قال: علـى ريف الشام.
والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا الذي لا يجوز غيره الـم غُلِبَتِ الرّومُ بضم الغين, لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه. فإذ كان ذلك كذلك, فتأويـل الكلام: غلبت فـارس الروم فِـي أدْنَى الأرْضِ من أرض الشام إلـى أرض فـارس وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبهِمْ يقول: والروم من بعد غلبة فـارس إياهم سَيَغْلِبُونَ فـارس فِـي بِضْعِ سنِـينَ لله الأمْرُ مِنْ قَبْلُ غلبتهم فـارس وَمِنْ بَعْدُ غلبتهم إياها, يقضي فـي خـلقه ما يشاء, ويحكم ما يريد, ويظهر من شاء منهم علـى من أحبّ إظهاره علـيه وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّهِ يقول: ويوم يغلِب الروم فـارس يفرح الـمؤمنون بـالله ورسوله بنصر الله إياهم علـى الـمشركين, ونُصْرة الروم علـى فـارس يَنْصُرُ اللّهُ تعالـى ذكره مَنْ يَشاءُ من خـلقه, علـى من يشاء, وهو نُصرة الـمؤمنـين علـى الـمشركين ببدر وَهُوَ العَزِيزُ يقول: والله الشديد فـي انتقامه من أعدائه, لا يـمنعه من ذلك مانع, ولا يحول بـينه وبـينه حائل الرّحِيـمُ بـمن تاب من خـلقه, وراجع طاعته أن يعذّبه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
21217ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن سعيد, أو سعيد الثعلبـي الذي يقال له أبو سعد من أهل طَرَسُوس, قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري, عن سفـيان بن سعيد الثوري, عن حبـيب بن أبـي عَمرة, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس, قال: كان الـمسلـمون يُحبون أن تغلب الرومُ أهل الكتاب, وكان الـمشركون يحبون أن يغلب أهل فـارس, لأنهم أهل الأوثان, قال: فذكروا ذلك لأبـي بكر, فذكره أبو بكر للنبـيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «أما إنهُمْ سَيُهْزَمُونَ», قال: فذكر ذلك أبو بكر للـمشركين, قال: فقالوا: أفنـجعل بـيننا وبـينكم أجلاً, فإن غلبوا كان لك كذا وكذا, وإن غلبنا كان لنا كذا وكذا قال: فجعلوا بـينهم وبـينه أجلاً خمس سنـين, قال: فمضت فلـم يُغلَبوا قال: فذكر ذلك أبو بكر للنبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال له: «أفَلا جَعَلْتَهُ دُونَ العَشْرِ», قال سعيد: والبِضْع ما دون العشر, قال: فَغَلَبَ الروم, ثم غلبت قال: فذلك قوله: الـم غُلِبَت الرّومُ فِـي أدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِـي بِضْعِ سِنِـينَ قال: البضع: ما دون العشر لِلّه الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّهِ قال سفـيان: فبلغنـي أنهم غلبوا يوم بدر.
21218ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـان الـمصري, قال: حدثنا موسى بن هارون البرديّ, قال: حدثنا معن بن عيسى, قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن, عن ابن شهاب, عن عبـيد الله, عن ابن عبـاس, قال: لـما نزلت الـم غُلِبَتِ الرّومُ فِـي أدْنَى الأرْض... الاَية, ناحب أبو بكر قريشا, ثم أتـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال له: إنـي قد ناحبتهم, فقال له النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «هَلاّ احْتَطْتّ فإنّ البِضْعَ ما بـينَ الثلاثِ إلـى التّسْع». قال الـجمـحي: الـمناحبة: الـمراهنة, وذلك قبل أن يكون تـحريـم ذلك.
21219ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله آلـم غُلِبَتِ الرّومُ... إلـى قوله وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّهِ قال: قد مضى كان ذلك فـي أهل فـارس والروم, وكانت فـارس قد غلبتهم, ثم غلبت الروم بعد ذلك, ولقـي نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم مشركي العرب, يوم التقت الروم وفـارس, فنصر الله النبـيّ صلى الله عليه وسلم ومن معه من الـمسلـمين علـى مشركي العرب, ونصر أهل الكتاب علـى مشركي العجم, ففرح الـمؤمنون بنصر الله إياهم ونصر أهل الكتاب علـى العجم. قال عطية: فسألت أبـا سعيد الـخدريّ عن ذلك, فقال: التقـينا مع مـحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشركي العرب, والتقت الروم وفـارس, فنصرنا الله علـى مشركي العرب, ونصر الله أهل الكتاب علـى الـمـجوس, ففرحنا بنصر الله إيانا علـى الـمشركين, وفرحنا بنصر الله أهل الكتاب علـى الـمـجوس, فذلك قوله وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْر اللّهِ.
حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله آلـم. غُلِبَتِ الرّومُ فِـي أدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهمْ سَيَغْلِبُونَ غلبتهم فـارس, ثم غلبت الروم.
21220ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلـم, عن مسروق, قال: قال عبد الله: خمس قد مضين: الدخان, واللزام, والبطشة, والقمر, والروم.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عامر, عن ابن مسعود, قال: قد مضى آلـم غُلِبَت الرّومُ.
21221ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد آلـم غُلِبَتِ الرّومُ... إلـى قوله أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَـمُونَ قال: ذَكَر غَلَبة فـارس إياهم, وإدالة الروم علـى فـارس, وفرح الـمؤمنون بنصر الروم أهل الكتاب علـى فـارس من أهل الأوثان.
21222ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر بن عبد الله, عن عكرِمة, أن الروم وفـارس اقتتلوا فـي أدنى الأرض, قالوا: وأدنى الأرض يومئذٍ أَذْرعات, بها التقَوا, فهُزِمت الروم فبلغ ذلك النبـي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم بـمكة, فشقّ ذلك علـيهم وكان النبـي صلى الله عليه وسلم يكره أن يظهر الأميّون من الـمـجوس علـى أهل الكتاب من الروم, ففرح الكفـار بـمكة وشمتوا, فلقوا أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقالوا: إنكم أهل الكتاب, والنصارى أهل كتاب, ونـحن أُمّيّون, وقد ظهر إخواننا من أهل فـارس علـى إخوانكم من أهل الكتاب, وإنكم إن قاتلتـمونا لنظهرنّ علـيكم, فأنزل الله آلـم غُلِبَتِ الرّومُ فِـي أدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِـي بِضْعِ سِنِـينَ لِلّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّهِ... الاَيات, فخرج أبو بكر الصدّيق إلـى الكفّـار, فقال: أفرحتـم بظهور إخوانكم علـى إخواننا؟ فلا تفرحوا, ولا يقرّنّ الله أعينكم, فوالله لـيظهرنّ الروم علـى فـارس, أخبرنا بذلك نبـينا صلى الله عليه وسلم, فقام إلـيه أُبـيّ بن خـلف, فقال: كذبت يا أبـا فضيـل, فقال له أبو بكر رضي الله عنه: أنت أكذب يا عدوّ الله, فقال: أناحبك عشر قلائص منـي, وعشر قلائص منك, فإن ظهرت الروم علـى فـارس غرمتُ, وإن ظهرت فـارس علـى الروم غرمتَ إلـى ثلاث سنـين ثم جاء أبو بكر إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره, فقال: «ما هَكَذَا ذَكَرْتُ, إنّـمَا البِضْعُ ما بـينَ الثّلاثِ إلـى التّسْعِ, فَزَايِدْهُ فِـي الـخَطَرِ, ومادّه فِـي الأجَلِ». فخرج أبو بكر فلقـي أُبَـيّا, فقال: لعلك ندمت, فقال: لا, فقال: أزايدك فـي الـخطر, وأمادّك فـي الأجل, فـاجعلها مئة قلوص لـمئة قلوص إلـى تسع سنـين, قال: قد فعلت.
21223ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال ثنـي حجاج, عن أبـي بكر, عن عكرِمة, قال: كانت فـي فـارس امرأة لا تلد إلاّ الـملوك الأبطال, فدعاها كسرى, فقال: إنـي أريد أن أبعث إلـى الروم جيشا وأستعمل علـيهم رجلاً من بنـيك, فأشيري علـيّ أيهم أستعمل, فقالت: هذا فلان, وهو أروغ من ثعلب, وأحذر من صرد, وهذا فرخان, وهو أنفذ من سنان, وهذا شهربراز, وهو أحلـم من كذا, فـاستعمل أيهم شئت قال: إنـي قد استعملت الـحلـيـم, فـاستعمل شهربراز, فسار إلـى الروم بأهل فـارس, وظهر علـيهم, فقتلهم, وخرّب مدائنهم, وقطع زيتونهم قال أبو بكر: فحدّثت بهذا الـحديث عطاء الـخراسانـي فقال: أما رأيت بلاد الشام؟ قلت: لا, قال: أما إنك لو رأيتها, لرأيت الـمدائن التـي خرّبت, والزيتون الذي قُطع, فأتـيت الشام بعد ذلك فرأيته.
قال عطاء الـخراسانـي: ثنـي يحيى بن يعمر, أن قـيصر بعث رجلاً يُدعى قطمة بجيش من الروم, وبعث كسرى شهربراز, فـالتقـيا بأذرعات وبصرى, وهي أدنى الشام إلـيكم, فلقـيت فـارس الروم, فغلبتهم فـارس, ففرح بذلك كفـار قريش, وكرهه الـمسلـمون, فأنزل الله آلـم غُلِبَتِ الرّومُ فِـي أدْنَى الأرْضِ... الاَيات, ثم ذكر مثل حديث عكرمة, وزاد: فلـم يزل شهربراز يطؤهم, ويخرب مدائنهم حتـى بلغ الـخـلـيج ثم مات كسرى, فبلغهم موته, فـانهزم شهربراز وأصحابه, وأوعبت علـيهم الروم عند ذلك, فأتبعوهم يقتلونهم قال: وقال عكرمة فـي حديثه: لـما ظهرت فـارس علـى الروم جلس فرخان يشرب, فقال لأصحابه: لقد رأيت كأنـي جالس علـى سرير كسرى, فبلغت كسرى, فكتب إلـى شهربُراز: إذا أتاك كتابـي فـابعث إلـيّ برأس فَرّخان, فكتب إلـيه: أيها الـملك, إنك لن تـجد مثل فَرّخان, إن له نكاية وضربـا فـي العدوّ, فلا تفعل. فكتب إلـيه: إن فـي رجال فـارسَ خَـلَفـا منه, فعَجّل إلـيّ برأسه. فراجعه, فغضب كسرى فلـم يجبه, وبعث بريدا إلـى أهل فـارس: إنـي قد نزعت عنكم شَهْربُرَاز, واستعملت علـيكم فَرّخان ثم دفع إلـى البريد صحيفة صغيرة: إذا وَلِـيَ فَرّخان الـمُلك, وانقاد له أخوه, فأعطه هذه فلـما قرأ شَهْربُرَاز الكتاب, قال: سمعا وطاعة, ونزل عن سريره, وجلس فَرّخان, ودفع الصحيفة إلـيه, قال: ائتونـي بشهربُرَاز, فقدّمه لـيضرب عنقه, قال: لا تعجل حتـى أكتب وصيتـي, قال: نعم, فدعا بـالسّفَط, فأعطاه ثلاث صحائف, وقال: كل هذا راجعت فـيك كسرى, وأنت أردت أن تقتلنـي بكتاب واحد, فردّ الـملك, وكتب شهربُراز إلـى قـيصر ملك الروم: إن لـي إلـيك حاجة لا يحملها البريد, ولا تبلّغها الصحف, فـالْقِنـي, ولا تَلْقَنـي إلاّ فـي خمسين رُوميا, فإنـي ألقاك فـي خمسين فـارسيا فأقبل قـيصر فـي خَمْسِ مئة ألف روميّ, وجعل يضع العيون بـين يديه فـي الطريق, وخاف أن يكون قد مكر به, حتـى أتته عيونه أن لـيس معه إلاّ خمسون رجلاً, ثم بُسِط لهما, والتقـيا فـي قبة ديبـاج ضُربت لهما, مع كل واحد منهما سِكّين, فدعيا ترجمانا بـينهما, فقال شَهْرْبُرَاز: إن الذين خرّبوا مدائنك أنا وأخي, بكيدنا وشجاعتنا, وإن كسرى حسدنا, فأراد أن أقتل أخي, فأبـيت, ثم أمر أخي أن يقتلنـي, فقد خـلعناه جميعا, فنـحن نقاتله معك, فقال: قد أصبتـما, ثم أشار أحدهما إلـى صاحبه أن السرّ بـين اثنـين, فإذا جاوز اثنـين فشا. قال: أجل, فقتلا الترجمان جميعا بسكينـيهما, فأهلك الله كسرى, وجاء الـخبر إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الـحُدَيبَـية, ففرح ومن معه.
21224ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة آلـم غُلِبَتِ الرّومُ قال: غَلَبتهم فـارسُ علـى أدنى الشام وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سيَغْلِبُونَ... الاَية, قال: لـما أنزل الله هؤلاء الاَيات صَدّق الـمسلـمون ربهم, وعلـموا أن الروم سيظهرون علـى فـارس, فـاقتـمروا هم والـمشركون خمسَ قلائص, خمَس قلائص, وأَجّلوا بـينهم خمس سنـين, فولـيَ قِمار الـمسلـمين أبو بكر رضي الله عنه, وولـيَ قِمار الـمشركين أُبـيّ بن خـلف, وذلك قبل أن يُنْهَى عن القمار, فحلّ الأجل, ولـم يظهر الروم علـى فـارس, وسأل الـمشركون قِمارهم, فذَكَر ذلك أصحاب النبـيّ للنبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَـمْ تَكُونُوا أحِقّاءَ أنْ تُؤَجّلُوا دُونَ العَشْرِ, فإنّ البِضْعَ ما بـينَ الثّلاثِ إلـى العَشْرِ, وَزَايِدُوهُمْ فِـي القِمار, وَمادّوهُمْ فِـي الأجَلِ», ففعلوا ذلك, فأظهر الله الروم علـى فـارس عند رأس البِضْع سنـينَ من قمارهم الأوّل, وكان ذلك مرجعَه من الـحديبـية, ففرح الـمسلـمون بصلـحهم الذي كان, وبظهور أهل الكتاب علـى الـمـجوس, وكان ذلك مـما شدّد الله به الإسلام وهو قوله وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّهِ... الاَية.
21225ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَـية, عن داود بن أبـي هند, عن الشعبـيّ, فـي قوله آلـم غُلِبَتِ الرّومُ... إلـى قوله وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ قال: كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم أخبر الناس بـمكة أن الروم ستُغْلَب, قال: فنزل القرآن بذلك, قال: وكان الـمسلـمون يُحِبون ظهور الروم علـى فـارس, لأنهم أهل الكتاب.
21226ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـيّ, عن داود بن أبـي هند, عن عامر, عن عبد الله, قال: كانت فـارس ظاهرة علـى الروم, وكان الـمشركون يحبون أن تظهر فـارسُ علـى الروم, وكان الـمسلـمون يحبون أن تظهر الروم علـى فـارس, لأنهم أهل كتاب, وهم أقرب إلـى دينهم: فلـما نزلت آلـم غُلِبَتِ الرّومُ... إلـى فِـي بِضْعِ سِنِـينَ قالوا: يا أبـا بكر: إنّ صاحبك يقول: إن الروم تظهر علـى فـارس فـي بضع سنـين, قال: صدق, قالوا: هل لك أن نقامرك؟ فبـايعوه علـى أربع قلائص, إلـى سبع سنـين, فمضت السبع, ولـم يكن شيء, ففرح الـمشركون بذلك, وشَقّ علـى الـمسلـمين, فذكروا ذلك للنبـيّ صلى الله عليه وسلم: فقال: «ما بِضْعُ سِنِـينَ عِنْدَكُمْ؟» قالوا: دون العشر, قال: «اذْهَبْ فزَايِدْهُمْ وَازْدَدْ سنَتَـيْنِ» قال: فما مضت السنتان, حتـى جاءت الركبـان بظهور الرّوم علـى فـارس, ففرح الـمسلـمون بذلك, فأنزل الله: آلـم غُلِبَتِ الرّومُ... إلـى قوله وَعْدَ اللّهِ لا يُخْـلِفُ اللّهُ وَعْدَهُ.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن الأعمش, ومطر عن أبـي الضحى, عن مسروق, عن عبد الله قال: مضت الروم.
21227ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله آلـم غُلِبَتِ الرّومُ فِـي أدْنَى الأرْضِ قال: أدنى الأرض: الشأم وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ قال: كانت فـارس قد غَلَبت الروم, ثم أديـلَ الرومُ علـى فـارس, وذُكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الرّومَ سَتَغْلِبُ فـارِسا», فقال الـمشركون: هذا مـما يَتَـخَرّص مـحمد, فقال أبو بكر: تُنَاحبوننـي؟ والـمناحبة: الـمـجاعلة, قالوا: نعم, فناحبهم أبو بكر, فجعل السنـين أربعا أو خمسا, ثم جاء إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ البِضْعَ فِـيـما بـينَ الثّلاثِ إلـى التّسْعِ, فـارْجِعْ إلـى القَوْمِ, فَزِدْ فِـي الـمُناحَبَةِ», فرجع إلـيهم. قالوا: فناحَبَهم فزاد. قال: فغَلبت الروم فـارسا, فذلك قول الله: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ يوم أُديـلت الرومُ علـى فـارس.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا معاوية بن عمرو, عن أبـي إسحاق الفَزاريّ, عن سفـيان, عن حبـيب بن أبـي عمرة, عن سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس آلـم غُلِبَتِ الرومُ قال: غُلِبت وغَلَبت.
فأما الذين قرءوا ذلك: «غَلَبَتِ الرّومُ» بفتـح الغين, فإنهم قالوا: نزلت هذه الاَية خبرا من الله نبـيه صلى الله عليه وسلم عن غَلَبة الروم. ذكر من قال ذلك:
21228ـ حدثنا نصر بن علـيّ, قال: حدثنا الـمعتـمِر بن سلـيـمان, عن أبـيه, عن سلـيـمان, يعنـي الأعمش, عن عطية, عن أبـي سعيد, قال: لـما كان يومُ ظهر الروم علـى فـارس, فأعجبَ ذلك الـمؤمنـين, فنزلت آلـم غُلِبَتِ الرّومُ علـى فـارس.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا يحيى بن حماد, قال: حدثنا أبو عوانة, عن سلـيـمان, عن عطية, عن أبـي سعيد, قال: لـما كان يوم بدر, غلبت الروم علـى فـارس, ففرح الـمسلـمون بذلك, فأنزل الله آلـم غُلِبَتِ الرّومُ... إلـى آخر الاَية.
حدثنا يحيى بن إبراهيـم الـمسعودي, قال: حدثنا أبـي, عن أبـيه, عن جدّه, عن الأعمش, عن عطية, عن أبـي سعيد, قال: لـما كان يوم بدر, ظهرت الروم علـى فـارس, فأعجب ذلك الـمؤمنـين, لأنهم أهل كتاب, فأنزل الله آلـم غُلِبَتِ الرّومُ فِـي أدْنَى الأرْضِ قال: كانوا قد غلبوا قبل ذلك, ثم قرأ حتـى بلغ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّهِ.
وقوله: فِـي أدْنَى الأرْضِ قد ذكرت قول بعضهم فـيـما تقدّم قبل, وأذكر قول من لـم يذكر قوله.
21229ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله فـي أدنى الأرْضِ يقول: فـي طرف الشام.
ومعنى قوله أدنى: أقرب, وهو أفعل من الدنوّ والقرب. وإنـما معناه: فـي أدنى الأرض من فـارس, فترك ذكر فـارس استغناء بدلالة ما ظهر من قوله فِـي أدْنَى الأرْضِ علـيه منه. وقوله: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ يقول: والروم من بعد غلبة فـارس إياهم سيغلبون فـارس. وقوله: منْ بَعْدِ غَلَبهمْ مصدر من قول القائل: غلبته غلبة, فحذفت الهاء من الغلبة. وقـيـل: من بعد غلبهم, ولـم يقل: من بعد غلبتهم للإضافة, كما حذفت من قوله: وَإقامِ الصّلاةِ للإضافة. وإنـما الكلام: وإقامة الصلاة.
وأما قوله: سَيَغْلِبُونَ فإن القرّاء أجمعين علـى فتـح الـياء فـيها, والواجب علـى قراءة من قرأ: «الـم غَلَبَنِ الرّومُ» بفتـح الغين, أن يقرأ قوله: «سَيُغْلَبُونَ» بضم الـياء, فـيكون معناه: وهم من بعد غلبتهم فـارس سيغلبهم الـمسلـمون, حتـى يصحّ معنى الكلام, وإلاّ لـم يكن للكلام كبـير معنى إن فتـحت الـياء, لأن الـخبر عما قد كان يصير إلـى الـخبر عن أنه سيكون, وذلك إفساد أحد الـخبرين بـالاَخر.
وقوله: فِـي بضْعِ سِنِـينَ قد ذكرنا اختلاف أهل التأويـل فـي معنى البضع فـيـما مضى, وأتـينا علـى الصحيح من أقوالهم, بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وقد:
21230ـ حدثنا, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: لِلّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ دولة فـارس علـى الروم وَمِنْ بَعْدُ دولة الروم علـى فـارس.
وأما قوله: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ فقد ذكرنا الرواية فـي تأويـله قبل, وبـيّنا معناه