تفسير الطبري تفسير الصفحة 489 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 489
490
488
 الآية : 52-53
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَـَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نّهْدِي بِهِ مَن نّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنّكَ لَتَهْدِيَ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللّهِ الّذِي لَهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ أَلاَ إِلَى اللّهِ تَصِيرُ الاُمُورُ }.
يعني تعالى ذكره بقوله: وكَذلكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحا مِنْ أمْرِنا وكما كنا نوحي في سائر رسلنا, كذلك أوحينا إليك يا محمد هذا القرآن, روحا من أمرنا: يقول: وحيا ورحمة من أمرنا.
واختلف أهل التأويل في معنى الروح في هذا الموضع, فقال بعضهم: عنى به الرحمة. ذكر من قال ذلك:
23758ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, عن الحسن في قوله: رُوحا مِنْ أمْرِنا قال: رحمة من أمرنا.
وقال آخرون: معناه: وحيا من أمرنا. ذكر من قال ذلك:
23759ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: وكَذلكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحا مِنْ أمْرِنا قال: وحيا من أمرنا.
وقد بيّنا معنى الروح فيما مضى بذكر اختلاف أهل التأويل فيها بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: مَا كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ وَلا الإيمَانُ يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ماكنت تدري يا محمد أيّ شيء الكتاب ولا الإيمان اللذين أعطيناكهما وَلَكِنْ جَعَلْناهُ نُورا يقول: ولكن جعلنا هذا القرآن, وهو الكتاب نورا, يعني ضياءً للناس, يستضيئون بضوئه الذي بيّن الله فيه, وهو بيانه الذي بيّن فيه, مما لهم فيه في العمل به الرشاد, ومن النار النجاة نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا يقول: نهدي بهذا القرآن, فالهاء في قوله «به» من ذكر الكتاب.
ويعني بقوله: نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ: نسدّد إلى سبيل الصواب, وذلك الإيمان بالله مَنْ نَشاءُ منْ عِبادِنا يقول: نهدي به من نشاء هدايته إلى الطريق المستقيم من عبادنا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23760ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ وَلا الإيمانُ يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وَلَكِنْ جَعَلْناهُ نُورا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا يعني بالقرآن. وقال جلّ ثناؤه وَلَكِنْ جَعَلْناهُ فوحد الهاء, وقد ذكر قبل الكتاب والإيمان, لأنه قصد به الخبر عن الكتاب. وقال بعضهم: عنى به الإيمان والكتاب, ولكن وحد الهاء, لأن أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل, كما يقال: إقبالك وإدبارك يعجبني, فيوحدهما وهما اثنان.
وقوله: وَإنّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإنك يا محمد لتهدي إلى صراط مستقيم عبادنا, بالدعاء إلى الله, والبيان لهم. كما:
23761ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإنّكَ لَتَهْدي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ قال تبارك وتعالى وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ داعٍ يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَإنّكَ لَتَهْدي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ قال: لكل قوم هاد.
23762ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَإنّكَ لَتَهْدِي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يقول: تدعو إلى دين مستقيم, صِراطِ اللّهِ الّذِي لَهُ ما فِي السّمّواتِ وما في الأرْضِ يقول جلّ ثناؤه: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم, وهو الإسلام, طريق الله الذي دعا إليه عباده, الذي لهم مُلك جميع ما في السموات وما في الأرض, لا شريك له في ذلك. والصراط الثاني: ترجمة عن الصراط الأوّل.
وقوله جلّ ثناؤه: ألا إلى اللّهِ تَصِيرُ الامُورُ يقول جلّ ثناؤه: ألا إلى الله أيها الناس تصير أموركم في الاَخرة, فيقضي بينكم بالعدل.
فإن قال قائل: أو ليست أمورهم في الدنيا إليه؟ قيل: هي وإن كان إليه تدبير جميع ذلك, فإن لهم حكاما ووُلاة ينظرون بينهم, وليس لهم يوم القيامة حاكم ولا سلطان غيره, فلذلك قيل: إليه تصير الأمور هنالك وإن كانت الأمور كلها إليه وبيده قضاؤها وتدبيرها في كل حال.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة الشورى

سورة الزخرف مكية
وآياتها تسع وثمانون

بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1-2
القول في تأويل قوله تعالى: {حـمَ * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ }.
قد بيّنا فيما مضى قوله: حم بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: وَالكِتابِ المُبِينِ قسَم من الله تعالى أقسم بهذا الكتاب الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال: وَالكِتابِ المُبِينِلمن تدبّره وفكّر في عبره, وعظاته, هداه, ورشده, وأدلته على حقيته, وأنه تنزيل من حكيم حميد, لا اختلاق من محمد صلى الله عليه وسلم ولا افتراء من أحد إنّا جَعَلْناهُ قُرْآنا عَرَبِيّا يقول: إنا أنزلناه قرآنا عربيا بلسان العرب, إذ كنتم أيها المنذرُون به من رهط محمد صلى الله عليه وسلم عربا لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ يقول: لتعقلوا معانيه وما فيه من مواعظ, ولم ينزله بلسان العجم, فيجعله أعجميا, فتقولوا: نحن عرب, وهذا كلام أعجميّ لا نفقه معانيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23763ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ حم. والكِتاب المُبِينِ هو هذا الكتاب المبين.
23764ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة حم. والكتاب المبين مبين والله بركته, وهداه ورشده.
الآية : 3-4
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لّعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنّهُ فِيَ أُمّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيّ حَكِيمٌ }.
يقول تعالى ذكره: وإن هذا الكتاب أصل الكتاب الذي منه نسخ هذا الكتاب عندنا لعليّ: يقول: لذو علوّ ورفعة, حكيم: قد أحكمت آياته, ثم فصلت فهو ذو حكمة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23765ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن هشام الدستوائي, عن القاسم بن أبي بزة, قال: حدثنا عروة بن عامر, أنه سمع ابن عباس يقول: أوّل ما خلق الله القلم, فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق, قال: والكتاب عنده, قال: وإنه في أمّ الكتاب لدينا لعليّ حكيم.
23766ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت أبي, عن عطية بن سعد في قول الله تبارك وتعالى: وإنّهُ في أمّ الكِتابِ لَدَيْنا لِعَلِيّ حَكِيمٌ يعني القرآن في أمّ الكتاب الذي عند الله منه نسخ.
23767ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت مالكا يروي عن عمران, عن عكرمة وإنّهُ فِي أُمّ الكِتاب لَدَيْنا قال: أمّ الكتاب القرآن.
23768ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: وَإنّهُ في أمّ الكِتاب لَدَيْنا قال: أمّ الكتاب: أصل الكتاب وجملته.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَإنّهُ فِي أُمّ الكِتابِ: أي جملة الكتاب أي أصل الكتاب.
23769ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَإنّهُ فِي أُمّ الكِتابِ يقول: في الكتاب الذي عند الله في الأصل.
وقوله: لَدَيْنا لَعَلِيّ حَكِيمٌ وقد ذكرنا معناه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23770ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لَدَيْنا لَعَلِيّ حَكِيمٌ يخبر عن منزلته وفضله وشرفه.
الآية : 5
القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مّسْرِفِينَ }.
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معناه: أفنضرب عنكم ونترككم أيها المشركون فيما تحسبون, فلا نذكركم بعقابنا من أجل أنكم قوم مشركون. ذكر من قال ذلك:
23771ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله عزّ وجلّ: أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذّكْرَ صَفْحا قال: تكذّبون بالقرآن ثم لا تعاقبون عليه.
23772ـ حدثني محمد بن عمارة, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا سفيان, عن إسماعيل, عن أبي صالح, قوله: أفَنَضْربُ عَنْكُمْ الذّكْرَ صَفْحا قال: بالعذاب.
23773ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذّكْرَ صفحا قال: أفنضرب عنكم العذاب.
23774ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: أفَنَضْربُ عَنْكُمُ الذّكْرَ صَفْحا أنْ كُنْتُمْ قَوْما مُسْرِفِينَ يقول: أحسبتم أن نصفح عنكم ولما تفعلوا ما أُمرتم به.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أفنترك تذكيركم بهذا القرآن, ولا نذكركم به, لأن كنتم قوما مسرفين. ذكر من قال ذلك:
23775ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذّكْرَ صَفْحا أنْ كُنْتُمْ قَوْما مُسْرِفِينَ: أي مشركين, والله لو كان هذا القرآن رفع حين ردّه أوائل هذه الأمة لهلكوا, فدعاهم إليه عشرين سنة, أو ما شاء الله من ذلك.
23776ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذّكْرَ صَفْحا قال: لو أن هذه الأمة لم يؤمنوا لضرب عنهم الذكر صفحا, قال: الذكر ما أنزل عليهم مما أمرهم الله به ونهاهم صفحا, لا يذكر لكم منه شيئا.
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوّله: أفنضرب عنكم العذاب فنترككم ونعرض عنكم, لأن كنتم قوما مسرفين لا تؤمنون بربكم.
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالاَية, لأن الله تبارك وتعالى أتبع ذلك خبره عن الأمم السالفة قبل الأمم التي توعدها بهذه الاَية في تكذيبها رسلها, وما أحلّ بها من نقمته, ففي ذلك دليل على أن قوله: أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذّكْرَ صَفْحا وعيد منه للمخاطبين به من أهل الشرك, إذ سلكوا في التكذيب بما جاءهم عن الله رسولهم مسلك الماضين قبلهم.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة «إنْ كُنْتُم» بكسر الألف من «إن» بمعنى: أفنضرب عنكم الذكر صفحا إذ كنتم قوما مسرفين. وقرأه بعض قرّاء أهل مكة والكوفة وعامة قرّاء البصرة «أن» بفتح الألف من «أن», بمعنى: لأن كنتم.
واختلف أهل العربية في وجه فتح الألف من أن في هذا الموضع, فقال بعض نحويي البصرة: فتحت لأن معنى الكلام: لأن كنتم. وقال بعض نحويي الكوفة: من فتحها فكأنه أراد شيئا ماضيا, فقال: وأنت تقول في الكلام: أتيت أن حرمتني, تريد: إذ حرمتني, ويكسر إذا أردت: أتيت إن تحرمني. ومثله: لا يَجْرمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أنْ صَدّوكُمْ وإنْ صَدّوكُمْ بكسر وبفتح.
فَلَعَلّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ على آثارِهِمْ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أسَفا قال: والعرب تنشد قول الفرزدق:
أَتجْزَعُ أنْ أُذْنا قُتَيْبَةَ حُزّتاجِهارا ولَمْ تَجْزَعْ لقَتْلِ ابنِ حازِمِ
قال: وينشد:
أتَجْزَعُ أنْ بانَ الخَلِيطُ المُوَدّعُوَحَبْلُ الصّفا مِنْ عَزّةَ المُتَقَطّعُ
قال: وفي كل واحد من البيتين ما في صاحبه من الكسر والفتح.
والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الكسر والفتح في الألف في هذا الموضع قراءتان مشهورتان في قَرَأة الأمصار صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب, وذلك أن العرب إذا تقدم «أن» وهي بمعنى الجزاء فعل مستقبل كسروا ألفها أحيانا, فمحضوا لها الجزاء, فقالوا: أقوم إن قمت, وفتحوها أحيانا, وهم ينوون ذلك المعنى, فقالوا: أقوم أن قمت بتأول, لأن قمت, فإذا كان الذي تقدمها من الفعل ماضيا لم يتكلّموا إلا بفتح الألف من «أن» فقالوا: قمتُ أن قمتَ, وبذلك جاء التنزيل, وتتابع شعر الشعراء.
الآية : 6-7
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نّبِيّ فِي الأوّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِم مّنْ نّبِيّ إِلاّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وَكَمْ أرْسَلْنَا مِنَ نَبِيّ يا محمد في القرون الأوّلين الذين مضوا قبل قرنك الذي بعثت فيه كما أرسلناك في قومك من قريش وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيَ إلاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ يقول وما كان يأتي قرنا من أولئك القرون وأمة من أولئك الأمم الأوّلين لنا من نبيّ يدعوهم إلى الهدى وطريق الحق, إلاّ كان الذين يأتيهم ذلك من تلك الأمم نبيهم الذي أرسله إليهم يستهزئون سخرية منهم بهم كاستهزاء قومك بك يا محمد. يقول: فلا يعظمنّ عليك ما يفعل بك قومك, ولا يشقنّ عليك, فإنهم إنما سلكوا في استهزائهم بك مسلك أسلافهم, ومنهاج أئمتهم الماضين من أهل الكفر بالله.
الآية : 8
القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَهْلَكْنَآ أَشَدّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىَ مَثَلُ الأوّلِينَ }.
يقول تعالى ذكره: فأهلكنا أشدّ من هؤلاء المستهزئين بأنبيائهم بطشا إذا بطشوا فلم يعجزونا بقواهم وشدّة بطشهم, ولم يقدروا على الامتناع من بأسنا إذ أتاهم, فالذين هم أضعف منهم قوّة أحرى أن لا يقدروا على الامتناع من نقمنا إذا حلّت بهم وَمَضَى مَثَلُ الأوّلِينَ يقول جلّ ثناؤه: ومضى لهؤلاء المشركين المستهزئين بك ولمن قبلهم من ضربائهم مثَلُنا لهم في أمثالهم من مكذّبي رسلنا الذين أهلكناهم, يقول: فليتوقع هؤلاء الذين يستهزئون بك يا محمد من عقوبتنا مثل الذي أحللناه بأولئك الذين أقاموا على تكذيبك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23777ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَمَضَى مَثَلُ الأولِينَ قال: عقوبة الأوّلين.
23778ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: مَثَلُ الأوّلِينَ قال: سُنتهم.
الآية : 9-10
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ خَلَقَهُنّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ * الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لّعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ }.
يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين من قومك: من خلق السموات السبع والأرضين, فأحدثهنّ وأنشأهنّ؟ ليقولنّ: خلقهنّ العزيز في سلطانه وانتقامه من أعدائه, العليم بهنّ وما فيهنّ من الأشياء, لا يخفى عليه شيء الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدا يقول: الذي مهّد لكم الأرض, فجعلها لكم وطاء توطئونها بأقدامكم, وتمشون عليها بأرجلكم وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً يقول: وسهّل لكم فيها طرقا تتطرّقونها من بلدة إلى بلدة, لمعايشكم ومتاجركم. كما:
23779ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَجَعَلَ لَكُمُ فِيها سُبُلاً أي طرقا.
23780ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدا قال: بساطا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً قال: الطرق لَعَلّكُمْ تَهْتَدُون يقول: لكي تهتدوا بتلك السبل إلى حيث أردتم من البُلدان والقُرى والأمصار, لولا ذلك لم تطيقوا براح أفنيتكم ودوركم, ولكنها نعمة أنعم بها عليكم