تفسير الطبري تفسير الصفحة 572 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 572
573
571
 سورة الجن مكية
وآياتها ثمان وعشرون
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1 -3
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{قُلْ أُوحِيَ إِلَيّ أَنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مّنَ الْجِنّ فَقَالُوَاْ إِنّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِيَ إِلَى الرّشْدِ فَآمَنّا بِهِ وَلَن نّشرِكَ بِرَبّنَآ أَحَداً * وَأَنّهُ تَعَالَىَ جَدّ رَبّنَا مَا اتّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً }.
يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد أوحى الله إليّ أنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنّ هذا القرآن فَقالُوا لقومهم لما سمعوه إنّا سَمِعْنا قُرْآنا عَجَبا يَهْدِي إلى الرّشْدِ يقول: يدلّ على الحقّ وسبيل الصواب فآمَنّا بِهِ يقول: فصدّقناه وَلَن نُشْرِكَ برَبّنا أحَدا من خلقه.
وكان سبب استماع هؤلاء النفر من الجنّ القرآن, كما:
27118ـ حدثني محمد بن معمر, قال: حدثنا أبو هشام, يعني المخزومي, قال: حدثنا أبو عوانة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, قال: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنّ ولا رآهم انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه, عامدين إلى سوق عكاظ, قال: وقد حِيل بين الشياطين وبين خبر السماء, وأُرسلت عليهم الشهب, فرجعت الشياطين إلى قومهم, فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء, وأُرسلت علينا الشهب, فقالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث, قال: فانطلقوا فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حدث, قال: فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها, يتتبعون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر المساء قال: فانطلق النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخلة, وهو عامد إلى سوق عكاظ, وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر قال: فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء قال: فهنالك حين رجعوا إلى قومهم, فقالوا: يا قومنا إنا سَمِعْنا قرآنا عَجَبا يَهْدِي إلى الرّشْدِ فآمَنّا بِه وَلَنْ نُشْركَ بِرَبّنا أحَدا قال: فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ أُوْحِيَ إليّ أنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنّ وإنما أوحي إليه قول الجنّ.
27119ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عاصم, عن ورقاء, قال: قدم رهط زوبعة وأصحابه مكة على النبيّ صلى الله عليه وسلم, فسمعوا قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم, ثم انصرفوا, فذلك قوله: وَإذْ صَرَفْنا إلَيْكَ نَفَرا مِنَ الجِن يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمّا حَضَرُوه قالُوا أنْصِتُوا قال: كانوا تسعة فيهم زوبعة.
27120ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: قُلْ أُوْحِيَ إليّ أنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنّ هو قول الله وإذ صَرَفْنا إلَيْكَ نَفَرا مِنَ الجِنّ لم تُحرس السماء في الفترة بين عيسى ومحمد فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم حرست السماء الدنيا, ورُميت الشياطين بالشهب, فقال إبليس: لقد حدث في الأرض حدث, فأمر الجنّ فتفرّقت في الأرض لتأتيه بخبر ما حدث. وكان أوّل من بُعث نفر من أهل نصِيبين وهي أرض باليمن, وهم أشراف الجنّ وسادتهم, فبعثهم إلى تهامة وما يلي اليمن, فمضى أولئك النفر, فأتوا على الوادي وادي نخلة, وهو من الوادي مسيرة ليلتين, فوجدوا به نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الغداة فسمعوه يتلو القرآن فلما حضروه, قالوا: أنصتوا, فلما قُضِيَ, يعني فُرِغ من الصلاة, وَلّوْا إلى قومهم منذرين, يعني مؤمنين, لم يعلم بهم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم, ولم يشعر أنه صُرِف إليه, حتى أنزل الله عليه: قُلْ أُوْحِيَ إليّ أنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنّ.
وقوله: وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا اختلف أهل التأويل في معنى ذلك, فقال بعضهم: معناه: فآمنا به ولن نُشرك بربنا أحدا, وآمنا بأنه تعالى أمر ربنا وسلطانه وقُدرته. ذكر من قال ذلك:
27121ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: حدثنا معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا يقول: فعله وأمره وقُدرته.
حدثني محمد بن سعد, قال: حدثنا أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا يقول: تعالى أمر ربنا.
27122ـ حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المُثّنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن قتادة في هذه الاَية: تَعالى جَدّ رَبّنا قال: أمر ربنا.
27123ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن السديّ: تَعالى جَدّ رَبّنا قال: أمر ربنا.
27124ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: تَعالى جَدّ رَبّنا ما اتّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَدا قال: تعالى أمره أن يتخذ ولا يكون الذي قالوا: صاحبة ولا ولدا, وقرأ: قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلم يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحَدُ قال: لا يكون ذلك منه.
وقال آخرون: عني بذلك جلال ربنا وذكره. ذكر من قال ذلك:
27125ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر بن سليمان, عن أبيه, قال: قال عكرِمة, في قوله: جَد رَبّنا قال: جلال ربنا.
27126ـ حدثني محمد بن عمارة, قال: ثني خالد بن يزيد, قال: حدثنا أبو إسرائيل, عن فضيل, عن مجاهد, في قوله: وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا قال: جلال ربنا.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران عن سفيان, عن سليمان التّيْمِيّ قال: قال عكرِمة: تَعالى جَدّ رَبّنا جلال ربنا.
27127ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا: أي تعالى جلاله وعظمته وأمره.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله تعالى جَد رَبّنا قال: تعالى: أمر ربنا تعالت عظمته.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: تعالى غنى ربنا. ذكر من قال ذلك:
27128ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر, عن أبيه, قال: قال الحسن, في قوله تعالى: جَدّ رَبّنا قال: غنى ربنا.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن سليمان التيمي, عن الحسن تَعالى جَدّ رَبّنا قال: غنى ربنا.
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله: تَعالى جَد رَبّنا قال: غِنَى ربنا.
حدثنا الحسن بن عرفة, قال: حدثنا هشيم, عن سليمان التيمي, عن الحسن وعكرِمة, في قول الله: وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا قال أحدهما: غناه, وقال الاَخر: عظمته.
وقال آخرون: عَنِي بذلك الجدّ الذي هو أبو الأب, قالوا: ذلك كان من كلام جهلة الجنّ. ذكر من قال ذلك:
27129ـ حدثني أبو السائب, قال: ثني أبو جعفر محمد بن عبد الله بن أبي سارة, عن أبيه, عن أبي جعفر: تَعالى جَدّ رَبّنا قال: كان كلاما من جهلة الجنّ.
وقال آخرون: عُنِي بذلك: ذِكْره. ذكر من قال ذلك:
27130ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: تَعالى جَدّ رَبّنا قال: ذكره.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: عُنِي بذلك: تعالت عظمة ربنا وقُدرته وسطانه.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لأن للجدّ في كلام العرب معنيين: أحدهما الجَدّ الذي هو أبو الأب, أو أبو الأم, وذلك غير جائز أن يوصف به هؤلاء النفر الذين وصفهم الله بهذه الصفة, وذلك أنهم قد قالوا: فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ومن وصف الله بأن له ولدا أو جدّا أو هو أبو أب أو أبو أمّ, فلا شكّ أنه من المشركين. والمعنى الاَخر: الجَدّ الذي بمعنى الحظّ يقال: فلان ذو جدّ في هذا الأمر: إذا كان له حظّ فيه, وهو الذي يُقال له بالفارسية «البَخْت», وهذا المعنى الذي قصده هؤلاء النفر من الجنّ بقيلهم: وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا إن شاء الله. وإنما عَنَوا أن حظوته من المُلك والسلطان والقدرة والعظمة عالية, فلا يكون له صاحبة ولا ولد, لأن الصاحبة إنما تكون للضعيف العاجز الذي تضطرّه الشهوة الباعثة إلى اتخاذها, وأن الولد إنما يكون عن شهوة أزعجته إلى الوِقاع الذي يحدث منه الولد, فقال النفر من الجن: علا مُلكُ ربنا وسُلطانه وقدرته وعظمته أن يكون ضعيفا ضعف خلقه الذين تضطرّهم الشهوة إلى اتخاذ صاحبة, أو وِقاع شيء يكون منه ولد.
وقد بين عن صحة ما قلنا في ذلك إخبار الله عنهم أنهم إنما نزّهوا الله عن اتخاذ الصاحبة والولد بقوله: وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا ما اتّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدا يقال منه: رجل جدّي وجديد ومجدود: أي ذو حظّ فيما هو فيه ومنه قول حاتم الطائي:
أُغْزُوا بني ثُعْلٍ فالغَزْوُ جَدّكُمُعُدّوا الرّوَابي وَلا تَبْكُوا لِمَنْ قُتِلا
وقال آخر:
يُرَفّعُ جَدّكَ إنّي امْرُوٌسَقَتْنِي إلَيْكَ الأعادِي سِجالا
وقوله: ما اتّخَذَ صَاحِبَةً يعني زوجة وَلا وَلَدا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله وأنّهُ تَعالى فقرأه أبو جعفر القارىء وستة أحرف أُخر بالفتح, منها: إنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ وأنّ المَساجِدَ لِلّهِ وأنّهُ كان يَقُولُ سَفِيهُنا وأنّهُ كانَ رِجال مِنَ الإنْس وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ وكان نافع يكسرها إلا ثلاثة أحرف: أحدها: قُلْ أُوحِيَ إليّ أنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ والثانية وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا, والثالثة وأنّ المَساجِدَ لِلّهِ. وأما قرّاء الكوفة غير عاصم, فإنهم يفتحون جميع ما في آخر سورة النجم وأوّل سورة الجنّ إلا قوله فَقالُوا إنّا سمِعْنا, وقوله: قالَ إنّمَا أدْعُو رَبّي وما بعده إلى آخر السورة, وأنهم يكسرون ذلك غير قوله: لِيَعْلَمَ أنْ قَدْ أبْلَغُوا رِسالاتِ رَبّهِمْ. وأما عاصم فإنه كان يكسر جميعها إلا قوله: وأنّ المَساجِدَ لِلّهِ فإنه كان يفتحها, وأما أبو عمرو, فإنه كان يكسر جميعها إلا قوله: وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ فإنه كان يفتح هذه وما بعدها فأما الذين فتحوا جميعها إلا في موضع القول, كقوله: فَقالُوَا إنّا سَمِعْنا وقوله: قالَ إنّمَا أدْعُو رَبّي ونحو ذلك, فإنهم عطفوا أن في كلّ السورة على قوله فآمنا به, وآمنا بكلّ ذلك, ففتحوها بوقوع الإيمان عليها. وكان الفرّاء يقول: لا يمنعنك أن تجد الإيمان يقبح في بعض ذلك من الفتح, وأن الذي يقبح مع ظهور الإيمان قد يحسن فيه فعل مضارع للإيمان, فوجب فتح أنّ كما قالت العرب:
إذَا ما الغانِياتُ بَرَزْنَ يَوْماوزَجّجْنَ الْحَوَاجِبَ والعُيُونا
فنصب العيون لاتباعها الحواجب, وهي لا تزجج, وإنما تكحل, فأضمر لها الكحل, كذلك يضمر في الموضع الذي لا يحسن فيه آمنّا صدّقنا وآمّنا وشهدنا. قال: وبقول النصب قوله: وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ فينبغي لمن كسر أن يحذف «أن» من «لو» لأن «أن» إذا خُففت لم تكن حكاية. ألا ترى أنك تقول: أقول لو فعلت لفعلت, ولا تدخل «أن». وأما الذين كسروها كلهم وهم في ذلك يقولون: وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا فكأنهم أضمروا يمينا مع «لو» وقطعوها عن النسق على أوّل الكلام, فقالوا: والله أن لو استقاموا قال: والعرب تدخل «أن» في هذا الموضع مع اليمين وتحذفها, قال الشاعر:
فَأُقْسِمُ لَوْ شَيْءٌ أتانا رَسُولُهُسِوَاكَ وَلَكِنَ لَمْ نَجدْ لَكَ مَدْفَعا
قالوا: وأنشدنا آخر:
أمَا وَاللّهَ أنْ لَوْ كُنْتَ حراوَما بالْحُرّ أنْتَ وَلا العَتِيقِ
وأدخل «أن» من كسرها كلها, ونصب وأنّ المَساجِدَ لِلّهِ فإنه خصّ ذلك بالوحي, وجعل وأنْ لَوْ مضمرة فيها اليمين على ما وصفت. وأما نافع فإن ما فتح من ذلك فإنه ردّه على قوله: أُوحِيَ إليّ وما كسره فإنه جعله من قول الجنّ. وأحبّ ذلك إليّ أن أقرأ به الفتح فيما كان وحيا, والكسر فيما كان من قول الجنّ, لأن ذلك أفصحها في العربية, وأبينها في المعنى, وإن كان للقراءات الأُخر وجوه غير مدفوعة صحتها.


الآية : 4-6
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَأَنّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللّهِ شَطَطاً * وَأَنّا ظَنَنّآ أَن لّن تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنّ عَلَى اللّهِ كَذِباً * وَأَنّهُ كَانَ رِجَالٌ مّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مّنَ الْجِنّ فَزَادوهُمْ رَهَقاً }.
يقول عزّ وجلّ مخبرا عن قيل النفر من الجنّ الذين استمعوا القرآن أنّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهنا وهو إبليس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27131ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أنّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا على الله شَطَطا وهو إبليس.
27132ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن رجل من المكيين, عن مجاهد سَفيهُنا على اللّهِ شَطَطا قال: إبليس: ثم قال سفيان: سمِعت أن الرجل إذا سجد جلس إبليس يبكي يقول: يا ويله أمر بالسجود فعصَى, فله النار, وأمر ابن آدم بالسجود فسجد, فله الجنة.
27133ـ حدثني ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, قال: تلا قتادة: وأنّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا على اللّهِ شَطَطا وأنّا ظَنَنّا أنْ لَنْ تَقُولُ الإنْسُ والجِنّ على اللّهِ كَذِبا فقال: عصاه والله سفيه الجنّ, كما عصاه سفيه الإنس.
وأما الشّطط من القول, فإنه ما كان تعدّيا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27134ـ حدثني يونس, قال: حدثنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وأنّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا على اللّهِ شَطَطا قال: ظلما.
وقوله:وأنّا ظَنَنّا أنْ لَنْ تَقُولَ الإنْسُ والجنّ على اللّهِ كَذِبا يقول: قالوا: وأنا حسبنا أن لن تقول بنو آدم والجنّ على الله كذبا من القول والظنّ ههنا بمعنى الشكّ, وإنما أنكر هؤلاء النفر من الجنّ أن تكون علمت أن أحدا يجتريء على الكذب على الله لما سمعت القرآن, لأنهم قبل أن يسمعوه وقبل أن يعلموا تكذيب الله الزاعمين أن لله صاحبة وولدا, وغير ذلك من معاني الكفر كانوا يحسبوا أن إبليس صادق فيما يدعو بني آدم إليه من صنوف الكفر فلما سمعوا القرآن أيقنوا أنه كان كاذبا في كلّ ذلك, فلذلك قالوا: وأنّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا على اللّهِ شَطَطا فسموه سفيها.
وقوله: وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر: وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجنّ في أسفارهم إذا نزلوا منازلهم.
وكان ذلك من فعلهم فيما ذُكر لنا, كالذي:
27135ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ قال: كان رجال من الإنس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية فيقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي, فزادهم ذلك إثما.
27136ـ حدثنا الحسن بن عرفة, قال: حدثنا هشيم, عن عوف, عن الحسن, في قوله: وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ قال: كان الرجل منهم إذا نزل الوادي فبات به, قال: أعوذ بعزيز هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه.
27137ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن إبراهيم في قوله: وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِن كانوا إذا نزلوا الوادي قالوا: نعوذ بسيد هذا الوادي من شرّ ما فيه, فتقول الجنّ: ما نملك لكم ولا لأنفسنا ضرّا ولا نفعا.
قال: ثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم, في قوله: وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ قال: كانوا في الجاهلة إذا نزلوا بالوادي قالوا: نعوذ بسيد هذا الوادي, فيقول الجنيون: تتعوّذون بنا ولا نملك لأنفسنا ضرّا ولا نفعا
27138ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ قال: كانوا يقولون إذا هبطوا واديا: نعوذ بعظماء هذا الوادي.
27139ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ ذُكر لنا أن هذا الحيّ من العرب كانوا إذا نزلوا بواد قالوا: نعوذ بأعزّ أهل هذا المكان قال الله: فَزَادُوهُمْ رَهَقا: أي إثما, وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ كانوا في الجاهلية إذا نزلوا منزلاً يقولون: نعوذ بأعزّ أهل هذا المكان.
27140ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع بن أنس وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ قال: كانوا يقولون: فلان من الجنّ ربّ هذا الوادي, فكان أحدهم إذا دخل الوادي يعوذ بربّ الوادي من دون الله, قال: فيزيده بذلك رهقا, وهو الفَرَق.
27141ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ فَزَادُوهُمْ رَهَقا قال: كان الرجل في الجاهلية إذا نزل بواد قبل الإسلام قال: إن أعوذ بكبير هذا الوادي, فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم.
وقوله: فَزَادُوهُمْ رَهَقا اختلف أهل التأويل في معنى ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: فزاد الإنس بالجنّ باستعاذتهم بعزيزهم, جراءة عليهم, وازدادوا بذلك إثما. ذكر من قال ذلك:
27142ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس فَزَادُوهُمْ رَهَقا فزادهم ذلك إثما.
27143ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قال: قال الله: فَزَادُوهُمْ رَهَقا: أي إثما, وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فَزَادُوهُمْ رَهَقا يقول: خطيئة.
27144ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم فَزَادُوهُمْ رَهَقا قال: فيزدادون عليهم جراءة.
قال: ثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم فَزَادُوهُمْ رَهَقا قال: ازدادوا عليهم جراءة.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك أن الكفار زادوا بذلك طغيانا. ذكر من قال ذلك:
27145ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله فَزَادُوهُمْ رَهَقا قال: زاد الكفار طغيانا.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك فزادوهم فَرَقا. ذكر من قال ذلك:
27146ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع بن أنس فَزَادُوهُمْ رَهَقا قال: فيزيدهم ذلك رهقا, وهو الفَرَق.
27147ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله فَزَادُوهُمْ رَهَقا قال: زادهم الجنّ خوفا.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فزاد الإنس الجنّ بفعلهم ذلك إثما, وذلك زادوهم به استحلالاً لمحارم الله. والرهق في كلام العرب: الإثم وغِشيان المحارم ومنه قول الأعشى:
لا شَيْءَ يَنْفَعُنِي مِنْ دُونِ رُؤْيَتِهاهلْ يَشْتَفِي وَامِقٌ ما لم يُصِبْ رَهَقا
يقول: ما لم يغْشَ محرما.
الآية : 7-8
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَأَنّهُمْ ظَنّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لّن يَبْعَثَ اللّهُ أَحَداً * وَأَنّا لَمَسْنَا السّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً }.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر من الجنّ وأنّهُمْ ظَنّوا كما ظَنَنْتُمْ أنْ لَنْ يَبْعَثَ اللّهُ أحَدا يعني أن الرجال من الجنّ ظنوا كما ظنّ الرجال من الإنس أن لن يبعث الله أحدا رسولاً إلى خلقه, يدعوهم إلى توحيده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27148ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن الكلبيّ وأنّهُمْ ظَنّوا كمَا ظَنَنْتُمْ: ظنّ كفار الجنّ كما ظنّ كفرة الإنس أن لن يبعث الله رسولاً.
وقوله: وإنّا لَمَسْنا السّماءَ يقول عزّ وجلّ مخبرا عن قيل هؤلاء النفر: وأنا طلبنا السماء وأردناها, فَوَجَدْناها مُلِئَتْ يقول: فوجدناها ملئت حَرَسا شَدِيدا يعني حَفَظَة وشُهُبا, وهي جمع شهاب, وهي النجوم التي كانت تُرجم بها الشياطين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27149ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن زياد, عن سعيد بن جُبير, قال: كانت الجنّ تستمع, فلما رجموا قالوا: إن هذا الذي حدث في السماء لشيء حدث في الأرض قال: فذهبوا يطلبون حتى رأوُا النبيّ صلى الله عليه وسلم خارجا من سوق عكاظ يصلي بأصحابه الفجر, فذهبوا إلى قومهم منُذرين.

الآية : 9-10
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَأَنّا كُنّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الاَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رّصَداً * وَأَنّا لاَ نَدْرِيَ أَشَرّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبّهُمْ رَشَداً }.
يقول عزّ وجلّ: وإنا كنا معشر الجنّ نقعد من السماء مقاعد لنسمع ما يحدث, وما يكون فيها, فَمَنْ يَسْتَمِع الاَنَ فيها منا يَجدْ لَهُ شِهابا رَصَدا يعني: شهاب نار قد رصد له به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27150ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله وأنّا لَمَسْنا السّماءَ... إلى قوله: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الاَنَ يَجدْ لَهُ شِهابا رَصَدا كانت الجنّ تسمع سمع السماء فلما بعث الله نبيه, حُرست السماء, ومُنعوا ذلك, فتفقّدت الجنّ ذلك من أنفسها.
وذُكر لنا أن أشراف الجنّ كانوا بنصيبين, فطلبوا ذلك, وضربوا له حتى سقطوا على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بأصحابه عامدا إلى عكاظ.
27151ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله وأنّا لَمَسْنا السّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَسا وشُهُبا... حتى بلغ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الاَنَ يَجدْ لَهُ شِهابا رَصَدا فلما وجدوا ذلك رجعوا إلى إبليس, فقالوا: منع منا السمع, فقال لهم: إن السماء لم تُحرس قطّ إلا على أحد أمرين: إما لعذاب يريد الله أن ينزله على أهل الأرض بغتة, وإما نبيّ مرشد مصلح قال: فذلك قول الله: وأنّا لا نَدْرِي أشَرّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْض أمْ أرَاد بِهِمْ رَبّهُمْ رَشَدا.
وقوله: وأنّا لا نَدْرِي أشَرّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْض أمْ أرَادَ بِهِمْ رَبّهُمْ رَشَدا يقول عزّ وجلّ مخبرا عن قيل هؤلاء النفر من الجنّ: وأنا لا ندري أعذابا أراد الله أن ينزله بأهل الأرض, بمنعه إيانا السمع من السماء ورجمه من استمع منا فيها بالشهب أمْ أرَادَ بِهِمْ رَبّهُمْ رَشَدا يقول: أم أراد بهم ربهم الهدى بأن يبعث منهم رسولاً مرشدا يرشدهم إلى الحقّ. وهذا التأويل على التأويل الذي ذكرناه عن ابن زيد قبل.
وذُكر عن الكلبي في ذلك ما:
27152ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, عن الكلبي في قوله: وأنّا لا نَدْرِي أشَرّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْض أمْ أرَادَ بِهِمْ رَبّهُمْ رَشَدا أن يطيعوا هذا الرسول فيرشدهم أو يعصوه فيهلكهم.
وإنما قلنا القول الأوّل لأن قوله: وأنّا لا نَدْرِي أشَرّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْض عقيب قوله: وأنّا كُنّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ للسّمْعِ... الاَية, فكان ذلك بأن يكون من تمام قصة ما وليه وقرب منه أولى بأن يكون من تمام خبر ما بعد عنه.

الآية : 11-13
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَأَنّا مِنّا الصّالِحُونَ وَمِنّا دُونَ ذَلِكَ كُنّا طَرَآئِقَ قِدَداً * وَأَنّا ظَنَنّآ أَن لّن نّعْجِزَ اللّهَ فِي الأرْضِ وَلَن نّعْجِزَهُ هَرَباً * وَأَنّا لَمّا سَمِعْنَا الْهُدَىَ آمَنّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً }.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيلهم: وأنّا مِنّا الصّالِحُونَ وهم المسلمون العاملون بطاعة الله وَمنّا دُونَ ذلكَ يقول: ومنا دون الصالحين كُنّا طَرائقَ قدَدا يقول: وأنا كنا أهواء مختلفة, وفِرَقا شتى, منا المؤمن والكافر. والطرائق: جمع طريقة, وهي طريقة الرجل ومذهبه. والقِدد: جمع قدّة, وهي الضروب والأجناس المختلفة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27153ـ حدثنا محمد بن حميد الرازي, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الحسين, عن يزيد, عن عكرِمة, في قوله: طَرَائقَ قِدَدا يقول: أهواء مختلفة.
27154ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وأنّا مِنّا الصّالِحُونَ وَمِنّا دُونَ ذَلكَ كُنّا طَرَائِقَ قِدَدا يقول: أهواء شتى, منا المسلم, ومنا المشرك.
27155ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: كُنّا طَرَائِقَ قِدَدا كان القوم على أهواء شتّى.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة طَرَائِقَ قِدَدا قال: أهواء.
27156ـ حدثني ابن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: كُنّا طَرَائِقَ قِدَدا قال: مسلمين وكافرين.
27157ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان كُنّا طَرَائِقَ قِدَدا قال: شتّى, مؤمن وكافر.
27158ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: كُنّا طَرَائِقَ قِدَدا قال: صالح وكافر وقرأ قول الله: وأنّا مِنّا الصّالِحُونَ وَمِنّا دُونَ ذَلكَ.
وقوله: وأنّا ظَنَنّا أنْ لَنْ نُعْجِزَ اللّهَ فِي الأرْضِ يقول: وأنا علمنا أن لن نُعجز الله في الأرض إن أراد بنا سوءا وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبا إن طلبنا فنفوته. وإنما وصفوا الله بالقدرة عليهم حيث كانوا. وأنّا لَمّا سَمِعْنا الهُدَى آمَنّا بِهِ يقول: قالوا: وأنا لما سمعنا القرآن الذي يهدي إلى الطريق المستقيم آمنا به, يقول: صدّقنا به, وأقررنا أنه حق من عند الله, فمن يؤمن بربه فَلا يَخافُ بَخْسا وَلا رَهَقا يقول: فمن يصدّق بربه فلا يخاف بخسا: يقول: لا يخاف أن ينقص من حسناته, فلا يجازي عليها ولا رَهَقا: ولا إثما يحمل عليه من سيئات غيره, أو سيئة يعملها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27159ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: فَلا يخافُ بَخْسا وَلا رَهَقا يقول: لا يخاف نقصا من حسناته, ولا زيادة في سيئاته.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله فَلا يَخافُ بَخْسا وَلا رَهَقا يقول: ولا يخاف أن يبخس من عمله شيء.
27160ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَلا يخافُ بَخْسا: أي ظلما, أن يظلم من حسناته فينقص منها شيئا, أو يحمل عليه ذنب غيره وَلا رَهَقا ولا مأثما.
27161ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَلا يَخافُ بخْسا وَلا رَهَقا قال: لا يخاف أن يبخس من أجره شيئا, ولا رهقا فيظلم ولا يعطى شيئا