ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين - تفسير الشعراوي

شرح معنى و تفسير آية: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين - تفسير الشعراوي و البيضاوي و الجلالين و الألوسي

ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين - تفسير الشعراوي

ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين (الحجر:47) 

﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾
الحجر: 47]

وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ فتبقى قلوبهم سالمة من كل دغل وحسد متصافية متحابة إخوانا على سرر متقابلين دل ذلك على تزاورهم واجتماعهم وحسن أدبهم فيما بينهم في كون كل منهم مقابلا للآخر لا مستدبرا له متكئين على تلك السرر المزينة بالفرش واللؤلؤ وأنواع الجواهر.

تفسير الشعراوي : ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا

وهكذا يخرج الحق سبحانه من صدورهم أي حقد وعداوة . ويرون أخلاء الدنيا في المعاصي وهم ممتلئون بالغل ، بينما هم قد طهرهم الحق سبحانه من كل ما كان يكرهه في الآخرة ، ويحيا كل منهم مع أزواج مطهرة . ويجمعهم الحق بلا تنافس ، ولا يشعر أي منهم بحسد لغيره .
والغل كما نعلم هو الحقد الذي يسكن النفوس ، ونعلم أن البعض من المسلمين قد تختلف وجهات نظرهم في الحياة ، ولكنهم على إيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
والمثل أن عليا كرم الله وجهه وأرضاه دخل موقعه الجمل ، وكان في المعسكر المقابل طلحة والزبير رضي الله عنهما؛ وكلاهما مبشر بالجنة ، وكان لكل جانب دليل يغلبه .
« ولحظة أن قامت المعركة جاء وجه علي كرم الله وجهه في وجه الزبير؛ فيقول علي رضي الله عنه : تذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتما تمران علي ، سلم النبي وقلت أنت : لا يفارق ابن أبي طالب زهوه ، فنظر إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لك : » إنك تقاتل عليا وأنت ظالم له « . فرمى الزبير بالسلاح ، وانتهى من الحرب .
ودخل طلحة بن عبيد الله على علي كرم الله وجهه ؛ فقال علي رضوان الله عليه : يجعل لي الله ولأبيك في هذه الآية نصيبا » فقال أحد الجالسين : إن الله أعدل من أن يجمع بينك وبين طلحة في الجنة . فقال علي : وفيما نزل إذن قوله الحق : 
 { ونزعنا ما في صدورهم من غل } [ الحجر : 47 ] .
وكلمة « نزعنا » تدل على أن تغلغل العمليات الحقدية في النفوس يكون عميقا ، وأن خلعها في اليوم الآخر يكون خلعا من الجذور ، وينظر المؤمن إلى المؤمن مثله؛ والذي عاداه في الدنيا نظرته إلى محسن له؛ لأنه بالعداوة والمنافسة جعله يخاف أن يقع عيب منه .
ذلك أن المؤمن في الآخرة يذكر معطيات الأشياء ، ويجعلهم الحق سبحانه إخوانا؛ فرب أخ لك لم تلده أمك ، والحق سبحانه هو القائل في موقع آخر : { واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعدآء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها } [ آل عمران : 103 ] .
وقد يكون لك أخ لا تكرهه ولا تحقد عليه؛ ولكنك لا تجالسه ولا تسامره؛ لأن الأخوة أنواع . وقد تكون أخوة طيبة ممتلئة بالاحترام لكن أيا منكما لا يسعى إلى الآخر ، ويجمعكم الحق سبحانه في الآخرة على سرر متقابلين .
وسأل سائل : وماذا لو كانت منزلة أحدهما في الجنة أعلى من منزلة الآخر؟ ونقول : إن فضل الحق المطلق يرفع منزلة الأدنى إلى منزلة الأعلى ، وهما يتزاوران .
وهكذا يختلف حال الآخرة عن حال الدنيا ، فالإنسان في الدنيا يعيش ما قال عنه الحق سبحانه : { ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه } [ الانشقاق : 6 ] .
ولكن الحال في الآخرة يختلف ، وينطبق عليه قول الحق سبحانه في الآية التالية : { لا يمسهم فيها . . . } .

تفسير البيضاوي : وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (الحجر:47) 

{ وَنَزَعْنَا } في الدنيا بما ألف بين قلوبهم ، أو في الجنة بتطييب نفوسهم . { مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } من حقد كان في الدنيا وعن علي رضي الله تعالى عنه : أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم ، أو من التحاسد على درجات الجنة ومراتب القرب . { إِخْوَانًا } حال من الضمير في جنات ، أو فاعل ادخلوها أو الضمير في آمنين أو الضمير المضاف إليه ، والعامل فيها معنى الإِضافة وكذا قوله : { على سُرُرٍ متقابلين } ويجوز أن يكونا صفتين لإِخواناً أو حال من ضميره لأنه بمعنى متصافين ، وأن يكون متقابلين حالاً من المستقر في على سرر .

تفسير الجلالين : ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين

"ونزعنا ما في صدورهم من غل" حقد "إخوانا" حال منهم "على سرر متقابلين" حال أيضا أي لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض لدوران الأسرة بهم

تفسير ابو السعود

{ وَنَزَعْنَا } بالإسلام { مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } الجاهلية ، أو نزعنا في الآخرة ما فيها من غل الدنيا « ح » وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم { سُرُرٍ } جمع أسرة ، أو سرور { مُّتَقَابِلِينَ } بوجوههم لا يصرفون أبصارهم تواصلاً وتحابياً ، أو متقابلين بالمحبة والمودة لا يتفاضلون فيها ولا يختلفون ، أو متقابلين في المنزلة لا يفضل بعضهم بعضاً لاتفاقهم على الطاعة أو استوائهم في الجزاء ، أو متقابلين في الزيارة والتواصل ، أو أقبلوا على أزواجهم بالمودة وأقبلن عليهم ، قيل نزلت في العشرة ، قال علي رضي الله تعالى عنه : إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير منهم .

تفسير الألوسي :

{ وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ } أي حقد ، وأصله على ما قيل من الغلالة وهو ما يلبس بين الثوبين الشعار والدثار وتستعار للدرع كما يستعار الدرع لها ، وقيل : قيل للحقد غل أخذاً له من انغل في كذا وتغلل إذا دخل فيه ، ومنه قيل للماء الجاري بين الشجر غلل ، وقد يستعمل الغل فيما يضمر في القلب مما يذم كالحسد والحقد وغيرهما ، وهذا النزع قيل في الدنيا ، فقد أخرج ابن أبي حاتم . وابن عساكر عن كثير النوّا قال : قلت لأبي جعفر إن فلاناً حدثني عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما أن هذه الآية نزلت في أبي بكر . وعمر . وعلي رضي الله تعالى عنهم { وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ } قال : والله إنها لفيهم أنزلت وفيمن تنزلا إلا فيهم؟ قلت : وأي غل هو؟ قال : غل الجاهلية إن بني تيم وبني عدي وبني هاشم كان بينهم في الجاهلية فلما أسلم هؤلاء القوم تحابوا فأخذت أبا بكر الخاصرة فجعل علي كرم الله تعالى وجهه يسخن يده فيكوي بها خاصرة أبي بكر رضي الله تعالى عنه فنزلت هذه الآية ، ويشعر بذلك على ما قيل ما أخرجه سعيد بن منصور . وابن جرير . وابن المنذر . والحاكم . وغيرهم من طرق عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال لابن طلحة : إني لأرجو أن أكون أنا وأبوك من الذين قال الله تعالى : { وَنَزَعْنَا } الآية فقال رجل من همذان : إن الله سبحانه أعدل من ذلك فصاح علي كرم الله تعالى وجهه عليه صيحة تداعى لها القصر ، وقال : فمن إذن إن لم نكن نحن أولئك؟ وقيل : إن ذلك في الآخرة بعد دخول الجنة ، فقد أخرج ابن جرير . وابن أبي حاتم . وابن مردويه من طريق القاسم عن أبي أمامة قال : يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن حتى إذا تدانوا وتقابلوا على السر ونزع الله تعالى ما في صدورهم في الدنيا من غل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الكريم بن رشيد قال : ينتهي أهل الجنة إلى باب الجنة وهم يتلاحظون تلاحظ الفيران فإذا دخلوها نزع الله تعالى ما في صدورهم من الغل ، وقيل : فيها قبل الدخول ، فقد أخرج ابن أبي حاتم أيضاً عن الحسن قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يحبس أهل الجنة بعد ما يجوزون الصراط حتى يؤخذ لبعضهم من بعض ظلاماتهم في الدنيا ويدخلون الجنة وليس في قلوب بعضهم على بعض غل »
وهذا ونحوه يؤيد ما قاله الإمام في المتقين ، وقيل : معنى الآية طهر الله تعالى قلوبهم من أن يتحاسدوا على الدرجات في الجنة ونزع سبحانه منها كل غل وألقى فيها التواد والتحاب ، والآية ظاهرة في وجود الغل في صدورهم قبل النزع فتأمل .