شرح حديث كل ابن آدم خطّاء و خير الخطائين التوابون

شرح حديث كل ابن آدم خطّاء و خير الخطائين التوابون

حديث كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون

عن أنس ابن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون»

حديث حسن, رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه والدارمي والحاكم. 

شرح المفردات

( كل ابن آدم خطاء ) ‏ أ‏ي كثير الخطأ والمراد بالخطأ المعصية عمدا أو مطلقا بناء على أنه الخطأ المقابل للصواب دون العمد, وأما الأنبياء صلوات الله عليهم فإما مخصوصون عن ذلك , وأما أنهم أصحاب صغائر. والأول أولى فإن ما صدر عنهم من باب ترك الأولى , أو يقال : الزلات المنقولة عن بعضهم محمولة على الخطأ والنسيان من غير أن يكون لهم قصد إلى العصيان قاله القاري ‏

‏( وخير الخطائين التوابون ) ‏ ‏أي الرجاعون إلى الله بالتوبة من المعصية إلى الطاعة, ‏لقوله تعالى { إن الله يحب التوابين } أي دون المصرين فإن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة فكيف على الكبيرة. ‏

شرح الحديث:

إن الخطأ من ابن آدم وارد، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن كل ابن آدم خطاء، ولكن العيب كل العيب في التساهل في الوقوع في المحرمات أو الإصرار على الخطايا والوقوع فيها.

إن الخطأ أمر متوقع ومأخوذ في الحسبان في إمكانية حدوثه بكل أشكاله وصوره ودرجاته من بني آدم إلا من عصمه الله تعالى، فمهما كان المسلم متمسكا ملتزما فلا يأمن أن تفوته هفوة هنا أو هناك، والله - عز وجل - الخالق والأعلم بمن خلق؛ لذلك فتح لهم باب التوبة وحثهم عليها،

لإن الإنسان مفطور على الخطأ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (كل ابن آدم خطاء) ولكن المطلوب منه أن يبادر بالتوبة من ذلك الخطأ ولا يستأنس له أو يتمادى فيه، بل يثوب، وذلك الذي قال فيه المصطفى عليه الصلاة والسلام: (وخير الخطائين التوابون).

قال تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} [آل عمران: ١٣٥] .

وماعز بن مالك والغامدية ضربا مثلا أعلى للبشرية حين أتيا إلى النبي عليه الصلاة والسلام تائبين مستغفرين طالبين إقامة الحد عليهما وتطهيرهما من جريمة الزنا.

أهمية التوبة

قال صلى الله عليه وسلم: «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون» والإنسان ضعيف في نفسه، وضعيف في همته وعزمه، ولا يستطيع أن يحتمل تبعة ذنبه وخطيئته، فخفف الله على الإنسان رحمة به، فشرع له التوبة، وحقيقة التوبة: ترك الذنب لقبحه - خوفا من الله، ورجاء لما أعده لعباده -، والندم على ما فرط منه، والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما بقي من العمر بالأعمال الصالحة, فهي كما ترى عمل قلبي صرف بين العبد وبين ربه، لا تعب عليه ولا نصب، ولا معاناة عمل شاق، إنما هي عمل القلب، والإقلاع عن الذنب، وألا تعود إليه، وفي الامتناع ترك وراحة .

فلا تحتاج لأن تتوب على يد بشر يفضح أمرك، ويكشف سترك ويستغل ضعفك؛ إنما هي مناجاة بينك وبين ربك، تستغفره وتستهديه فيتوب عليك.

فليس في الإسلام خطيئة موروثة، ولا مخلص منتظر من البشر، بل كما وجدها اليهودي النمساوي المهتدي محمد أسد حيث قال: " لم أستطع أن أجد في أيما مكان في القرآن أيما ذكر لحاجة إلى " الخلاص " ليس هناك في الإسلام من خطيئة أولى موروثة تقف بين الفرد ومصيره؛ ذلك أنه {ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: ٣٩] ولا يطلب من الإنسان أن يقدم قربانا أو يقتل نفسه لتفتح له أبواب التوبة ويتخلص من الخطيئة " بل كما قال تعالى: {ألا تزر وازرة وزر أخرى} [النجم: ٣٨] 

الأدب المستفاد من الحديث

يدل الحديث على أن ابن آدم لا يسلم من الوقوع في المعاصي، والذنوب، فعليه أن يكثر من التوبة والاستغفار، والحديث وإن كان ضعيفا فقد دل على ذلك حديث أبي ذر في «صحيح مسلم» أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «قال الله تعالى: يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم».

وإذا علم الإنسان أنه لا يسلم من المعاصي فعليه أن يسأل ربه عزوجل الهداية، والعصمة، فمن سدده الله عزوجل فقد وفق، ولن يقع في معصية إلا بخذلان من الله له في تلك الحال التي عصى الله فيها؛ فإن من هداه الله لم يستطع أحد أن يضله، ومن أضله الله لن يستطيع أحد أن يهديه.

فنسأل الله عزوجل ذا الجلال والإكرام أن يهدينا، وأن يسددنا في أعمالنا، وأقوالنا، واعتقاداتنا، وبالله التوفيق.