تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 468 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 468


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67

 رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ ءَابَآئِهِمْ وَأَزْوَٰجِهِمْ وَذُرِّيَّـٰتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَـٰتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَـٰتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ * إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَـٰنِ فَتَكْفُرُونَ}

تقدم شرح هذه الأيات مع الأيات التي في الصفحة السابقة

{قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ * ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـىِّ ٱلْكَبِيرِ * هُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمْ ءَايَـٰتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ * فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ * رَفِيعُ ٱلدَّرَجَـٰتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِى ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ * يَوْمَ هُم بَـٰرِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَىْءٌ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَٰحِدِ ٱلْقَهَّارِ * ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ * وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلاٌّزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَـٰظِمِينَ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلاٌّعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ * وَٱللَّهُ يَقْضِى بِٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَىْءٍ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ * أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِى ٱلاٌّرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَءَاثَاراً فِى ٱلاٌّرْضِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ إِنَّهُ قَوِىٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِأايَـٰتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَقَــٰرُونَ فَقَالُواْ سَـٰحِرٌ كَـذَّابٌ * فَلَمَّا جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ ٱقْتُلُوۤاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ وَمَا كَـيْدُ ٱلْكَـٰفِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَـٰلٍ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِىۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّىۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى ٱلاٌّرْضِ ٱلْفَسَادَ * وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُـمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ}
قوله تعالى: {قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ}. التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه، أن المراد بالإماتتين في هذه الآية الكريمة، الإماتة الأولى، التي هي كونهم في بطون أمهاتهم نطفاً وعلقاً، ومضغاً. قبل نفخ الروح فيهم، فهل قبل نفخ الروح فيهم لا حياة لهم، فأطلق عليهم بذلك الاعتبار اسم الموت.
والإماتة الثانية هي إماتتهم وصيرورتهم إلى قبورهم عند انقضاء آجالهم في دار الدنيا.
وأن المراد بالإحياءتين، الإحياءة الأولى في دار الدنيا، والإحياءة الثانية، التي هي البعث من القبور إلى الحساب، والجزاء والخلود الأبدي، الذي لا موت فيه، إما في الجنة وإما في النار.
والدليل من القرآن على أن هذا القول في الآية هو التحقيق، أن الله صرح به واضحاً في قوله جل وعلا {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَٰتًا فَأَحْيَـٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وبذلك تعلم أن ما سواه من الأقوال الآية لا معوّل عليه.
والأظهر عندي أن المسوغ الذي سوغ إطلاق اسم الموت على العلقة، والمضغة مثلاً، في بطون الأمهات، أن عين ذلك الشيء، الذي هو نفس العلقة والمضغة، له أطوار كما قال تعالى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَار} {يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ}، ولما كان ذلك الشيء، تكون فيه الحياة في بعض تلك الأطوار، وفي بعضها لا حياة له، صح إطلاق الموت والحياة عليه من حيث إنه شيء واحد، ترتفع عنه الحياة تارة وتكون فيه أخرى، وقد ذكر له الزمخشري مسوغاً غير هذا، فانظره إن شئت. قوله تعالى: {فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ}. قد بين جل وعلا في غير هذا الموضع، أن الاعتراف بالذنب في ذلك الوقت لا ينفع، كما قال تعالى: {فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لاًّصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ} وقال تعالى {رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: فهل إلى خروج من سبيل، قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية، في سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى {يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ}. قوله تعالى: {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا}. قد تقدم الكلام عليه في سورة الصافات، في الكلام على قوله تعالى {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَإِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ}. قوله تعالى: {فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـىِّ ٱلْكَبِيرِ}. قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الكهف، في الكلام على قوله تعالى: {وَلاَ يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِ أَحَدً}. قوله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمْ ءَايَـٰتِهِ}. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أنه جل وعلا هو الذي يُري خلقه آياته، أي الكونية القدرية ليجعلها علامات لهم على ربوبيته، واستحقاقه العبادة وحده ومن تلك الآيات الليل والنهار والشمس والقمر كما قال تعالى: {وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ ٱلَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ}.
ومنها السماوات والأرضون، وما فيهما والنجوم، والرياح والسحاب، والبحار والأنهار، والعيون والجبال والأشجار وآثار قوم هلكوا، كما قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ} إلى قوله {لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. وقال تعالى: {إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لاّيَـٰتٍ لاٌّوْلِى ٱلاٌّلْبَـٰبِ . وقال تعالى: {إِنَّ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ لاّيَـٰتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَوَفِى خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَـٰتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلاٌّرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ ءّايَـٰتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وقال تعالى {إِنَّ فِى ٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ}.
وما ذكره جل وعلا في آية المؤمن هذه، من أنه هو الذي يُرِي خلقه آياته، بينه وزاده إيضاحاً في غير هذا الموضع، فبين أنه يريهم آياته في الآفاق وفي أنفسهم، وأن مراده بذلك البيان أن يتبين لهم أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حق، كما قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ ءَايَـٰتِنَا فِى ٱلاٌّفَاقِ وَفِىۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ}.
والآفاق جمع أفق وهو الناحية، والله جل وعلا قد بين من غرائب صنعه، وعجائبه، في نواحي سماواته وأرضه، ما يتبين به لكل عاقل أنه هو الرب المعبود وحده. كما أشرنا إليه، من الشمس والقمر والنجوم والأشجار والجبال، والدواب والبحار، إلى غير ذلك.
وبين أيضاً أن من آياته التي يريهم ولا يمكنهم أن ينكروا شيئاً منها تسخيره لهم الأنعام ليركبوها ويأكلوا من لحومها، وينتفعوا بألبانها، وزبدها وسمنها، وأقطها ويلبسوا من جلودها، وأصوافها وأوبارها وأشعارها، كما قال تعالى:
{ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلاٌّنْعَـٰمَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَـٰفِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ وَيُرِيكُمْ ءَايَـٰتِهِ فَأَىَّ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ}.
وبين في بعض المواضع، أن من آياته التي يريها بعض خلقه، معجزات رسله، لأن المعجزات آيات، أي دلالات، وعلامات على صدق الرسل، كما قال تعالى في فرعون {وَلَقَدْ أَرَيْنَـٰهُ ءَايَـٰتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ} وبين في موضع آخر، أن من آياته التي يريها خلقه، عقوبته المكذبين رسله، كما قال تعالى في قصة إهلاكه قوم لوط {وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ ءَايَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
وقال في عقوبته فرعون وقومه بالطوفان والجراد والقمل إلخ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَـٰتٍ مّفَصَّلاَتٍ}. وقوله تعالى {وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقا}. أطلق جل وعلا في هذه الآية الكريمة، الرزق وأراد المطر، لأن المطر سبب الرزق، وإطلاق المسبب وإرادة سببه لشدة الملابسة بينهما، أسلوب عربي معروف، وكذلك عكسه الذي هو إطلاق السبب وإرادة المسبب كقوله: أكنت دماً إن لم أرعْكِ بضرَّة بعيدة مهوى القرط طيبة النشر

فأطلق الدم وأراد الدية، لأنه سببها.
وقد أوضحنا في رسالتنا المسماة: منع جواز المجاز، في المنزل للتعبد والإعجاز، أن أمثال هذا أساليب عربية، نطقت بها العرب في لغتها، ونزل بها القرآن، وأن ما يقوله علماء البلاغة من أن في الآية ما يسمونه المجاز المرسل الذي يعدون من علاقاته السببية والمسببية، لا داعي إليه، ولا دليل عليه، يجب الرجوع إليه.
وإطلاق الرزق في آية المؤمن هذه على المطر جاء مثله، في غير هذا الموضع كقوله تعالى في أول سورة الجاثية
{وَمَآ أَنَزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلاٌّرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَ} فأوضح بقوله {فَأَحْيَا بِهِ ٱلاٌّرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَ} أن مراده بالرزق المطر، لأن المطر هو الذي يحيي الله به الأرض بعد موتها.
وقد أوضح جل وعلا، أنه إنما سمي المطر رزقاً، لأن المطر سبب الرزق، في آيات كثيرة من كتابه، كقوله تعالى في سورة البقرة
{وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ}، والباء في قوله فأخرج به سببية كما ترى.
وكقوله تعالى في سورة إبراهيم:
{ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ}. وقوله تعالى في سورة قۤ: {وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَـٰرَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّـٰتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ وَٱلنَّخْلَ بَـٰسِقَـٰتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رزْقاً لِّلْعِبَادِ}.
وبين في آيات أخر أن الرزق المذكور، شامل لما يأكله الناس، وما تأكله الأنعام، لأن ما تأكله الأنعام، يحصل بسببه للناس الانتفاع بلحومها، وجلودها وألبانها، وأصوافها وأوبارها، وأشعارها، كما تقدم كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلاٌّرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَـٰمُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ}و قوله تعالى  {هُوَ ٱلَّذِىۤ أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَـٰبَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ}.
فقوله: فيه تسيمون، أي تتركون أنعامكم سائمة فيه تأكل منه من غير أن تتكلفوا لها مؤونة العلف كما تقدم إيضاحه بشواهده العربية، في سورة النحل وكقوله تعالى {وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَـٰتٍ شَتَّىٰكُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَـٰمَكُمْ}. و قوله تعالى  {أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَـٰهَاوَٱلْجِبَالَ أَرْسَـٰهَا مَتَـٰعاً لَّكُمْ وَلاًّنْعَـٰمِكُمْ} إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى: {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ}. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أن الناس ما يتذكر منهم، أي ما يتعظ بهذه الآيات المشار إليها في قوله: {هُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمْ ءَايَـٰتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ} أي من رزقه الله الإنابة إليه.
والإنابة: الرجوع عن الكفر والمعاصي، إلى الإيمان والطاعة.
وهؤلاء المنيبون، المتذكرون، المتعظون، هم أصحاب العقول السليمة من شوائب الاختلال، المذكورون في قوله تعالى في أول سورة آل عمران
{وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ} وفي قوله تعالى في سورة إبراهيم {وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ} إلى غير ذلك من الآيات.
وقد دلت آية المؤمن هذه، وما في معناها من الآيات، على أن غير أولي الألباب المتذكرين المذكورين آنفاً، لا يتذكر ولا يتعظ بالآيات، بل يعرض عنها أشد الإعراض.
وقد جاء هذا المعنى موضحاً، في آيات كثيرة من كتاب الله، كقوله تعالى:
{وَكَأَيِّن مِّن ءَايَةٍ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}. و قوله تعالى  {وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} و قوله تعالى {وَإِذَا رَأَوْاْ ءَايَةً يَسْتَسْخِرُونَ}.
و قوله تعالى  {قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ وَمَا تُغْنِى ٱلآيَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} وقوله {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ ءَايَةٍ مِّنْ ءَايَـٰتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} في الأنعام ويسۤ إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى: {فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ}. قد قدمنا الكلام على نحوه من الآيات في أول سورة الزمر، في الكلام على قوله {فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينِأَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ}. قوله تعالى: {يُلْقِى ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ يَوْمَ هُم بَـٰرِزُونَ}. قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية، في أول سورة النحل، في الكلام على قوله تعالى {يُنَزِّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ}. وقوله تعالى في آية المؤمن هذه {يَوْمَ هُم بَـٰرِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَىْءٌ} جاء مثله في آيات كثيرة، كقوله في بروزهم ذلك اليوم {يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلاٌّرْضُ غَيْرَ ٱلاٌّرْضِ وَٱلسَّمَـٰوَٰتُ وَبَرَزُواْ للَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}و قوله تعالى  {وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعً}.
وكقوله في كونهم لا يخفى على الله منهم شيء ذلك اليوم {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ}.و قوله تعالى  {إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ}. و قوله تعالى : {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَىْءٌ فِي ٱلاٌّرْضِ وَلاَ فِى ٱلسَّمَآءِ} والآيات بمثل ذلك كثيرة، وقد بيناها في أول سورة هود في الكلام على قوله تعالى {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ}، وذكرنا طرفاً من ذلك، في أول سورة سبأ، في الكلام على قوله تعالى {عَـٰلِمِ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَلاَ فِى ٱلاٌّرْضِ}. قوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلاٌّزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَـٰظِمِينَ}. الإنذار، والإعلام المقترن بتهديد خاصة، فكل إنذار إعلام، وليس كل إعلام إنذاراً.
وقد أوضحنا معنى الإنذار وأنواعه في أول سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى
{كِتَـٰبٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ}.
والظاهر أن قوله هنا {يَوْمَ ٱلاٌّزِفَةِ}
هو المفعول الثاني للإنذار لا ظرف له لأن الإنذار والتخويف من يوم القيامة، واقع في دار الدنيا. والآزفة القيامة. أي أنذرهم يوم القيامة، بمعنى خوفهم إياه وهددهم بما فيه من الأهوال العظام ليستعدوا لذلك في الدنيا بالإيمان والطاعة.
وإنما عبر عن القيامة بالآزفة لأجل أزوفها أي قربها، والعرب تقول: أزف الترحل بكسر الزاي، يأزف بفتحها، أزفا بفتحتين، على القياس، وأزوفا فهو آزف، على غير قياس، في المصدر الأخير، والوصف بمعنى قرب وقته وحان وقوعه، ومنه قول نابغة ذبيان: أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قد

ويروى أفد الترحل، ومعناهما واحد.

والمعنى {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلاٌّزِفَةِ}
أي يوم القيامة القريب مجيؤها ووقوعها.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من اقتراب قيام الساعة، جاء موضحاً في آيات أخر كقوله تعالى
{أَزِفَتِ ٱلاٌّزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ} و قوله تعالى  {ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ}. و قوله تعالى  {ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَـٰبُهُمْ}. وقوله تعالى في الأحزاب: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيب} وقوله تعالى في الشورى {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ}.
وقد قدمنا هذا في أول سورة النحل في الكلام على قوله تعالى {أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ}.
و قوله تعالى في هذه الآية الكريمة {إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَـٰظِمِينَ} الظاهر فيه، أن إذ، بدل من يوم، وعليه فهو من قبيل المفعول به، لا المفعول فيه، كما بينا آنفاً.
والقلوب: جمع قلب وهو معروف.
ولدى: ظرف بمعنى عند.
والحناجر: جمع حنجرة وهي معروفة.
ومعنى كون القلوب لدى الحناجر، في ذلك الوقت فيه لعلماء التفسير وجهان معروفان.
أحدهما: ما قاله قتادة وغيره، من أن قلوبهم يومئذ، ترتفع من أماكنها في الصدور، حتى تلتصق بالحلوق، فتكون لدى الحناجر، فلا هي تخرج من أفواههم فيموتوا، ولا هي ترجع إلى أماكنها في الصدور فيتنفسوا. وهذا القول هو ظاهر القرآن.
والوجه الثاني: هو أن المراد بكون القلوب، لدى الجناجر، بيان شدة الهول، وفظاعة الأمر، وعليه فالآية كقوله تعالى:
{وَإِذْ زَاغَتِ ٱلاٌّبْصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ هُنَالِكَ ٱبْتُلِىَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيد} وهو زلزال خوف وفزع لا زلزال حركة الأرض.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:
{كَـٰظِمِينَ} معناه مكروبين ممتلئين خوفاً وغماً وحزناً.
والكظم: تردد الخوف والغيظ والحزن في القلب حتى يمتلىء منه، ويضيق به.
والعرب تقول: كظمت السقاء إذا ملأته ماء، وشددته عليه.
وقول بعضهم كاظمين، أي ساكتين، لا ينافي ما ذكرنا، لأن الخوف والغم الذي ملأ قلوبهم يمنعهم من الكلام، فلا يقدرون عليه، ومن إطلاق الكظم على السكوت قول العجاج: وربّ أسراب حجيج كظَّم عن اللَّغا ورمَثِ التكلُّمِ

ويرجع إلى هذا القول معنى قول من قال: كاظمين أي لا يتكلمون إلا من أذن له الله، وقال الصواب، كما قال تعالى:
{لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاب}.
وقوله: {كَـٰظِمِينَ}
حال من أصحاب القلوب على المعنى. والتقدير إذ القلوب لدى الحناجر أي إذ قلوبهم لدى حناجرهم في حال كونهم كاظمين، أي ممتلئين خوفاً وغماً وحزناً، ولا يبعد أن يكون حالاً من نفس القلوب، لأنها وصفت بالكظم الذي هو صفة أصحابها.
ونظير ذلك في القرآن:
{إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ} فإنه أطلق في هذه الآية الكريمة، على الكواكب والشمس والقمر صفة العقلاء في قوله تعالى: {رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ}، والمسوغ لذلك وصفه الكواكب والشمس والقمر بصفة العقلاء التي هي السجود.
ونظير ذلك أيضاً قوله تعالى
{إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَـٰقُهُمْ لَهَا خَـٰضِعِينَ} وقوله تعالى: {قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ}. قوله تعالى: {مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ}. قد قدمنا الكلام عليه في سورة البقرة وسورة الأعراف، وأحلنا عليه مراراً. قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلاٌّعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ}. قد قدمنا الكلام على ما يماثله من الآيات في أول سورة هود، وفي غيرها وأحلنا عليه أيضاً مراراً. قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِأايَـٰتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَقَـَـٰرُونَ فَقَالُواْ سَـٰحِرٌ كَـذَّابٌ}. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أنه أرسل نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، بآياته وحججه الواضحة كالعصا واليد البيضاء إلى فرعون وهامان وقارون فكذبوه، وزعموا أنه ساحر.
وأوضح هذا المعنى، في آيات كثيرة كقوله تعالى عن فرعون وقومه:
{وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن ءَايَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا}، وقوله تعالى عن فرعون {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِى عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ}. وقوله تعالى: {قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَـٰذَا لَسَـٰحِرٌ عَلِيمٌ} والآيات بمثل ذلك كثيرة. وقد بيناها في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك. قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُـمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ}. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، عاذ بربه، أي اعتصم به، وتمنع من كل متكبر، أي متصف بالكبر، لا يؤمن بيوم الحساب، أي لا يصدق بالبعث والجزاء.
وسبب عياذ موسى بربه المذكور، أن فرعون قال لقومه:
{ذَرُونِىۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّىۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى ٱلاٌّرْضِ ٱلْفَسَادَ}.
فعياذ موسى المذكور بالله إنما هو في الحقيقة من فرعون، وإن كانت العبارة أعم من خصوص فرعون، لأن فرعون لا شك أنه متكبر، لا يؤمن بيوم الحساب فهو داخل في الكلام دخولاً أولياً، وهو المقصود بالكلام.
وما ذكره جل وعلا في آية المؤمن هذه، من عياذ موسى بالله من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب كفرعون، وعتاة قومه، ذكر نحوه في سورة الدخان في قوله تعالى عن موسى مخاطباً فرعون وقومه:
{وَإِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ}.