تفسير الطبري تفسير الصفحة 209 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 209
210
208
 الآية : 9-10
القول في تأويل قوله تعالى:
{إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ فِي جَنّاتِ النّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللّهُمّ وَتَحِيّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ }.
يقول تعالى ذكره: إنّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ إن الذين صدّقوا الله ورسوله وعملوا الصالحات, وذلك العمل بطاعة الله والانتهاء إلى أمره. يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بإيمانِهِمْ يقول: يرشدهم ربهم بإيمانهم به إلى الجنة. كما:
13685ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأنهارُ فِي جَنّاتِ النّعِيمِ بلغنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ المُؤْمِنَ إذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ صُوّرَ لَهُ عَمَلُهُ فِي صُورَة حَسَنَة, فَيُقُولُ لَهُ: ما أنْتَ, فوَاللّهِ إنّي لأرَاكَ امْرأ صِدْقٍ؟ فَيَقُولُ: أنا عَمَلُكَ, فَيَكُون لَهُ نُورا وَقائِدا إلى الجَنّةِ. وأمّا الكافِرُ إذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ صُوّرَ لَهُ عَمَلُهُ فِي صُورَةٍ سَيّئَةٍ وَبِشارَةٍ سَيّئَةٍ, فَيَقُولُ: ما أنْتَ فَواللّهِ إنّي لأَرَاكَ أمْرأَ سَوْءٍ؟ فَيَقُولُ: أنا عَمَلُكَ. فَيَنْطَلِقُ بِهِ حتى يُدْخِلَهُ النّارُ».
13686ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بإيمانِهِمْ قال: يكون لهم نورا يمشون به.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, مثله.
وقال ابن جريج: يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بإيمانِهِمْ قال: يمثل له عمله في صورة حسنة وريح طيبة, يعارض صاحبه ويبشره بكل خير, فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا عملك فيجعل له نورا من بين يديه حتى يدخله الجنة, فذلك قوله: يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بإيمانِهِمْ. والكافر يمثل له عمله في صورة سيئة وريح منتنة, فيلازم صاحبه ويُلادّه حتى يقذفه في النار.
وقال آخرون: معنى ذلك: بإيمانهم يهديهم ربهم لدينه, يقول: بتصديقهم هداهم. ذكر من قال ذلك:
وقوله: تَجْرِي مِنْ تَحْتَهِمُ الأنهارُ يقول: تجري من تحت هؤلاء المؤمنين الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم أنهار الجنة. في جَنّاتِ النّعِيمِ يقول: في بساتين النعيم الذي نعمّ الله به أهل طاعته والإيمان به.
فإن قال قائل: وكيف قيل تجري من تحتهم الأنهار, وإنما وصف جلّ ثناؤه أنهار الجنة في سائر القرآن أنها تجري تحت الجنات؟ وكيف يمكن الأنهار أن تجري من تحتهم إلا أن يكونوا فوق أرضها والأنهار تجري من تحت أرضها, وليس ذلك من صفة أنهار الجنة, لأن صفتها أنها تجري على وجه الأرض في غير أخاديد؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبتَ, وإنما معنى ذلك: تجري من دونهم الأنهار إلى ما بين أيديهم في بساتين النعيم, وذلك نظير قول الله: قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا ومعلوم أنه لم يجعل السريّ تحتها وهي عليه قاعدة, إذ كان السريّ هو الجدول, وإنما عني به جعل دونها: بين يديها, وكما قال جلّ ثناؤه مخبرا عن قيل فرعون: ألَيْسَ لي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي بمعنى: من دوني بين يدي.
وأما قوله: دَعْوَاهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللّهُمْ فإن معناه: دعاؤهم فيها سبحانك اللهمّ. كما:
13687ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: أخبرت أن قوله: دعْوَاهُمْ فِيها سُبْحانَك اللّهُمّ قال: إذا مرّ بهم الطير فيشتهونه, قالوا: سبحانك اللهمّ وذلك دعواهم, فيأتيهم الملك بما اشتهوا, فيسلم عليهم, فيردّون عليه, فذلك قوله: وتَحِيّتُهُمْ فِيها سَلامٌ. قال: فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم, فذلك قوله: وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العالَمِينَ.
13688ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: دعْوَاهُمْ فِيها سُبْحانَك اللّهُمّ يقول: ذلك قولهم فيها وتَحِيّتُهُمْ فِيها سَلامٌ.
13689ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عبيد الله الأشجعي, قال: سمعت سفيان يقول: دعْوَاهُمْ فِيها سُبْحانَك اللّهُمّ وتَحِيّتُهُمْ فِيها سَلامٌ قال: إذا أرادوا الشيء قالوا: اللهمّ فيأتيهم ما دعوا به.
وأما قوله: سُبْحانَكَ اللّهُمّ فإن معناه: تنزيها لك يا ربّ مما أضاف إليك أهل الشرك بك من الكذب عليك والفرية.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
13690ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت أبي, عن غير واحد عطية فيهم: سبحان الله تنزيه لله.
13691ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا سفيان, عن عثمان بن عبد الله بن موهب, قال: سمعت موسى بن طلحة, قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبحان الله, قال: «إبْرَاءُ اللّهِ عَنِ السّوءِ».
13692ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب وخلاد بن أسلم, قالوا: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا قابوس, عن أبيه: أن ابن الكوّاء سأل عليّا رضي الله عنه عن «سبحان الله» قال: كلمة رضيها الله لنفسه.
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي, قال: حدثنا أبو أسامة, عن سفيان بن سعيد الثوري عن عثمان بن عبد الله بن موهب الطلحي, عن موسى بن طلحة, قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن سبحان الله, فقال: «تَنْزِيها لِلّهِ عَنِ السّوءِ».
13693ـ حدثني عليّ بن عيسى البزار, قال: حدثنا عبيد الله بن محمد, قال: حدثنا عبد الرحمن بن حماد, قال: ثني حفص بن سليمان, قال: حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة, عن أبيه, عن طلحة بن عبيد الله, قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير سبحان الله, فقال: «هُوَ تَنْزِيهُ اللّهِ مِنْ كُلّ سُوءٍ».
حدثني محمد بن عمرو بن تمام الكلبي, قال: حدثنا سليمان بن أيوب, قال: ثني أبي, عن جدي, عن موسى بن طلحة, عن أبيه, قال: قلت: يا رسول الله قول سبحان الله؟ قال: «تَنْزِيهُ اللّهِ عَنِ السّوءِ».
وتَحِيّتُهُمْ يقول: وتحية بعضهم بعضا فِيها سَلامٌ: أي سلمت وأمنت مما ابتلي به أهل النار. والعرب تسمى الملك التحية ومنه قول عمرو بن معديكرّب:
أزُورُ بها أبا قابُوسَ حتىأنِيخَ عَلى تَحِيّتِهِ بِجُنْدِي
ومنه قول زهير بن جناب الكلبي:
مِنْ كُلّ ما نالَ الفَتَىقَدْ نِلْتُهُ إلاّ التّحِيّهْ
وقوله: وآخِرُ دَعْوَاهُمْ يقول: وآخر دعائهم أن الحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العالَمِينَ يقول: وآخر دعائهم أن يقولوا: الحمد لله ربّ العالمين ولذلك خففت «أن» ولم تشدّد, لأنه أريد بها الحكاية.
الآية : 11
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجّلُ اللّهُ لِلنّاسِ الشّرّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وَلَوْ يُعَجّلُ اللّهُ للنّاسِ أجابة دعائهم في الشّرّ, وذلك فيما عليهم مضرّة في نفس أو مال اسْتِعْجالَهُمْ بالخَيْرِ يقول: كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة إذا دعوه به. لَقُضِيَ إلَيْهِمْ أجَلُهُمْ يقول: لهلكوا وعجل لهم الموت, وهو الأجل. وعني بقوله: لَقُضِيَ لفرغ إليهم من أجلهم وتبدّى لهم, كما قال أبو ذؤيب:
وَعَلَيْهِما مَسْرُودَتانِ قَضَاهمادَاودُ أوْ صَنَعُ السّوَابِغِ تُبّعُ
فَنَذَرُ الّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا يقول: فندع الذين لا يخافون عقابنا ولا يوقنون بالبعث ولا بالنشور, فِي طُغْيانِهِمْ يقول: في تمرّدهم وعتوّهم, يَعْمَهُونَ يعني يتردّدون. وإنما أخبر جلّ ثناؤه عن هؤلاء الكفرة بالبعث بما أخبر به عنهم من طغيانهم وترددهم فيه عند تعجيله إجابة دعائهم في الشرّ لو استجاب لهم أن ذلك كان يدعوهم إلى التقرّب إلى الوثن الذي يشرك به أحدهم, أو يضيف ذلك إلى أنه من فعله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
13694ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: وَلَوْ يُعَجّلُ اللّهُ للنّاسِ الشّرّ اسْتِعْجَالهُمْ بالخَيْرِ قال: قول الإنسان إذا غضب لولده وماله: لا بارك الله فيه ولعنه
13695ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: وَلَوْ يُعَجّلُ اللّهُ للنّاسِ الشّرّ اسْتِعْجَالهُمْ بالخَيْرِ قال: قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه: اللهمّ لا تبارك فيه والعنه فلو يعجل الله الاستجابة لهم في ذلك كما يستجاب في الخير لأهلكهم.
حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: وَلَوْ يُعَجّلُ اللّهُ للنّاسِ الشّرّ اسْتِعْجَالهُمْ بالخَيْرِ قال: قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه: اللهمّ لا تبارك فيه والعنه: لَقُضِيَ إلَيْهِمْ أجَلُهُمْ قال: لأهلك من دعا عليه ولأماته.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, قوله: وَلَوْ يُعَجّلُ اللّهُ للنّاسِ الشّرّ اسْتِعْجَالهُمْ بالخَيْرِ قال: قول الرجل لولده إذا غضب عليه أو ماله: اللهمّ لا تبارك فيه والعنه قال الله: لَقُضِيَ إلَيْهِمْ أجَلُهُمْ قال: لأهلك من دعا عليه ولأماته. قال: فَنَذَرُ الّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا قال: يقول: لا نهلك أهل الشرك, ولكن نذرهم في طغيانهم يعمهون.
13696ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله: وَلَوْ يُعَجّلُ اللّهُ للنّاسِ الشّرّ اسْتِعْجَالهُمْ بالخَيْرِ قال: هو دعاء الرجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له.
13697ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لَقُضِيَ إلَيْهِمْ أجَلُهُمْ قال: لأهلكناهم, وقرأ: ما تَرَكَ على ظَهْرِها مِنْ دَابّةِ قال: يهلكهم كلهم.
ونصب قوله اسْتِعْجالَهُمْ بوقوع يعجل عليه, كقول القائل: قمت اليوم قيامك, بمعنى قمت كقيامك, وليس بمصدر من يعجل, لأنه لو كان مصدرا لم يحسن دخول الكاف, أعني كاف التشبيه فيه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: لَقُضِيَ إلَيْهِمْ أجَلُهُمْ فقرأ ذلك عامّة قرّاء الحجاز والعراق: لَقُضِيَ إلَيْهِمْ أجَلُهُمْ على وجه ما لم يسمّ فاعله بضم القاف من «قُضي» ورفع «الأجل». وقرأ عامة أهل الشأم: «لَقَضَي إلَيْهِمْ أجَلُهُمْ» بمعنى: لقضى الله إليهم أجلهم. وهما قراءتان متفقتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب, غير أن أقرؤه على وجه ما لم يسمّ فاعله, لأن عليه أكثر القرّاء.
الآية : 12
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا مَسّ الإِنسَانَ الضّرّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرّهُ مَرّ كَأَن لّمْ يَدْعُنَآ إِلَىَ ضُرّ مّسّهُ كَذَلِكَ زُيّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وإذا أصاب الإنسان الشدّة والجهد دَعانا لِجَنْبِهِ يقول: استغاث بنا في كشف ذلك عنه, لجنبه: يعني مضطجعا لجنبه. أوْ قاعِدا أوْ قائما الحال التي يكون بها عند نزول ذلك الضرّ به. فَلَمّا كَشَفْنا عَنْه ضُرّهُ يقول: فلما فرّجنا عنه الجهد الذي أصابه, مرّ كأنْ لَمْ يَدعُنَا إلى ضُرّ مَسّهُ يقول: استمرّ على طريقته الأولى قبل أن يصيبه الضرّ, ونسي ما كان فيه من الجهد والبلاء, أو تناساه, وترك الشكر لربه الذي فرّج عنه ما كان قد نزل به من البلاء حين استعاذ به, وعاد للشرك ودعوى الاَلهة والأوثان أربابا معه. يقول تعالى ذكره: كذلكَ زُيّنَ للْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يقول: كما زين لهذا الإنسان الذي وصفنا صفته استمراره على كفره بعد كشف الله عنه ما كان فيه من الضرّ, كذلك زين للذين أسرفوا في الكذب على الله وعلى أنبيائه, فتجاوزوا في القول فيهم إلى غير ما أذن الله لهم به, ما كانوا يعملون من معاصي الله والشرك به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
13698ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قوله: دَعانا لِجَنْبهِ قال: مضطجعا.
الآية : 13
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ }.
يقول تعالى ذكره: ولقد أهلكنا الأمم التي كذّبت رسل الله من قبلكم أيها المشركون بربهم لما ظَلَمُوا يقول: لما أشركوا وخالفوا أمر الله ونهيه. وجاءَتْهُمْ رُسُلُهمْ من عند الله, بالبَيّناتِ وهي الاَيات والحجج التي تبين عن صدق من جاء بها. ومعنى الكلام: وجاءتهم رسلهم بالاَيات البينات أنها حقّ. وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا يقول: فلم تكن هذه الأمم التي أهلكناها ليؤمنوا برسلهم ويصدّقوهم إلى ما دعوهم إليه من توحيد الله وإخلاص العبادة له. كذلكَ نَجْزِي القَوْمَ المُجْرِمِينَ يقول تعالى ذكره: كما أهلكنا هذه القرون من قبلكم أيها المشركون بظلمهم أنفسهم وتكذيبهم رسلهم وردّهم نصيحتهم, كذلك أفعل بكم فأهلككم كما أهلكتهم بتكذيبكم رسولكم محمدا صلى الله عليه وسلم, وظلمكم أنفسكم بشرككم بربكم, إن أنتم لم تنيبوا وتتوبوا إلى الله من شرككم, فإن من ثواب الكافر بي على كفره عندي أن أهلكه بسخطي في الدنيا وأورده النار في الاَخرة.
الآية : 14
القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }.
يقول تعالى ذكره: ثُمّ جَعَلْناكُمْ أيها الناس خَلائِفَ من بعد هؤلاء القرون الذين أهلكناهم لما ظلموا تخلفونهم فِي الأرْضِ وتكونون فيها بعدهم. لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلونَ يقول: لينظر ربكم أين عملكم من عمل من هلك من قبلكم من الأمم بذنوبهم وكفرهم بربهم, تحذون مثالهم فيه, فتستحقون من العقاب ما استحقوا, أم تخالفون سبيلهم, فتؤمنون بالله ورسوله, وتقرّون بالبعث بعد الممات, فتستحقون من ربكم الثواب الجزيل. كما:
13699ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ثُمّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلونَ ذكر لنا أن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: صدق ربنا ما جعلنا خلفاء إلا لينظر كيف أعمالنا, فأروا الله من أعمالكم خيرا, بالليل والنهار والسرّ والعلانية.
13700ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا زيد بن عوف أبو ربيعة بهذا, قال: حدثنا حماد, عن ثابت البناني, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى, أن عوف بن مالك رضي الله عنه قال لأبي بكر رضي الله عنه: رأيت فيما يرى النائم كأن سببا دُلي من السماء فانتشط رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم دلي فانتشط أبو بكر, ثم ذرع الناس حول المنبر, ففضل عمر رضي الله عنه بثلاث أذرع إلى المنبر فقال عمر: دعنا من رؤياك لا أرب لنا فيها فلما استخلف عمر قال: يا عوف رؤياك؟ قال: وهل لك في رؤياي من حاجة, أو لم تنتهرني؟ قال: ويحك إني كرهت أن تنعي لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه فقصّ عليه الرؤيا, حتى إذا بلغ ذرع الناس إلى المنبر بهذه الثلاث الأذرع, قال: أما إحداهنّ فإنه كائن خليفة, وأما الثانية فإنه لا يخاف في الله لومة لائم, وأما الثالثة فإنه شهيد. قال: فقال يقول الله: ثُمّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلونَ فقد استخلفت يا ابن أم عمر, فانظر كيف تعمل وأما قوله: «فإنّي لا أخافُ في الله لَوْمَة لائمٍ» فما شاء الله, وأما قوله: «فانّي شَهِيدٌ» فأنى لعمر الشهادة والمسلمون مطيفون به ثم قال «إنّ اللّهَ على ما يَشاءُ قَدِيرٌ»