تفسير الطبري تفسير الصفحة 349 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 349
350
348
 الآية : 105 - 106
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىَ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذّبُونَ * قَالُواْ رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنّا قَوْماً ضَآلّينَ }.
يقول تعالـى ذكره: يقال لهم: أَلَـمْ تَكُنْ آياتِـي تُتْلَـى عَلَـيْكُمْ يعنـي آيات القرآن تتلـى علـيكم فـي الدنـيا, فَكُنْتُـمْ بِها تُكَذّبُونَ. وترك ذكر «يقال» لدلالة الكلام علـيه. قالُوا رَبّنا غَلَبَتْ عَلَـيْنا شِقْوَتُنا اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: غَلَبَت عَلَـيْنا شِقْوَتُنا بكسر الشين, وبغير ألف. وقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة: «شَقاوَتُنا» بفتـح الشين والألف.
والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان مشهورتان, وقرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء بـمعنى واحد, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وتأويـل الكلام: قالوا: ربنا غلبت علـينا ما سبق لنا فـي سابق علـمك وخطّ لنا فـي أمّ الكتاب.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19438ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بَزّة, عن مـجاهد, قوله: غَلَبْتَ عَلَـيْنا شِقْوَتُنا قال: التـي كتبت علـينا.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: غَلَبَتْ عَلَـيْنا شِقْوَتُنا التـي كتبت علـينا.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
19439ـ وقال: قال ابن جريج: «بلغنا أن أهل النار نادوا خَزَنة جهنـم: أنُ ادْعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب فلـم يجيبوهم ما شاء الله فلـما أجابوهم بعد حين قالوا: ادعوا وما دعاء الكافرين إلا فـي ضلال. قال: ثم نادوا مالكا: يا مالك لـيقضِ علـينا ربك فسكت عنهم مالك خازن جهنـم أربعين سنة, ثم أجابهم فقال: إنّكُمْ ماكِثُونَ. ثم نادى الأشقـياء ربهم, فقالوا: رَبّنا غَلَبَتْ عَلَـيْنا شِقْوَتُنا وكُنّا قَوْما ضَالّـينَ رَبّنا أخْرِجْنا مِنْها فإنْ عُدْنا فإنّا ظالِـمُونَ فسكت عنهم مثل مقدار الدنـيا, ثم أجابهم بعد ذلك تبـارك وتعالـى: اخْسَئُوا فِـيها وَلا تُكَلّـمُونِ.
19440ـ قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر بن عبد الله, قال: «ينادِي أهل النار أهل الـجنة فلا يجيبونهم ما شاء الله, ثم يقول: أجيبوهم وقد قطع الرّحِمَ والرحمة. فـيقول أهل الـجنة: يا أهل النار علـيكم غضب الله يا أهل النار علـيكم لعنة الله يا أهل النار, لا لَبّـيْكم ولا سَعْدَيْكم ماذا تقولون؟ فـيقولون: ألـم نك فـي الدنـيا آبـاءكم وأبناءكم وإخوانكم وعشيرتكم؟ فـيقولون: بلـى. فـيقولون: أفِـيضُوا عَلَـيْنا مِنَ الـمَاءِ أوْ مِـما رَزَقَكُمُ اللّهُ قالُوا إنّ اللّهَ حَرّمَهُما عَلـى الكافِرِينَ».
19441ـ قال: ثنـي حجاج, عن أبـي معشر, عن مـحمد بن كعب القُرَظيّ قال: وثنـي عَبْدة الـمُرُوزِيّ, عن عبد الله بن الـمبـارك, عن عمرو بن أبـي لـيـلـى, قال: سمعت مـحمد بن كعب, زاد أحدهما علـى صاحبه, قال مـحمد بن كعب: بلغنـي, أو ذُكر لـي, أن أهل النار استغاثوا بـالـخَزَنة, ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب فردّوا علـيهم ما قال الله فلـما أيسوا نادَوا: يا مالك وهو علـيهم, وله مـجلس فـي وسطها, وجسور تـمرّ علـيها ملائكة العذاب, فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها فقالوا: يا مالك, لـيقض علـينا ربك سألوا الـموت. فمكث لا يجيبهم ثمانـين ألفَ سنة من سنـي الاَخرة, أو كما قال. ثم انـحطّ إلـيهم, فقال: إنّكُمْ ماكثونَ فلـما سمعوا ذلك قالوا: فـاصبروا, فلعلّ الصبر ينفعنا كما صبر أهل الدنـيا علـى طاعة الله قال: فصَبَروا, فطال صبرهم, فنادَوا: سَوَاءٌ عَلَـيْنا أجَزِعْنا أمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَـحِيصٍ: أي مَنْـجًى, فقام إبلـيس عند ذلك فخطبهم, فقال: إنّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الـحَقّ, وَوَعَدْتُكُمْ فَأخْـلَفْتُكُمْ وَما كانَ لـي عَلَـيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ, فلـما سمعوا مقالتهم, مَقَتُوا أنفسهم, قال: فُنودوا: لَـمَقْتُ اللّهِ أكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أنْفُسَكُمْ إذْ تُدْعُوْنَ إلـى الاْيـمَانِ فَتَكْفُرُونَ قالُوا رَبّنا أمَتّنَا... الاَية, قال: فـيجيبهم الله فـيها: ذَلَكُمْ بأنّهُ إذَا دُعِيَ اللّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُـمْ وَإنْ يُشْرَكْ بِهه تُؤْمِنُوا فـالـحُكْمُ لِلّهِ العَلـيّ الكَبِـيرِ. قال: فـيقولون: ما أيسنا بعدُ قال: ثم دَعَوا مرّة أخرى, فـيقولون: رَبّنا أبْصَرْنا وَسمِعْنا فـارْجِعْنا نَعْمَلْ صَالِـحا إنّا مُوقِنُونَ قال: فـيقول الربّ تبـارك وتعالـى: وَلَوْ شِئْنا لاَتَـيْنا كُلّ نَفْسٍ هُدَاها يقول الربّ: لو شئت لهديت الناس جميعا فلـم يختلف منهم أحد ولكنْ حَقّ القَوْلُ مِنّـي لاَءَمْلأَنّ جَهَنّـمَ مِنَ الـجِنّةِ والنّاسِ أجَمعِينَ فَذُوقُوا بِـمَا نَسِيتُـمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا يقول: بـما تركتـم أن تعملوا لـيومكم هذا, إنّا نَسِيناكُمْ: أي تركناكم, وَذُوقُوا عَذَابَ الـخُـلْدِ بِـمَا كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ. قال: فـيقولون: ما أيسنا بعد قال: فـيدعون مرّة أخرى: رَبّنا أخّرْنا إلـى أجَلٍ قَرِيبٍ نُـجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتّبِعِ الرّسُلَ قال: فـيقال لهم: أوَ لَـمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُـمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنْتُـمْ فِـي مَساكِنِ الّذِينَ ظَلَـمُوا أَنْفُسَهُمْ... الاَية, قال: فـيقولون: ما أيسنا بعد ثم قالوا مرّة أخرى: رَبّنا أخْرِجْنا نَعْمَلْ صَالِـحا غيرَ الّذِي كُنّا نَعْمَلُ, قال: فـيقول: أوَ لَـمْ نُعَمّرْكُمْ ما يَتَذَكّرُ فِـيهِ مِنْ تَذَكّرَ وَجاءَكُمُ النّذِيرُ... إلـى: نَصِيرٍ. ثم مكث عنهم ما شاء الله, ثم ناداهم: أَلَـمْ تَكُنْ آياتِـي تُتْلَـى عَلَـيْكُمْ فَكُنْتُـمْ بِها تُكَذّبُونَ فلـما سمعوا ذلك قالوا: الاَن يرحمنا فقالوا عند ذلك: رَبّنا غَلَبَتْ عَلَـيْنا شِقْوَتُنا: أي الكتاب الذي كتب علـينا وكُنّا قَوْما ضَالّـينَ رَبّنا أخْرِجْنا مِنْها... الاَية, فقال عند ذلك: اخْسَئُوا فِـيها وَلا تُكَلّـمُونِ قال: فلا يتكلـمون فـيها أبدا. فـانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء منهم, وأقبل بعضهم ينبح فـي وجه بعض, فأَطْبَقت علـيهم. قال عبد الله بن الـمبـارك فـي حديثه: فحدثنـي الأزهر بن أبـي الأزهر أنه قال: فذلك قوله: هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لهُمْ فَـيَعْتَذِرُونَ.
19442ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر بن عبد الله, أنه قال: فوالذي أنزل القرآن علـى مـحمد والتوراة علـى موسى والإنـجيـل علـى عيسى, ما تكلـم أهل النار كلـمة بعدها إلا الشهيق والزّعيق فـي الـخـلد أبدا لـيس له نفـاد.
19443ـ قال: ثنـي حجاج, عن أبـي معشر, قال: كنا فـي جنازة ومعنا أبو جعفر القارىء, فجلسنا, فتنـحى أبو جعفر, فبكى, فقـيـل له: ما يبكيك يا أبـا جعفر؟ قال: أخبرنـي زيد بن أسلـم أن أهل النار لا يتنفسون.
وقوله: وكُنّا قَوْما ضَالّـينَ يقول: كنا قوما ضَلَلْنا عن سبـيـل الرشاد وقصد الـحقّ.
الآية : 107 - 108
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { رَبّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل الذين خفّت موازين صالـح أعمالهم يوم القـيامة فـي جهنـم: ربنا أخرجا من النار, فإن عدنا لـما تكره منا من عمل فإنا ظالـمون.
وقوله: قالَ اخْسَئُوا فِـيها يقول تعالـى ذكره: قال الربّ لهم جلّ ثناؤه مـجيبـا: اخْسَئُوا فِـيها أي اقعدوا فـي النار. يقال منه: خَسَأتُ فلانا أخْسَؤُه خَسْأً وخُسُوءا, وخَسىء هو يخسَأ وما كان خاسئا ولقد خِسىء. وَلا تُكَلّـمُونِ فعند ذلك أيس الـمساكين من الفرج ولقد كانوا طامعين فـيه كما:
19444ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِيّ, قال: حدثنا سفـيان, عن سَلَـمة بن كُهَيـل, قال: ثنـي أبو الزعراء, عن عبد الله, فـي قصة ذكرها فـي الشفـاعة, قال: فإذا أراد الله ألاّ يُخْرج منها يعنـي من النار أحدا, غير وجوههم وألوانها, فـيجيء الرجل من الـمؤمنـين فـيشفع فـيهم, فـيقول: يا ربّ فـيقول: من عرف أحدا فلـيخرجه قال: فـيجيء الرجل فـينظر فلا يعرف أحدا, فـيقول: يا فلان يا فلان فـيقول: ما أعرفك. فعند ذلك يقولون: رَبّنا أخْرجْنا مِنْها فإنْ عُدْنا فإنّا ظالِـمُونَ فـيقول: اخْسَئُوا فـيها وَلا تُكَلّـمُونِ فإذا قالوا ذلك, انطبقت علـيهم جهنـم فلا يخرج منها بشر.
19445ـ حدثنا تـميـم بن الـمنتصر, قال: أخبرنا إسحاق, عن شريك, عن الأعمش, عن عمرو بن مُرّة, عن شَهر ابن حَوشب, عن معدي كرب, عن أبـي الدّرْداء, قال: يُرْسل أو يصبّ علـى أهل النار الـجوع, فـيعدل ما هم فـيه من العذاب, فـيستغيثون فـيغاثون بـالضّريع الذي لا يُسْمِن ولا يُغنِـي من جوع, فلا يغنـي ذلك عنهم شيئا. فـيستغيثون, فـيغاثون بطعام ذي غُصّة, فإذا أكلوه نَشِب فـي حلوقهم, فـيذكرون أنهم كانوا فـي الدنـيا يحدرون الغصة بـالـماء. فـيستغيثون, فـيرفع إلـيهم الـحميـم فـي كلالـيب الـحديد, فإذا انتهى إلـى وجوههم شوى وجوههم, فإذا شربوه قطع أمعاءهم. قال: فـينادون مالكا: لِـيَقْضِ علـينا ربك قال: فـيتركهم ألف سنة, ثم يجيبهم: إنكم ماكثون. قال: فـينادون خَزَنة جهنـم: ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا: أو لـم تَكُ تأتـيكم رسلكم بـالبـينات؟ قالوا: بلـى. قالوا: فـادعوا, وما دعاء الكافرين إلا فـي ضلال قال: فـيقولون ما نـجد أحدا لنا من ربنا, فـينادون ربهم: رَبّنا أخْرِجْنا مِنْها فإنْ عُدْنا فإنّا ظالِـمُونَ. قال: فـيقول الله: اخْسَئُوا فِـيها وَلا تُكَلّـمُونِ. قال: فعند ذلك يئسوا من كل خير, فـيدْعُون بـالويـل والشّهيق والثّبور.
19446ـ حدثنـي مـحمد بن عُمارة الأسديّ, قال: حدثنا عاصم بن يوسف الـيربوعيّ, قال: حدثنا قُطْبة بن عبد العزيز الأسديّ, عن الأعمش, عن شمر بن عطية, عن شهر بن حوشب, عن أمّ الدرداء, عن أبـي الدرداء, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُـلْقَـى عَلـى أهْلِ النّارِ الـجُوعُ»... ثم ذكر نـحوا منه.
19447ـ حدثنا ابن حميد,قال: حدثنا يعقوب القُمّى, عن هارون بن عنترة, عن عمرو بن مَرّة, قال: يرى أهل النار فـي كل سبعين عاما ساق مالك خازن النار, فـيقولون: يا مالِكُ لِـيَقْضِ عَلَـيْنا رَبّكَ فـيجيبهم بكلـمة. ثم لا يرونه سبعين عاما, فـيستغيثون بـالـخَزَنة, فـيقولون لهم: ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب فـيجيبونهم: أوَ لَـمْ تَكُ تَأْتِـيكُمْ رُسُلُكُمْ بـالبَـيّناتِ... الاَية. فـيقولون: ادعوا ربكم, فلـيس أحد أرحم من ربكم فـيقولون: رَبّنا أخْرِجْنا مِنْها فإنْ عُدْنا فإنّا ظالِـمُونَ. قال: فـيجيبهم: اخْسَئُوا فـيها وَلا تُكَلّـمُونِ. فعند ذلك يـيأَسُون من كلّ خير, ويأخذون فـي الشهيق والوَيْـل والثّبور.
19448ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة: اخْسَئُوا فـيها وَلا تُكِلّـمُونِ قال: بلغنـي أنهم ينادُون مالكا فـيقولون: لـيقض علـينا ربك فـيسكت عنهم قدر أربعين سنة, ثم يقول: إنّكُمْ ماكِثُونَ. قال: ثم ينادُون ربهم, فـيسكت عنهم قدر الدنـيا مرّتـين, ثم يقول: اخْسَئُوا فِـيها وَلا تُكَلّـمُونِ. قال: فـيـيأس القوم, فلا يتكلـمون بعدها كلـمة, وكان إنـما هو الزفـير والشهيق. قال قتادة: صوت الكافر فـي النار مثل صوت الـحمار: أوّله زفـير, وآخره شهيق.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.
19449ـ حدثنا الـحسن, قال: حدثنا عبد الله بن عيسى, قال: أخبرنـي زياد الـخراسانـيّ, قال: أسنده إلـى بعض أهل العلـم, فنسيته, فـي قوله: اخْسَئُوا فِـيها وَلا تُكَلّـمُونَ قال: فـيسكتون, قال: فلا يسمع فـيها حِس إلا كطنـين الطّسْت.
19450ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: اخْسَئُوا فِـيها وَلا تُكَلّـمُونِ هذا قول الرحمن عزّ وجلّ, حين انقطع كلامهم منه.
الآية : 109
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { إِنّهُ كَانَ فَرِيقٌ مّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبّنَآ آمَنّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: إنّهُ وهذه الهاء فـي قوله «إنه» هي الهاء التـي يسميها أهل العربـية الـمـجهولة. وقد بـينت معناها فـيـما مضى قبلُ, ومعنى دخولها فـي الكلام, بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبـادِي يقول: كانت جماعة من عبـادي, وهم أهل الإيـمان بـالله, يقولون فـي الدنـيا: رَبّنا آمَنّا بك وبرسلك, وما جاءوا به من عندك. فـاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَارْحْمنا وأنت خير من رحم أهل البلاء, فلا تعذّبنا بعذابك.
الآية : 110 - 111
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَاتّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتّىَ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوَاْ أَنّهُمْ هُمُ الْفَآئِزُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: فـاتـخذتـم أيها القائلون لربهم رَبّنا غَلَبَتْ عَلَـيْنا شِقْوَتُنا وكُنا قَوْما ضَالّـينَ فـي الدنـيا, القائلـين فـيها رَبنا آمَنّا فـاغْفِرْ لَنا وَارْحمْنا وأنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ سُخْريّا. والهاء والـميـم فـي قوله: فـاتّـخَذْتُـمُوهُمْ من ذكر الفريق.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: سُخْرِيّا فقرأه بعض قرّاء الـحجاز وبعض أهل البصرة والكوفة: فـاتّـخَذْتُـمُوهُمْ سِخْرِيّا بكسر السين, ويتأوّلون فـي كسرها أن معنى ذلك الهزء, ويقولون: إنها إذا ضُمت فمعنى الكملة: السّخْرة والاستعبـاد. فمعنى الكلام علـى مذهب هؤلاء: فـاتـخذهم أهل الإيـمان بـي فـي الدنـيا هُزُؤًا ولعبـا, تهزءون بهم, حتـى أنسوكم ذكري. وقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والكوفة: «فـاتّـخذْتُـموهُمْ سُخْرِيّا بضم السين, وقالوا: معنى الكلـمة فـي الضمّ والكسر واحد. وحكى بعضهم عن العرب سماعا لِـجّيّ ولُـجّىّ, ودِريّ, ودُرّيّ, منسوب إلـى الدرّ, وكذلك كِرسيّ وكُرسيّ وقالوا ذلك من قـيـلهم كذلك: نظير قولهم فـي جمع العصا: العِصِيّ بكسر العين, والعُصّي بضمها قالوا: وإنـما اخترنا الضمّ فـي السّخريّ, لأنه أفصح اللغتـين.
والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان مشهورتان ولغتان معروفتان بـمعنى واحد, قد قرأ بكلّ واحدة منهما علـماء من القرّاء, فبأيتهما قرأ القارىء ذلك فمصيب. ولـيس يُعْرف من فرق بـين معنى ذلك إذا كسرت السين وإذا ضمت, لـما ذكرت من الرواية عمن سمع من العرب ما حَكَيت عنه.
ذكر الرواية به عن بعض من فرّق فـي ذلك بـين معناه مكسورة سينه ومضمومة:
19451ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: فـاتّـخَذْتُـمُوهُمْ سِخْرِيّا قال: هما مختلفتان: سِخريّا, وسُخريّا, يقول الله: وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِـيَتّـخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سِخْرِيّا قال: هذا سِخريّا: يُسَخّرونهم, والاَخرون: الذين يستهزئون بهم هم «سُخريّا», فتلك «سِخريّا» يُسَخرونهم عندك, فسخّرك: رفعك فوقه والاَخرون: استهزءوا بأهل الإسلام هي «سُخريّا» يَسْخَرون منهم, فهما مختلفتان. وقرأ قول الله: كُلّـما مَرّ عَلَـيْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إنْ تَسْخَرُوا مِنّا فإنّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كمَا تَسْخَرُونَ وقال: يسخرون منهم كما سخر قوم نوح بنوح, «اتـخذوهم سُخريّا»: اتـخذوهم هُزُؤًا, لـم يزالوا يستهزئون بهم.
وقوله: حتـى أنْسَوكُمْ ذِكْرِي يقول: لـم يزل استهزاؤكم بهم, أنساكم ذلك من فعلكم بهم ذكري, فأْلهَاكم عنه. وكُنْتُـمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ, كما:
19452ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: حتـى أنْسَوْكُمْ ذِكْرِي قال: أنسى هؤلاءِ اللّهَ استهزاؤُهم بهم وضحكُهم بهم. وقرأ: إنّ الّذِينَ أجْرَمُوا كانُوا مِنَ الّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ حتـى بلغ: إنّ هَؤُلاءِ لَضَالّونَ.
وقوله: إنّـي جَزَيْتُهُمْ الـيَوْمَ بِـمَا صَبروا يقول تعالـى ذكره: إنـي أيّها الـمشركون بـالله الـمخّـلدون فـي النار, جَزَيت الذين اتـخذتـموهم فـي الدنـيا سخريّا من أهل الإيـمان بـي, وكنتـم منهم تضحكون. الـيومَ بـما صَبَرُوا علـى ما كانوا يـلقَون بـينكم من أذى سخريتكم وضحككم منهم فـي الدنـيا. إنّهُمْ هُمُ الفَـائِزُونَ.
اختلفت القرّاء فـي قراءة: «إنّهُمْ» فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: أنّهُمْ, بفتـح الألف من «أَنهم» بـمعنى: جزيتهم هذا. ف«أنّ» فـي قراءة هؤلاء: فـي موضع نصب بوقوع قوله: «جزيتهم» علـيها, لأن معنى الكلام عندهم: إنـي جزيتهم الـيوم الفوز بـالـجنة. وقد يحتـمل النصب من وجه آخر, وهو أن يكون موجّها معناه إلـى: إنـي جزيتهم الـيوم بـما صبروا, لأنهم هم الفـائزون بـما صبروا فـي الدنـيا علـى ما لَقُوا فـي ذات الله. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: «إنّـي» بكسر الألف منها, بـمعنى الابتداء, وقالوا: ذلك ابتداء من الله مدحهم.
وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب قراءة من قرأ بكسر الألف, لأن قوله: «جزيتهم», قد عمل فـي الهاء والـميـم, والـجزاء إنـما يعمل فـي منصوبـين, وإذا عمل فـي الهاء والـميـم لـم يكن له العمل فـي «أن» فـيصير عاملاً فـي ثلاثة إلا أن يُنْوَى به التكرير, فـيكون نصب «أَنّ» حينئذٍ بفعل مضمر لا بقوله: «جزيتهم», وإن هي نصبت بإضمار لام لـم يكن له أيضا كبـير معنى لأن جزاء الله عبـاده الـمؤمنـين بـالـجنة, إنـما هو علـى ما سَلَف من صالـح أعمالهم فـي الدنـيا وجزاؤه إياهم وذلك فـي الاَخرة هو الفوز, فلا معنى لأن يَشْرُط لهم الفوز بـالأعمال ثم يخبر أنهم إنـما فـازوا لأنهم هم الفـائزون.
فتأويـل الكلام إذ كان الصواب من القراءة ما ذكرنا: إنـي جزيتهم الـيوم الـجنة بـما صبروا فـي الدنـيا علـى أذاكم بها, فـي أنهم الـيوم هم الفـائزون بـالنعيـم الدائم والكرامة البـاقـية أبدا, بـما عملوا من صالـحات الأعمال فـي الدنـيا ولقوا فـي طلب رضاي من الـمكاره فـيها.)
الآية : 112 - 113
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَآدّينَ }.
اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: كَمْ لَبِثْتُـمْ فِـي الأرْضِ عَدَدَ سِنِـينَ, وفـي قوله: لَبِثْنا يَوما أوْ بَعْضَ يَوْمٍ فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة علـى وجه الـخبر: قالَ كَمْ لَبِثْتُـمْ, وكذلك قوله: قالَ إنْ لَبِثْتُـمْ. ووجّه هؤلاء تأويـل الكلام إلـى أن الله قال لهؤلاء الأشقـياء من أهل النار وهم فـي النار: كَمْ لَبِثْتُـمْ فِـي الأرْضِ عَدَدَ سِنِـينَ وأنهم أجابوا الله فقالوا: لَبِثْنا يَوْما أوْ بَعْضَ يَوْمٍ, فنسي الأشقـياء, لعظيـم ما هم فـيه من البلاء والعذاب, مدة مكثهم التـي كانت فـي الدنـيا, وقَصُر عندهم أمد مكثهم الذي كان فـيها, لـما حلّ بهم من نقمة الله, حتـى حسبوا أنهم لـم يكونوا مكثوا فـيها إلا يوما أو بعض يوم, ولعلّ بعضهم كان قد مكث فـيها الزمان الطويـل والسنـين الكثـيرة.
وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة علـى وجه الأمر لهم بـالقول, كأنه قال لهم قولوا كم لبثتـم فـي الأرض؟ وأخرج الكلام مُخْرج الأمر للواحد والـمعنـيّ به الـجماعة, إذ كان مفهوما معناه. وإنـما اختار هذه القراءة من اختارها من أهل الكوفة لأن ذلك فـي مصاحفهم: «قُلْ» بغير ألف, وفـي غر مصاحفهم بـالألف.
وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب قراءة من قرأ ذلك: قالَ كَمْ لَبِثْتُـمْ علـى وجه الـخبر, لأن وجه الكلام لو كان ذلك أمرا, أن يكون «قُولوا» علـى وجه الـخطاب للـجمع لأن الـخطاب فـيـما قبل ذلك وبعده جرى لـجماعة أهل النار, فـالذي هو أولـى أن يكون كذلك قوله: «قولوا» لو كان الكلام جاء علـى وجه الأمر, وإن كان الاَخر جائزا, أعنـي التوحيد, لـما بـيّنت من العلة لقارىء ذلك كذلك, وجاء الكلام بـالتوحيد فـي قراءة جميع القرّاء, كان معلوما أن قراءة ذلك علـى وجه الـخبر عن الواحد أشبه, إذْ كان ذلك هو الفصيح الـمعروف من كلام العرب. فإذا كان ذلك ذلك, فتأويـل الكلام: قال الله كم لبثتـم فـي الدنـيا من عدد سنـين؟ قالوا مـجيبـين له: لبثنا فـيها يوما أو بعض يوم فـاسأل العادّين, لأنا لا ندري, قد نسينا ذلك.
واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بـالعادّين, فقال بعضهم: هم الـملائكة الذين يحفظون أعمال بنـي آدم ويُحْصُون علـيهم ساعاتهم. ذكر من قال ذلك:
19453ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: فـاسأَلِ العادّينَ قال: الـملائكة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
وقال آخرون: بل هم الـحُسّاب. ذكر من قال ذلك:
19454ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: فـاسأَلِ العادّينَ قال: فـاسأل الـحُسّاب.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة: فـاسأَلِ العادّينَ قال: فـاسأل أهل الـحساب.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال كما قال الله جلّ ثناؤه: فـاسأَلِ العادّينَ وهم الذين يَعُدّون عدد الشهور والسنـين وغير ذلك. وجائز أن يكونوا الـملائكة, وجائز أن يكونوا بنـي آدم وغيرهم, ولا حجة بأيّ ذلك من أيّ ثبتت صحتها فغير جائز توجيه معنى ذلك إلـى بعض العادّين دون بعض.
الآية : 114 - 115
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { قَالَ إِن لّبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً لّوْ أَنّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ }.
اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: قالَ إنْ لَبِثْتُـمْ إلاّ قَلِـيلاً اختلافهم فـي قراءة قوله: قالَ كَمْ لَبِثْتُـمْ. والقول عندنا فـي ذلك فـي هذا الـموضع نـحو القول الذي بـيّناه قبلُ فـي قوله: كَمْ لَبِثْتُـمْ. وتأويـل الكلام علـى قراءتنا: قال الله لهم: ما لبثتـم فـي الأرض إلا قلـيلاً يسيرا لو أنكم كنتـم تعلـمون قدر لبثكم فـيها.
وقوله: أفَحَسِبْتُـمْ أنّـمَا خَـلَقْناكُمْ عَبَثا يقول تعالـى ذكره: أفحسبتـم أيها الأشقـياء أنا إنـما خـلقناكم إذ خـلقناكم لعبـا وبـاطلاً, وأنكم إلـى ربكم بعد مـماتكم لا تصيرون أحياء فتـجزون بـما كنتـم فـي الدنـيا تعملون؟.
وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأه بعض قرّاء الـمدينة والبصرة والكوفة: لا تُرْجَعُونَ بضمّ التاء: لا تُردّون, وقالوا: إنـما هو من مَرْجِع الاَخرة لا من الرجوع إلـى الدنـيا. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: «لا تَرْجِعُونَ» وقالوا: سواء فـي ذلك مرجع الاَخرة والرجوع إلـى الدنـيا.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى لأن من ردّه الله إلـى الاَخرة من الدنـيا بعد فنائه فقد رَجَعَ إلـيها, وأن من رجع إلـيها فبردّ الله إياه إلـيها رجع. وهما مع ذلك قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله: أفَحَسِبْتُـمْ أنّـمَا خَـلَقْناكُمْ عَبَثا قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19455ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: أفَحَسِبْتُـمْ أنّـمَا خَـلَقْناكُمْ عَبَثا قال: بـاطلاً.
الآية : 116
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَتَعَالَى اللّهُ الْمَلِكُ الْحَقّ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ رَبّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ }.
يقول تعالـى ذكره: فتعالـى الله الـملك الـحقّ عما يصفه به هؤلاء الـمشركون من أن له شريكا, وعما يضيفون إلـيه من اتـخاذ البنات. لا إلَهَ إلاّ هُوَ يقول: لا معبود تنبغي له العبودة إلا الله الـملك الـحقّ ربّ العَرْشِ الكَرِيـمِ والربّ: مرفوع بـالردّ علـى الـحقّ, ومعنى الكلام: فتعالـى الله الـملك الـحقّ, ربّ العرش الكريـم, لا إله إلا هو.
الآية : 117
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَمَن يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبّهِ إِنّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ومن يدع مع الـمعبود الذي لا تصلـح العبـادة إلا له معبودا آخر, لا حجة له بـما يقول ويعمل من ذلك ولا بـينة. كما:
19456ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ قال: بـينة.
19457ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ قال: حُجة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بَزّة, عن مـجاهد, فـي قوله: لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ قال: لا حجة.
وقوله: فإنّـمَا حِسابُهُ عِنْدَ رَبّهِ يقول: فإنـما حساب عمله السّيّىء عند ربه, وهو مُوَفّـيه جزاءه إذا قدم علـيه. إنّهُ لا يُفْلِـحُ الكافِرُونَ يقول: إنه لا ينـجح أهل الكفر بـالله عنده ولا يدركون الـخـلود والبقاء فـي النعيـم.
الآية : 118
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{ وَقُل رّبّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وقل يا مـحمد ربّ استر علـيّ ذنوبـي بعفوك عنها وارحمنـي بقبول توبتك وتركك عقابـي علـى ما احترمت. وأنْتَ خَيرُ الرّاحِمِينَ يقول: وقل أنت يا ربّ خير من رحم ذا ذنب فقبل توبته ولـم يعاقبه علـى ذنبه.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة المؤمنون