تفسير الطبري تفسير الصفحة 554 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 554
555
553
 الآية : 9
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا نُودِيَ لِلصّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَىَ ذِكْرِ اللّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من عباده: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمْعَةِ وذلك هو النداء, ينادى بالدعاء إلى صلاة الجمعة عند قعود الإمام على المنبر للخطبة ومعنى الكلام: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّهِ يقول: فامضوا إلى ذكر الله, واعملوا له وأصل السعي في هذا الموضع العمل, وقد ذكرنا الشواهد على ذلك فيما مضى قبل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26381ـ حدثنا الحسن بن عرفة, قال: حدثنا إسماعيل بن عياش, عن شُرَحْبيل بن مسلم الخَوْلانيّ, في قول الله: فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّهُ قال: فاسعوا في العمل, وليس السعي في المشي.
26382ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ للَصّلاةِ مِنْ يَوْم الجُمُعَةِ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ الله والسعي يا بن آدم أن تسعى بقلبك وعملك, وهو المضي إليها.
26383ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عدّي, عن شعبة, قال: أخبرني مغيرة, عن إبراهيم أنه قيل لعمر رضي الله عنه: إن أُبيّا يقرؤها: فاسْعَوْا قال: أما إنه أقرؤنا وأعلمنا بالمنسوخ وإنما هي «فامضوا».
26384ـ حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري, قال: أخبرنا سفيان, عن الزهريّ, عن سالم, عن أبيه, قال: ما سمعت عمر يقرؤها قطّ إلاّ فامضوا.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, قال: حدثنا حنظلة, عن سالم بن عبد الله, قال: كان عمر رضي الله عنه يقرؤها: «فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّهِ».
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن حنظلة, عن سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قرأها: فامضوا.
حدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: حدثنا حنظلة بن أبي سفيان الجمحيّ, أنه سمع سالم بن عبد الله يحدّث عن أبيه, أنه سمع عمر بن الخطاب يقرأ: «إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمْعَةِ فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّهِ».
قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني يونس, عن ابن شهاب, قال: أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر, أن عبد الله قال: لقد توفى الله عمر رضي الله عنه, وما يقرأ هذه الاَية التي ذكر الله فيها الجمعة: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمْعَةِ إلا «فامضوا» إلى ذكر الله.
26385ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيم, قال: كان عبد الله يقرؤها: «فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّهِ» ويقول: لو قرأتها فاسعوا, لسعيت حتى يسقط ردائي.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن عدّي, عن شعبة, عن سليمان, عن إبراهيم, قال: قال عبد الله: لو كان السعي لسعيت حتى يسقط ردائي, قال: ولكنها: «فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّهِ» قال: هكذا كان يقرؤها.
26386ـ حدثني عليّ بن الحسين الأزدي, قال: حدثنا يحيى بن يمان الأزدي, عن أبي جعفر الرازي, عن الربيع عن أبي العالية أنه كان يقرؤها: «فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّهِ».
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية, أنه قرأها: «فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّهِ».
26387ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, عن سفيان, عن ابن جُرَيج, عن عطاء, قال: هي للأحرار.
26388ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, عن سفيان, عن منصور عن رجل, عن مسروق, قال: عند الوقت.
26389ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن رجل, عن مسروق إذَا نُودِيَ للصّلاةِ قال: عند الوقت.
26390ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, عن سفيان, عن جابر, عن مجاهد, قال: هو عند العزمة عند الخطبة, عند الذكر.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ قال: النداء عند الذكر عزيمة.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن جابر, عن مجاهد إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ قال: العزمة عند الذكر عند الخطبة.
قال: ثنا مهران, عن سفيان عن المُغيرة والأعمش, عن إبراهيم, عن ابن مسعود, قال: لو قرأتها فاسْعَوْا لسعيت حتى يسقط ردائي, وكان يقرؤها: «فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّهِ».
قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن عطاء بن السائب, عن الشعبيّ, عن ابن مسعود قال: قرأها فامْضُوا.
26391ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبي حيان, عن عكرمة فاسْعَوْا إلى ذِكْر اللّهِ قال: السعي: العمل.
26392ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: وسألته عن قول الله: إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّهِ قال: إذا سمعتم الداعي الأوّل, فأجيبوا إلى ذلك وأسرعوا ولا تبطئوا قال: ولم يكن في زمان النبيّ صلى الله عليه وسلم أذان إلا أذانان: أذان حين يجلس على المنبر, وأذان حين تُقام الصلاة قال: وهذا الاَخر شيء أحدثه الناس بعد قال: لا يحلّ له البيع إذا سمع النداء الذي يكون بين يدي الإمام إذا قعد على المنبر وقرأ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّهِ وَذَرُوا البَيْعَ قال: ولم يأمرهم يذرون شيئا غيره, حرّم البيع ثم أذن لهم فيه إذا فرغوا من الصلاة, قال: والسعي أن يُسرع إليها, أن يُقبِل إليها.
26393ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة: إن في حرف ابن مسعود «إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّهِ».
26394ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّهِ السعي: هو العمل, قال الله: إنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى.
وقوله: وَذَرُوا البَيْعَ يقول: ودعوا البيع والشراء إذا نودي للصلاة عند الخطبة. وكان الضحاك يقول في ذلك ما:
26395ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, عن سفيان, عن جُوَيبر, عن الضحاك, قال: إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء.
حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن جُوَيبر, عن الضحاك إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ قال: إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء.
26396ـ حدثنا مهران, عن سفيان, عن إسماعيل السديّ, عن أبي مالك, قال: كان قوم يجلسون في بقيع الزبير, فيشترون ويبيعون إذا نودي للصلاة يوم الجمعة, ولا يقومون, فنزلت: إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ.
وأما الذكر الذي أمر الله تبارك وتعالى بالسعي إليه عباده المؤمنين, فإنه موعظة الإمام في خطبته فيما قيل. ذكر من قال ذلك:
26397ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن جابر, عن مجاهد إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ قال: العزمة عند الذكر عند الخطبة.
26398ـ حدثنا عبد الله بن محمد الحنفي, قال: حدثنا عبدان, قال: أخبرنا عبد الله, قال: أخبرنا منصور رجل من أهل الكوفة, عن موسى بن أبي كثير, أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّهِ قال: فهي موعظة الإمام فإذا قضيت الصلاة بعد.
وقوله: ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يقول: سعيكم إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة إلى ذكر الله, وترك البيع خير لكم من البيع والشراء في ذلك الوقت, إن كنتم تعلمون مصالح أنفسكم ومضارّها.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: مِنْ يَوْم الجُمُعَةِ فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار: الجُمُعَةِ بضم الميم والجيم, خلا الأعمش فإنه قرأها بتخفيف الميم.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
الآية : 10
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصّلاَةُ فَانتَشِرُواْ فِي الأرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللّهِ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لّعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ }.
يقول تعالى ذكره: فإذا قُضيت صلاة الجمعة يوم الجمعة, فانتشروا في الأرض إن شئتم, ذلك رخصة من الله لكم في ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26399ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا حصين, عن مجاهد أنه قال: هي رخصة, يعني قوله: فإذَا قُضِيَتِ الصّلاةُ فانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ.
26400ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فإذَا قُضِيَتِ الصّلاةُ فانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ قال: هذا إذن من الله, فمن شاء خرج, ومن شاء جلس.
26401ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: أذن الله لهم إذا فرغوا من الصلاة, فإذَا قُضِيَتِ الصّلاةُ فانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ فقد أحللته لكم.
وقوله: وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ. ذُكر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في تأويل ذلك ما:
26402ـ حدثني العباس بن أبي طالب, قال: حدثنا عليّ بن المعافى بن يعقوب الموصليّ, قال: حدثنا أبو عامر الصائغ من الموصل, عن أبي خلف, عن أنس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله فإذَا قُضِيَتِ الصّلاةُ فانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ قال: «لَيْسَ لِطَلَبِ دْنُيا, وَلَكِنْ عِيادَةُ مَرِيضٍ, وَحُضُورُ جَنازَةٍ, وَزِيارَةُ أخٍ فِي اللّهِ».
وقد يحتمل قوله: وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ أن يكون معنيا به: والتمسوا من فضل الله الذي بيده مفاتيح خزائنه لدنياكم وآخرتكم.
وقوله: وَاذْكُرُوا الله كَثِيرا لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ يقول: واذكروا الله بالحمد له, والشكر على ما أنعم به عليكم من التوفيق لأداء فرائضه, لتفلحوا, فتدركوا طلباتكم عند ربكم, وتصلوا إلى الخلد في جناته.
الآية : 11
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضّوَاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ مّنَ اللّهْوِ وَمِنَ التّجَارَةِ وَاللّهُ خَيْرُ الرّازِقِينَ }.
يقول تعالى ذكره: وإذا رأى المؤمنون عير تجارة أو لهوا انْفَضّوا إلَيْها يعني أسرعوا إلى التجارة وَتَركُوكَ قائما يقول للنبيّ صلى الله عليه وسلم: وتركوك يا محمد قائما على المنبر وذلك أن التجارة التي رأوها فانفضّ القوم إليها, وتركوا النبيّ صلى الله عليه وسلم قائما كانت زيتا قدم به دحية بن خليفة من الشام. ذكر من قال ذلك:
26403ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن إسماعيل السديّ, عن أبي مالك, قال: قدم دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام, والنبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة, فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع خشوا أن يسبقوا إليه, قال: فنزلت وَإذَا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَرَكُوكَ قائما.
26404ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, قال: حدثنا سفيان, عن السديّ, عن قرة إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ قال: جاء دحية الكلبي بتجارة والنبيّ صلى الله عليه وسلم قائم في الصلاة يوم الجمعة, فتركوا النبيّ صلى الله عليه وسلم وخرجوا إليه, فنزلت وَإذَا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَرَكُوكَ قائما حتى ختم السورة.
26405ـ حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس, قال: حدثنا عبثر, قال: حدثنا حصين, عن سالم بن أبي الجعد, عن جابر بن عبد الله, قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجمعة, فمرّت عير تحمل الطعام, قال: فخرج الناس إلا اثني عشر رجلاً, فنزلت آية الجمعة.
26406ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, قال: قال الحسن: إن أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء سعر, فقدمت عير والنبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة, فسمعوا بها, فخرجوا والنبيّ صلى الله عليه وسلم قائم, كما قال الله عزّ وجلّ.
26407ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله وَإذَا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَرَكُوكَ قائما قال: جاءت تجارة فانصرفوا إليها, وتركوا النبيّ صلى الله عليه وسلم قائما وإذا رأوا لهوا ولعبا قُلْ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ اللّهْوِ وَمِنَ التّجارَةِ وَاللّهُ خَيْرُ الرازِقينَ.
26408ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: وإذَا رَأَوْا تجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها قال: رجال كانوا يقومون إلى نواضحهم وإلى السفر يبتغون التجارة.
26409ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة, فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة, فقال: كم أنتم؟ فعدّوا أنفسهم فإذا اثنا عشر رجلاً وامرأة ثم قام في الجمعة الثانية فجعل يخطبهم قال سفيان: ولا أعلم إلا أن في حديثه ويعظهم ويذكرهم, فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت عصابة, فقال: كم أنتم, فعدّوا أنفسهم, فإذا اثنا عشر رجلاً وامرأة ثم قام في الجمعة الثالثة فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة, فقال كم أنتم؟ فعدّوا أنفسهم, فإذا اثنا عشر رجلاً وامرأة, فقال: «وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوِ اتّبَعَ آخِرُكمْ أوّلكمْ لالْتَهَبَ عَلَيْكُمُ الوَادي نارا» وأنزل الله عزّ وجلّ: وَإذَا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَركُوكَ قائما».
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله انْفَضوا إلَيْها وَتَركُوكَ قَائما قال: لو اتبع آخرهم أوّلهم لالتهب عليهم الوادي نارا.
قال: ثنا ابن ثور, قال معمر, قال قتادة: لم يبق مع النبيّ صلى الله عليه وسلم يومئذ إلا اثنا عشر رجلاً وامرأة معهم.
حدثنا محمد بن عمارة الرازي, قال: حدثنا محمد بن الصباح, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا حصين, عن سالم وأبي سفيان, عن جابر, في قوله وَتَرَكُوكَ قائما قال: قدمت عير فانفضّوا إليها, ولم يبق مع النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا.
حدثنا عمرو بن عبد الحميد الاَمُلى, قال: حدثنا جرير, عن حصين, عن سالم, عن جابر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما يوم الجمعة, فجاءت عير من الشام, فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً, قال: فنزلت هذه الاَية في الجمعة وَإذَا رَأَوْا تِجارَةَ أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَركُوكَ قائما.
وأما اللهو, فإنه اختُلف من أيّ أجناس اللهو كان, فقال بعضهم: كان كَبَرا ومزامير. ذكر من قال ذلك:
26410ـ حدثنا محمد بن سهل بن عسكر, قال: حدثنا يحيى بن صالح, قال: حدثنا سليمان بن بلال, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن جابر بن عبد الله, قال: كان الجواري إذا نكحوا كانوا يمرّون بالكبر والمزامير ويتركون النبيّ صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر, وينفضون إليها, فأنزل الله وَإذَا رَأَوْا تِجارَةَ أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها.
وقال آخرون: كان طبلاً. ذكر من قال ذلك:
26411ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: اللهو: الطبل.
حدثني الحارث, قال: حدثنا الأشيب, قال: حدثنا ورقاء, قال: ذكر عبد الله بن أبي نجيح, عن إبراهيم بن أبي بكير, عن مجاهد أن اللهو: هو الطبل.
والذي هو أولى بالصواب في ذلك الخبر الذي رويناه عن جابر, لأنه قد أدرك أمر القوم ومشاهدهم.
وقوله: قُلْ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ اللّهْوِ وَمِنَ التّجارَةِ يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهم يا محمد الذي عند الله من الثواب, لمن جلس مستمعا خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وموعظته يوم الجمعة إلى أن يفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم منها, خير له من اللهو ومن التجارة التي ينفضون إليها وَاللّهُ خَيْرُ الرازِقِينَ يقول: والله خير رازق, فإليه فارغبوا في طلب أرزاقكم, وإياه فأسألوا أن يوسع عليكم من فضله دون غيره.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة الجمعة

سورة المنافقون مدنية
وآياتها إحدى عشرة
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِذَا جَآءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنّكَ لَرَسُولُهُ وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إذَا جاءَكَ المُنافِقُونَ يا محمد قالُوا بألسنتهم نَشْهَدُ إنّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَاللّهُ يَعْلَمُ إنّكَ لَرَسُولُهُ قال المنافقون ذلك أو لم يقولوا وَاللّهُ يَشْهَدُ إنّ المُنافقينَ لَكَاذِبُونَ يقول: والله يشهد إن المنافقين لكاذبون في إخبارهم عن أنفسهم أنها تشهد إنك لرسول الله, وذلك أنها لا تعتقد ذلك ولا تؤمن به, فهم كاذبون في خبرهم عنها بذلك.
وكان بعض أهل العربية يقول في قوله: وَاللّهُ يَشْهَدُ إنّ المُنافقينَ لَكَاذِبُونَ إنما كذب ضميرهم لأنهم أضمروا النفاق, فكما لم يقبل إيمانهم, وقد أظهروه, فكذلك جعلهم كاذبين, لأنهم أضمروا غير ما أظهروا.
الآية : 2
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {اتّخَذُوَاْ أَيْمَانَهُمْ جُنّةً فَصَدّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِنّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.
يقول تعالى ذكره: اتخذ المنافقون أيمانهم جنة, وهي حلفهم, كما:
26412ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة اتخَذُوا أيمَانَهُمْ جُنّةً: أي حلفهم جنة.
26413ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: اتخَذُوا أيمَانَهُمْ جُنّةً قال: يجيئون بها, قال ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا.
26414ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: اتخَذُوا أيمَانَهُمْ جُنّةً يقول: حلفهم بالله إنهم لمنكم جنة.
وقوله: جُنّةً: سترة يسترون بها كما يستر المستجنّ بجنته في حرب وقتال, فيمنعون بها أنفسهم وذراريهم وأموالهم, ويدفعون بها عنها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26415ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة جُنّةً ليعصموا بها دماءهم وأموالهم.
وقوله: فَصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ يقول: فأعرضوا عن دين الله الذي بَعَثَ به نبيه صلى الله عليه وسلم وشريعته التي شرعها لخلقه إنّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يقول: إن هؤلاء المنافقين الذين اتخذوا أيمانهم جنة ساء ما كانوا يعملون في اتخاذهم أيمانهم جُنة, لكذبهم ونفاقهم, وغير ذلك من أمورهم.
الآية : 3
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنّهُمْ آمَنُواّ ثُمّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ }.
يقول تعالى ذكره: إنهم ساء ما كانوا يعملون هؤلاء المنافقون الذين اتخذوا أيمانهم جُنة من أجل أنهم صدّقوا الله ورسوله, ثم كفروا بشكهم في ذلك وتكذيبهم به.
وقوله: فَطُبِع عَلى قُلُوبِهمْ يقول: فجعل الله على قلوبهم خَتما بالكفر عن الإيمان وقد بيّنا في موضع غير هذا صفة الطبع على القلب بشواهدها, وأقوال أهل العلم, فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ يقول تعالى ذكره: فهم لا يفقهون صوابا من خطأ, وحقا من باطل لطبع الله على قلوبهم. وكان قتادة يقول في ذلك ما:
26416ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ذَلكَ بأنّهُمْ آمَنُوا ثُمّ كَفَرُوا فَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ أقرّوا بلا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقلوبهم منكِرة تأبى ذلك.

الآية : 4
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنّهُمْ خُشُبٌ مّسَنّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ }.
يقول جلّ ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإذا رأيت هؤلاء المنافقين يا محمد تعجبك أجسامهم لاستواء خلقها وحسن صورها وَإنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ يقول جلّ ثناؤه: وإن يتكلموا تسمع كلامهم يشبه منطقهم منطق الناس كأنّهُمْ خُشُبٌ مُسَنّدَةٌ يقول كأن هؤلاء المنافقين خُشُب مسّندة لا خير عندهم ولا فقه لهم ولا علم, وإنما هم صور بلا أحلام, وأشباح بلا عقول.
وقوله: يَحْسَبُونَ كُلّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ يقول جلّ ثناؤه: يحسب هؤلاء المنافقون من خُبثهم وسوء ظنهم, وقلة يقينهم كلّ صيحة عليهم, لأنهم على وَجَل أن يُنْزل الله فيهم أمرا يهتك به أستارهم ويفضحهم, ويبيح للمؤمنين قتلهم وسبي ذراريهم, وأخذ أموالهم, فهم من خوفهم من ذلك كلما نزل بهم من الله وحي على رسوله, ظنوا أنه نزل بهلاكهم وعَطَبهم. يقول الله جلّ ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم: هم العدوّ يا محمد فاحذرهم, فإن ألسنتهم إذا لَقُوكم معكم وقلوبهم عليكم مع أعدائكم, فهم عين لأعدائكم عليكم.
وقوله: قَاتَلَهُمُ اللّهُ أنّى يُوءْفَكُونَ يقول: أخزاهم الله إلى أيّ وجه يصرفون عن الحقّ.
26417ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, وسمعته يقول في قول الله: وإذَا رَأيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أجْسامُهُمْ... الاَية, قال: هؤلاء المنافقون.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: كأنّهُمْ خُشُبٌ مُسَنّدَةٌ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة خلا الأعمش والكسائي: خُشُبٌ بضم الخاء والشين, كأنهم وجهوا ذلك إلى جمع الجمع, جمعوا الخشبة خِشَابا ثم جمعوا الخِشاب خُشُبا, كما جمعت الثّمَرةُ ثمارا, ثم ثُمُرا. وقد يجوز أن يكون الخُشُب بضمٍ الخاء والشين إلى أنها جمع خَشَبة, فتضمّ الشين منها مرّة وتسكن أخرى, كما جمعوا الأكمة أُكُما وأُكْما بضم الألف والكاف مرّة, وتسكين الكاف منها مرّة, وكما قيل: البُدُن والبُدْن, بضم الدال وتسكينها لجمع البَدَنة, وقرأ ذلك الأعمش والكسائي: «خُشْبٌ» بضم الخاء وسكون الشين.
وللصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان, ولغتان فصيحتان, وبأيتهما قرأ القارىء فمصيب وتسكين الأوسط فيما جاء من جمع فُعُلة على فُعْل في الأسماء على ألسن العرب أكثرو ذلك كجمعهم البَدَنة بُدْنا, والأجمة أُجما