تفسير الطبري تفسير الصفحة 594 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 594
595
593
 الآية : 24-30
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَقُولُ يَلَيْتَنِي قَدّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لاّ يُعَذّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ * يَأَيّتُهَا النّفْسُ الْمُطْمَئِنّةُ * ارْجِعِي إِلَىَ رَبّكِ رَاضِيَةً مّرْضِيّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنّتِي }.
وقوله: يا لَيْتَنِي قَدّمْتُ لِحيَاتِي يقول تعالى ذكره مخبرا عن تلهّف ابن آدم يوم القيامة, وتندّمه على تفريطه في الصّالِحات من الأعمال في الدنيا التي تورثه بقاء الأبد, في نعيم لا انقطاع له: يا ليتني قدمت لحياتي في الدنيا من صالح الأعمال لحياتي هذه, التي لا موت بعدها, ما ينجيني من غضب الله, ويوجب لي رضوانه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28763ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا هَوذة, قال: حدثنا عوف, عن الحسن, في قوله: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكّرُ الإنْسانُ وأنّى لَهُ الذّكْرَى يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدّمْتُ لِحَياتِي قال: علم الله أنه صادق, هناك حياة طويلة لا موت فيها آخر ما عليه.
28764ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يا لَيْتَنِي قَدّمْتُ لِحَياتِي: هُناكُم والله الحياة الطويلة.
28765ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: يا لَيْتَنِي قَدّمْتُ لِحَياتِي قال: الاَخرة.
وقوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذّبُ عَذَابَهُ أحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أحَدٌ أجمعت القرّاء قرّاء الأمصار في قراءة ذلك على على كسر الذال من يعذّب, والثاء من يوثِق, خلا الكسائي, فإنه قرأ ذلك بفتح الذال والثاء, اعتلالاً منه بخبر رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأه كذلك, واهي الإسناد.
28766ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن خارجة, عن خالد الحذّاء, عن أبي قِلابة, قال: ثني من أقرأه النبيّ صلى الله عليه وسلم: «فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذّبُ عَذَابَهُ أحَدٌ».
والصواب من القول في ذلك عندنا: ما عليه قرّاء الأمصار, وذلك كسر الذال والثاء, لإجماع الحجة من القرّاء عليه. فإذَا كان ذلك كذلك, فتأويل الكلام: فيومئذٍ لا يعذّب بعذاب الله أحد في الدنيا, ولا يوثق كوثاقه يومئذٍ أحد في الدنيا. وكذلك تأوّله قارئو ذلك كذلك من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28767ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذّبُ عَذَابَهُ أحَدٌ ولا يوثِق كوثاق الله أحد.
28768ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذّبُ عَذَابَهُ أحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أحَدٌ قال: قد علم الله أن في الدنيا عذابا وَوَثاقا, فقال: فيومئذٍ لا يعذّب عذابه أحد في الدنيا, ولا يُوثِق وثاقه أحد في الدنيا.
وأما الذي قرأ ذلك بالفتح, فإنه وجّه تأويله إلى: فيومئذٍ لا يعذّب أحد في الدنيا كعذاب الله يومئذٍ, ولا يوثَق أحد في الدنيا كوثاقه يومئذٍ. وقد تأوّل ذلك بعض من قرأ ذلك كذلك بالفتح من المتأخرين: فيومئذٍ لا يعذّب عذاب الكافر أحَد ولا يُوثَق وَثاق الكافر أحد. وقال: كيف يجوز الكسر, ولا معذّب يومئذٍ سوى الله وهذا من التأويل غلط. لأن أهل التأويل تأوّلوه بخلاف ذلك. مع إجماع الحجة من القراء على قراءته بالمعنى الذي جاء به تأويل أهل التأويل, وما أحسبه دعاه إلى قراءة ذلك كذلك, إلاّ ذهابه عن وجه صحته في التأويل.
وقوله: يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئنّةُ ارْجِعي إلى رَبّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيّةً يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الملائكة لأوليائه يوم القيامة: يا أيتها النفس المطمئنة, يعني بالمطمئنة: التي اطمأنت إلى وعد الله الذي وعد أهل الإيمان به, في الدنيا من الكرامة في الاَخرة, فصدّقت بذلك.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك:
28769ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس يا أيّتُها النْفْسُ المُطْمَئِنّةُ يقول: المصدّقة.
28770ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ هو المؤمن اطمأنت نفسه إلى ما وعد الله.
28771ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة والحسن, في قوله يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ قال: المطمئنة إلى ما قال الله, والمصدّقة بما قال.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: المصدّقة الموقِنة بأن الله ربها, المسلمة لأمره فيما هو فاعل بها. ذكر من قال ذلك:
28772ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, في قوله: يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ قال: النفس التي أيقنت أن الله ربها, وضربت جأشا لأمره وطاعته.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ قال: أيقنت بأن الله ربّها, وضربت لأمره جأشا.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يمان, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ قال: المنيبة المخبتة التي قد أيقنت أن الله ربها, وضربت لأمره جأشا.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّة قال: أيقنت بأن الله ربها, وضربت لأمره جأشا.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: المُطْمَئِنّةُ قال: المُخبِتة والمطمئنة إلى الله.
حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ قال: التي قد أيقنت بأن الله ربها, وضربت لأمره جأشا.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: حدثنا ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ قال: المخبِتة.
حدثني سعيد بن الربيع الرازي, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ قال: التي أيقنت بلقاء الله, وضربت له جأشا.
وذُكر أن ذلك في قراءة أُبيّ: «يا أيّتُها النّفْسُ الاَمِنَةُ». ذكر الرواية بذلك:
28773ـ حدثنا خلاد بن أسلم, قال: أخبرنا النضر, عن هارون القاري, قال: ثني هلال, عن أبي شيخ الهنائي في قراءة أُبيّ: «يا أيّتُها النّفْسُ الاَمِنَةُ المُطْمِئَنّةُ» وقال الكلبي: إن الاَمنة في هذا الموضع, يعني به المؤمنة.
وقيل: إن ذلك قول الملك للعبد عند خروج نفسه مبشره برضا ربه عنه, وإعداده ما أعدْ له من الكرامة عنده. ذكر من قال ذلك:
28774ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يمان, عن جعفر, عن سعيد, قال: قُرئت: يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ ارْجِعي إلى رَبّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيّةً عند النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقال أبو بكر: إن هذا لحسن, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنّ المَلَكَ سَيَقُولُهَا لك عِنْدَ المَوْتِ».
28775ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح ارْجِعي إلى رَبّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيّةً قال: هذا عند الموت فادْخُلِي فِي عِبادِي قال هذا يوم القيامة.
وقال آخرون في ذلك بما:
28776ـ حدثنا به أبو كريب, قال: حدثنا ابن يمان, عن أُسامة بن زيد, عن أبيه, في قوله: يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ قال: بُشّرت بالجنة عند الموت, ويوم الجمع, وعند البعث.
وقوله: ارْجِعي إلى رَبّكِ اختلف أهل التأويل في تأويله, فقال بعضهم: هذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن قيل الملائكة لنفس المؤمن عند البعث, تأمرها أن ترجع في جسد صاحبها قالوا: وعُنِي بالردّ هاهنا صاحبها. ذكر من قال ذلك:
28777ـ حدثنا محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ ارْجِعي إلى رَبّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيّةً قال: تردّ الأرواح المطمئنة يوم القيامة في الأجساد.
28778ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فادْخُلِي فِي عبادِي وَادْخُلِي جَنّتِي يأمر الله الأرواح يوم القيامة أن ترجع إلى الأجساد, فيأتون الله كما خلقهم أوّل مرّة.
28779ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر, عن أبيه, عن عكرِمة في هذه الاَية: ارْجِعي إلى رَبّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيّةً إلى الجسد.
وقال آخرون: بل يقال ذلك لها عند الموت. ذكر من قال ذلك:
28780ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح ارْجِعي إلَى رَبّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيّةً قال: هذا عند الموت فادْخُلِي فِي عِبادِي قال: هذا يوم القيامة.
وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن عباس والضحاك, أن ذلك إنما يقال لهم عند ردّ الأرواح في الأجساد يوم البعث لدلالة قوله: فادْخُلِي فِي عِبادِي وادْخُلِي جَنّتِي.
اختلف أهل التأويل في معنى ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: فادخلي في عبادي الصالحين, وادخلي جنتي. ذكر من قال ذلك:
28781ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فادْخُلِي فِي عِبادِي قال: ادخلي في عبادي الصالحين وَادْخُلِي جَنّتِي.
وقال آخرون: معنى ذلك: فادْخُلِي في طَاعَتِي وَادخُلِي جَنّتِي. ذكر من قال ذلك:
28782ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن نعيم بن ضمضم, عن محمد بن مزاحم أخي الضحاك بن مُزاحم: فادْخُلِي فِي عِبادِي قال: في طاعتي وَادْخُلِي جَنّتِي قال: في رحمتي.
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يوجّه معنى قوله: فادْخُلِي فِي عِبادي إلى: فادخلي في حزبي.
وكان بعض أهل العربية من أهل الكوفة يتأوّل ذلك يا أيّتُها النّفْسُ المُطْمَئِنّةُ بالإيمان, والمصدّقة بالثواب والبعث ارجعي, تقول لهم الملائكة: إذا أُعطوا كتبهم بأيمانهم ارْجِعي إلى رَبّكِ إلى ما أعدّ الله لك من الثواب قال: وقد يكون أن تقول لهم شِبْه هذا القول: ينوون ارجعوا من الدنيا إلى هذا المرجع قال: وأنت تقول للرجل: ممن أنت؟ فيقول: مُضَريّ, فتقول: كن تميميا أو قيسيا, أي أنت من أحد هذين, فتكون كن صلة, كذلك الرجوع يكون صلة, لأنه قد صار إلى القيامة, فكان الأمر بمعنى الخبر, كأنه قال: أيتها النفس, أنت راضية مرضية.
وقد رُوي عن بعض السلف أنه كان يقرأ ذلك: «فادْخُلِي فِي عَبْدِي, وَادْخُلِي جَنّتِي». ذكر من قال ذلك:
28783ـ حدثني أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم بن سلام, قال: حدثنا حجاج, عن هارون, عن أبان بن أبي عياش, عن سليمان بن قَتّةَ, عن ابن عباس, أنه قرأها: «فادْخُلِي فِي عَبْدِي» على التوحيد.
28784ـ حدثني خلاد بن أسلم, قال: أخبرنا النضر بن شميل, عن هارون القاري, قال: ثني هلال, عن أبي الشيخ الهنائي: «فادْخُلِي فِي عَبْدِي». وفي قول الكلبيّ: «فادْخُلِي فِي عَبْدِي, وَادْخُلِي فِي جَنّتِي» يعني: الروح ترجع في الجسد.
والصواب من القراءة في ذلك فادخُلي في عِبادي بمعنى: فادخلي في عبادي الصالحين. لإجماع الحجة من القراء عليه.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة الفجر

سورة البلد مكية
وآياتها عشرون
بسم الله الرحمَن الرحيم
الآية : 1-7
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {لاَ أُقْسِمُ بِهَـَذَا الْبَلَدِ * وَأَنتَ حِلّ بِهَـَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ * أَيَحْسَبُ أَن لّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لّبَداً * أَيَحْسَبُ أَن لّمْ يَرَهُ أَحَدٌ }.
يقول تعالى ذكره: أقسم يا محمد بهذا البلد الحرام, وهو مكة, وكذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28785ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ يعني: مكة.
28786ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ قال: مكة.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ قال: الحرام.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ قال: مكة.
28787ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ قال: البلد مكة.
28788ـ حدثنا سوار بن عبد الله, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن عبد الملك, عن عطاء, في قوله: لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ يعني: مكة.
28789ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ قال: مكة.
وقوله: وأنْتَ حِلّ بِهَذَا البَلَدِ يعني: بمكة يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأنت يا محمد حِلّ بهذا البلد, يعني بمكة يقول: أنت به حلال تصنع فيه مِن قَتْلِ من أردت قتلَه, وأَسْرِ من أردت أسره, مُطْلَقٌ ذلك لك يقال منه: هو حِلّ, وهو حلال, وهو حِرْم, وهو حرام, وهو مُحلّ, وهو محرم, وأحللنا, وأحرمنا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28790ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وأنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَدِ يعني بذلك: نبيّ الله صلى الله عليه وسلم, أحلّ الله له يوم دخل مكة أن يقتل من شاء, ويستحْيِي من شاء فقتل يومئذٍ ابن خَطَل صَبْرا وهو آخذ بأستار الكعبة, فلم تحلّ لأحد من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل فيها حراما حرّمه الله, فأحلّ الله له ما صنع بأهل مكة, ألم تسمع أن الله قال في تحريم الحرم: ولِلّهِ عَلى النّاسِ حِجّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً يعني بالناس أهل القبلة.
28791ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مِهْران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد وأنتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَدِ قال: ما صنعت فأنت في حِلّ من أمر القتال.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد وأنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَدِ قال: أَحَلّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع فيه ساعة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد وأنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَدِ قال: أحلّ له أن يصنع فيه ما شاء.
28792ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور وأنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَدِ قال: أُحِلّت للنبيّ صلى الله عليه وسلم, قال: اصنع فيها ما شئت.
حدثني موسى بن عبد الرحمن, قال: حدثنا حسين الجُعْفِيّ, عن زائدة, عن منصور, عن مجاهد, في قول الله وأنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَدِ قال: أنت حِلّ مما صنعت فيه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن مجاهد وأنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَدِ قال: أحلّ الله لك يا محمد ما صنعت في هذا البلد من شيء, يعني مكة.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وأنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَدِ قال: لا تؤاخَذَ بما عملت فيه, وليس عليك فيه ما على الناس.
28793ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وأنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَدِ يقول: بريء عن الحرج والإثم.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وأنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَدِ يقول: أنت به حلّ لست بآثم.
28794ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وأنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَدَ قال: لم يكن بها أحد حلاً غير النبيّ صلى الله عليه وسلم, كلّ من كان بها حراما, لم يحلّ لهم أن يقاتلوا فيها, ولا يستحلوا حرمه, فأحله الله لرسوله, فقاتل المشركين فيه.
28795ـ حدثنا سوار بن عبد الله, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن عبد الملك, عن عطاء وأنْتَ حِلّ بِهَذَا الّبَلَدِ قال: إن الله حرّم مكة, لم تحلّ لنبيّ إلا نبيكم ساعة من نهار.
28796ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وأنْتَ حِلّ بهَذَا الْبَلَدِ يعني محمدا, يقول: أنت حلّ بالحرم, فاقتل إن شئت, أو دع.
وقوله: وَوَالِدٍ وَما وَلَدَ يقول تعالى ذكره: فأقسم بوالد وبولده الذي ولد.
ثم اختلف أهل التأويل في المعنيّ بذلك من الوالد وما ولد, فقال بعضهم: عُنِي بالوالد: كلّ والد, وما ولد: كلّ عاقر لم يلد. ذكر من قال ذلك:
28797ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن عطية, عن شريك, عن خصيف, عن عكرِمة, عن ابن عباس في: وَوَالِدٍ وَما وَلَدَ قال: الوالد: الذي يلد, وما ولد: العاقر الذي لا يولد له.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن خَصِيف, عن عكرمة, عن ابن عباس وَوَالِدٍ وَما وَلَدَ قال: العاقر, والتي تلد.
28798ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن النضر بن عربي, عن عكرِمة وَوَالِدٍ وَما وَلَدَ قال: العاقر, والتي تلد.
28799ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وَوَالِدٍ وَما وَلَدَ قال: هو الوالد وولده.
وقال آخرون: عُنِي بذلك: آدم وولده. ذكر من قال ذلك:
28800ـ حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَوَالِدٍ وَما وَلَدَ قال: الوالد: آدم, وما ولد: ولده.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَوَالِدٍ وَما وَلَدَ قال: ولده.
28801ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَوَالِدٍ وَما وَلَدَ قال: آدم وما ولد.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَوَالِدٍ وَما وَلَدَ قال: آدم وما ولد.
28802ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن أبي زائدة, عن ابن أبي خالد, عن أبي صالح في قول الله وَوَالِدٍ وَما وَلَدَ قال: آدم وما ولد.
28803ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: وَوَالِدٍ وَما وَلَدَ قال: الوالد: آدم, وما ولد: ولده.
28804ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, قوله: وَوَالِدٍ وَما وَلَدَ قال: آدم وما ولد.
28805ـ حدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن عبيد, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح, في قوله: وَوَالِدٍ وَما وَلَدَ قال: آدم وما ولد.
وقال آخرون: عُنِي بذلك: إبراهيم وما ولد. ذكر من قال ذلك:
28806ـ حدثني محمد بن موسى الحَرَشِيّ, قال: حدثنا جعفر بن سليمان, قال: سمعت أبا عمران الجَوْنِيّ يقرأ: وَوَالِدٍ وَما وَلَدَ قال: إبراهيم وما ولد.
والصواب من القول في ذلك: ما قاله الذي قالوا: إن الله أقسم بكلّ والد وولده, لأن الله عمّ كلّ والد وما ولد. وغير جائز أن يخصّ ذلك إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر, أو عقل, ولا خبر بخصوص ذلك, ولا برهان يجب التسليم له بخصوصه, فهو على عمومه كما عمّه.
وقوله: لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ وهذا هو جواب القسم.
28807ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: وقع ها هنا القسم لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معناه: لقد خلقنا ابن آدم في شدّة وعناء ونصب. ذكر من قال ذلك:
28808ـ حدثنا عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ يقول: في نَصَب.
28809ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا سعيد, عن منصور بن زاذان, عن الحسن, أنه قال في هذه الاَية: لَقَدْ خَلَقَنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ يقول: في شدّة.
28810ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ حين خُلِق في مشقة لا يُلفى ابن آدم إلا مكابد أمر الدنيا والاَخرة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: فِي كَبَدٍ قال: يكابد أمر الدنيا والاَخرة.
وقال بعضهم: خُلِق خَلْقا لم نَخْلق خلقَه شيئا. ذكر من قال ذلك:
28811ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن عليّ بن رفاعة, قال: سمعت الحسن يقول: لم يخلق الله خلقا يكابد ما يُكابد ابن آدم.
28812ـ قال: ثنا وكيع, عن عليّ بن رفاعة, قال: سمعت سعيد بن أبي الحسن يقول: لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال: يكابد مصائب الدنيا, وشدائد الاَخرة.
28813ـ قال: ثنا وكيع, عن النضر, عن عكرِمة قال: لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال: في شدّة.
28814ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عطاء, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال: في شدّة.
28815ـ قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن ابن جريج, عن عطاء, عن ابن عباس, قال: في شدّة معيشته, وحمله وحياته, ونبات أسنانه.
28816ـ قال: ثنا مهران, عن سفيان, قال: قال مجاهد الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال: شدة خروج أسنانه.
28817ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال: شدّة.
وقال آخرون: معنى ذلك أنه خُلق منتصبا معتدل القامة. ذكر من قال ذلك:
28818ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال: في انتصاب, ويقال: في شدّة.
28819ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا حرمي بن عمارة, قال: حدثنا شعبة, قال: أخبرني عُمارة, عن عكرِمة, في قوله: لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال: في انتصاب, يعني القامة.
28820ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال: منتصبا.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران وحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, جميعا عن سفيان, عن منصور, عن إبراهيم, مثله.
28821ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن أبي زائدة, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن عبد الله بن شَدّاد, في قوله: لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال: معتدلاً بالقامة, قال أبو صالح: معتدلاً في القامة.
حدثنا يحيى بن داود الواسطيّ, قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان, عن إسماعيل, عن أبي صالح خَلَقْنا الإنْسانَ في كَبَدٍ قال: قائما.
28822ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: فِي كَبَدٍ خُلِق منتصبا على رجلين, لم تخلق دابة على خلقه.
28823ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مُغيرة, عن مجاهد لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال: في صَعَد.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنه خُلق في السماء. ذكر من قال ذلك:
28824ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال: في السماء, يسمى ذلك الكَبَد.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: معنى ذلك أنه خلق يُكابد الأمور ويُعالجها, فقوله: فِي كَبَدٍ معناه: في شدّة.
وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب, لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب من معاني الكَبَد ومنه قول لبيد بن ربيعة:
عَيْنِ هِلاّ بَكَيْتِ أرْبَدَ إذْقُمْنا وَقامَ الخُصُوم فِي كَبَدِ
وقوله: أَيَحَسَبُ أنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أحَدٌ ذُكر أن ذلك نزل في رجل بعينه من بني جُمح, كان يُدعى أبا الأشدّين, وكان شديدا, فقال جلّ ثناؤه: أيحسب هذا القويّ بجَلَده وقوّته, أن لن يقهره أحد ويغلبه, فالله غالبه وقاهره.
وقوله: يَقُولُ أهْلَكْتُ مالاً لُبَدا يقول هذا الجليد الشديد: أهلكت مالاً كثيرا, في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم, فأنفقت ذلك فيه, وهو كاذب في قوله ذلك وهو فعل من التلبد, وهو الكثير, بعضه على بعض, يقال منه: لَبد بالأرض يَلْبُد: إذا لصق بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28825ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: مالاً لُبَدا يعني باللبد: المال الكثير.
28826ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مالاً لُبَدا قال: كثيرا.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني مسلم, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: أهْلَكْتُ مالاً لُبَدا. قال: مالاً كثيرا.
28827ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أهْلَكْتُ مالاً لُبَدا: أي كثيرا.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.
28828ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: مالاً لُبَدا قال: اللبد: الكثير.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الأمصار: مالاً لُبَدا بتخفيف الباء. وقرأه أبو جعفر بتشديدها. والصواب بتخفيفها, لإجماع الحجة عليه.
وقوله: أَيَحْسَبُ أنْ لَمْ يَرَهُ أحَدٌ يقول تعالى ذكره: أيظنّ هذا القائل أهْلَكْتُ مالاً لُبَدا أن لم يره أحد في حال إنفاقه ما يزعم أنه أنفقه.
28829ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أَيَحْسَبُ أنْ لَمْ يَرَهُ أحَدٌ ابن آدم إنك مسئول عن هذا المال, من أين اكتسبته, وأين أنفقته.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.
الآية : 8-16
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَلَمْ نَجْعَل لّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النّجْدَينِ * فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ }.
يقول تعالى ذكره: ألم نجعل لهذا القائل أهْلَكْتُ مالاً لُبَدا عينين يبصر بهما حُجَج الله عليه, ولسانا يعبر به عن نفسه ما أراد, وشفتين, نعمة منا بذلك عليه.
28830ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسانا وَشَفَتَيْنِ نِعَم من الله متظاهرة, يقررك بها كيما تشكره.
وقوله: وَهَدَيْناهُ النّجْدَيْنِ يقول تعالى ذكره: وهديناه الطريقين, ونجد: طريق في ارتفاع.
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك, فقال بعضهم: عُنِي بذلك: نَجْد الخير, ونَجْد الشرّ, كما قال: إنّا هَدَيْناهُ السّبِيلَ إمّا شاكِرا وإمّا كَفُورا. ذكر من قال ذلك:
28831ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن عاصم, عن زرّ, عن عبد الله وهَدَيْناهُ النّجْدَيْنِ قال: الخير والشرّ.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عاصم, عن زرّ, عن عبد الله, مثله.
28832ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن منذر, عن أبيه, عن الربيع بن خثيم, قال: ليسا بالثديين.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, قال: حدثنا عمران جميعا, عن عاصم, عن زِرّ, عن عبد الله وَهَدَيْناهُ النّجْدَيْنِ قال: نجد الخير, ونجد الشرّ.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا هشام بن عبد الملك, قال: حدثنا شعبة, قال: أخبرني عاصم, قال: سمعت أبا وائل يقول: كان عبد الله يقول في: وَهَدَيْناهُ النّجْدَيْنِ قال: نجد الخير, ونجد الشرّ.
28833ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَهَدَيْناهُ النّجْدَيْنِ يقول: الهدى والضلالة.
28834ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وَهَدَيْناهُ النّجْدَيْنِ يقول: سبيل الخير والشرّ.
28835ـ حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرمة, في قوله: وَهَدَيْناهُ النّجْدَيْنِ قال: الخير والشرّ.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن عبد الله بن الربيع بن خثيم, عن أبي بُردة, قال: مرّ بنا الربيع بن خثيم, فسألناه عن هذه الاَية: وَهَدَيْناهُ النّجْدَيْنِ فقال: أما إنهما ليسا بالثديين.
28836ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, قال: الخير والشرّ.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَهَدَيْناهُ النّجْدَيْنِ قال: سبيل الخير والشرّ.
28837ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَهَدَيْناهُ النّجْدَيْن نجد الخير, ونجد الشرّ.
28838ـ حدثنا عمران بن موسى, قال: حدثنا عبد الوارث, قال: حدثنا يونس, عن الحسن, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هُمَا نَجْدَانِ: نَجْدُ خَيْرٍ, وَنجْدُ شَرَ, فَمَا جَعَلَ نَجْدَ الشّرّ أحَبّ إلَيْكُمْ مِنْ نَجْدِ الخَيْرِ»؟.
حدثنا مجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا عطية أبو وهب, قال: سمعت الحسن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إنّمَا هُمَا نَجْدَانِ: نَجْدُ الخَيْرِ, وَنَجْدُ الشّرَ, فَمَا يَجْعَلُ نَجْدَ الشّرّ أحَبّ إلَيْكُمْ مِنْ نَجْدِ الخَيْرِ»؟.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الملك, قال: حدثنا شعبة, عن حبيب, عن الحسن, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, نحوه.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن أبي رجاء, قال: سمعت الحسن يقول وَهَدَيْناهُ النّجْدَيْنِ قال: ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «يا أيّها النّاسُ إنّمَا هُمَا النّجْدَانِ: نَجْدُ الخَيْرِ, وَنَجْدُ الشّرّ, فَمَا جَعَلَ نَجْدَ الشّرّ أحَبّ إلَيْكُمْ مِنْ نَجْدِ الخَيْرِ».
28839ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَهَدَيْناهُ النّجْدَيْنِ: ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «أيّها النّاسُ إنّمَا هُمَا النّجْدَانِ, نَجْدُ الخَيْرِ, وَنَجْدُ الشّرّ, فَمَا جَعَلَ نَجْدَ الشّرّ أحَبّ إلَيْكُمْ مِنْ نَجْدِ الخَيْرِ»؟.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن, في قوله: وَهَدَيْناهُ النّجْدَيْنِ قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّمَا هُمَا نَجْدَانِ, فَمَا جَعَلَ نَجْدَ الشّرّ أحَبّ إلَيْكُمْ مِنْ نَجْدِ الخَيْرِ»؟.
28840ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: وَهَدَيْناهُ النّجْدَيْنِ قاطع طريق الخير والشرّ. وقرأ قول الله: إنّا هَدَيْناهُ السّبِيلَ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وهديناه الثّديين: سبيلي اللبن الذي يتغذّى به, وينبت عليه لحمه وجسمه. ذكر من قال ذلك:
28841ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, قال: حدثنا عيسى بن عقال, عن أبيه, عن ابن عباس وَهَدَيْناهُ النّجْدَيْنِ قال: هما الثديان.
28842ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن المبارك بن مجاهد, عن جُويبر, عن الضحاك, قال: الثديان.
وأولى القولين بالصواب في ذلك عندنا: قول من قال: عُنِي بذلك طريق الخير والشرّ, وذلك أنه لا قول في ذلك نعلمه غير القولين اللذين ذكرنا والثديان, وإن كانا سبيلي اللبن, فإن الله تعالى ذكْره إذ عدّد على العبد نِعَمه بقوله: إنّا خَلَقْنا الإنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعا بَصِيرا إنّا هَدَيْناهُ السّبِيلَ إنما عدّد عليه هدايته إياه إلى سبيل الخير من نِعمه, فكذلك قوله: وَهَدَيْناهُ النّجْدَيْن.
وقوله: فَلا اقْتَحَم الْعَقَبَةَ يقول تعالى ذكره: فلم يركب العقبة, فيقطعها ويجوزها.
وذُكر أن العقبة: جبل في جهنم. ذكر من قال ذلك:
28843ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا يحيى بن كثير, قال: حدثنا شعبة, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قول الله: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ قال: عَقَبة في جهنم.
28844ـ حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد, قال: حدثنا عبد الله بن إدريس, عن أبيه, عن عطية, عن ابن عمر, في قوله: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ جبل من جهنم.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلّية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله: فَلا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ قال: جهنم.
28845ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ إنها قحمة شديدة, فاقتحموها بطاعة الله.
28846ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ قال: للنار عقبة دون الجسر.
28847ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا وهب بن جرير, قال: حدثنا أبي, قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدّث عن يزيد بن أبي حبيب, عن شعيب بن زُرْعة, عن حنش, عن كعب, أنه قال: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ قال: هو سبعون درجة في جهنم.
وأفرد قوله: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ بذكر «لا» مرّة واحدة, والعرب لا تكاد تفردها في كلام في مثل هذا الموضع, حتى يكرّروها مع كلام آخر, كما قال: فَلا صَدّقَ وَلا صَلّى وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. وإنما فعل ذلك كذلك في هذا الموضع, استغناء بدلالة آخر الكلام على معناه, من إعادتها مرّة أخرى, وذلك قوله إذ فسّر اقتحام العقبة, فقال: فَكّ رَقَبَةٍ أوْ إطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيما ذَا مَقْرَبَةٍ أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ ثم كان من الذين آمنوا, ففسر ذلك بأشياء ثلاثة, فكان كأنه في أوّل الكلام, قال: فلا فَعَلَ ذا ولا ذا ولا ذا. وتأوّل ذلك ابن زيد, بمعنى: أفلا, ومن تأوّله كذلك, لم يكن به حاجة إلى أن يزعم أن في الكلام متروكا. ذكر الخبر بذلك عن ابن زيد:
28848ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, وقرأ قول الله: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ قال: أفلا سلك الطريق التي منها النجاة والخير, ثم قال: وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ؟.
وقوله: وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ؟ يقول تعالى ذكره: وأيّ شيء أشعرك يا محمد ما العقبة؟.
ثم بين جلّ ثناؤه له, ما العقبة, وما النجاة منها, وما وجه اقتحامها؟ فقال: اقتحامها وقطعها فكّ رقبة من الرقّ, وأسر العبودة, كما:
28849ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلّية, عن أبي رجاء, عن الحسن وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ فَكّ رَقَبَةٍ قال: ذُكر لنا أنه ليس مسلم يعتق رقبة مسلمة, إلا كانت فداءه من النار.
28850ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ فَكّ رَقَبَةٍ ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الرقاب أيها أعظم أجرا؟ قال: «أكثرها ثمنا».
28851ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: حدثنا سالم بن أبي الجعد, عن مَعْدان بن أبي طلحة, عن أبي نجيح, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أيّمَا مُسْلِم أعْتَقَ رَجُلاً مُسْلما, فإنّ اللّهَ جاعِلُ وَفاءَ كُلّ عَظْيمٍ مِنْ عِظامِهِ, عَظْما مِنْ عِظامِ مُحَرّرهِ مِنَ النّارِ وأيّمَا امْرأةٍ مُسْلَمَةٍ أعْتَقَتْ امْرأةً مُسْلِمَةً, فإنّ اللّهَ جاعِلُ وَفاءَ كُلّ عَظْمٍ مِنْ عِظامِها, عَظْما مِنْ عِظامِ مُحَرّرِها مِنَ النّارِ».
28852ـ قال: ثنا سعيد, عن قتادة, عن قيس الجُذاميّ, عن عقبة بن عامر الجُهَنيّ, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً, فَهِيَ فِدَاؤُهُ مِنَ النّارِ».
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ ثم أخبر عن اقتحامها فقال: فَكّ رَقَبَة أوْ أطْعَمَ.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأه بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء البصرة, عن ابن أبي إسحاق, ومن الكوفيين: الكسائي: «فَكّ رَقَبَةٍ أوْ أطْعَمَ». وكان أبو عمرو بن العلاء يحتجّ فيما بلغني فيه بقوله: ثُمّ كانَ مِنَ الّذِينَ آمَنُوا كأن معناه: كان عنده, فلا فكّ رقبة, ولا أطعم, ثم كان من الذين آمنوا. وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة والشأم فَكّ رَقَبَةٍ على الإضافة أوْ إطْعامٌ على وجه المصدر.
والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان, قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء, وتأويل مفهوم, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. فقراءته إذا قرىء على وجه الفعل تأويله: فلا اقتحم العقبة, لا فكّ رقبة, ولا أطعم, ثم كان من الذين آمنوا, وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ على التعجب والتعظيم. وهذه القراءة أحسن مخرجا في العربية, لأن الإطعام اسم, وقوله: ثُمّ كانَ مِنَ الّذِينَ آمَنُوا فعل, والعرب تُؤْثِر ردّ الأسماء على الأسماء مثلها, والأفعال على الأفعال, ولو كان مجيء التّنزيل ثم إن كان من الذين آمنوا, كان أحسن, وأشبه بالإطعام والفكّ من ثم كان, ولذلك قلت: «فَكّ رَقَبَةٍ أوْ أطْعَمَ» أوجه في العربية من الاَخر, وإن كان للاَخر وجه معروف, ووجهه أنْ تضمر أن ثم تلقى, كما قال طرفة بن العبد:
ألا أيّهاذا الزّاجري أحْضُرَ الْوَغَىوأنْ أشْهَدَ اللّذّاتِ هَلْ أنتَ مُخْلِدي
بمعنى: ألا أيهاذا الزاجري أن أحضر الوغى. وفي قوله: «أن» أشهد الدلالة البنية على أنها معطوفة على أن أخرى مثلها, قد تقدّمت قبلها, فذلك وجه جوازه. وإذا وُجّه الكلام إلى هذا الوجه كان قوله: فَكّ رَقَبَةٍ أوْ إطْعامٌ تفسيرا لقوله: وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ كأنه قيل: وما أدراك ما العقبة؟ هي فكّ رقبة أوْ إطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ كما قال جلّ ثناؤه: وَما أدْرَاكَ ماهِيَهْ, ثم قال: نارٌ حامِيَةٌ مفسرا لقوله: وأُمّهُ هاوِيَةٌ, ثم قال: وما أدراك ما الهاوية؟ هي نار حامية.
وقوله: «أوْ أطْعَمَ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ» يقول: أو أطَعَمَ في يوم ذي مجاعة, والساغب: الجائع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28853ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس «أوْ أطْعَمَ فِي يَوْم ذِي مَسْغَبَةٍ»: يوم مجاعة.
28854ـ حدثنا الحسن بن عرفة, قال: ثني خالد بن حيان الرقي أبو يزيد, عن جعفر بن برقان, عن عكرِمة في قول الله: «أوْ أطْعَمَ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ» قال: ذي مجاعة.
28855ـ حدثني محمد بن عمر, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ قال: الجوع.
28856ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: «أوْ أطْعَمَ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ» يقول: يوم يُشْتَهَى فيه الطعام.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن عثمان الثقفيّ, عن مجاهد, عن ابن عباس فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ قال: مجاعة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عثمان بن المُغيرة, عن مجاهد, عن ابن عباس, مثله.
28857ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ قال: مجاعة.
وقوله: يَتِيما ذَا مَقْرَبَةٍ يقول: أو أطْعَمَ في يوم مجاعة صغيرا لا أب له من قرابته, وهو اليتيم ذو المقربَة وعُنِي بذي المقربة: ذا القرابة, كما:
28858ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: يَتِيما ذَا مَقْرَبَةٍ قال: ذا قرابة.
وقوله: أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ذَا مَتْرَبَةٍ فقال بعضهم: عُنِي بذلك: ذو اللصوق بالتراب. ذكر من قال ذلك:
28859ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن شعبة, قال: أخبرني المُغيرة, عن مجاهد, عن ابن عباس أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ قال: الذي ليس له مأوى إلا التراب.
حدثنا مُطَرّف بن محمد الضبي, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا شعبة, عن المغيرة, عن مجاهد, عن ابن عباس, مثله.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن شعبة, عن حُصين, عن مجاهد, عن ابن عباس, في قول الله: أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ قال: الذي لا يُواريه إلا التراب.
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة, قال: حدثنا أبو عاصم, عن شعبة, عن المُغيرة, عن مجاهد, عن ابن عباس ذَا مَتْرَبَةٍ قال: الذي لا يُواريه إلا التراب.
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة, قال: حدثنا أبو عاصم, عن شعبة, عن المُغيرة, عن مجاهد, عن ابن عباس ذَا مَتْرَبَةٍ قال: الذي ليس له مَأوًى إلا التراب.
حدثنا ابن حميد, قال: ثني جرير, عن مغيرة, عن مجاهد, عن ابن عباس مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ قال: الذي ليس له مَأوًى إلا التراب.
قال: ثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, عن ابن عباس, في قوله: أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ قال: المسكين المطروح في التراب.
28860ـ حدثني أبو حصين قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن يونس, قال: حدثنا عَبْثَر, عن حصين, عن مجاهد, عن ابن عباس, قوله: أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ قال: الذي لا يقيه من التراب شيء.
28861ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, قال: حدثنا حصين والمغيرة كلاهما, عن مجاهد, عن ابن عباس أنه قال في قوله: أوْ مِسْكينا ذَا مَتْرَبَةٍ قال: هو اللازق بالتراب من شدّة الفقر.
28862ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو بن أبي قيس, عن منصور, عن مجاهد, عن ابن عباس أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ قال: التراب الملقى على الطريق على الكُناسة.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا طَلْق بن غنام, عن زائدة, عن منصور, عن مجاهد, عن ابن عباس أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ قال: هو المسكين الملقى بالطريق بالتراب.
28863ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الحصين, عن مجاهد أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ قال: المطروح في الأرض, الذي لا يقيه شيء دون التراب.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن حصين, عن مجاهد, عن ابن عباس أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ قال: هو المُلزق بالأرض, لا يقيه شيء من التراب.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن حصين وعثمان بن المُغيرة, عن مجاهد عن ابن عباس أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ قال الذي ليس له شيء يقيه من التراب.
28864ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ذَا مَتْرَبَةٍ قال: ساقط في التراب.
28865ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن جعفر بن برقان, قال: سمع عكرمة أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبةٍ قال: الملتزق بالأرض من الحاجة.
28866ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن عكرِمة, في قوله: أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبةٍ قال: التراب اللاصق بالأرض.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عثمان بن المُغيرة, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, قال: المُلقى في الطريق الذي ليس له بيت إلا التراب.
وقال آخرون: بل هو المحتاج, كان لاصقا بالتراب, أو غير لاصق وقالوا: إنما هو من قولهم: تَرِب الرجل: إذا افتقر. ذكر من قال ذلك:
28867ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ يقول: شديد الحاجة.
28868ـ حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن حصين, عن عكرِمة, في قوله: أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ قال: هو المحارَف الذي لا مال له.
28869ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ قال: ذا حاجة, الترب: المحتاج.
وقال آخرون: بل هو ذو العيال الكثير الذين قد لصقوا بالتراب من الضرّ وشدّة الحاجة. ذكر من قال ذلك:
28870ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ يقول: مسكين ذو بنين وعِيال, ليس بينك وبينه قرابة.
28871ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, عن أشعث, عن جعفر بن أبي المُغيرة, عن سعيد بن جُبير, في قوله: أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ قال: ذا عِيال.
28872ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ كنا نحدّث أن الترب هو ذو العيال الذي لا شيء له.
28873ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أوْ مسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ ذا عيال لاصقين بالأرض, من المسكنة والجهد.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة قول من قال: عُنِي به: أو مسكينا قد لصق بالتراب من الفقر والحاجة, لأن ذلك هو الظاهر من معانيه. وأن قوله: مَتْرَبَةٍ إنما هي «مَفْعَلة» من تَرِب الرجل: إذا أصابه التراب.
الآية : 17-20
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{ثُمّ كَانَ مِنَ الّذِينَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْمَرْحَمَةِ * أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَالّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مّؤْصَدَةُ }.
يقول تعالى ذكره: ثم كان هذا الذي قال: أهْلَكْتُ مالاً لُبَدا من الذين آمنوا بالله ورسوله, فيؤمن معهم كما آمنوا وَتَواصَوْا بالصّبْرِ يقول: وممن أوصى بعضهم بعضا بالصبر على ما نابهم في ذات الله وَتَوَاصَوْا بِالمَرْحَمَةِ يقول: وأوصى بعضهم بعضا بالمرحمة, كما:
28874ـ حدثنا محمد بن سنان القزّاز, قال: حدثنا أبو عاصم, عن شبيب, عن عكرِمة, عن ابن عباس وَتَوَاصَوْا بِالمَرْحَمَةِ قال: مَرْحَمة الناس.
وقوله: أُولَئِكَ أصحَابُ المَيْمَنَةِ يقول: الذين فعلوا هذا الأفعال التي ذكرتها, من فكّ الرقاب, وإطعام اليتيم, وغير ذلك, أصحاب اليمين, الذين يؤخذ بهم يوم القيامة ذات اليمين إلى الجنة.
وقوله: وَالّذِينَ كَفَرُوا بآياتِنا يقول: والذين كفروا بأدلتنا وأعلامنا وحججنا من الكتب والرّسل وغير ذلك هُمْ أصحَابُ المَشأَمَةِ يقول: هم أصحاب الشمال يوم القيامة الذين يؤخذ بهم ذات الشمال. وقد بيّنا معنى المشأمة, ولم قيل لليسار المشأمة فيما مضى, بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ يقول تعالى ذكره: عليهم نار جهنم يوم القيامة مُطْبَقَة يقال منه: أوصدت وآصدت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28875ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ قال: مُطْبَقة.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ قال: مطْبَقة.
28876ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ: أي مطْبَقة أطبقها الله عليهم, فلا ضوء فيها ولا فرح, ولا خروج منها آخر الأبد.
28877ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: مُؤْصَدَةٌ: مغلقة عليهم.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة البلد